|
ما الفرق بين إلاه الأديان و إلاه العلماء؟
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 10:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خوفاً من المنع !
خصصت الأسبوعية الفرنسية " لوبوان " عدداً عن الله ، لم ترسله إلى المغرب و تونس تحسباً لمنعه من الحكومتين الاسلاميتين في البلدين! كان، كما تقتضي ثقافة الحوار، ملتقى خصباً للأفكار و المفاهيم المتعارضة عن الله: إلاه الأديان ، إلاه الشكاك، إلاه الملحدين و إلاه الفلاسفة و العلماء. هذا المفهوم الأخير عالجه فلكي فيزيائي، ثوان، في حديث مع الأسبوعية. بما أن مفهوم إلاه الفلاسفة والعلماء غير معروف كفاية بين عموم القراء، فقد أردت التمهيد له ببيان الفرق بين إلاه الأديان و إلاه الفلاسفة و العلماء. يقول الباليونطولوغ [ عالم دراسة احافير الكائنات الحية التي وجدت في عصور ما قبل التاريخ المكتوب ] ، إيف كوبنس Copons Y. : " استطاع القرد أن يتطور إلى إنسان بفضل العمل اليدوي و الفكر الرمزي " [ الروحانيات ]. فعلاً تطور القرد إلى إنسان خلال 3 مليون عام بتأثير عاملين: مادي بصنع الأسلحة و الأواني الحجرية، و روحي بالمعتقدات الخرافية التي خيّلت له أن كل ما في الكون بما في ذلك النجوم و الشجر و الحجر له روح حية مثله، و أن روحه خالدة لا تموت بموت الجسد بل تنتقل بعد فراقه إلى عالم آخر. بل أن روحه هو نفسه تفارقه خلال النوم إلى عالم أسلافه الأموات لتلتقي بهم فيه ثم تعود إليه عند اليقظة. و أحيانا يطيب لها المقام قلا تعود فيصبح النائم جثة هامدة. و هذا الاعتقاد بأن الروح تغادر الجسد أثناء النوم مازال موجودا لدى بعض القبائل البدائية كما يقول مرسيا إلياد. كما كان موجوداً في الحجاز- في القرن 7 – بشهادة الآية 60 من سورة الأنعام "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى". ( " يقول السيوطي في تفسيرها: و عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مع كل إنسان ملَك إذا نام يأخذ نفَسه إلى [ الله ]، فإذا أذن الله في قبض روحه قبضه و إلا ردّه إليه. فذلك [ معنى ] قوله " يتوفاكم بالليل" ). و كيف اكتشف الإنسان – القرد في تلك الأزمان السحيقة وجود الروح و خلودها بعد الموت؟ الروح، عنده، هي بكل بساطة النَفَس [ الأكسجين ] الذي ينقطع بعد الموت. و دليل خلودها هو عودتها في الأحلام لتلتقي بالأحياء. خلال عملية التطور من قرد إلى إنسان، ترسخت في الإنسان 3 أوهام نرجسية عن نفسه وعن الكون كان لها تأثير متناقض: فبقدر ما سرّعت عملية تطوره من حيوان أعجم إلى حيوان ناطق أي مفكر أورثته، في المقابل، ذهنية سحرية خرافية و نرجسية غدت اليوم خاصة ، في أرض الإسلام، عائقاً لتطوره من كائن خرافي فُصامي إلى كائن عقلاني واقعي! الوهم النرجسي الأول هو مركزية الإنسان EANTHROPO CENTRISM. مرض جنون العظمة، الملازم للبدائي، خَيّل له أنه مركز الكون و الكائنات و أنه غاية الغايات. كل ما في الكون وجد من اجله ليتصرف – و يُسيء التصرف – فيه على هواه. تدمير البيئة غير المسؤول أحد عواقب هذا الوهم. الوهم النرجسي الثاني هو التشبيه EISANTHROPO MORPH: إسقاط ما في نفسية الإنسان من مشاعر متناقضة على الكائنات و على الله الذي خلقه الإنسان على صورته. فهو يحب و يكره، يجازي مخلوقاته، التي خلقته على صورتها، بالثواب و العقاب.