أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (2)















المزيد.....

ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (2)


مجدي عزالدين حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3672 - 2012 / 3 / 19 - 19:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


موضوع هذا المقال مخصص في الأساس للبحث بشكل عميق ومركز على السؤال التالي: هل يمكن الوصول حقاً إلى فهم (موضوعي) للإسلام؟ وهو التساؤل عينه الذي يُثير إشكالية موضوعية التأويل والمشكلات النظرية المرتبطة بها.

أولاً: لا بد من التأكيد على الطابع التاريخي لأي عملية تأويل للنص الديني، وبالتالي على قصور كل دعاوي (المعرفة الموضوعية) و(الصواب الموضوعي) للنص الديني الإسلامي، وتُعلمنا نظرية التأويل الحديثة وعلوم اللغة المعاصرة المبدأ التالي والقائل بعدم إمكانية قيام تأويل "موضوعي" للإسلام، لا يتدخل فيه المؤول الديني ولا يفرض فيه رؤيته على النص.

ثانياً: تأويل النص الديني الإسلامي، حسب التصور المعرفي الإسلامي التقليدي، يعني الكشف عن الدلالة التي أرادها الله، أو على الأقل الكشف عن طابعها الموضوعي، وهو ما يعني إجلاء جوهرها المستقل عن فعل التأويل. وفي ظل هذا السياق ينطرح السؤال: كيف يمكن للإنسان بكل ما فيه من نواقص وقصور أن يتوصل إلى مقصدية الله الكاملة والمطلقة والتامة؟!

ثالثاً: يدعي هذا التصور إدراك الحقيقة الموضوعية للنص الديني إدراكاً تاماً، وأن بوسعه أن يحيط بها بشكل كامل وشامل. ويتناسى أو يجهل أن المؤول الديني ليس بوسعه، بأي حال من الأحوال، أن يتوصل إلى إدراك (قصدية الإله) على ما هي عليه. وإلا عنى ذلك تطابقاً تاماً بين ما يدعيه من تأويل وبين مقصدية الله. ويتناسى أيضاً أنه ـ سواء بوعي منه أو دون وعي ـ ينخرط في تأويل النص الديني منطلقاً من وجهة نظر مسبقة، وهو الأمر الذي يعني أن كافة التأويلات التي تدور حول النص الديني الإسلامي تشوبها أهواء أو ميول أو مصالح أو تحيزات من قبل الذات المؤولة للنص ومن قبل الجماعة المتبنية لتأويل معين دون سواه من التأويلات.

رابعاً: ما يغيب عن هذا التصور، هو الذات المؤولة نفسها، بمعنى أن التأويل الذي يروج له المفسر الديني بوصفه تفسيراً موضوعياً، إنما يتأسس في الأصل على اعتبارات ذاتية، وينطلق في الواقع من تفضيلات شخصيةـ تُصبغ فيما بعد بصفة الموضوعيةـ إذ لا تُوجَد هنا معيارية متجاوزة. وفي هذا المقام يجب أن نعترف بأن ليس ثمة رؤية تأويلية للنص الديني منزهة عن الغرض. فكل رؤية دينية إنما ترمي للدفاع عن رأي بعينه أو معتقد بعينه، منطلقة في ذلك من انتماء ثقافي ما، ومن انحياز لمصالح محددة (مستترة) ومختفية من وراء (موضوعية) التأويل.

خامساً: يدعي المفسر الديني التقليدي أنه قد توصل من خلال (تفسيره الخاص) إلى فهم النص الديني كما أراد له الله أن يُفهم. ومن هنا يظهر المأزق ـ الذي وقع فيه التفسير الديني التقليدي ـ جليا في الربط الذي أجراه ما بين محاولة تأسيس الفهم الموضوعي للنص من جهة أولى، وما بين التوصل إلى قصدية الله من جهة ثانية. وبالتالي وحسب هذا المنطق التقليدي فإن (موضوعية) الفهم ترتكز وتعتمد بشكل أساسي على التوصل إلى ما (قصد الله) قوله. إلا أننا من جانبنا نلاحظ أن هذا المسلك في التفكير يصطدم أو يولد مجموعة من الإشكالات، نجد على رأسها جميعا الإشكالية محور السؤال التالي: كيف يكون في مقدور المؤول الديني أن يتوصل إلى ما قصد الله قوله فعلا من خلال النص الذي أبدعه؟ بمعنى آخر: كيف يتأتى للمؤول الديني من أن يجزم بكل يقين أن ما توصل إليه إنما يمثل قصدية الله؟! أليس من الصواب أن نقرر بأن ما توصل إليه المؤول الديني إنما يرتكز بشكل أساسي على موقفه التأويلي لا على ما قصد الله قوله؟ إن هذه التساؤلات تضرب في الصميم مفهوم (موضوعية التأويل) القائم على أساس من (قصدية الله)، طالما أن التأويل قام على أساس سيكولوجي، وطالما أن التأويل يتناول النص في علاقته بالذات الإلهية، وطالما أن التأويل ومن أجل الوصول إلى المعنى الموضوعي للنص يتطلب اندماجا وجدانيا بالذات الإلهية نفسها!

