|
تفكيك الأعجوبة
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 09:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في جوانب من مغامرة الرحلة إلى أوربا -3- قصيدة فوق السحاب...! أية أنواء هذه التي تعتمل في روحي ، فتجعلني أستسلم أمام سلطانها خاضعاً لجبروتها وهي تحدد حالتي النفسية متراوحة بين شارتي السلب أو الإيجاب ،أو لأقل :السلب والسلب – غالباً – حيث سرعة التأثر بالخارج ،إذ آلام الآخر تتواشج مع ذاتي ، تتجاسر مع روحي ، أفراحه على ندرتها – أفراحي – ناسياً نفسي في المعمعان إلى إشعار غير معروف !؟.. أنواء من نوع خاص ، هكذا أكتشفها ، وأنا أودع ورائي نكهة الغبطة الموقوتة التي تعرّفت بها عما قبل ، وأنا أدير ظهري للشرطي الجالس وراء حاسوب الأسرار ، لأجد نفسي دونما وعي مني على مدخل الطائرة، ألقي السلام على طاقم الرحلة – لتجذبني – ابتسامة حسناء فارعة الطول ، إلى حين ، كي أجول بنظري داخل الطائرة ، باحثاً عن صاحبي ، لأجدهما يلوحان إلي ، كي أسير بخطا لجوجة صوبهما : إنها لطائرةٌ من نوع مختلف ...! أعني أنها تختلف عن طائرة – هوب الهوب – التي تلهث على خط دمشق – قامشلي ، وبالعكس، وهو أطول خط داخلي ، وأهمّ على الإطلاق ، لأنه يربط العاصمة بخزان سوريا الاقتصادي ، ورغم ذلك فإنّ هذه الطائرة التي أمضت أقصى عمرها الافتراضي ،لما تزل تتنطع في هذه الشيخوخة لأداء مهمتها الشبابية ، ولعلّ ما يدعو إلى العجب – حقاً- هو أن شركة الخطوط الجوية السورية ، والحمد لله ، الأكثر ضماناً، لأنني أثق – تماماً –بها ،فأنا لم أسمع بأيّ حادث تعرضت له – وهو ما جعلني أتشجّع على هذه الرحلة، تحديداً...! جلست في مقعدي إلى جانب زميلي ،وضعت حقيبتي الصغيرة في مكانها المخصص، وأنا أتلقى –نكتة من العيار الحلبي – رواها د. عمار ،لنقهقه معاً ،كي تكون تلك القهقهة بداية فأل مبتغى ، ولأغسل الروح من غبار التعب الاستثنائي ، أجددها لمواجهة لائقة بالحياة المشتهاة...! قبل إقلاع الطائرة بهنيهة ،تعرفنا على طاقم الطائرة من كابتن ومضيفين ومضيفات حيث سمعنا أسماءهم من خلال – الميكروفون –في المركبة،لنتلقى بعدها إيعازاً مع صوت فيروز الصباحي بأن نشدّ الأحزمة ،كي أجدني أتلكأ مرة أخرى في استخدام الحزام الخاص بي ،كي يساعدني أحد زميلي في تركيبه بالشكل اللازم ،ومن ثم ليرتفع هدير الطائرة ،بعد انطلاقة أرضية قصيرة، فنصبح بعد بضع دقائق على مسافة تمكننا من رؤية حلب الصباحية، وكأنها مجرد لوحة لفنان تشكيلي من المدرسة الواقعية...! مثل هذا الشعور وأنا ضمن طائرة تحلق عالياً انتابني قبل الآن كثيراً،إذ أتذكر – أولى مرة – سافرت فيها عبر الطائرة مع والدي ، وأنا في سني شبابي الأول ،لأذكّره بطرفةٍ كان رواها عمي لنا : كيف لا يخاف المرء وهو في الطائرة على بعد آلاف الأقدام عن الأرض ،لا سيّما وأن الطائرة غير مربوطة بحبل في أعالي السماء ،وإن أي عطل لها في تلك الآفاق العالية يعني الفناء...! تدريجياً بدأت حلب تتضاءل إلى درجة باتت تختفي فيها نهائياً ، حيث نغدو محلقين فوق جبال شاهقة من السحب ، تتناطح، وتترك ظلالها أسفل ، إنها مشاعر مائزة حين يكون المرء أعلى من الغيم أو السحاب..! ألقيت جريدة الصباح التي قدمت لنا جانباً ، بعد أن قرأت جملة أخبار، وموادّ ثقافية ، لأكون أمام قراءة الأعالي ،كما يطيب لي الآن تسميتها ، بل لأفكر بكتابة قصيدة ما ، ملتقطاً ما يختلج في داخلي من مشاعر موسومة باللّحظة والمستقبل... تقترب المضيفة منا، تعرض علينا جملة مشروبات ساخنة ، وباردة ، لا يتلكأ صاحباي في اختيار القهوة، أما أنا فأبقى رهن التردد، مع إن القهوة باتت مشطوبة منذ سنوات من معجمي الشخصي ، بعد طيب عشرة بيننا، لأشير بإصبعي إلى أغلى ما أجده على عربة المشروبات ، أستوفي بذلك أعلى ما يمكن من أجرة البطاقة ، ضمن حدود حقي الشخصي....!