جريدة الغد
الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 10:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
جاء في مقال نشرته جريدة “الغد” في عددها الصادر في الاسبوع الاول من شباط/ 2004 تحت عنوان “تساؤلات تتطلب كشف الحقيقة الكاملة حول كوبونات تصدير النفط”. تطرق المقال الى ما نشرته جريدة المدى في 25/1/2004 تحت عنوان “المدى تضع يدها على وثائق اكبر عملية لشراء ذمم رؤوساء وسياسيين وصحفيين استلموا ملايين البراميل النفطية من صدام”، ونشرت فيه قائمة طويلة للمستفيدين. واشارت في عددها في 26/1/2004 انها ستنشر بقية الاسماء، ولم يتم ذلك!!. ومجمل الكميات النفطية التي تكلمت عنها الصحيفة المذكورة هي (1770) مليون برميل، منها (840) مليون برميل لجهات روسية بضمنها (530) مليار لشركات نفطية روسية، كما ذكرت اسماء بعض الاشخاص المستفيدين وهو جورج كلاواي، النائب العمالي اليساري والمناصر دائماً للقضية الفلسطينية، ولرفع الحصار عن الشعب العراقي في حينه، وضد تبعية بريطانيا للولايات المتحدة اثناء الحرب والآن. ذكر مقال “الغد” في حينه إن المدى تتكلم عن (1770) مليون برميل نفط، بينما الكوبونات تشمل حوالي (3.25) مليار برميل من المرحلة الثالثة الى المرحلة الثالثة عشر من برنامج “النفط مقابل الغذاء والدواء”. كما بينت في المقال، أن ما يحصل عليه صاحب الكوبون هو (10) سنت/ البرميل، وتشمل الكوبونات بيع لشركات نفطية روسية او غيرها، ودفع ديون وكذلك “شراء ذمم”، ولذا ولكي “لا يخلط الحابل بالنابل”، فالمفروض أن تقوم وزارة النفط- كجهة رسمية، بنشر جميع القوائم. ولم تُنشر بقية الاسماء!!. وتشكلت لجان في وزارة النفط وفي الكونغرس الاميركي وفي الامم المتحدة وفي هيئة الاذاعة البريطانية وغيرها من الجهات لمحاولة الوصول الى نتيجة، ولا تزال اهم لجنة في الامم المتحدة لم تكمل عملها، اذ أن الجهات الاميركية حاولت ولا تزال تحاول أن ترمي اللوم على الامم المتحدة بصفتها المشرفة على مشروع “النفط مقابل الغذاء”. ولكن جريدة “الغد”، قالت ايضاً، في عددها المذكور اعلاه، إن “النهب” الرئيسي ليس هنا، وانما في النفط المهرب، اذ ان ربح الذي يحصل على حصة للتهريب يبلغ 5 دولار/ البرميل، اي خمسين مرة اكثر من “الكوبونات”، كما أن النفط المهرب لا يخضع لحسابات ولا سيطرة الامم المتحدة.
يجب ملاحظة إن غالبية النفط المهرب كان من الجنوب، ومسؤولية حماية عدم التهريب ومحاصرة العراق كانت تقع على عاتق الولايات المتحدة كاملة، ولها اسطولها الكامل في الخليج وتكنولوجيتها التي تستطيع أن ترى كل شيء “كما تدعي”!. وكذلك كان التهريب يتم عبر الانابيب من خلال تركيا، حليف امريكا، وتحت معرفة كاملة من قبل الولايات المتحدة. ولم يكن التهريب عن طريق تركيا شرعياً، اذ ما وافقت عليه الامم المتحدة لتصدير النفط خارج “النفط مقابل الغذاء” هو فقط ما يُرسل للاردن، الحليف الآخر لامريكا، وكان نصفه مجاناً والنصف الآخر بسعر زهيد مقابل مواد من الاردن، وايضاً تحت سيطرة الولايات المتحدة!!. وهناك كميات اخرى أُرسلت من خلال سوريا، ويُحتمل هذه هي الكمية الوحيدة المهربة التي لم تكن الولايات المتحدة مسؤولة عن ايقافها!!.
