سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دون كيشوتيوا الثورة والعاصفة الثورية المقبلة
-- 1 --
* فى الامزجة النفسية السلبية , ومصادرها , وطابعها العام
تسود فى اوساط بعض شباب الثورة المصرية , وكتابها, وشعراءها , وممثليها موجة من الاحباط , واليأس والتشاؤم , فى اعقاب حلول الذكرى السنوية الاولى للثورة , وذكرى رحيل مبارك فى 11 فبراير الماضى . ونظرا لان هذه الموجة تغمر العناصر الديموقراطية الثورية المناضلة التى لعبت دورا اساسيا فى المواجهات الميدانية على المتاريس , وفى الميادين فى مواجهة اعتى قوى القمع , وشكلت رافدا اساسيا من روافد قوى الثورة الصلبة , وعكست نضال قطاع عريض من الطبقة البورجوازية الصغيرة , واشباه البروليتاريا , وجب علينا ان نحاول معا تفهم هذه الموجة بهدف تبديد وتجاوز اثارها السلبية , بتبيان كافة الشروط الذاتية والموضوعية التى احاطت بظهورها . ولاريب اننا ندرك جميعا فى هذه اللحظة التاريخية الفاصلة , ان هناك خطة متكاملة تنفذها البورجوازية البيروقراطية العسكرية وحلفاءها , من اجل تصفية الثورة تصفية نهائية جذرية , موظفة كافة ادواتها لانجازها , بادئة بالتهيئة المعنوية لها ( للتصفية ) , ومنتهية بالاجهاز المادى الفعلى عليها . كما اننا ندرك جميعا ان هذا المزاج السائد فى اوساط انشط قوى الثورة حاليا يسهل عمل وفعالية قوى الثورة المضادة .
والحال , ان مايجمع الاحباط واليأس والتشاؤم ,هو انها بصفتها مظهرا من مظاهر السيكولوجية الاجتماعية فى لحظة معينة , وعند فئة طبقية معينة , حالات تنشأ احيانا كنتاج مباشر لوجود عقبة ما حقيقية , او وهمية , تعترض طريق الوصول لهدف معين, و قد تتجلى فى مظهر شعور طاغ بالاجهاد , والقلق , والملل والقرف , والغضب . كما انها قد تنتهى اذا استطال الشعور بها الى خور العزيمة , والقعود عن الدفاع عن القضايا التى يؤمن بها المرء , ولظهور نزعة اعتمادية قدرية ( طغيان منطق مفيش فايده , غطينى وصوتى ياصفية , وعايزنى اكسبها , يللا نهاجر , لسنا الاقردة تجارب , حاربنا طواحين الهواء مثل دون كيشوت , ليس لنا الا النواح , شعب يستاهل اللى يجرى له , ياريت تجيلهم شوطه , يللا ننام يمكن بكره نصحى مانلقيهومش , وفى افضل الاحوال اتكالية الانتظار لمخلص "دكر" ) . وهى تدل على موقف من الذات الفردية , والجمعية , يقلل من جدارتها , وكرامتها, ومن فقدان الثقة , والاستخفاف بالامكانات , والاستسلام للقوى الضاغطة والاذعان لارادة الاقدار , والاعتراف بالفشل .
ان الموجة السالفة كظاهرة ليست شيئا غريبا عن تاريخ الحركات الاجتماعية , والسياسية , منذ اقدم مراحلها التاريخية . فقد تدهورت الاحوال النفسية لشعوب , او لطبقات اجتماعية عديدة , يدلل على هذا مراثى ارميا فى التوراة عقب الاسر البابلى , او نواح المسلمين بعد اعادة فتح الاندلس من قبل الفرنجة , وحديثا ردة الفعل على مجازر كومونة باريس عام 1871, او مااعقب هزيمة الثورة الروسية عام 1905من مظاهر الردة السياسية . كما امنت شعوب عديدة من اقاصى الارض بالمخلص , او المهدى , او الزعيم الخالد , والقائد الملهم – لعبت الفكرة دورا ثوريا او رجعيا حسب السياق التاريخى – واتخذ هذا الايمان اشكالا عديدة عكست طبيعة الشروط الاجتماعية النوعية , فى هذا المجتمع اوذاك , غير ان مايجمعها كلها , هو ان الفكرة تمخضت عن وضع هزمت فيه -- اوغلبت على امرها بنصف هزيمة -- امة , او طبقة , او حزب سياسى , او كانت ضعيفة عاجزة عن ان تبنى قواها الذاتية الخاصة الكافية لاحراز النصر على خصمها القومى او الطبقى , او قنعت بالاوهام , وبالثرثرة , وتفادت استخدام الوسائل الكفيلة بتحقيق هدفها ايا كان , ولم ترد ان تسلك سبيل الفعل الثورى المنظم . ويشيع ذلك فى المجتمعات الرأسمالية الحديثة , خاصة فى الطبقات غير الاساسية فى المجتمع , فهى الاكثر عرضة لذلك وان لم يقتصر عليها , لأنها لاتلعب دور القطب الاساسى فى عمليات التحويل الثورى الاجتماعى , كما هو الحال بشأن البورجوازية الصغيرة . ولطالما ادت امزجة الخيبة والاحباط ان لم تقاوم الى تدهور وعجز قطاعات هامة من الديموقراطية الثورية عن الفعل السياسى , ويتجلى هذا على اشده فى فترات الازمات التاريخية , وخاصة فى فترات هيمنة الرجعية , ومعاداة الديموقراطية , والاعتداءات الفظة على الحريات التى اكتسبت فى مراحل الاندفاع الثورى , وخاصة اذا مارافقتها ملاحقات الجلادين وارتداد " الاصدقاء " فى ظل هجمات الثورة المضادة .
من المهم ان نفهم ان ميلاد هذه الامزجة السلبية لدينا فى الوقت الراهن , يرتبط فى اوساط المناضلين بعدم ادراكهم لسبل , واساليب تغيير وضعهم كجزء من قوى الثورة , على مستوى الوعى بشكل واقعى , ولاغراقهم فى اوهام كثيرة بشأن خصومهم الطبقيين , او بشأن انفسهم , وكذلك على مستوى ادراك ماهية القوى الاجتماعية التى تتقوم رسالتها فى تحويل المجتمع تحويلا ثوريا .
