احمد عبد الستار
الحوار المتمدن-العدد: 3673 - 2012 / 3 / 20 - 23:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يشكل فوز حركة النهضة الإسلامية في تونس عبر انتخابات ديمقراطية في عموم البلاد عقب الثورة الكبيرة التي شهدتها تونس للإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي , يشكل نجاحا لامعا للإسلاميين ومتوقعا في نفس الوقت , فكل مجريات الأحداث التي تتفاعل , لصناعة هذا الحدث , الداخلية والخارجية , تشير بوضوح لهذه النتيجة لما يدور داخل تونس بعد الثورة ولما تؤول إليه خاتمة المطاف .
وبنفس السيناريو الجاهز , نرى مجريات الأمور تتحرك في مصر بإعقاب الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك , تتحرك باتجاه نفس النتيجة التي آلت الثورة التونسية باتجاه سيطرة الإسلاميين على مقاليد السلطة وسيادة المجتمع , إلا إن صعوبات تعترض هذه المهمة غير اليسيرة على ما يبدو , داخلية من نوع يخص موقع مصر السياسي والإقليمي بذاتها , ولنفس هذا السبب يترتب عليه موقف خارجي دولي أدى إلى تأخير المهمة حتى اللحظة الراهنة , وأرجح الأسباب كون مصر جارة ملاصقة لإسرائيل , يتعين عندها اختيار إسلامي تتوفر فيه كل شروط السلامة لهذا المشروع .
ويدخل في نفس الباب الواسعة هذه , تطورات الأحداث في ليبيا , خلال وبعد نجاح المسلحين الليبيين بمساعدة حلف شمال الأطلسي خلع وقتل القذافي هو ومعظم أولاده , نسمع تصريحات قادة المجاميع العسكرية التي ساهمت بالحملة العسكرية للإطاحة بالقذافي , رغبتهم بإقامة نظام إسلامي , وأوضح التصريحات وأكثرها إيجازا تصريح مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي خلال إعلانه عن تحرير كامل ارض ليبيا , بالعمل على رفض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية ورفض منع تعدد الزوجات , وبالرغم من محاولته تعديل هذا التصريح فيما بعد , إلا إنه يعتبر إعلانا صريحا لا لبس فيه , يعبر عن مطالب الإسلاميين المسلحين .
ووفق هذه الوتيرة لحصاد الإسلاميين لنتائج الثورات الجماهيرية في البلدان العربية , ربما لا تنتهي المهمة عند البلدان المذكورة فقط , ستتعداها إلى بلدان أخرى , مثل سوريا واليمن ولا ندري في أي مكان آخر أيضا , ويبدو إن أسلمة الثورات العربية هي عاقبة كل ثورة تطالب بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي .
هذا ما تبرهن عليه النتائج التي انتهت إليها الثورات العربية لحد الآن , انطلق الإسلاميون للسلطة بأقصى سرعة بعد أن فتحت لهم أمريكا الضوء الأخضر , فالقاطرة الإسلامية بالرغم من صدئها هي الممثل المناسب للمصالح الرأسمالية الغربية , فالحب بين الرأسمال العالمي والإسلامية ( المصون ) له تاريخه منذ عدة عقود وبلغ الآن مرحلة الزواج , كان الاختيار موفقا جدا وناجحا لمصلحة الرأسمال , خير بديل يرجع بالمجتمعات القهقرى ويعود بها إلى أزمنة الظلام بدلا كل أمل ثوري يطمح بالتغيير بعالم غير هذا العالم المغترب والراكد , وأن تشتعل المنطقة بحروب داخلية طائفية شهدنا منها الكثير , بدلا من توجه الناس إلى حل أزمتها الاجتماعية والمعيشية .