صدر تقرير جارلس دولفر، الاميركي الرسمي، في (918) صفحة في 6/10/2004، واثار ضجة كبرى داخل وخارج الولايات المتحدة، اذ اكد عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق حين احتلاله، وعدم وجود علاقة بين الدكتاتور السابق والقاعدة. ولاغراض هذه المقالة سنتكلم بما جاء في التقرير فقط فيما يتعلق “بكوبونات النفط”، اذ تضمن التقرير اسماء مئات الاشخاص والشركات والمؤسسات التي استلمت هذه الكوبونات، ومنها اكبر الشركات النفطية الاميركية شيفرون وموبيل وتكسيكو واوسكاروايت، حيث ذكر إن هذه الشركات استلمت بين 1996- وآذار 2003 نحو (110) مليون برميل!!.
اما السناتور الاميركي نورم كولمان، والذي يرأس لجنة تحقيق في “سوء” الادارة في برنامج النفط مقابل الغذاء، فلقد طالب مؤخراً كوفي عنان بالاستقالة معتبراً أياه “مسؤولاً عن فشل الامم المتحدة التام في رصد او وقف انتهاكات صدام حسين لهذا البرنامج”، واضاف كولمان إن صدام جمع ثروة تزيد عن (20) مليار دولار بسبب ذلك. ومما زاد موقف عنان حرجاً ما قيل من ان نجله، “كونجو”، تسلم مبالغ من شركة سويسرية على صلة بهذا البرنامج، وبما يعادل (2500) دولار/ الشهر!!، والذي اجاب عنه عنان بأنه تفاجىء من هذه المعلومات، و”إنه لا يتدخل في عمل ابنه الذي يعمل في الاعمال، وابنه لا يتدخل في عمله”، وكأن الـ (2500) دولار/ الشهر رشوة للامين العام للامم المتحدة!!.
* * *
على ضوء اعلاه نود توضيح ما يلي:
* لو افترضنا جميع ما باعه العراق في منهاج “النفط مقابل الغذاء” من خلال الكوبونات هو لغرض “شراء الذمم”، وهذه فرضية بعيدة جداً!!. فإن المبلغ الذي “اشتريت به الذمم” سيكون (3.25) مليار برميل x 10 سنت للبرميل، أي أن المبلغ يقارب (325) مليون دولار في اسوأ الحالات، ولا يصل الى جزء من المليارات التي يتكلم عنها الاميركان او من يطبّل معهم. في كل الاحوال سوف لن يحصل “صدام” او غيره على مبالغ من هذا المنهاج لأن الباقي ذهب الى حسابات واضحة في الامم المتحدة، والتي تلاعبت بها الولايات المتحدة لاحقاً عندما احتلت العراق وتصرفت على هواها بمبلغ يزيد عن الـ (4) مليار دولار، كما فضحتها الصحافة الاميركية في حينه.
هذا يعني إن المليارات التي حصل عليها صدام لم تكن من كوبونات النفط، وانما من تهريب النفط. ومسؤولية منع التهريب تقع على الولايات المتحدة فقط وليس الامم المتحدة.
* يقول التقرير الرسمي الاميركي لدولفر إن الشركات النفطية الاميركية الكبرى حصلت على (110) مليون برميل “كوبونات”. ولم نرَ احد من السلطات الاميركية أحال هذه الشركات، المساندة الرئيسية لحكومة بوش، الى المحاكم!. والسؤال يطرح نفسه هل الكوبونات شرعية، اذا كانت كذلك فلماذا هذه الضجة، وإن لم تكن شرعية فلم لم تقدم الشركات الاميريكية للمحاكمة؟!.
في كل الاحوال ما جاء في تقرير دولفر جزء ضئيل من الحقيقة، فهو قد ذكر (110) مليون برميل فقط، وقد تكون هذه هي المشتريات المباشرة. ولكن كل الجهات النفطية العالميه كانت تعرف في حينه، إن للحصول على الـ (10) سنت/ البرميل يجب البيع الى تجار وسماسرة النفط، وإن اكثر من 60% من النفط العراقي المباع كان يصل الى اميركا. فلو فرضنا فقط 50% منه وصل الى امريكا، فإن ما استلمته الولايات المتحده لا يقل عن (1650) مليون برميل. ولو تُجرى التحقيقات بصورة صحيحة ونزيهة، لرأينا أن تجار النفط والمرابين الاميركان هم الذين استلموها، ولنجدهم اقرب الناس الى اداره بوش والمحافظين الجدد واصدقاء اسرائيل الاوفياء!!.