والواقع ان التشاؤم والاحباط ان تجلى بالتخلى عن ارادة الحياة والمقاومة , او بالنكوص عن كل شئ , او بتسفيه للذات , او الشعب , او الهروب بمختلف اشكال الهروب لايمثل – ان صغنا ذلك بشكل غاية فى الاختزال -- سوى فلسفة او موقفا رجعيا او هروبا . ونادرا مالعبت هذه المشاعر السلبية دورا ثوريا مثلما جرى مع المفكر الروسى بيوتر شاداييف الذى كتب " رسائل فلسفية الى سيدة" عام , 1829وكانت رسائل بالغة التشاؤم , غير انها الهمت اجيالا من الثوريين , بما تضمنته من نقد مر للاوضاع السياسية , والاجتماعية الروسية , فى اعقاب هزيمة الديسمبريين عام 1825 . او مثل مالعبته مقالات كاتبنا العظيم الراحل جلال عامر بنقده السياسى الاجتماعى , الذى كانت سخريته المرة باسلوبه العبثى الذى عكس واقعنا العبثى حافزا للوعى , ورفضا لواقعنا المتدهور على كل صعيد .
ولكن الجوهرى , هو انه مامن عمل ثورى يتوجه الى المستقبل , يمكن ان يجد اسسه فى التشاؤم , لانه بمثابة انهيار فى الفعالية التى تستهدف تغيير الاوضاع القائمة , انهيارا ينذر بالهزيمة المحتومة لاولئك الذين قرروا ان يناهضوا سلطة الديكتاتورية العسكرية البوليسية . ان المحبط , واليائس , والمكتئب , والمتشائم , والعدمى الساخر من الشعب لخموده , ليسوا ثوريين فى الواقع لانهم يساعدون مناهضى الثورة واعداءها مهما كان حسن نواياهم , لانهم يدعمون محاولاته فى تقويض معنويات الثورة .
-- 2 –
*الاطاحة بالسلطة ضرورة تاريخية .. غير ان قوى الثورة ضئيلة لانجازها
حين نرى المشهد السياسى الراهن , وخاصة المزاج السلبى , لقطاع من شبابنا الديموقراطى الثورى , نستحضر على الفور تلك العبارة التى كتبها احد قادة الثورة العظام من القرن 19 – وان فى سياق تعليقه على عمل ادبى عن انتفاضة اسبق فى بلاده -- وهى : " ان المأساة هى الصراع بين القضية الضرورية تاريخيا والاستحالة العملية لتحقيقها " . ان السياسة الثورية الفعلية تتطلب الاطاحة بسلطة البورجوازية البيروقراطية العسكرية – الان وفورا -- ولكن القوى القادرة على انجاز تلك المهمة -- الان -- لم تتجمع وتستعد بعد . ومن هنا تتسلل تلك الامزجة السلبية فى تلك الفجوة بين الضرورة الملحة , والاستحالة العملية لتحقيقها فى تلك اللحظة فحسب لا الى الابد . وهذا يعنى ان علينا ان نملأ تلك الفجوة , بعمل دؤوب منهجى منظم لتشكيل وتكوين وبلورة الاداة التى يمكن لها ان تقوم بالمهمة المطلوبة , وهى الاطاحة بها . المشكلة الاساسية اذن هى التباين بين عظم المهمة , وضالة القوى – الواعية المنظمة -- حتى الان لتحقيقها فى اللحظة الراهنة .
ان موقف هؤلاء الشباب الثورى عبر عنا جميعا , عن اوهامنا غير الناضجة, وانعدام خبرتنا السياسية , وترهل بعضنا الثورى – ان جاز القول – والظروف التاريخية والاقتصادية والسياسية هى التى قدرت بداية معينة, وخاتمة معينة لفترة الاعصار الثورى, الذى بدأ فى يناير العام الماضى , ووسمت الفترة بطابعها , وخاصة غياب الطبقة العاملة كطليعة سياسية واعية , فضلا عن حزبها الثورى وقيادته الراديكالية , . وينبغى القول بأمانة , ان غالب القوى الثورية العفوية , لم تفهم ماجرى فى حينه , ولذا وقفت بمعزل عن المهام التاريخية الواقعية التى كان يتطلبها سير الاحداث , واهمها صنع ثورة كاملة والسير بها الى منتهاها ايا كان ماتطلبه هذا الامر من وسائل وادوات وتضحيات . وقد اعتقد كثيرون ان مهمتهم كانت كنس الميدان ( وهو ماامتدحته البورجوازية الامبريالية الغربية وقطاعات من البورجوازية المصرية ) اما كنس النظام فقد تركوه للسلطة السياسية العسكرية الجديدة التى كانت جزءا منه ( النظام ) ولم يكن من مصلحتها ان تكنسه , وراوغت وناورت ولم تستبقه فحسب , بل جددته ودعمته, واعادت بناء اجهزته القمعية . ولكن كيف كان وعى المشهد السياسى الكلى ممكنا حال غياب قيادة ثورية راديكالية موجودة مسبقا , ومستعدة لهذا الاعصار الثورى , من خلال عمل حزبى منظم مرتبط بالكادحين , وقادر على تبديد الاوهام التى رافقت نجاح الثورة بازاحة مبارك عن السلطة ؟ ؟
* لقد حققنا انتصارات فعلية لاوهمية يصعب انتزاعها
لكن لايعنى هذا بحال اننا خرجنا من الثورة صفر اليدين . هناك انجازات تاريخية تحققت وينبغى الحفاظ عليها . واهمها ان الشعب المصرى بملايينه قد سدد ضربة قاضية للخرافة التى ظلت سائدة قرونا عن خنوعه واستسلامه ورضاه بمصيره وبصبره التاريخى , وبانخراط الاقباط المصريين فى معمعان النضال الديموقراطى الثورى , متجاوزين اسوار النزعة المحافظة الكنسية , وبالاسهام العريض غير المسبوق للمرأة المصرية فى الممارسة الثورية . لقد اكتسبنا حق المواطنة الفعلية , والدولة المدنية غير الطائفية على ارض الشوارع والميادين . كما فرض الشعب شرعيته الثورية ممارسا حقوقه كما راها , وحددها فى الاعتصام, والتظاهر والاضراب, والتجمع, والتعبير عن الرأى . وتبينا ان ارباع الانتصارات التى حققناها بالاطاحة برأس النظام ثم بثلاث حكومات , ثم بفرض المحاكمات , وتعديلات الدستور, وتشكيل البرلمان , والتعجيل بانتخابات الرئاسة , والاصرار على رحيل السلطة العسكرية ... ان هذا جميعه رغم نواقصه لم يكن ليتحقق بدون ضغط ثورى من مليونيات الشعب التى خرجت عدة مرات على مدار عام كامل , وقدمت مقابل ذلك تضحيات جسيمة . وقد كان الشباب الثورى فى الطليعة , وعلى المتاريس , وتجاوز حماسه كل حد, وابدى جسارة وبسالة منقطعة النظير فى مواجهة قوى القمع العاتية المدججة بالسلاح .