الاختيار الأمريكي للإسلاميين واضح وقديم , والضوء الأخضر أوضح منه للمتابع لهذا الأمر , هذه الأيام , يصرح ( غوردن غراي ) سفير الولايات المتحدة الأمريكية بتونس عشية الانتخابات التونسية : (( إن بلاده تساند المسار الديمقراطي في تونس ولا تساند حزبا أو مرشحا معينا , مؤكدا إن الإدارة الأمريكية ستتعامل مع الحكومة التونسية القادمة مهما كانت تركيبتها باعتبارها من اختيار الشعب )) , ويبدو من خلال هذا التصريح البريء جدا , إن الولايات المتحدة الأمريكية ( تساند ) الديمقراطية بلا تحيز , وتوافق على الحكومات التي تأتي من خلال الانتخابات مهما كانت تركيبتها لأنها من اختيار ( الشعب ) ولكننا نسأل بمثل تلقائية السفير الأمريكي ( غوردن غراي ) لماذا الدفع والتعجيل بأمر الانتخابات في تونس ولهاث الإخوان في مصر للتعجيل بالانتخابات بأسرع وقت ممكن , هل لأن السفير الأمريكي كجزء من منظومة الإدارة الأمريكية واثق من فوز الإسلاميين كون ( الشعب ) سيختارهم مجرد ثقة فقط , لا بل إن كل متابع للشأن وإن كان خارج دائرة الإدارة الأمريكية وعقليتها واثق ومتوقع فوز الإسلاميين ليس في تونس فحسب , بل في كل مكان حصلت وتحصل فيه ثورة داخل البلدان العربية , أم إن سببا آخرا أجاز للأمريكيين ثقتهم هذه ؟.
بكل تأكيد لا تأتي ثقتهم هذه مجردة وبلا حسابات ,وبرأينا يكمن السبب الأساس الذي منحهم الثقة هذه , كون الأنظمة الدكتاتورية المخلوعة ( في مصر أو في تونس على سبيل المثل ) والتي حكمت طيلة عقود من الاستبداد , خلفت ورائها مجتمعا محطما يخلو للكثير من ملامح المجتمع المدني السليم , كل الروابط الاجتماعية العصرية خارج الدولة كانت مشوهة وناقصة , إن لن تكن معدومة في أحيان كثيرة , والمجتمعات العربية هي أساسا حديثة بالمقارنة مع المجتمعات التي قطعت شوطا بعيدا , من تاريخ بناء المؤسسات الاجتماعية العصرية , وعلى هذا الأساس مجتمع مدني عصري لما ينهض بعد وحطمته قبضة حديدية من الاستبداد والشمولية , لم يبق غير المؤسسات الاجتماعية القديمة جاهزة بفضل وجودها وتكوينها التاريخي , المؤسسة الدينية والمؤسسة القبلية , تستطيع أن تلعب دور فعال , متى ما تهيأت لها الظروف المناسبة الداخلية أو التغذية من الخارج , وأكثر الأمثلة بيانا ما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين على أيدي القوات الأمريكية , وكيف تمكنت المؤسسة الدينية و الشيعية بالخصوص والعشائر , من الهيمنة السياسية في الساحة العراقية بعد غياب المجتمع المدني المغيب تماما خلال السلطة الدموية لدكتاتورية صدام الطويلة , كذلك هو الحال في تونس , في بلد لم يستطع أن يجمع شتات نفسه بعد , عقب الثورة , عدوا أمر الانتخابات على عجل كما حصل أيضا في العراق , والمجتمع المدني غير مهيأ وبحاجة إلى وقت ليتوحد بلافتة بحجم لافتة الإسلاميين على الأقل , غير مهيأ من ناحية الخبرة والتنظيم والأموال ودفع الخارج .
ولما كانت طبيعة المحتوى الأيديولوجي للإسلام السياسي على استعداد لتأمين المصالح الإستراتيجية للرأسمالية العالمية فورا , فإننا نعتقد بأن مسألة التعجيل بأمر الانتخابات في تونس أو مصر ( والعراق أيضا ) هو أمر مقصود , وفبركة مفتعلة , لإرباك المجتمع وتمكين الإسلاميين من السيطرة , بفضل جاهزيتهم التاريخية , وتنظمهم السهل , وعليه تعتبر أسلمة الثورات العربية , جزء من تعميق العودة للوراء والرجوع بالمجتمعات العربية إلى حتى ما قبل عصر الأنظمة التي انهارت تحت ضربات الجماهير الثائرة , وجزء من الثورة المضادة التي تتعرض لها الثورات الجماهيرية المكشوفة تحت أسلحة الرأسمالية العالمية , وضد مكاسب وتضحيات الجماهير وضد تطلعات الملايين بعالم أفضل خالي من الجوع وكبت الحريات والبطالة , إن مهمة إعداد المجتمع إلى عالم جديد بلا جوع وبلا استغلال هي بالتأكيد ليست مهمة أمثال مبارك وبن علي والقذافي .. ولا مهمة الإسلامي , مهمة اليسار والأحزاب العمالية في تنظيم صفوف ملايين الكادحين والمعطلين عن العمل وملايين الشباب الذين يتطلعون لمستقبل مضمون , والنساء المتطلعات للحرية بدل عبودية الإسلاميين المهينة .
#احمد_عبد_الستار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