سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3667 - 2012 / 3 / 14 - 11:44
المحور:
المجتمع المدني
أعقدُ المشكلات قد يكون حلّها بسيطاً يقترب من البداهة، بحيث يتمّ تجاهله لأنه يصف حلاً (ساذجاً) لمشكلة بلغت من التعقيد والاتساع ما يستلزم خططاً يضعها عباقرة على شاكلة اينشتاين وأضرابه، وينفذّها رجال قساة غلاظ بلا رحمة ولا قلب كالمقبور صدام وأشباهه. ليس بالضرورة أن يكون حلّ أعقد المشكلات معقداً، كما أن أغنى الأشياء وأشدها ضرورة للحياة ليس الذهب والماس، إنّما الهواء والماء المتاحان للجميع.
نشكو جميعاً من شيوع الفساد الإداري وغلبة الرشوة على عملِ نسبةٍ كبيرة من موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية، إذ يندر أن يكون بإمكان أحد أن ينجز معاملة ما بسلاسة ويسر، مهما كانت مستوفية للشروط، من دون أن يدفع رشوة أو يستعين بأحد معارفه ممن لديهم نفوذ، يلين له الحديد ويفتح الدروب والمسالك المغلقة. نشكو جميعاً مشكلة استعصى حلّها منذ زمن بعيد واستفحلت وشاعت حتى ليظّن أحدنا نفسه في حلم أو في بلد آخر من حازت معاملته شهادة تخرجها بلا تسليب ولا تأخير.. نبتهلُ إلى الله أن ينقذنا من جور وتعسّف إخوة لنا، وندعوه، سبحانه وتعالى، أن يقتصَّ منهم ويسلّط عليهم من لا يرحم، برغم أن بعض من يرفعون أكفهم بالدعاء موظفون يفعلون ـ في أماكن عملهم ـ ما استهجنوه من نظرائهم.
ننسى، أو نتجاهل، أن الحلّ بسيط حدّ البداهة وفي مرمى البصر كما الهواء في متناول الرئتين الحيتين. الحلّ، ببساطة، أن نمتنع جميعاً عن تقديم الرشوة ونشكو من يطلبها ويرغمنا عليها. قد نتأخّر وتتعطّل بعض مصالحنا، فغالباً يراهن المرتشون على ضيق صدورنا ونفاد صبرنا. المرتشي الذي يشكوه جلّ المراجعين سيخشى ـ مهما كان واثقاً من حماية مديره ـ من عواقب عدم انجاز عمل وُظف لأجله. ننسى أن الجميع، اليوم، يرغب بوظيفة حكوميّة، ومن البداهة ألاّ يرتكب عملاً قد يؤدي إلى فقدانها.
أقفُ في الطابور مستسلماً لأفكاري، سعيداً مبتهجاً لأني، أخيراً، اهتديتُ إلى حلّ لمشكلة مستعصية.. تجاوز أحدهم الطابور وأخذ "صموناته" وذهب، آخر دخل الفرن وحيّا العاملين.. قبّلهم وقبّلوه.. انتقى أشهى "الصمونات" ورحل.. لم يبد أحدٌ منّا، نحن الواقفين في الطابور، أيّ احتجاج أو تذمر.. أيقنتُ أن ما اعتقدته حلاً ليس أكثر من يوتيبيا وحلم ساذج.. أدركتُ أنّ الصمّون الحار (المكسب) الشهي لن يكون أبداً طعام من يلتزم الوقوف في طابور.
#سعد_تركي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