وايا ماكان مال الفصل الراهن من الثورة, فلايمكن لقوة ان تنزع هذا الانجاز الاساسى الذى تحقق , اى خروج الشعب بملايينه ليطيح برأس النظام , وامكان خروجه الفعلى مرة اخرى . فضلا عن ذلك فقد اكتسب الشعب فى عام من الوعى السياسى مالم يكتسبه فى نصف قرن . بات هناك قدر واسع من ادراك طبيعة اجهزة الدولة القمعية , خاصة الجيش والقضاء , والوزارات كادوات لنظام اقتصادى ناهب ومستغل للشعب , الصلة بين الوضع الداخلى , والامبريالية الامريكية , واسرائيل , والرجعية العربية , والسلطة البورجوازية العسكرية , نهب وخراب مصر , وادراك لمصالح القوى السياسية , ومواقفها الفعلية وانحيازاتها الطبقية مثل الاخوان, والسلفيون وتوظيفهم السياسى للدين , والوفد, واليسار, والائتلافات الفعلية والوهمية , والتجمعات الشبابية , ونواب " الشعب " ... الخ لابد ان نذكر دائما هذه الانجازات التى تحققت فى الحلقة الاولى من العاصفة الثورية , ففى فترات الهدوء والركود , لايتبين الوجه الحقيقى للثورة .
ولاينبغى لهذا الشباب المناضل المقاتل الذى كان فى طليعة الثائرين وانجز كل هذا ان يسمح لمشاعر الاحباط ان تعتريه !
* علام راهن الشباب للاطاحة بالديكتاتورية العسكرية ؟
ولكن حتى نفهم دعونا نسأل علام راهن هؤلاء الشباب الثوريون فى تحقيق" رغبتهم " فى ازاحة البيروقراطية العسكرية عن السلطة فى 25 يناير من هذا العام او فى 11 فبراير ؟
راهنوا على سحر محاكاة يناير العام الماضى , و ( سلمية , سلمية ) ! بقواه الطبقية والسياسية , التى لم تعد هى هى ! وتصوروا ان محاكاة صوت الرعد سوف تأتى بالمطر ! وأن دق طبول الحرب يغنى عن اعداد الاسلحة الضرورية لها ! وكأن المحاكاة الطقوسية ستستحضره , وتعيد تجسيده باصطفافه السياسى الطبقى ! راهنوا على النعمة الالهية ! وعلى حدث قدرى مفاجئ , غير متوقع يستدعى ملايين الثورة مرة اخرى الى الشوارع والميادين , فتزيح السلطة العسكرية , تكرارا لما حدث منذ عام مضى , وراهنوا على التفاؤل الذى لايستند الى اية اسس واقعية , وعلى طليعة تفجر الاحداث فتشد وراءها الملايين , رغم ان ماانفجر فى ينايرمن العام الماضى كان سخطا متراكما لثلاثين عاما مضت . ودون ادراك , ان كامل المشهد السياسى قد تغير كليا .
ارادت الامبريالية الامريكية, والغربية , انتقالا سلميا للسلطة يستبعد رأس النظام, ان لم يكن هناك مناص , ويحتفظ بنفس النظام حماية لمصالحها , ولمصالح اسرائيل , وارادت الرجعية العربية الاحتفاظ برأس النظام وكامل كيانه, فلم تكن قد افاقت بعد من اثر الثورة التونسية , وبالطبع خشت من تداعيات كل ذلك على اوضاعها . وتخلصت البورجوازية البيروقراطية العسكرية من مشروع التوريث الذى ارتبط براسمالية المحاسيب , وكان يهدد سلطتها , و مكاسبها, وامتيازاتها وهيمنتها على مايقرب من 25—40 من الاقتصاد المصرى , وكانت قد دخلت فى معركة اجهاض لطلائع الثورة على مراحل منذ 9 مارس مرورا بكل المحطات الكبرى فى التصفية العنيفة , ماسبيرو , محمد محمود , مجلس الوزراء , مجزرة بورسعيد , وتخلصت قطاعات اخرى من البورجوازية الليبرالية , والدينية , المقموعة سياسيا , من احتكار فئة طبقية للسلطة السياسية , داخل الرأسمالية المصرية ذاتها, ونالت حريتها السياسية , وسعت لتقنين شرعيتها الخاصة, قابلة بالفتات الذى القاه المجلس العسكرى لها , من رفع الحظر الفعلى عنها , قابلة باقتسام الغنيمة , وتوطيد السلطة التنفيذية , وجهازها البيروقراطى, وتعزيز اجهزة القمع , واجراء تعديلات دستورية , وتشكيل برلمان لاصلاحيات له , الى " انتخاب " رئيس مقبل لابد ان يؤمن امتيازات العسكر , ويخضع لهم بوصفه اداة من ادواتهم , واطلق الاحتياطى الرجعى السلفى , والجهادى, والجماعاتى المعبر عن قطاعات من البورجوازية الريفية , واشباه بروليتاريا المدن القاطنين فى عشوائيتها , والمرتبطة اجمالا بمشروع , وتمويل الرجعية العربية .
