أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية / 2















المزيد.....

مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية / 2


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 12:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ثالثاَ / عود على بدء
فاتني ألتطرق في الحلقة الأولى إلى إشتقاق مصطلح "البارونية" ، و قد تكفل الأستاذ اللبيب جاسم الزيرجاوي بتذكيري به مشكوراً ؛ و هذه هي إحدى الثمار اليانعة لـ "الحوار المتمدن" .
مصطلح "البارونية" يجمع بين كلمة البارون :(Baron) الإنكليزية (المشتقة أصلاً من الفرنسية) كلقب أرستقراطي في الهرمية الإجتماعية ، و بين الاختلال النفسي المعبر عنه بالمصطلح المشتق من اليونانية :(Paranoia) ، و الذي يعني "جنون الإرتياب" : عندما يتملك المصاب الوهم غير العقلاني بكون كل الناس يريدون النيل منه بالتآمر عليه ، و الذي يلصق التهم جزافاً بالآخرين و لا يثق بأحد حوله . كما ترتبط الزعامة البارونية باضطرابات نفسية أخرى مثل إستفحال حالات التشامخ و الأنوية و مركبات النقص و التعويض و التوتر و الخوف من الفشل و عدم القدرة على التمييز بين الخطأ و الصح و ما هو ممكن و غير ممكن ، مع منظومة قيمية تنطلق من مبدأ حماية الذات بكل ثمن و الحفاظ عليها عبر إزاحة الآخرين . و حيثما تجتمع البارونية بجنون العظمة و الإرتياب و غياب سلطة القانون و الأسلحة الفتاكة ، فأن النتيجة الحتمية هي محرقة الجزار مثل محارق هتلر و صدام و بُشْ الابن و بول بوت و شارون .
و جذور البارونية طبيعية و موجودة لدى كل البشر منذ الولادة . و هي – في معدلاتها الطبيعية – مطلوبة لضرورات البقاء و للتكيف مع الوسط الإجتماعي . و لكنها تتشذب أو تتفاقم مع إتجاهات نمو و تطور الوعي و تَشَكُل منظومة القيم الشخصية عند الإنسان . و يرتبط مقدار هذا التشذيب أو التفاقم إجتماعياً و نفسياً بالبيئة و التربية و التجربة و المعرفة و الثقافة و المعتقد و القيم و الضمير و الحاجة و الضرورات القائمة و الخيارات المتاحة و عشرات المؤثرات السياقية الذاتية و الخارجية المتفاعلة الأخرى و أهمها طبيعة الوضع الراهن القائم (متفجر ، خطر ، مسيطر عليه ، منفلت ، عادي) و التركيبة النفسية للشخصيات المحيطة و المتفاعلة صاحبة القرار . و يمكن تشبيه جذور البارونية بعصيات السل الخامدة و التي قد تموت أو يتلاشى تأثيرها في الوسط الذي تعتاش عليه بفضل الغذاء و التركيبة الجينية للحامل و الدواء ، و قد تنشط و تتغلغل بهذا المقدار أو ذاك حسب درجة تطور مقاومة الجسم ( قارن : تأثير درجة تطور منظومة القيم الشخصية الإيجابية / السلبية على نمط الزعامة)، و تبقى ملازمة للشخص المصاب حتى الوفاة .
و الزعامة سيرورة متفاعلة و متحركة و مترابطة و متضادة ، صاعدة نازلة في كل الإتجاهات ؛ و يمكن تلخيص أنماطها بالمرتسم التوضيحي أدناه :

