أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - فاطمة الشيدي - تسونامي : الموت الجمعي لايصلح للبكاء














المزيد.....

تسونامي : الموت الجمعي لايصلح للبكاء


فاطمة الشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 10:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


(الأسيويون) هؤلاء البسطاء الطيبون الذين نتعثر بهم في كل مكان من بلداننا التي قامت بأياديهم الخضراء ، كثيرون هم ، ولكنهم ربما ليسوا بالأناقة الكافية لإغواء المتحذلقين من باعة الكلام والأوهام - أمثالي - ، هؤلاء البسطاء الذين نذروا أنفسهم أو نذرتهم السماء طوعا أو كراهية لصناعة الجمال ، هؤلاء الذين يصدرون لنا خبز الدهشة من صمتهم أمام جعجعة الكون الطاغية حروبا وضجيجا ، ومن قوتهم أما الهشاشة المنتشرة حذلقة وأوهاما ، هؤلاء الذين تتقاطر من نفوسهم الطرية البيضاء روائح العرق والفرح بعد كل إنجاز ناضج .
هؤلاء الذين كنت كلما لمحتهم أحاول التلصص على أحلامهم ، أحاول أن أقرأ أرواحهم المحفوفة بالصدق والثبات ، هؤلاء الذين يرسمون الحياة بجميع الألوان ، الذين يتسربون كالضوء إلى رئتي ليغسلون عنها دخان الكثير من الكائنات اللزجة التي أسد أنفي عنها فتدخل من المسام ليصل خبثها إلى الروح الجاهزة للانفجار ، وكنت ما أن أمسك على نظرة أحدهم ممتلئة حزنا ووحشة حتى تستفز تلك النظرة كل كائناتي الطيبة لتشرع في بكاء جماعي .
كان شيئا ما يحفّزني حين أقرأ صمتهم وحزنهم ، هؤلاء القانعون من الحياة برغيف فرح ، وعيش قليل ، وحب وإيمان كثير، وكنت حين أقبض على أحدهم يسافر في البعيد معاتبا الله والقدر أرتل معه ذات الصلاة وذات العتاب .
هؤلاء البسطاء - ككل البسطاء على هذه الكرة التي تطحننا بدورانها - لاحيلة لهم للقفز خارج الإطار، و لاقدرة لهم حتى على اختيار الموت كحل سريع لمعاناة ممتدة ، فذلك الإيمان الساكن في قلوبهم بروعة القادم يشكل سياجا حصينا من الأمل ضد فكرة الموت الاختياري وضد عدوى الرفض والتمرد التي لم يجبلوا عليه ..
فلماذا بعد كل هذا الصبر والصمت والحزن ، لماذا بعد كل هذا الثبات والإيمان والجمال .. ؟
لماذا كفرت السماء بدعائهم ، وكيف نفضت يدها من تضرعهم ، وكيف تآمرت مع مفردات الطبيعة على هذا الموت الجماعي المريع؟ وهم الذين يدسون في كل قطعة خبز دعاء ، وفي كل تنهيدة أمنية ، ويحفرون بأظافرهم المتشققة وأصابعهم الجافة الماء والحجر ليحصلوا على أدنى ما تهبه لهم الحياة .
لماذا أيتها الزلازل والفيضانات ؟
لماذا ياتسونامي ؟؟
لماذا كل هذا الغضب أيتها الطبيعة الخرساء ؟
لماذا كل هذه الهذيانات والثرثرة على أجساد أبنائك البسطاء الطيبين ؟
لماذا أيتها السماء / أيتها الأرض / أيها البحر؟
لماذا ياربي وربهم ورب الفقراء والبسطاء والطيبين ؟
يازادهم وخبزهم
أنا لاأصدق ادعاءات العقاب والعقوبة .
أنا لا أصدق ما يروون عن عصاك الغليظة ويدك البطش ؟؟
أنا اعرف قلبك ، أعرفه جيدا ، وأعرف رحمتك لازلنا نراها تتحرك بيننا
فكيف تركت للموت فرصته لينقض عليهم ، وهل غافلك ليحصد كل هذه الأرواح الهشة والطرية دفعة واحدة .
وكم واحد منهم لم يكمل لقمته ، وكم واحد منهم لم يشفى من قبلة ، وكم واحد منهم لم ينتهي من ترتيب خططه القريبة ، وكم واحد منهم ذهب وهو غارق تماما في حلم صغير كالزواج أو شراء بيت لأطفاله الصغار الذين رافقوه في رحلة الموت الجماعي .
ماذا يمكن الآن لهذا الموت المباغت - الذي استيقظ من نومه على عجل ولم يصلح هيئته تماما ليكون بجمال انتظار الكائنات القلق له - أن ينتظر منا نحن الكائنات الضعيفة سوى الضغينة والحقد ؟
هذا الموت الذي قرر في لحظة أن يحصد الكثير من الأرواح دفعة واحدة ربما ليستريح قليلا فيما بعد ، أو لعله كان جائعا بما يكفي ليلتهم كل هذه الأرواح البسيطة والطيبة .
كيف تسنى له أن يستل كل هذه الرواح معا ؟ .
وكيف دون أسمائهم جميعا في صحائفه مرة واحدة ، وكيف ستستطيع الأرض الخئون الذي شاركته الجريمة بكائهم دفعة واحدة، أو ليسوا أبنائها الطيبين ؟ وكيف ستتحمل عفونة أجسادهم دفعة واحدة وهي الطاهرة الجميلة ؟
والأهم بالنسبة لنا ككائنات تنتظر لامحالة نفس المصير بشكل فردي أو جمعي ، كيف لنا أن نبكيهم جميعا دفعة واحدة ، وهذا لايليق بآدميتهم ولابآدميتنا، فنحن نحتاج زمنا طويلا للبكاء على كل واحد منهم فردا فردا لنتأكد أن ثمة من سيبكينا يوما ما بشكل فردي وخاص جدا وهو أقل مانتمنى الحصول عليه في رحلة المغادرة .
لا نستطيع البكاء الآن فالدموع التي لانملكها لاتهبنا حتى شرف المحاولة .. !!
فإذن أيتها السماء قليلا من المدد إذن ، فوجدك تستطيعين شيئا بحجم هذا الحزن ..



#فاطمة_الشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - فاطمة الشيدي - تسونامي : الموت الجمعي لايصلح للبكاء