كان مطلوبا اقناع الشعب ان الامتيازات التى حققها هؤلاء هى امتيازات له , وان الاوان قد حان لعودته للبيوت , وانه قد ترك السلطة فى ايدى اتقياء يمثلونه, ويعبرون عنه , ولم يكن كل ماتحقق فعلا , الا توسيعا نسبيا لدائرة المتمتعين بالامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل الطبقة المالكة ذاتها, وركائزها فى الاجنحة الرجعية للبورجوازية الصغيرة بعد ان وضعت الثورة رؤوس رأسمالية المحاسيب , ورموزها السياسية فى السجون .
لقد تطلب خلع مبارك اتحاد الاغلبية الساحقة من الشعب لانجاز ذلك . ولكن هذه الاغلبية لم تتألف من طبقة اجتماعية واحدة , وان جمعها ذلك الشعار العام : " الشعب يريد اسقاط النظام " , " عيش حرية كرامة انسانية عدالة اجتماعية ", وكان لكل طبقة او فئة طبقية , ان تفهم من ذلك الشعار مايستجيب لمصالحها الطبقية هى لا لغيرها . واذا دققنا وحللنا مصالح الطبقات تحليلا دقيقا لوجدناها متناقضة , بين العمال والرأسماليين , والبورجوازية الصغيرة مثلا ... وان المضمون الطبقى للشعار يتوقف على موقف حامله وموقعه الطبقى الاجتماعى . لذا كانت النداءات الى ضرورة التوحد مرة اخرى بين ذات القوى التى انجزت مهمة الاطاحة بمبارك فى مراحل لاحقة , اما واهمة او مضللة لان هناك صراعا – تلى ذلك – بين هذه القوى الاجتماعية التى وحدها هدف مشترك فى لحظة تاريخية معينة . وليست هذه السمة خاصة بالثورة المصرية , فالنسب بين الطبقات تتباين وتتغير مع تقدم الثورة, حيث تخرج قوى حققت اهدافها عند مرحلة ما , وتدخل اخرى لم تكن قد طرحت اهدافها , او لم تستكملها بعد , غير ان ماينتج عن ذلك هو وعى اكثر بالمصالح الطبقية , وبالتالى بلورة للقوى السياسية وتجلياتها الحزبية , وطابعا ادق لسماتها , والاستعاضة عن الشعارات العامة المجردة المبهمة, والغامضة بمطالب ملموسة , ومحددة بدقة لمختلف الطبقات . من هنا تتكشف تلك الهوة العميقة التى تفصل بين مصالح مختلف الطبقات الاجتماعية التى تطالب باجراءات اقتصادية , وسياسية , مختلفة باسم الشعار الواحد ذاته . والواقع انه فى مسار التطور الثورى يتبين ان طبقة اوفئة " ثورية " لاتستطيع ان تمضى ابعد بقدر ما تمضى طبقة اوفئة اخرى, وان مصادمات ضارية تتطور على ارض تحقيق هذا الشعار المشترك بينها جميعا .
--3 --
* قوى الثورة بين محاولات الاجهاد والاجهاض والعزل
لقد استطاعت السلطة السياسية العسكرية , قائدة حلف الثورة المضادة ان تجرى نوعا من التهيئة المعنوية للشعب بتشويه طلائع الثوريين , واغتيالهم ماديا ومعنويا , وبسجنهم , واتهامهم , ومحاصرتهم, وتسليط وسائل الاعلام, والقضاء, والامن عليهم . فى الوقت الذى كان الشعب قد اجهد طوال عام كامل من المليونيات , والاعتصامات, والتظاهرات, والاضرابات , والاحتجاجات , والحملات , والوقفات , وغيرها . وسيطر على بعض قطاعاته رغبة فى الاستقرار بأى ثمن كان , انتظارا لما قد يسفر عنه عمل مجلس الشعب الجديد , ثم انتخابات الرئاسة , و" نقل " السلطة لرئيس مدنى " منتخب " . فى الوقت الذى كانت طلائع الثوريين تتصدى لصد الهجمات الاستفزازية—لاجهاضها هى بالتدريج -- ببسالة مبدية اصرارا وعزما على المواجهة بكل تفانى , رغم بداية ظهور الموقف السالف , الانتظارى, من جموع الشعب المليونية . لقد حاول هؤلاء الثوريون من الطلائع فى 25 يناير و11 فبراير من العام الحالى , ان يقفزوا على فترة الوعى التى يحتاجها الشعب لادراك المشهد السياسى الطبقى الجديد بكامل تفاصيله ومايترتب عليه , فالشعوب والطبقات الاجتماعية تتعلم بممارستها الخاصة , ولايجدى وخزها , ولكزها , وتوبيخها . ولم يدركوا ان هناك حدودا ذاتية -- فضلا عن ذلك -- لانتفاضات الفئات غير العمالية ومنها انتفاضاتهم , الا اذا اتحدت مع الطبقة العاملة وكادحيها , وهى الطبقة الاساسية المدعوة لانجاز التغيير الثورى الجذرى واقامة جمهورية ديموقراطية شعبية , وتحقيق مطالب ثورة يناير كاملة , بغض النظر عن اوضاعها الفعلية فى هذه اللحظة التاريخية او تلك . وان اعتبار الشهر الثانى من الحمل كاف للانجاب ( 25 يناير مكرر ) مرة اخرى لن يأتى بمولود ثورى وانما بالاحباط . وان الواقع له منطق موضوعى خاص مستقل عما يعتقده الثوريون بقواهم واحزابهم وتجمعاتهم .. ان وجدت ! ( وان طرح شعار لن نترك الميدان قبل الاطاحة بالعسكرى تعسفا وقفزا على كل الشروط المطلوب توافرها لن يحقق شيئا مهما شق عنان السماء ) .