المخطط أعلاه – و هو تجريدي و غير دينامي – يوضح حالة التداخل بين ألأنماط الأربعة التي سبق التطرق إليها من الزعامات و القائم ضمن دائرة كبرى واحدة هي دائرة الأنماط المتاحة للزعامة . و هناك نمط خامس (و أنماط أخرى كائنة خارج نطاق هذه الورقة ) سنأتي على ذكر خواصه . و الحدود المنحنية المرسومة بين دائرة و أخرى هي حواجز وهمية موضوعة لغرض التقريب ؛ حيث توجد حالات بينية بين هذا النمط من الزعامة و ذاك ، و حالات تذبذب مرحلي-موضوعي . و عملية تسكين الزعيم سين أو صاد في هذه الخانة أو تلك هي بطبعتها مسألة تقديرية و شخصية بالدرجة الأساس ، و لهذا فهي خلافية بالضرورة ، و لا يمكن حلها إلا باستخراج التقييم المُجمع عليه إحصائياً من طرف كل المهتمين من البشر في زمكان معين ، و هذه عملية ليست باليسيرة . كما أن مثل هذا الحكم مرهون بالزمان ، و للزمان أحكامه المتغيرة كتغير صروفه . فيمكن تسكين تروتسكي مثلاً (و ربما أي زعيم سياسي آخر في الواقع) في دائرة الزعامات المتوازنة ، أو المثالية ، أو البارونية حسب التقدير الشخصي ؛ فملكة الحكم عند الإنسان منحازة بطبيعتها و مرهونة بالمعايير المعتمدة أو المستبعدة و بغيرها من المتغيرات العديدة . و الصفات العشرة المعروضة في الجزء الأول من هذه الورقة ليست مِسْطرة للتقييس المتكلس . و لكن للتاريخ أحكامه الصارمة التي تمكث في الأرض و في الذاكرة الجمعية للبشر جيلاً بعد جيل .
و يمكن لقرارات و أفعال الزعامات البارونية أن تكون مثبطة ، غير ناجعة ، تخلفية ، مفقرة ، مدمرة ، مخربة ، أو كارثية في كل الأزمة و المواقع ، وخصوصاً في الأزمنة الصعبة . و ضررها متعدد الأوجه و مركب الأبعاد : حرمان المؤسسة من الخبرات الأفضل و الأكفأ المطلوبة وفق قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب ، و تحميل نفس المؤسسة كل نتائج الفشل المترتبة على عدم القدرة على إتخاذ القرار الصحيح المطلوب ؛ و عدم القدرة على إستشراف آفاق المستقبل ، و بالتالي إتخاذ القرارات الرعناء المستهترة بالمصائر و الثروات الطبيعية و الأرض و بضمنها إشعال الحروب و المعارك و المواجهات و تأجيج الإضطرابات و تسعير الخلافات ؛ تفويت الفرص السانحة للتطور و الإزهار على الصعد كافة . كما و يمكن للزعامة البارونية أن لا تكون شديدة الضرر في المواقع القيادية التي لا تتطلب قدرات ذهنية و مهارات إدارية عالية ، خصوصاً في أوقات تصاعد وتائر التطور بفعل العزم الذاتي للمؤسسة . كما يمكن للإستماع لرأي المستشارين و الخبراء المتوازنين و المثاليين و البارونيين أن يعوض النقص في الأزمان الصعبة في حالة إستعداد الزعيم الباروني لأخذ برأي غيره ؛ هذا إذا بقي مثل "هذا الغير" ليس فقط بفعل الإزاحة البارونية ، بل لكون منظومة قيم القيادات المثالية و المتوازنة المشاركة في إتخاذ القرار غالباً ما تتقاطع و تتعارض مع تسلكات القيادات البارونية . و لذلك فهي غالباً ما تنسحب من الميدان من تلقاء نفسها بفعل القرف و الإشمئزاز و الإحساس بالخطر ، أو تضطر للبقاء على مضض حرصاً منها على مستقبل المؤسسة و أملاً في إحداث تغير إيجابي قادم ، أو تبقى بغية حفظ ماء الوجه ، و حتى حين .
رابعاً / الزعامات المتفردة
بالإضافة إلى التحرر من كل الصفات السلبية العشرة المذكورة آنفاً و تجاوزها إيجابياً ، هناك زعامات نادرة المثال جداً تحصل عندها كل السيرورات أدناه :
1. تعرضت للإعتقال و / أو المهانة و / أو التشريد و هي تناضل في خدمة المصلحة العامة .