من هذا نرى إن امريكا هي التي ساعدت صدام في جمع ملياراته من النفط المهرب. هي، واصدقاؤها من دول الشرق الاوسط، هم المستفيدون من ذلك, وكذلك فإن “الفساد” في منهاج “النفط مقابل الغذاء” يقع في غالبيته المطلقة في احضان الولايات المتحدة، لأنها استلمت بالنتيجة اكثر من نصفه.
* لقد سربت الولايات المتحدة بعض الاسماء في البداية الى الصحافة العراقية والاجنبية لتشوية السمعة، وكان منهم روسيا وكالواي النائب البريطاني اليساري، وتوقفت بعد ذلك من نشر الاسماء لان الامر سيصل اليها وحلفائها مثل ازنار اسبانيا. ولا نعرف مدى معرفة جريدة “المدى” بهذا الامر عندما نشرت الاسماء الاولى واقحمت الجهات الروسية وكالواي وبعض الجهات السورية المسؤولة وقسم من اسماء كبار موظفي الامم المتحدة. ولكن الآن لنتكلم عن قصة كالواي اليسارى العنيد ضد بلير والسياسة الاميركية, فلقد نشرت صحيفتي الساينز كرستين مونيتر والديلى تلغراف خبر استلامه “الكوبونات” المزعومة، وانكر كالواي. احترمت الصحيفة الاولى نفسها وقدمت في حينه اعتذار رسمي واعترفت إن المعلومات كاذبة وخاطئة، اما الجريدة اليمينية الثانية، الديلي تلغراف فلم تقدم ذلك، واقام كالواى دعوى عليها في المحاكم البريطانية، وحكمت المحكمة مؤخراً لصالح كالواي من أن المعلومات كاذبة، كما غُرّمت الصحيفة مبلغ يعادل (150) الف باوند (اكثر من ربع مليون دولار) تعويض له، اضافة الى مصاريف الدعوى. أن امر المحكمة كان ايضاً عدم استطاعة الجريدة الاسئتناف في المحاكم العادية وفقط الاستئناف لدى مجلس اللورادت. وهكذا تم البرهان على كذب هذه التهمة. ماذا تقول الآن الصحف العراقية التي طعنت في كالواي، وذلك عندما حاولت جماعته مع نقابات العمال البريطانية اصدار قرار من مؤتمر حزب العمال الاخير، بوضع جدول زمني لانسحاب القوات البريطانية من العراق، وكانوا على وشك الحصول على مثل هذا القرار لولا تباكي الشخص العراقي “اليساري” امام المؤتمر، والذي ادعى إنه يمثل اتحاد نقابات العمال في العراق، وأن تحديد زمن الانسحاب سيدمر العراق، وتكلم بناء على طلب بلير له بالمساعدة!!، وصبت هذه الصحف العراقية الصديقة للاميركان، في حينه، جام غضبها على كالواي.
* هل إن الامور بدأت تتكشف سواء في امريكا او في الخارج عن هذه “ الفضيحة” والمستفيد منها، بحيث تريد الادارة الاميركية و”المستفيدين”، من ايجاد “كبش فداء” مناسب، وتحويل الانظار عنهم وعن مسؤوليتهم الكاملة فيها؟!. وكوفي عنان “كبش فداء” مناسب لهم، اذ يمثل الامم المتحدة، والمحافظون الجدد يريدون ابعاد هذه المنظمة لاكمال ما بدأوه في العراق. كما انه اتخذ مؤخراً مواقف محايدة، مبتعداً عن الولايات المتحدة لحفظ هيبة الامم المتحدة، واعلن “غلطته الكبرى”، بأن الغزو الاميركي غير شرعي!!. ولكن كما يظهر إن اللعبة مفضوحة جداً بحيث اعلنت المانيا وفرنسا وروسيا والصين مساندتها للامين العام في مواجهة التهم الموجهة اليه. وحتى جاك سترو وزير الخارجية البريطاني اعلن تأييده له قائلاً من “أن عنان يقوم بعمل ممتاز كأمين عام”، لعله خاف أن تسير الامور بعكس ما يريدوه كما جرى الامر مع كالواى داخل بريطانيا!!.
* واخيراً هل ستتم تحقيقات عما فعلت الولايات المتحدة بعد الاحتلال بالاموال العراقية، التي كانت مودعة لدى الامم المتحدة، وهل تكشف عن صفقات “بيع” النفط التي تمت بعد الاحتلال ودورها في “نزاهة” هذه الصفقات؟!.
قارئ للغد
#جريدة_الغد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