غير انه بجانب هؤلاء الثوريين المحبطين الان , كانت هناك فئة من المثقفين الحزبيين الاصلاحيين "الاشتراكيين" الذيليين , من ذوى المقار - اسهموا فيما حدث بأن -- روجوا لاتباع تلك الفئة البورجوازية او تلك , او هذا البورجوازى او ذاك , وقد اوهنتهم الشكوك والوساوس فى اتباع طريق الثورة , ومالوا الى تدبيج خطب التوبيخ , ومالوا للالتحاق بركب البرلمانيين , والدستوريين والرئاسيين , ولم يكن لهم جدول اعمالهم الخاص , فقد كانت البورجوازية هى من يضع الجداول لهم , وماعليهم الا ان يسيروا فى ذيلها , كما تعبوا سريعا من الثورة رغم انهم لم يبذلوا جهدا ذا بال فى اشعالها , غير ان مايذكر لهم ومماثليهم , انهم حلموا بجنازتها باكرا, وانشدوا قصائد النعى المظفرى ( نسبة الى الشاعر العراقى مظفر النواب ) , وكلما سارت خطوة الى الامام جذبوها للخلف , ودفعوا الشعب حاثينه على السير فى الطريق الاصلاحى مستعيضين عن اى شئ ثورى جذرى , وراديكالى , بنثر برلمانى رئاسى دستورى . وحين كان يذكر لهم ان طريق الثورة لايلتقى وطريق البرلمان , كانوا يشيحون بوجوههم, ويعتبرون ان ذلك لايعدو ان يكون ثرثرة اخلاقية فارغة , منبعها ترهات "دارسى الاداب ", من اصحاب النزعة الرومانسية التى تبتعد كامل البعد عن الواقعية . وأن ابداء الهمة الثورية يتجلى فى الاستجوابات البرلمانية, ومراعاة الشكليات اللائحية , والتهديد غير الممكن بسحب الثقة, ورفع الصوت , والخطابات المدوية , والتصريحات الثورية الحارة المتطرفة , التى لم تكن فى كل الاحوال تتعدى حد الكلام , وتشكيل النقابات بهدوء كما يجرى فى فترات الركود والتطور غير العاصف . وانه اذا ماكانت هناك حاجة لانتفاضة فوجب ان تكون انتفاضة " برلمانية رئاسية دستورية "فى حدود الاطار السلطوى الخالص . لقد كانت هناك انواع من الخداع شتى , خداع عمدى عند البعض , وخداع للنفس عند قطاع واسع من الديموقراطيين الثوريين, وتواطؤ عند قطاع اخر , ولكن انتهى الامر بنا الى ادراك ان المطالب الثورية لم تتحقق , وان النزاعات بكامل حدتها وتناحرها لازالت قائمة , وان ارباع الانتصارات " الشرعية " لايمكن ان تكون بديلا عن الانتصارات الثورية الكاملة .
-- 4 --
* غياب مقومات الاضراب العام الا فى غيوم الاحلام
كان الديموقراطى الثورى الروسى تشرنيشيفسكى يحذر فى " رسائل بلا عنوان ", بأنه لايجوز الشروع بأمر ( الاطاحة بالقيصر مثلا ) , عندما لاتكون ثمة قوى كافية مستعدة ناهضة من اجل انجازه , لأن ماينجم عن ذلك الحدث هو افساد القضية !
وجاءت الدعوة للعصيان المدنى من بعض القوى السياسية الليبرالية, لتختلط بالدعوة للاضراب العام من بعض القوى الاشتراكية يوم 11 فبراير الماضى, تكرارا للاوهام التى رافقت 25 يناير وان بشكل اخر . وضاعت القوى الثورية , بين اداة اصلاحية, وهى العصيان المدنى, واداة ثورية وهى الاضراب العام ( بين جين شارب ولينين ) , ولم ينتبه الداعون للاضراب العام , ان السلطة الحاكمة لاتسقط به كما تسقط تفاحة نيوتن بفعل قانون الجاذبية الارضية . وان قواهم ليست مهيئة , ولامعدة , لاستكماله بانتفاضة كاملة بمعاييرها اللينينية , وهى مسألة جوهرية , ان لم تكن هى المسألة الجوهرية فى الثورة . " . وفى كل الاحوال تبين عدم استعداد الطبقة العاملة لقبول دعوة الاضراب العام - وهى صلبه - مع ملاحظة ان الداعين لم يشرحوا بمايكفى ماهو طابع هذا الاضراب العام ( تصور البعض انه ليوم او اثنين او ثلاثة ) واهدافه واحتمالات تطوره , وامكان اخفاقه , بل رأينا تصريحا مخزيا من قادة احد النقابات "العمالية " بأن لااقل من 2 مليون عامل سيسهمون فى هذا الاضراب " العام " . ولم يحدث ذلك ! ( لذا تبين لنا ان هؤلاء الثرثارين هم من انصار الجملة الثورية ؟)
غير انه من المهم ان ندرك , ان ذلك لم يكن تصويتا من الشعب على بقاء السلطة العسكرية , كما حاول الحكام , والاعلام ان يصوروا الامر . كان مطلوبا ادراك المشهد السياسى الجارى بكل جدته وتعقيداته . والقيام بعمل تعبوى تحريضى ودعائى يضع فى اعتباره كل متطلباته , ويتدارك مافات , ويؤكد على تجاوز حقيقى للاوهام لااستبدالها باوهام اخرى .
لقد خرج الشعب فى الذكرى الاولى للثورة -- 25 يناير -- رافضا الاحتفالات السلطوية , الاخوانية , السلفية بها مؤكدا اصراره على مواصلتها , ولم يستجب لدعوة الاضراب العام , او العصيان المدنى لانه لم يكن مهيئا لهما بعد . اراد الشعب فى عمومه ان يعاين , ان يرى , ان يتيقن بنفسه من وعود المجلس العسكرى وحلفاءه ... ان يتعلم من تجربته الخاصة .
* كل ماتهل البشاير من يناير كل عام ! تعويذه لم تجلب الحظ !