، فينتبه رفيقا الرحلة إلى ذلك ، كي يدبّجا معاً نكاتٍ عاجلة تتناول الموقف.... هي ذي القصيدة تطرق بللور الروح بأصابعها النعناعية ، متمظهرة في صورة الأنثى التي أحب ، أدنو منها قليلاً كي تنزلق من بين أصابعي الملساء ، كأنها محض زئبق ، أو هلام، بيد أني أستعيد روح الطفولة اللجوجة، وأنا أترقب سرب العصافير ، أقودها – غير مكترث بقرّ الوقت أو حرّه- على أرض فخاخي ،أبهرها بغواية الطعم الصارخ... مرّت شهور كثيرة ، وأنا لم أكتب قصيدة ، بيد أن أنثى اللحظة تواصل غواياتها ، وليس لي إلا أن أستكين ، أرسم بعض ما يلوح أمام ناظري ، أو ما يمتلكني من مشاعر ، أنسلخ عن اللحظة ، والحديث الساخن بين صاحبيّ ، ساهٍ عن كل هذا اللّغط الذي يتذرّى داخل الطائرة، منصرف لجبلّة القصيدة الماجدة!... - إيه يا قصيدة !... أنى لك أن ترتفعي كما أشاء لتليقي بوطن وأنثى وحلم...! ثمة كائن ينهض من الحبر ، يشغل بياض القرطاس ، يؤمىء إليّ أن بقية ملامحه لا بد أن تكتمل في وقت مقبل، ما دام أن المكان الأليف يحتل جسد النص دون أية علامات فارقة مستجدة ...! هكذا أعود إلى صاحبيّ ، ألتقط أطراف الحديث المتبادل، كي أترك عليه بصماتي الشخصية، من جهتي واعداً أن أتناوله ضمن المادة التي سأكتبها عن الرحلة ...! أنظر من الكوة – كي أرى هاتيك – السحابات الداكنة في الأسفل ، تشكّل هندسة من خلال فوضاها العارمة، كجزء من أسرار الكون والطبيعة الموغلة في الغموض... يا الله! يا لله...!! السحب في كل مكان متشابهة ...؟!.. أفرغ من تناول وجبة الطعام السريعة ، أطلب قدحا ً من المشروب البارد، أتلذّذ باحتسائه ، أدفن رأسي بين صفحات الجرائد ، أقرأ زوايا كنت قد أهملتها من قبل، ثم أعود لأسمع جوانب من الحوار الدائر بين مشعل وعمّار ، أداخل قليلاً في ما يخص مأخذ بعضهم عليّ، كما رواه لي عمّار بصدد موقفي من الإرهاب في العراق، فأوضح له الرأي تماماً، بأنني مع الأنموذج العالمي للمقاومة ، بيد أن ما يحدث في أرض السواد، حتى الآن ،من عمليات ضد المدنيين والأبرياء، لا يعد و أن يكون إساءة لمفهوم المقاومة! يتلاشى الملل الذي يداهمني، حين أدرك أننا بتنا على مشارف باريس، حيث سنحطّ الرحال هناك، ننفض تعب الرحلة ، ولتغتسل الروح بين أحضان أولى مدينة أوربية قرأت عنها ، لا سيّما وأنني ألزمت وأنا في الصف الأول الإعدادي – على اللغة الفرنسية، ككل أبناء الفقراء ممن هم دون وساطات، أو سند ، إذ أتقن بعض المفردات التي أعوّل عليها أن تسعفني في بعض المواقف... بعد قليل يشار إلينا أن نشد أحزمة الهبوط ، فأمتحن مهاراتي ، لأؤّكد أنني لم أنس كيفية شدّ الحزام، لأفكّه بعد قليل ، وأنا أسمع من خلال مكبر الصوت في الطائرة إننا الآن في مطار اورلي الدولي تهبط الطائرة تماماً ، تهبط ..تهبط...... كي تستقرّ بعد قليل في مهبطها المخّصص ، ليتأهب المسافرون للنزول واحداً تلو الآخر.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدلاً عن دمعة :في رثاء الكاتب الكردي حمزة أحمد ....!...
-
في خطوة .............. شوفينية..!مأمون الحلاق ……..و-جامعته
-
تفكيك الأعجوبة ... في جوانب من مغامرة الرحلة إلى أوربة !!!؟؟
...
-
شهوة الرنين *
-
شهوة الرنين
-
سنة مختلفة في رثاء ضيف ثقيل
-
في رثاء الصديق الأديب ميخائيل عيد
-
ممدوح عدوان ..روح في مختبر خاص
-
طه حامد..... حرية-طائر الباز-
-
ياسر عرفات لقد صفعني غيابك حقّا ً ...........
-
مرشدة نفسية متزوجة من مواطن كردي أجنبي – تستنجد :ا
-
في أحوال الرعية على هامش ماقاله السيد الوزير..!!:
-
مقال
-
كلمة إبراهيم اليوسف في الندوة الوطنيةالتي انعقدت في فندق الب
...
-
حسن عبد العظيم .. وأمبراطورية المعارضة
-
فرهاد جلبي يرحل مبكراً...!
-
إ ند ياح الفساد إ نحسار الإصلاح
-
هل سنكون أمام العصر الذهبي للإقطاع من جديد !!؟
-
اليوم الوطني لمكافحة الفساد..!!!
-
الميثاق الجديد للجبهة الوطنية التقدمية جملة مآخذ ...وتناس وا
...
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|