إلاه الأديان هو محصّلة لإسقاط الأب من لحم و دم على أب تجريدي لا يموت،خلقه البشر ليلبي حاجتين نرجسيتين: حماية مخلوقاته في الدنيا و تأمين الخلود لهم، بعد الموت، في عالم آخر. فرقة واحدة هي المعتزلة، استفزّها تجسيم الله فعارضته بالتّنزيه: تنزيها لله عن التشبيه. هُزمت المعتزلة و هزم تنزيههم معهم. استمر السنة المنتصرون في التشبيه. ومحاولةً لتلطيفه، لاذوا بحيلة التأويل: " له يد ليست كأيدينا و كرسي ليس ككراسينا" .الخلاصة: الله يشبهنا و لكن " بلا كم و لا كيف ". لم تنطل سذاجة الحيلة على المفسر الشهير، آية الله الزّمخشري، صاحب " تفسير الكشاف "، فتهكّم عليهم: " و جماعة سمّوا هواهم سنة/ لجماعة حُمْر لعَمْري مؤكَفَه/ قد شبّهوه بخلقه فتخوَّفوا/شُنْعَ الورى فتستّروا بالبلْكَفه [ = بلا كم و لا كيف ]. لكن الحنابلة الذين يكفرون التأويل " الذي يورث التضليل " كما قال البغدادي" قالوا، تمسكاً بالقراءة الحرفية للنص القرآني: " لله يد كايدينا و كرسي ككراسينا " ؟. لذلك سُمُّوا " المشّبهة أو " المجسّمة ". فتهكم عليهم، هم أيضا، الزمخشري قائلاً: " و ان قلت حنبلياً، قالوا عني ، بأنني: " حلولي، بغيض مُجسّم: [ = لله جسم كأجسامنا ] .إلاه الأديان هو إذن الأب في صورته الجسدية ووظيفته النفسية الحماية في الدنيا و تامين الخلود في الآخرة ! الوهم النرجسي الثالث هو الاثنية المركزية كما تسميها الاثنولوجيا، أو النرجسية الجماعية كما سمّاها النفساني إيريك فروم. من تجلياتها الدينية " نحن شعب الله المختار " أي المختون: تناول الله من خليله إبراهيم قَلْفَة الختان و وضعها في إصبعه كعهد أبدي على تحالفه مع شعبه المختار. و مازال الأزواج يضعون رمز هذه القلفة: خاتم الخطوبة كعهد على أبدية زواجهم، تقليداً لخاتم حِلف الله مع شعبه المختار! و بالمناسبة، ختان الذكور و الإناث هو شعيرة من شعائر الديانة المصرية منذ سنة 3400 قبل الميلاد، أي قبل انتقالها للديانة اليهودية بألفين و ثمانية مائة عام ( 2800 ) ! لا حظوا أن 90 % على الأقل من شعائر اليهودية والإسلام منحدرة من الديانات الوثنية القديمة، و خاصةَ البابلية و المصرية ! فما هي عواقب وهْم الاثنية المركزية؟
الإثنية المركزية تهمّش بالضرورة جميع الإثنيات الأخرى،أي تقصيها من مصاف البشرية المحترمة والجديرة بالاحترام! تجلى ذلك في وعد الله لشعبه المختار، الذي فضّله على العالمين كما تقول الآية القرآنية، بإهدائه ارض كنعان [= فلسطين ] و أمره باجتثاث ديانة فلاحيها قائلاً له: " من يعبد آلهة غير إلاهك... فارجمه حتى الموت " ( سفر التثنية). آلهتهم كانت حارسة لأرضهم ،وبخسرانها خسروا أرضهم بأمر يهوه ! شعب الله المختار توارى لصالح " خير أمة أخرجت للناس ": الأمة العربية الإسلامية. دينها غدا الدين الوحيد الذي يعرفه الله ويعترف به: " إنما الدين عند الله الإسلام " . هذه الآية نسخت جميع الآيات الأخرى التي اعترفت بجميع الأديان المعروفة في شبه الجزيرة العربية في القرن 7 ! و كما لو كان ذلك لا يكفي، فقد أمر الله " خير أمة أخرجت للناس " بالجهاد، أي باحتلال البلدان الأخرى و نهب خيراتها و اغتصاب نسائها بما هن سبايا حرب. بعد فتح فارس وهزيمة ملكها، استولى الفاتحون على بناته الأربع ، وأرسلوهن إلى عمر فوزعهن هدايا على أبناء الصحابة. إحداهن كانت من حظ الحسين. و منها ينحدر أئمة الشيعة. بصراحته المعهودة، كشف عمر سر الجهاد بما هو نهب لثروات الأمم الأخرى. قال في رسالته للفاتحين: " أنتم مستخلَفون في الأرض، قاهرون لأهلها [... ] فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان: أمة مستعبدة للإسلام يُجزون لكم [ = يدفَعون لكم الجزية ] تستصفون [ تصادرون ] معائشهم و كدائحهم و رَشح [ عرق ] جباههم: عليهم المُؤْنة [ = تقديم الطعام للمجاهدين و