هل كان لسحر يناير قرين الاعاصير الثورية فى تاريخنا المعاصر هذا الاثر الممتد منذ جيل السبعينات ؟؟؟
ربما ! لكن التعاويذ لم تعد تجلب الحظ . والميتافيزيقا نقيضة الجدل الذى هو علم جبر الثورة . كيفما كان الامر لاينبغى لنا ان نصنع صنيع الندابين , ولا منشدى المراثى الجنائزية , وبالاخص الانلعب دور مدعيى الحكمة من عجائز الثورة , من بقايا الحلقات الثانية والثالثة والرابعة من الحركة الشيوعية المصرية الذين تحجروا يمينيا وليبراليا عند مفاهيم معينة , ممن يعيقون الحركة الراهنة , وخاصة حركة الطبقة العاملة ويؤخرون اكتسابها للوعى الثورى . ونحن لانساير هؤلاء الذين يطالبون بشهادة ضمان مسبقة بتحقق نتائج نضالات معينة رغم ماقيل من ابرز "مفكريهم " الذين يعترفون به قولا ولايعترفون به عملا , من انه " قد يكون من السهل صنع تاريخ العالم لو كان النضال لايقوم الا ضمن ظروف تؤدى حتما الى النجاح " ( ماركس ) . ولايحمل هذا القول اى موافقة ضمنية على المغامرة , اوالقفز على واقع موازين القوى , او التجريب المنفلت دون تقدير موضوعى . ان اسوأهم من خانقى الطاقة الثورية يجرون فئات من شباب الثورة الى تذيل هذا الفصيل البورجوازى الليبرالى – الدينى اوذاك , ممثلا فى حركة او شخص او قوة سياسية معينة, وهم لايرون الواقع ناضجا لتقبل شعارات الثورة , وبدلا من ان يساهموا فى انضاجه لتقبلها , يفضلون المشاركة فى شروره البرلمانية والدستورية والرئاسية . ولزام علينا ان نجعل عاصفة الثورة المقبلة تمضى من فوق رؤوسهم مرة اخرى .
-- 5 --
* كيف نحول شيئا سيئا لشئ حسن ؟
حتى نحول تلك الاحدث التى مررنا بها فى 25 يناير و11 فبراير هذا العام الى خبرة مستفادة تعصمنا من تكرار اخطاءنا فلابد اولا ان نعى ماحدث , وما الذى يتعين علينا ان نفعله فى المستقبل ! فهذا وحده الذى يمكن ان يزودنا بالتفاؤل الثورى الواعى القائم على فهم موضوعى لقوى الثورة , ومنطقها الواقعى , ولتجاوز الاحباط الذى يغذيه عدم فهمنا لما جرى تحديدا . ولنحول هذا الشئ السيئ الذى حدث الى شئ حسن !
* كلمات قليلة فى علم الثورة وقوانينها وكيف كان حالنا معها
ان اول مايعنينا هنا هو ان نشير الى ان الثورة علم وفن وهى المسألة الاولى , ولذلك فلها قوانين عامة استخلصها الثوريون , دون ان يعنى ذلك ان هناك دفترا لمواصفات الثورات الناجحة , فكل ثورة لها خصوصيتها , وان اشتركت فى خواصها مع ثورات اخرى . واحد اهم هذه الخواص هو ان الثورة فى فترتها العاصفة هى حرب اهلية تمثل اوج الصراع الطبقى , وبصفتها حربا لابد ان يعتد فيها بموازين القوى بين الخصمين المتنازعين , ونسبتها ومدى استعدادهما للمعركة التى يقدمان عليها تماما مثل المعارك العسكرية . والتقييم الدقيق لموازين القوى هو مايحدد استراتيجية وتاكتيك الثورة , اى اهدافها البعيدة , وخطط عملها المباشرة لتحقيقها , من خلال اشكال التنظيم والحركة . فلابد 1 – ان تكون الطليعة الثورية جاهزة , والطليعة هنا لابد ان تمثل واحدة من الطبقات الاساسية فى المجتمع , وفى حالتنا هى الطبقة العاملة , التى لم تكن فى الواقع مستعدة , ولاجاهزة ولازالت بفضل قيادتها الاشتراكية الاصلاحية تقف ولاتتجاوز ارض المطالب الاقتصاية المصنعية , او القطاعية فى افضل الاحوال , بل ان المطلب السياسى الوحيد الذى طرح كمطلب من مطالب الثورة , وهو تحديد الحد الادنى للاجور, لم يجمعها كطبقة فى نضال سياسى مشترك لتحقيقه . 2 – القوى ذات الفعالية والتأثير التاريخى فى المدن والريف ( البورجوازية الصغيرة الديموقراطية الثورية , خاصة فقراء الفلاحين ) متأهبة ومستعدة لخوض معركة فاصلة مع السلطة القائمة , غير مبالية باى تضحية تفرض عليها ( تذكروا خروج 18 مليون مواطن مصرى فى ميادين الثورة وشوارعها للاطاحة بمبارك , وخاصة الاستخفاف بالموت فهو علامة مميزة ) 3 – جميع القوى الطبقية المعادية للثورة قد ارتبكت بدرجة كافية , وتنازعت , وانهكت نفسها فى صراع داخلى استنزف طاقتها ( الواقع انها اعادت بناء قوتها القمعية مضاعفة , وبدأت فى محاولة تصفية الثورة تدريجيا , وتفريغ ارباع وانصاف الانتصارات التى تحققت من مضمونها , والارتداد على كل مابدا ان الثورة حققته , وفوضت اجهزة الاعلام , والمؤسسة الدينية , ومثقفى البورجوازية , وفقهاءها القانونيون فى القيام بالتهيئة المعنوية من اجل تصفية الثورة ماديا بالاغتيال , والمجازر الجماعية , والاعاقة البدنية, والسجن, والتشهير, والترويع .. الخ ) 4 – ان العناصر المترددة, والمتذبذبة, والمتأرجحة, وغير الثابتة , والواقفة بين بين , والتى لاتريد حسم الصراع حتى يبلغ نهايته القصوى باستخدام كافة الوسائل والادوات التى تستخدمها كل الثورات الجذرية , اى البورجوازية الصغيرة قد فضحت نفسها بافلاسها العملى امام الشعب , وبظهور ان ادواتها "الناجعة " الموصوفة فى الصراع لم تؤد الا الى نكوص الثورة , لا لدفعها الى الامام . ( انتهى الى اننا وبعد 25 يناير و11 فبراير من العام الحالى لسنا فى حاجة لغاندى ولالمانديلا ولا لطبعته المصرية البرادعى ان اردنا ثورة حقا , نحن فى حاجة لتنظيم ثورى بالدرجة الاولى , اى لينين جماعى !