|
الأبعاد السوسيولوجية للحكامة الجيدة في النظام التربوي في حوار مع السوسيولوجي د علي بولحسن
رشيد شاكري
الحوار المتمدن-العدد: 3665 - 2012 / 3 / 12 - 18:54
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أعددت هذا الحوار مع الدكتور علي بولحسن حول الأبعاد السوسيولوجية للحكامة الجيدة في النظام التربوي، وقد تم نشر هذا اللقاء في الجريدة التربوية. يتضمن الحوار أفكارا جديرة بالاهتمام والمتابعة لأنها صادرة عن باحث متمرس في المجال السوسيوتربوي زاوج بين التنظير والممارسة الفعلية. للاقتراب أكثر بالدكتور علي بولحسن إليكم هذه الورقة التعريفية:
• حاصل على الدكتوراه في السوسيولوجيا من جامعة تولوز بفرنسا1995. • أستاذ باحث في السوسيولوجيا بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط منذ 1995 • كاتب عام دار الحديث الحسنية ما بين 2006 و2008 • خبير في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية INDH منذ 2006 • مستشار وزير التربية الوطنية من 1996 إلى 2006 • مستشار عدة منظمات دولية ( اليونيسف، اليونيسكو، فريديريك إلبير، البنك الدولي، البنك الإفريقي،...) • رئيس جمعية الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية • من مؤلفاته: - SOCIOLOGIE DE L’ORIENTATION : Etude des processus scolaires et professionnels en France et au Maroc.(2006) - SOCIOLOGIE DE L’EDUCATION. Les systèmes éducatifs en France et au Maroc. Etude comparative (2002)
نص الحوار: س: أشكركم على تخصيص الجريدة التربوية بهذا اللقاء، واسمحوا لي في البداية أن أستفسر عن مقاربتكم الشخصية لمفهوم الحكامة . ج: في أول الأمر لا بد من الإشارة إلى أنه هناك محاولات للتخلي عن التعريف الأولي للحكامة والذي يتجلى في تطبيق القوانين والأحكام المسطرية لتدبير الشؤون على اختلافها (الشأن المحلي، الشأن التربوي، الشأن الاقتصادي....) وفي هذا الإطار أرى أنه على كل مهتم بالحكامة أن يستحضر البعد الاشتقاقي للكلمة، إذ يمكن اشتقاق منها ثلاثة أفعال على الأقل وهي: -حَكَمَ: أي طبق القانون، أي أنه لا حكامة مع وجود خرق القوانين، أو اتخاذها ذريعة ومبررا للاستعلاء على الضوابط القانونية مهما كانت طبيعة المناصب وجسامة المسؤولية. -تَحَكَّمَ: أي القدرة على اتخاذ القرارات، والقدرة على التحكم في جميع آليات التسيير والتدبير، وترشيد الإمكانات المتاحة دون السقوط في أخطاء أو الإفراط أو التفريط. -احْتَكَم: حيث يحيل هذا الفعل إلى تقاسم السلطة وإشراك الآخرين في الاقتراح والتنفيذ والتقويم، حتى يتحقق التوازن. تم تداول مصطلح الحكامة لأول مرة من طرف البنك الدولي في سنة 1989 الذي اعتبر أنها: «أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل خلق التنمية»، وكان هذا التداول في إطار تأكيد البنك الدولي على أن أزمة التنمية في العالم النامي هي أزمة حكامة بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط. و هو في واقع الأمر مفهوم قديم يدل بالأساس على آليات و مؤسسات تشترك في صنع القرار. و منذ عقدين طرأ تطور على هذا المفهوم و أصبح يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين و تحقيق رفاهيتهم، و ذلك برضاهم و عبر مشاركتهم و دعمهم. من الواضح أن مفهوم الحكامة تطور موازاة مع تطور مفهوم التنمية. لا سيما لما انتقل محور الاهتمام من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي ثم إلى التنمية الإنسانية. و ذلك عندما تبين بجلاء أن تحسين الدخل القومي لا يعني تلقائيا تحسين نوعية حياة المواطنين ومستوى عيشهم. و ظهر مفهوم الحكامة بجلاء عندما أضحت التنمية مرتبطة بالتكامل بين النشاط الاجتماعي والاقتصادي و السياسي والثقافي والبيئي ومستندة على العدالة في التوزيع و المشاركة، أي التنمية المستدامة التي بدونها لا يمكن تحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية بشرية مستدامة س: فما هي إذن الأسس والمرتكزات التي تعتمد عليها الحكامة الجيدة؟ ج: يبدو أنه من الصعب الحديث عن معايير عامة قد تصلح لكل المجتمعات، باعتبار خصوصية كل مجتمع على حدة، لكن من الممكن أن نحدد المعايير المشتركة. ويبدو أن الصعوبة طرحت أيضا على مستوى المنظمات الدولية حيث اختلفت توصيفاتها من منظمة لأخرى أو بين منطقة وأخرى، فعلى سبيل المثال: معايير البنك الدولي بالنسبة لشمال إفريقيا يركز على(المحاسبة، الاستقرار السياسي، فعالية الحكومة، نوعية تنظيم الاقتصاد، حكم القانون والمعاملة بالمساواة، والمشاركة وتأمين فرص متساوية للاستفادة من الخدمات التي توفرها الدولة، التحكم في الفساد). في حين أن معايير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يركز على(المشاركة، حكم القانون، الشفافية، حسن الاستجابة، التوافق، المحاسبة، الرؤية الاستراتيجية). وفي اعتقادي أن المعايير التي تكون مربع الحكامة الذهبي هي: الشفافية، والمسؤولية، والقرب، والتشارك. س: ألا يمكن أن نستشف من مختلف تلك المعايير أن هناك حضور واضح للبعد القيمي والأخلاقي في تصور الحكامة الجيدة؟ وهل هذا يعني الانزياح نحو الأخلاقي في التدبير أكثر من العقلاني؟؟ ج: لا ننكر أن هناك احتكاما إلى المرجعيات الأخلاقية في تبني معايير الحكم الرشيد، لكنني لا أجد تقابلا بين ما هو عقلاني وأخلاقي خصوصا في مجال التدبير، باعتبار أن مجال التدبير يمتزج فيه البعدان بكونه مجالا للفعل الإنساني. وأي نزوع للفصل قد يعني تعسفا قد يخلق اختلالا قيميا في تصور فلسفات التدبير. فالمعايير قد خضعت لتحولات على مستوى المرجعيات مرتبطة بتصور فلسفات التنمية ذاتها. فحين الحديث عن مقاربات التنمية المرتكزة على المعايير المادية، كانت العقلانية التنموية مزهوة بمقارباتها الاقتصادية المادية الصارمة؛ لكن حينما تحولت مقاربات التنمية نحو الاهتمام بالرأسمال البشري، بات التفكير في البعد الأخلاقي أكثر قدرة على استيعاب متغيرات النمو. س: هل تعني هذه التحولات على مستوى فلسفات التنمية، أنسنة الحكامة؟ ج: إن هناك قناعة لدى الكثير من الباحثين في مختلف الحقول المعرفية، خصوصا ما هو أقرب إلى مجال التدبير (الاقتصاد والسياسة)، هو أن الحكامة كأسلوب للحكم يتغيى تحقيق التنمية، لا ينبغي أن ينسى البعد الإنساني لأي فعل عام. باعتبار أن الإنسان هو أساس مخرجات ومدخلات التنمية. وهو ما حدا بالبعض إلى الذهاب بعيدا حينما ربط التنمية بالحرية ( أمارتا صن) العالم الهندي. حيث إن أي فعل لا يسعى التفكير في استيعاب القيم الإنسانية، يبدو قاصرا ولا ينحو نحو الشمول. لذا فإن أنسنة الخطاب التنموي بات حتمية، باعتبار أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الأخلاق بامتياز، وأي نزوح بعيدا عن الأنسنة، سيكون خارج التاريخ . س: هل هذا يعني أن الحكامة ليست معطى محدود في سياق التدبير اليومي للشأن العام؟ ج:لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحدد مجالا خاصة لممارسة الحكامة بل هي حاضرة في جميع مكونات المجتمع وفي جميع ميادين الحياة، وأينما كان المشروع يجب أن نستحضر الحكامة معه، وسأعطي مثالين لهذا التصور: -المثال الأول: يعتبر الطفل في الدول المتقدمة منذ ولادته مشروعا أسريا، وفي الوقت ذاته تعد تربيته مشروعا أيضا، ومن هنا يجب علينا أن نجعل للمشروعين (مشروع الأسرة ومشروع الطفل) نفس الاتجاه ليتقويا معا، وسنكون بذلك نلقن لأبنائنا الحكامة الجيدة منذ نعومة أظافرهم، وسنساعد المؤسسة التعليمة في أداء مهمتها المتمثلة في بناء شخصيتهم وتهييئهم ليكونوا مواطنين صالحين. -المثال الثاني: ألزم التطور المتسارع للتواصل المسموع والمكتوب والمرئي، الحكامةَ الجيدة في نوعية الخطاب وفي نوعية الاشتغال عليه، وكذا في نوعية الإنتاج سواء أكان نظريا أو ماديا، لأنه وبكل بساطة لا يمكن للخطاب الذي تلقيه في دائرة أسرية مثلا أن تلقيه في دائرة مهنية أو مدرسية أو تكوينية. س: على ذكر المؤسسات التعليمية، كيف تتجسد الحكامة الجيدة في مدارسنا؟ ج: اسمح لي أولا أن أؤكد على معطى أساسي، وهو أن الحكامة الجيدة تنطلق من الأسرة، وتذهب بنا عبر سيرورة النظام التعليمي إلى إعداد مواطن واع بحقوقه المدنية وبواجبات المواطنة. ليس الهدف من الحكامة الجيدة هو تيسير المساطر فقط، ولكن أيضا: تسهيل العملية التربوية والتكوينية، وخلق مجتمع يتسم بسيولة مدنية بناءة في شتى المجالات الإنسانية، ثم الارتقاء بالحكامة الجيدة للعب دور منهجي في التنمية المستدامة بمختلف مستوياتها (اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وسياسية). أما بالمؤسسة التعليمية فيجب إدراج الحكامة في المناهج الدراسية، كما يجب أن يكون المدرس متحكما في الفئة التي يدرسها من خلال معرفة مؤهلات وقدرات متعلميه، ومتحكما في منهجية التدريس واستراتيجيات النقل المعرفي وآليات التقويم، حتى لا يختزل المتعلم في نقطة عددية فقط. س: هل يمكننا أن نستشف من جوابكم هذا أن الحكامة الجيدة في علاقتها بالشأن التربوي ترتبط فقط بفضاء القسم؟ ج: أبدا، إن حصر الحكامة الجيدة في جدران الفصل لن يكون ذا جدوى، والعكس من ذلك علينا أن نستحضر الحكامة في مختلف مجالات التربية والتكوين ومنها: -المجال الفضائي الجغرافي: ونعني بذلك معايير البناء، معايير التهوية، المعايير الإيكولوجية... -المجال الاجتماعي: من خلال تدبير العلاقات الصفية والعلاقات مع الأسر التي لا يمكن تغييبها عن العملية التعليمية التعلمية. -المجال الإداري: لأن الحكامة الجيدة في إدارة المؤسسة ينعكس إيجابا على العملية التعليمية. -الحكامة الجيدة في التأطير التربوي، لأن تداعياتها الإيجابية ستشمل الهيئة الإدارية والهيئة التربوية والمتعلمين. س: بصفتكم سوسيولوجيا خبيرا بالمجال التربوي، أين ترصدون أهم الاختلالات التي يعرفها نظامنا التعليمي والتي تعوق تطبيق الحكامة الجيدة؟ ج: بكل أسف لا يمكن أن تكون هناك حكامة في ظل عدة اختلالات، منها على سبيل المثال لا الحصر: -تعليم أولي غير مهيكل؛ -تعليم مدرسي غير موحد (أنواع عديدة من المدارس وليس مدرسة بمواصفات موحدة)؛ -تعليم عال منعزل عن القطاع التربوي، مما يعيق النظرة الاستراتيجية المتناسقة والشمولية للنظام التعليمي من التعليم الأولي إلى الجامعي، وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا؛ -التوجيه المدرسي وتطبيق الخارطة المدرسية؛ -تدبير المسالك؛ -عدم تلاؤم مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق الشغل من حيث الأطر المؤهلة، حيث نجد أطرا حاملة للشهادات عاطلة، ومناصب شغل شاغرة. س: لقد كنتم عضوا في هيئة إنجاز الدراسة الخاصة بالطبقة المتوسطة والنظام التعليمي بالمغرب، ولقد ركزتم في التوصيات على الجودة والمقاربة التشاركية للسياسات والإصلاحات التي تستهدف النظام التعليمي، ما هي في نظركم أهم الخلاصات المرتبطة بالحكامة والنخب المتوسطة التي توصلتم إليها؟ ج: تجلت أهم الخلاصات التي توصلنا إليها، في كون عدم تطبيق الحكامة الجيدة في النظام التعليمي جعل هذا الأخير لا ينتخ النخب، كما أن عدم ممارستها أدى إلى عدم تكوين طبقة وسطى بالمجتمع المغربي، إذ بعد الدراسة وجدنا أن مجتمعنا يتكون من فئتين/ فئة الفقراء وهي الأكثر تمثيلية، وفئة الأغنياء وهي قلة، ولإعطاء صورة توضيحية للوضع، نرى أن المجتمع المغربي عبارة عن شكل جسد يتكون من الرأس والرجلين دون الوسط. ولهذا إذا تبنينا الحكامة الجيدة في تدبير جميع ميادين الحياة بما فيها النظام التعليمي، فإننا سنساهم في إعادة هيكلة المجتمع المغربي، وستتقوى وتنتعش الطبقة المتوسطة، التي تعتبر أكثر الفئات تشبثا وحرصا على المؤسسات ، باعتبار هذه الأخيرة الوعاء الذي تتم فيه هذه الحكامة الجيدة.
#رشيد_شاكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجودة مرتبطة بتأهيل النظام التعليمي لموارده البشرية، حوار م
...
-
مقاربة الأحزاب المغربية لقضايا التعليم والتربية من خلال برام
...
-
التربية والقيم في حوار مع د. عبد الحق منصف المدير المساعد لل
...
-
افتحاص الجودة بقطاع التربية والتكوين
-
أبجدية تيفناغ: سؤال التاريخ والأصل
-
إشكالية الكتابة في اللغة الأمازيغية: بين تيفناغ، والحرف العر
...
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|