العلف لخيولهم و إبلهم ] و لكم المنفعة [ = غنائم الجهاد] (...) و أمّة قد ملأ الله قلوبهم رعباً" [ منكم ] ( الطبري ج 5 ص 27 ). عواقب هذه الأوهام النرجسية الثلاثة وخيمة على البشرية. إلاه الأديان الذي اَسقط عليه الإنسان مخزونه النفسي فجاء على صورته و مثاله: نرجسياً، سادياً، تمييزياً، محارباً، عصابياً ،وغالباً فُصامياً. تجلى ذلك في ركام المحرمات العُصابية و العقوبات السادية المرصودة لمنتهكيها، و في عدائه للمرأة، و الآخر، و الحرية، و غرائز الحياة، و العقل و العلم. مثلاً " سفر التكوين " هو ترجمة لأساطير ملحمة جلجامش و غيرها من أساطير بلاد الرافدين مثل أسطورة خلق الكون في 6 أيام، و أسطورة خلق آدم وحواء من صلصال، و أسطورة طوفان نوح، و أسطورة إهلاك قرية وقوم لوط بجريمة اللواط، إلى غير ذلك من الأساطير المؤسسة للديانات التوحيدية.قام بالترجمة، خلال السبي البابلي ( 586 ق.م ) ،النبي حزيقال. هذا الأخير كان مصاباً بـ " مرض الأنبياء ": الفُصام.أحد أعراض الفصام النادرة أكل الفصامي لغائطه. حزيقال كان يأكل غائطه كما يعترف هو نفسه! يقول له يهوه: " وتأكل ذلك [= الغائط ] كحلوة شعير مستديرة " ( حزيقال، الإصحاح 4 الآية 12 ). سفر التكوين إياه، من ترجمة النبي إياه، أعاق تطور العلم 20 قرناً ! بسبب تخاريفه أَحرقت المحاكم الدينية الكاثوليكية الفيلسوف و الفلكي، جيوردانو برونو، ( 1554-600) و هددت بحرق جاليلو، إذا لم يتب من زندقته القائلة بان الأرض تدور حول الشمس ،عكساَ للأساطير التوراتية. خاطب جاليلو قضاته قائلاَ: " الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء؛ قولوا لنا كيف نمشي إلى السماء و نقول لكم كيف تمشي السماء ". و لكن لا عقول لمن يحاجج. فقد أرغموه، تحت تهديد الحرق، على التوبة رافضين هكذا الفصل بين الدين والبحث العلمي: رجل الدين يعظ و العالم يبحث... و هو الاختصاص الذي كرّسته و عمّمته الحداثة. منذ سبينورا إلى انشطاين مروراَ بفلاسفة الأنوار، ظهر إلاه الفلاسفة و العلماء. و هو ليس من إسقاط الإنسان نفسه و نفسيته على أب مشابه له. إلاه الفلاسفة و العلماء هو قوانين الطبيعة، مثلاً قانون الجاذبية الذي من دونه يتفكك الكون و تستحيل الحياة على الأرض التي ستغمرها المياه. إلاه الفلاسفة و العلماء هو الذي سيفسره لكم الفيزيائي، ثوان، في حديثه الذي ترجمته لكم. و ستقرؤونه مباشرة بعد نشر هذا التمهيد. فأشيعوه و أذيعوه في المناقشات ووسائل الإعلام لتنوير مواطنيكم المضلَّلين بأساطير الأديان الوثنية، البابلية و المصرية خاصة، التي تبنتها الأديان التوحيدية الثلاثة كتنزيل من حكيم حميد !
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيبة الحب في - كيد المشاعر-
-
المصالحة الوطنية أو الانتحار الجماعي !
-
!افتحوا الجامعات للمنقبات
-
قُدْ حزب إنقاذ تونس - رسالة إلى قائد السبسي
-
ما مصير حقوق الإنسان في تونس الإسلامية؟
-
لماذا ارتعبت -النهضة- من انتصارها؟
-
انتصار النهضة وعد أم وعيد؟
-
دعوا أقصى اليمين الإسلامي يحكم !
-
رسالة لأوردوغان
-
أنقذوا تونس من -حزب التخريب-
-
تفاوضوا مع الساعدي القذافي
-
رسالة إلى القضاة: لا تخضعوا لقانون الغاب
-
الرسالة )3( إلى مانديلا
-
الرسالة (2) إلى مانديلا
-
رسالة إلى مانديلا:
-
رسالة إلى القذافي:استجب لنصيحة أردوجان وارحل
-
رسالة إلى الجميع:ماذا فعلت بأمك يا عدو المرأة؟
-
لماذا لم تكشف لشعبك صناع مآسيه؟
-
ثورة الشعب على الثورة
-
تونس جريحة فلا تجهزوا عليها
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|