لدينا بالفعل جملة من المفكرين , والكتاب البورجوازيين الصغار الغانديين امثال فوده , و قنديل , والاسوانى وعمار , وتميم , وعيسى , وفضل , ونواره وغيرهم , الذين ضللوا الثورة بانتهازيتهم الشريفة ( وهم من قوى الثورة رغم كل شئ ) , فقد اججوها , ثم اسهموا فى تقييد اقدامها وايديها بحصرها عند حدود " حضارية " معينة , اى مايمكن ان نسميه ممارسة الصراع الطبقى وفق الطريقة الليبرالية , اى فى حدود ماتقبله بعض قطاعات البورجوازية المحلية , والغربية , ومنعوها -- نظريا -- من ان تتطور الى اقصى مداها , وبكامل عزمها على مستوى ضرورات التهيئة والاعداد . المأساة ان السلطة كانت قد وضعت الحراب على جدول الاعمال بشكل مبكر , ولم تشأ اى قوة اجتماعية سياسية , ان تواجه هذا الوضع عاريا مكشوفا , وانما اثرت تأجيل المواجهة , حتى وان كانت على مستوى الوعى فحسب , وادراك مايتطلبه الوضع , من اعداد , وان عند مدى بعيد مقبل ) . 4 - ان يكون قد ظهر فى وسط الطبقة الطليعية نزوع جماهيرى اخذ بالتصاعد بقوة للنشاط الثورى الاشد حسما والامضى جنانا ضد السلطة الحاكمة . فعلامة اية ثورة حقيقية هى تصاعد اعداد ممثلى الجماهير الكادحة والمستثمرة الى مئات الاضعاف بل والالالف والملايين وهو ماسبق ان اشرنا الي افتقاده فى موضع سابق . 5 -- توجه اقسام من اجهزة القمع العسكرى والبوليسى الى الانشقاق عن السلطة الطبقية الحاكمة وانضمامها للثورة , وهذا يتطلب عملا منهجيا سابقا منظما يضع فى اعتباره خصوصية هذه المؤسسات . ( الحال ان بعض الاشتراكيين قد ثرثروا حول الموضوع فى مجالسهم الخاصة لااكثر, اما السلطة فقد قامت من جانبها برشوة ادواتها القمعية , ماديا فضلا عن غسيل مخها ايديولوجيا : واصفة الثوريين لها بانهم : ماسونيون , عملاء للصهيونية , ممولون , مثليون ... الخ ) .
* الازمة الثورية , والشعار الاجرائى التحريكى , والطبقة العاملة , والنزعة الارادية
والمسألة الثانية هى ان وجود ازمة ثورية , او وضع ثورى ليسا كافيين لحدوث الثورة " فلا اضطهاد الطبقات الدنيا , ولاازمة الطبقات العليا يصنعان الثورة -- وانما يصنعان فقط عفونة البلد – اذا لم تكن هناك فى البلد طبقة ثورية قادرة على تحويل حالة الاضطهاد الخاملة الى وضع الانتفاض والاستياء النشيط ... وهذا الدور , دور الطبقة الطليعية , التى تستنهض الجماهير فعلا الى الثورة ... انما تلعبه الطبقة العاملة الصناعية ( لينين ) . فضلا عن تجميع الامزجة الثورية الاحتجاجية لدى العمال والفلاحين وحلفائهم الطبقيين -- والتغلب على الامزجة السلبية التى تعرقل الفعل الثورى , ولذا يجب ان تقع الشعارات ودعوات النضال على تربة اجتماعية سيكولوجية مشابهة, و بذا تتجاوب مع المصالح الموضوعية للجماهير وهنا تكمن قوتها .
ويرتبط بصحة الشعار من الناحية الموضوعية ( الاضراب العام مثلا ) كونه لم يعبر عن اعتقادات حفنة من الثوريين فقط . فما اعترانا من اوهام فى 25 يناير و 11 فبراير كان احد اسبابه تصورنا ان ارادتنا كافية لتشكيل قسمات الواقع السياسى , وسوء تقديرنا لاهمية درجة وعى, ومزاج الجماهير, واستعدادها للحركة والعمل فى لحظة معينة , مع كل مااوضحناه بشأن مااحاط بها , وهو مايسمى فى الفكر الثورى بالنزعة الارادية , وهى تلك النزعة التى تقلل من شان العوامل الموضوعية , واولها موازين القوى الاجتماعية والسياسية , وتبالغ فى تقدير العامل الذاتى اى القدرات الدافعة لارادة العنصر الثورى الطليعى سواء كان طبقة او حزبا اوفئة او جماعة , وسمتها اعتبار الرغبة واقعا موضوعيا والاعتقاد الواهم ان ماندركه نحن بوعينا المتقدم لابد وان الجماهير تدركه ايضا وهذا غير حقيقى .
-- 6 --
* الحرب والصراع الطبقى معلمان عنيفان للحقيقة
يقال ان الحرب معلم عنيف للحقيقة , وكذلك ايضا وقائع الصراع الطبقى السياسى الضارية لمن اراد الانتصار . ويبدو ان علينا ان نتعلم اشياء جديدة , فمعرفتنا تتحدد بحصيلة كل الممارسات السابقة , وبما يتوجب علينا ان نفعله هنا والان .
والحال ان مهاما تطرحها علينا الاوضاع الراهنة يلخصها شعار : اقامة جمهورية ديموقراطية شعبية وتحقيق مطالب ثورة 25 يناير كاملة .
وذلك يتطلب منا اول مايتطلب ان نعلم ان هناك بعض القواعد العامة الاساسية التى تحكم كل انواع الصراع وهى : 1 الحيطة والحذر والترقب والتأمين الذاتى 2 المفاجأة 3 الحفاظ على القوى باقتصادها لتحقيق الاهداف الاساسية , وعدم تبديدها , وتشتيتها فى معارك جانبية , او فى معارك متتالية جزئية مما يرهق القوى بلا عائد , وعدم الانجرار لاستفزازات الخصم التى يكون هدفها تصفيتنا 4 مركزة القوى وتنظيمها 5 تلاؤم الوسائل مع الاهداف المتوخاه 6 المبادأة ولزوم وجود خطط واهداف . 7 الارتباط الوثيق الدائم ومد الجذور فى الطبقات الشعبية 8 نقل ماندركه نحن بدأب وصبر وبشكل تراكمى الى الجماهير التى لايمكن ان نقفز على وعيها فهى بملايينها التى تصنع الثورة لا الالاف من الطليعيين المبادرين .
