|
عن الإيمو والحرية وكراهية الحياة
شاكر الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 19:49
المحور:
حقوق الانسان
الأخبار والصور المنقولة من العراق والتي تنقل ما تيسر من تفاصيل المجزرة التي يتعرض لنا مجموعة من الشباب والشابات في العراق بذريعة تقليد ظاهرة الإيمو ،تكشف لنا عن مقدار الكم الهائل من الكراهية للحياة وللحريات والرغبات الشخصية الذي يعتمل وبقوة في أوساط واسعة من القوى والتيارات السياسية المهيمنة على الدولة والمجتمع في العراق . المجتمع الذي يعجز عن إيجاد أسس للتعايش والحياة المشتركة بين مواطنيه . أسس تعطي لقضايا الحقوق والحريات مكانة لايجوز التجاوز عليها أو أنتهاكها .
نحن هنا أزاء مجتمع محكوم بالدين وبالتفسيرات المتعددة والمتضاربة للنصوص الدينية وأحكام فقهاء الطائفة وتفسيرات مليشيات الطوائف. المليشيات المسلحة التي تريد فرض هيمنتها على المجتمع والدولة وتحويلهما بالتالي الى ساحة لتنفيذ برامجها السوداء أو المجتمع الذي تحتل فيه العشيرة وقيم العشائرية مساحة واسعة وتتحول الى سلطة موازية لسلطة الدولة وتتمكن فيه مناسبات وأحداث كثيرة من أزاحة تلك السلطة وتهميش قوانينها وأعتبار العرف والتقاليد العشاسرية قوانين نافذة . مجتمع غير قادرعلى التطلع لما سيكون عليه المستقبل أو المشاركة في صنعه وتحديد ملامحه وسط كل ما يشهده العالم من تقدم تكنلوجي وعلمي وثقافي والسعي المتواصل للارتقاء بحقوق الأنسان وحرياته ووضع معايير صارمة تحد من أمكانية التجاوز عليها أو أنتهاكها . المجتمع الذي ينتظر ما يقوله الفقيه ورجل الدين أو مفسر المليشيا الطائفية لن يكون له دور هام ومصيري في هذا العالم وعليه ان لايستغرب حين يتحول الى نموذج للأمتهان والأذلال والأنتهاك المتواصل لكرامة الأنسان .
في مجتمع كهذا فإن الحديث عن الحريات الفردية والمدنية والحقوق الأصيلة للأنسان سيكون حديثا مفزعا ويتصادم وبقوة مع العرف السائد في المجتمع ونظرته الى ما يحدث أو الى الظواهر الأجتماعية والثقافية فيه ، الظواهر التي يتم أعتبارها أنتهاكا للقيم والأعراف السائدة وتجاوزا للأطر الدينية وخروجا على المألوف . حديث كهذا ،عادة ما ينتهي بتصفيات جسدية أو تشويه وتسقيط سياسي وثقافي وأخلاقي بشع جدا .
ربما هي لست المرة الأولى التي يتم فيها تصفية مجموعة من الناس بهذه الطريقة الوحشية ،القتل بالبلوك او بالرصاص ، فتاريخ المجتمع العراقي شهد سلسلة مروعة من عمليات السحل بالحبال والتصفيات الجسدية ضد المخالف أو المعارض أو الخصم ، هذا اذا أعتبر البعض ان شباب الإيمو خصوما لجهة ما أو دين أو طائفة .
ان السؤال الذي يجب أن يبرز الى الواجهة وسط هذه الأحداث ووسط هذا الجو الخانق من الذعر والخوف : اية قيمة يمتلكها الأنسان في العراق ؟ أي قيمة تمتلكها الحقوق والحريات الشخصية وأية مكانة تحتل في سلم أولويات الدولة ؟ الى اين يسير هذا المجتمع وهو غير قادر على أنتاج قيم أجتماعية وثقافية معاصرة يمكنها أن تلبي حاجة سكانه ورغباتهم المقموعة للعيش بحرية وكرامة ؟ كيف يمكننا مواجهة هذا الكم الهائل من الكراهية للحياة والأنسان ورغباته ؟
حين أسقط نظام البعث الفاشي في التاسع من نيسان من عام 2003 أعتبرت الكثير من قوى الأسلام السياسي الشيعي ،ان الظلم الذي مارسه صدام حسين وحزبه ونظامه الأجرامي ضد الشيعة وحرمانهم من حرية ممارسة شعائرهم وتحوله الى نظام دكتاتوري قامع للحريات والديمقراطية ، كان أحد الاسباب الرئيسية التي دفعت الى أسقاط هذا النظام . ولذلك فمن حقنا أن نتسائل هنا ، عن مدى أتعاض هذه الأحزاب من المصير الذي لاقاه صدام حسين ونظامه وهل أن ممارسة القتل والأنتهاكات المتواصلة والتصفيات الجسدية البشعة التي تنتشر في مدن العراق المختلفة الان ضد مجاميع من الشباب العراقيين لأنهم يرتدون ملابس معينة أو يستخدمون أكسسوارات غريبة أو يستمعون لموسيقى معينة أو لرغبتهم في ممارسة حياتهم بالشكل والطريقة التي يريدون ، هي دليل على أتعاض هذه الأحزاب وتعلمها لدرس ممارسة السلطة في مجتمع فيه الكثير من الظواهر الثقافية والأجتماعية والدينية وفيه أعداد هائلة من الشباب والنساء والأشخاص الذين يطمحون للعيش أسوة بأقرانهم في دول العالم المتحضر المحيط بنا وكذلك على أدعاءاتها المتواصلة حول الحقوق والحريات وترسيخ قيم الديمقراطية ؟؟
ان ما تحقق حتى الان أننا أزاء سلطة وأحزاب وقوى عشائرية وطائفية كارهة للحياة وكارهة للحقوق والحريات وكارهة حتى للالوان والرغبات الشخصية . أي أننا ازاء قوى تقف بالضد تماما من الحقوق الأصيلة للأنسان وتسعى لفرض وصايتها عليه وتحديد نمط حياته وكيف يعيش وأي تسريحة شعر يختار و اي نوع من الملابس يجب أن يرتدي . ان هذه القوى وعبر تصفيتها البعشة والأجرامية لظاهرة الإيمو فإنها توجه رسالة شديدة الوضوح لكل القوى المدنية والتحررية في المجتمع العراقي . لكل شاب وأمراة ، لكل شخص يجد أن الأنسان وحريته قيمة عليا ومقدسة . رسالة مفادها أن القادم أخطر وأن دولة الغد العراقي ستكون حافلة بالمزيد من القمع والتخويف والتصفيات . الدولة التي تريدها هذه القوى هي دولة القسر والظلام والتحميق الديني ومصادرة الحريات .