سادساً: المعرفة الموضوعية، أي المعرفة (الصحيحة) موضوعيا أو ذات الصواب الموضوعي، تشير إلى وجهة رؤية أو نقطة استشراف تعلو على التاريخ يمكن منها أن ننظر إلى حقيقة النص نفسه. غير أن هذه النقطة غير متوافرة للمؤول الديني. فالإنسان، ذلك الكائن المتناهي التاريخي، ينظر دائما ويفهم من موضعه الخاص في الزمان والمكان. ليس بمقدور المؤول الديني أن يقف فوق نسبية التاريخ ويظفر بتفسير (ذو صواب موضوعي) للنص الديني. وهو الأمر الذي يعني الانتقاص والتقليل من شأن (المنهج التقليدي في التفسير) والتشكيّك في قدرته على الوصول بنا إلى الحقيقة الموضوعية للنص، ولا بد من الإقرار بأن ما يوصلنا إليه هذا المنهج من نتائج، فإنما تمثل (حقيقته هو بالذات) لا (الحقيقة في حد ذاتها). وتعلمنا (التفكيكة) أنه ليس ثمة حقيقة في ذاتها ولذاتها، وإن وجدت فليس في استطاعتنا معانقتها في صفائها الأول.

سابعاً: على ذلك، ليس ثمة معنى ثابت للنص الديني لا يتغير، وفي الواقع فإن معنى النص الديني ودلالته إنما يضفيه ويسقطه المؤول على النص. فمعنى النص لا يتحدد بمقصدية الله كما يوهمنا التفسير الديني التقليدي، وإنما تحدده إرادة المؤول الديني ومفاهيمه المسبقة. وبالتالي فما يترتب على ما سبق يمكن تلخيصه في أنه ليس في مقدورنا الحديث عن موضوعية أي تأويل ما للنص الديني الإسلامي، والسبب يرجع إلى عدم توفر إمكانية تشييد معنى واحد ومحدد للنص لا يتغير أبدا على مر العصور التاريخية المختلفة، فأي تأويل لا ينفصل في محصلته النهائية عن أهداف المؤول المعيارية أو أرائه الخاصة.

ثامناً: لنا الآن أن نتساءل: هل صحيح أن معنى النص الديني الإسلامي ـ كما يقدمه لنا المؤول الإسلامي ـ يتوقف على قصدية الله أم على مقصدية المؤول نفسه؟ هذا السؤال يبحث عن إن كان هناك ثمة صلة وعلاقة ما بين المعنى الذي يُضفيه المؤول الديني على النص وبين القصد الإلهي. ويمكن إعادة صياغته بطريقة أخرى: هل بإمكان المؤول الديني حقاً التوصل إلى ما قصد الله قوله من خلال النص الذي أبدعه؟ وإذا سلمنا بأنه بإمكان المؤول أن يضع يده على قصدية الله. فكيف يكون بمقدورنا أن نتأكد من أن ما توصل إليه يطابق حقا ما أراده الله؟ هذه التساؤلات في رأينا تمثل الأسئلة الصعبة والمحرجة والتي ليس في مقدور الذين يدافعون عن التفسير الموضوعي الإجابة عليها.

تاسعاً: ينبغي على من يعمل بحقل التفسير الديني أن لا يدعي أن تأويله للنص الديني يتماهى ويتطابق مع مقصدية الله، ويجب عليه أن يتواضع قليلاً ويعترف بأن ما يقدمه من تأويل إنما هو في خاتمة المطاف قراءة وسط مجموعة أخرى من القراءات المختلفة والمتباينة لذات النص. إلا أن المفسر التقليدي لا يستطيع الإقرار بذلك، لأنه إن فعل ذلك فإنما يكسر إدعائه باحتكار النص الديني. إن لا يفهم أن شرط القراءة الجيدة وعلة وجودها أن تختلف عن النص الذي تقرأه وأن تكشف فيه ما لا يكشفه بذاته أو ما لم ينكشف فيه من قبل. وأما القراءة التي تدعي احتكار حقيقة النص، فلا مبرر لها أصلا، لأن النص الأصل هو أولى منها ويغني عنها. إلا إذا كانت القراءة تدعي أساسا أنها تقول ما لم يحسن المؤلف قوله، وفي هذه الحالة تغني القراءة عن النص وتصبح أولى منه. وهذا ما لا يستطيع المؤول الديني التصريح به، وإن كان يمارسه عبر إضفاء صفة القداسة على تأويلاته وتفسيراته.



#مجدي_عزالدين_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (1)
- مشروع نقد الفكر الديني عند نصر حامد أبو زيد
- صراع الأفيال: هابرماس وغادامر وريكور، التأويل والتاريخ (3)
- تأويل التاريخ وتاريخية التأويل (2)
- تأويل التاريخ وتاريخية التأويل (1)
- كيف يجب للعقل الإسلامي المعاصر أن يتعاطى مع النص الديني الإس ...
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (3)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (2)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (1)
- كيف يجب أن نتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (1)
- الطريق إلى الحقيقة: سؤال المنهج
- الوجود البشري والحقيقة (6)
- الحقيقة أم التأويل: التساؤل بشأن (حقيقية) الحقيقة(5)
- تفكيكية جاك دريدا: نقل سؤال الحقيقة إلى مجال التأويل (4)
- الحقيقة لا تمثل الواقع الخارجي بل مفهومه، مراجعات فلسفية في ...
- مراجعات فلسفية في مفهوم الحقيقة (2)
- مراجعات فلسفية في مفهوم الحقيقة (1)
- العقل الإسلامي المعاصر: إلى أين؟
- في نظرية المعرفة: خلاصة ونتائج
- في نظرية المعرفة (6)


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان (2)