* توقع مسارات الاحداث السياسية وتاريخ الثورات
كان نابليون يقول : " ... اننى ابدو دائما جاهزا للرد على كل شئ , ومجابهة اى شئ , وماذلك الا لأنى فكرت طويلا قبل الاقدام على العمل . لقد توقعت كل مايمكن ان يقع , وليست العبقرية هى التى تكشف لى فجأة ...... ماعلى ان اقوله او افعله فى ظرف لايتوقعه الاخرون , اذن فمن يقوم بكل هذا , انه تفكيرى , انه التأمل " .
ماذا يعنى هذا فى احد وجوهه ؟ يعنى ضرورة التوقع العلمى للاحداث السياسية , وتصور لاحتمال كيفية سيرها موضوعيا , والتخطيط الواعى للنشاط الثورى فى مجمل تجلياته تأسيسا على ذلك . ولايمكن لهذا ان يتحقق الا اذا انطلقنا من ان للسياسة منطقها الموضوعى بمعزل عن خطط وتوقعات الافراد او الاحزاب الذاتية . ويتطلب ذلك التطرق المنهجى الشامل للنظام بوجهه الاقتصادى والسياسى والاجتماعى والايديولوجى والعسكرى وماشابه حتى تتكون رؤية دقيقة للوحة العلاقات الطبقية الاجتماعية والسياسية وغيرها . وادراك ان هناك قوانين تتحكم فى التطور السياسى والاجتماعى لابد من معرفتها ومراعاتها . وعند وضع الخطط او استشراف التوقعات تتجلى لنا اهمية التمييز بين الامكان النظرى والامكان الفعلى .
وتسهم دراستنا لتاريخ الثورات اجمالا , وبصفة خاصة فى حالتنا لثورات 1848 فى اوروبا , ولكومونة باريس 1871 , ولثورة ديسمبر 1905 وفبراير 1917 الروسيتين , ولثورة 1919 فى مصر , وللثورة الاسبانية 1936 , ولانتفاضة الجوع فى مصر عام 1977 , ولنصف الثورة الرومانية التى اجهضت باعدام شاوشيسكو وبقاء نظامه – تسهم هذه جميعا فى فى معرفة حركة القوى الاجتماعية والاحزاب السياسية وموازين القوى وتغيراتها فى مراحل مختلفة ابان الصراعات الطبقية وتمكننا من ان نحلل اشكال واساليب عملها لاستخلاص سماتها .
*معنى التشخيص او التحليل السياسى
اذن التحليل السياسى يعنى تكوين صورة ذهنية بوسائل ادراكية ملائمة تظهر تخمينا وتكهنا – اقرب الى ان يكون حقيقيا –لمنظومة العلاقات الطبقية السياسية على مستوى ما , فى لحظة ما , او فى مرحلة ما فى المستقبل , وتقويم افعال نظام ما او دولة اوحكومة او طبقة او فئة اجتماعية , اوحزب بغية تغيير النظام الموضوعى للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية . وبقدر ماتكون هذه الصورة الذهنية دقيقة بقدر مايمكن ان نركن اليها فى تحديد الخطط والاهداف . وكذلك فى توقع نتائج الافعال والظواهر والاحداث المقبلة . ويستطيع الحزب الثورى ان يتوقع هذه الخطوة او تلك من خصومه الطبقيين , وحتمية حدوث بحدوث بعض الاحداث السياسية وتغير اشكال الصراع الطبقى وان يبنى سياساته على هذا الاساس .
ولاشك ان الكثير مما ورد هنا اجمالا يتطلب تناولا خاصا !
يعبر الافراد الافذاذ دائما عما هو جوهرى فى الثورة ومتطلباتها . وقد ان الاوان للثوار من الشباب الذين دللوا على جسارتهم ومبادرتهم واستعدادهم للتضحية فى فترة العواصف الثورية ان ينتقلوا الى مرحلة جديدة بالوعى بما تتطلبه هذه المرحلة التى نحن فيها : مرحلة عدم تحقق مطالب الثورة , ومحاولات تصفيتها تصفية جذرية بمختلف الادوات والوسائل , واستبقاء نفس النظام بعد تغيير شكلى غير كامل للوجوه .
والامزجة السلبية التى تناولناها فى هذا المقال تتواطؤ مع محاولات السلطة هذه . لذا " ان كنا قد صنعنا نصف ثورة فقد حصدنا نصف هزيمة" ولابأس علينا فى ذلك فعلينا ان نتجاوزهذا الوضع معا وان نعد لانتصار .
ولكن المؤكد انه مامن مستقبل بدون نظرية سياسية ثورية , ومامن مستقبل بدون قيادة حزبية واعية راديكالية , سياسية وتنظيمية وجماهيرية , ومامن مستقبل بدون مد الجذور والتلاحم فى اوساط الكادحين وخاصة الطبقة العاملة المصرية وقلبها الصناعى , ومامن مستقبل ان لم يكن الهدف الاستيلاء على السلطة السياسية فهى المسألة الاساسية فى كل ثورة , ومامن مستقبل دون اعداد الادوات والوسائل والركائز لانجاز ذلك . باختصار ما من مستقبل لراديكالية البورجوازية الصغيرة بدون ذلك .
****************
* اثناء تواصلى مع صديقى الشاعر الكبير محمد فريد ابوسعده كان يأسى لاننا قد نرحل عن العالم قبل ان نشهد الحلقة الثانية من الثورة الجذرية وقلت له : عشنا حياتنا كلها انتظارا لتلك اللحظة , ولن نخطو نحو عتبة الابدية قبل ان ننهها هنا اولا ! فهل تساعدونى ان ابر بوعدى ؟؟؟؟؟؟؟
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