عمليات القتل الوحشي التي تمارس وسط صمت حكومي يجعل من الحكومة شريكة في كل الجرائم التي حدثت و ان جهات ومليشيات مسلحة وطائفية متطرفة مدعومة من الحكومة هي التي تقوم بكل تلك الجرائم . معالجات الحكومة لهذه القضية أتسمت بالأضطراب والأرتباك ففي الوقت الذي أكدت فيه وزارة الداخلية العراقية وعبر موقعها الرسمي أنها تمتلك الموافقات الرسمية للقضاء على ظاهرة الأيمو(بيان وزارة الداخلية ...الداخلية تشن حملة للقضاء على الإيمو في 13 شباط الماضي ، تم رفعه من موقع الوزارة بعد تصاعد حدة الأتهامات لها ) فأنها عادت وأنكرت أي دور لها والقت باللوم على عصابات القاعدة الأرهابية وعلى (حارث الضاري ) بهدف أفشال مساعي عقد القمة العربية في بغداد !!! .
ان الارهاب والتصفيات التي تمارس ضد مجاميع من الشباب العراقي بذريعة الإيمو فرض جوا من الذعر والخوف على مناطق ومدن كثيرة من العراق . الذعر والخوف من أن تتخذ ظاهرة الإيمو ذريعة لممارسة المزيد من التصفيات والقتل والأعتقالات ضد أشخاص لاعلاقة لهم بتسريحات الشعر أو الملابس والأكسسوارات ولا علاقة لهم بالموسيقى أو النرجسية الشخصية . أشخاص قد يتم أعتقالهم أو تصفيتهم نتيجة مواقف معينة مخالفة أو متصادمة مع أحزاب الاسلام السياسي وحكومتها في العراق .
من مهام الحكومات الهشة ومؤسساتها وأجهزتها إنها تبدع في أبتكار وصنع الحدث الشاغل ،شاغل الناس البسطاء عن ما يحيط بحياتهم من جحيم وفقر وظلام وأرهاب وتجعلهم يفتشون عن الحدث الجديد الذي يشغلهم عن الفساد والسرقات المليارية والبطالة والأستئثار بالسلطة والمحاصصة والصراعات السياسية البشعة التي تلقي بضلالها على حياة وأمن وأستقرار المواطن البسيط . كل يوم يصنعون الحدث الذي يتصدر الواجهة . هكذا تحولت ظاهرة الإيمو الى شر مستطير يهدد الدولة والمجتمع وقيمه وأخلاقه ويدنس المدن المقدسة يجب التصدي له رجما بالبلوك وأقامة الحدود الشرعية .
#شاكر_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرة حرب ...1 .حين أضعت الطريق الى بيتنا
-
قراءة في مشاهد أعتقال وقتل دكتاتور
-
المالكي ومجالس الإسناد : حكاية التاريخ المستعاد
-
الإعتقالات و الإتهامات لا تحجب الحقيقة يا حكومة نوري المالكي
-
عدو ما بعد القتل : عن صور جثة بن لادن
-
البديل السياسي في العراق : مقاربة أولية
-
حكومتنا وحكوماتهم: الأختلافات والتشابهات
-
درعا في مواجهة الأسد
-
بوتين والقرضاوي : فجر أوديسا أم الحرب الصليبية ؟
-
إزالة الدوار أم إزالة الرمز ؟
-
لنحارب المحاصصة أولا
-
التجمعات والتظاهرات في العراق بين الأمل والأحباط
-
ثورة أم أصلاح ؟.. حول ما يحدث في العراق .
-
حزب البعث لايستحق شرف الدفاع عن مطالبنا
-
نفحات فاشية ، خطاب القذافي نموذجا
-
الحركات الأحتجاجية و المطلبية في العراق، شعاراتها وآفاقها
-
لاتدنسوا بغداد بهذه القمة
-
الثورة التونسية في عيون قذافية
-
زين العابدين بن علي : دكتاتور آخر يتهاوى
-
في الدفاع عن العلمانية
المزيد.....
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد تضر باقتصاد ألمانيا
-
إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|