2. إستلمت بعدها قمة السلطة أو القيادة .
3. خدمت المصالح العليا لبلدانها و مؤسستها و مجموعتها بكل طاقتها دون أن تكسب مادياً من السلطة .
4. لم تغدر أو تؤذ أحداً من الأتباع و المناوئين البتة بذريعة سلطة القانون .
و من زعماء القرن العشرين الذين تحضرني أسماؤهم و تنطبق عليهم كل هذه الصفات الفذة و الفريدة : غاندي ، مانديلا ، أنديرا غاندي ، فاتسلاف هافل .
خامساً / الزعامات و الغدر و البطش الأنوي بالآخر
من أهم الإختبارات لمعدن الزعامات السياسية و غيرها من الزعامات هو كيفية تصرفها مع الآخر ، سواء كان هذا الآخر معها أو ضدها . هنا إزاحة الآخر أنوياً بأي شكل كان و تحت أية ذريعة أو يافطة كانت تكشف بسطوع عن معدن الشخصية البارونية ( و مثلها التسمر بالكرسي ) . و لا يمكن لأي مسوغ أن يبرر جريمة ألحاق الأذى الجسدي أو المعنوي بالآخرين الأبرياء للغرض الوحيد المتمثل بالإزاحة من المنافسة . و ليس هناك أي رابط منطقي بين الزعامة و إلحاق الأذى بالآخرين الأبرياء ، بل إن العكس هو الصحيح: واجب الزعيم هو بالضبط خدمة كل الآخرين و بكل طاقاته .
و يخبرنا التاريخ أن العديد من الزعامات البارونية كانت دوماً حريصة على تسويق مبرر مزيف معقول للتنكيل بالآخر مثل قميص عثمان عند معاوية . كما أن إلصاق تهمة الكفر أو الإلحاد أو الخيانة بالآخر هو من المبررات الحاضرة دوماً و على مر العصور . المهم هنا ليست تسمية التهمة (فاللغة تتكفل بتوفير كل المسميات المطلوبة لما هو كائن و ما هو متخيل و ما هو مغرض) ، المهم هو الغرض الكامن وراء توجيهها .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية العالمية / 1
- المرأة في العالم العربي : بين جدران و باب موصد كلما حركه الس ...
- كشكش و شركاه
- حكاية تنين العراق
- حنقبازية سوق الصفافير
- ليس في الأمر غرابة
- إجوبة مختصرة على أسئلة مهمة
- ملحمة السادة العميديين في الكفل عام 1983
- هل نسي رافد ؟
- ريما أم عظام
- ليلة زيارة الموتى للمقابر
- القتل و الإبتزاز و الدفن : مجرد تجارة ، ليس إلا
- رجع الوجع / الحلقة الأخيرة للرواية / 20
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 19
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 18
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 17
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 16
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 15
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 14
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 13


المزيد.....




- توجهات دولية في الحرب التجارية الضروس
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 600
- العدد 601 من جريدة النهج الديمقراطي
- ارتفاع أسعار الذهب اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025.. توقعات باس ...
- الجبهة الشعبية في يوم الأسير: الأسرى في قلب المعركة الوطنية ...
- الفصائل الفلسطينية: سلاحنا للدفاع عن النفس والغزّيون طليعة ج ...
- م.م.ن.ص// من يمول الإبادة الجماعية؟ ومن يسهلها؟
- حزب النهج الديمقراطي العمالي المكتب السياسي :بيان للرأي العا ...
- بلاغ إخباري للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
- لا لإعادة تسليح الاتحاد الأوروبي! لا لاتفاقية ترامب – بوتين ...


المزيد.....

- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - مرض الزعامات البارونية في الأحزاب الشيوعية / 2