السبت 14 سبتمبر 2002 14:59
نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالا ثانيا للسيد حسن بيان في 26 من تموز، و كان الغرض مما كتب هو أن يستمر في إقناع القارئ العربي بالمحتوى الفكري السيئ (كما يتوهم) "لإعلان شيعة العراق"!!!، ولكن ما أثار دهشتي هو قراره بعدم الخوض في محتوى الإعلان (موضوع النقاش) و انغماسه حتى انفه في تقمص دور المحامي المستميت المجمل لسلطة صدام الدموية، و بدلا من أن يقول لنا لماذا فشل في ان يقرأ الإعلان من دون تعصب، تجده يسبح في بحارٍ أخرى مدعيا ان "العراق في ظل نظامه السياسي القومي يشكل عائقاً أمام نفاذ الاستراتيجية الأميركية حيال المنطقة العربية"!!! فما علاقة نقده لاعلان شيعة العراق و مسألة تجميل سلطة صدام الدكتاتورية بعيون القارئ العربي؟ وكأنه يريد أن يقول أن سلطة صدام التي تدعي بقوميتها قد غزت دولة الكويت العربية من اجل ديمومة "النصر" العربي الكاسح على الصهيونية و الإمبريالية. كيف هذا بربك؟
هل يعتقد السيد بيان ان القارئ الكويتي والخليجي والمصري واللبناني..الخ، سيقبل هذا الادعاء؟ لا اعتقد ذلك جازما. هناك إصرار غريب في كلام السيد بيان على تفسير أي رغبه عراقية شعبية في تخليص نفسه من سلطة صدام الإجرامية على إنها ضربه توجه الى صميم الفكر القومي، وهذا بالطبع استنتاج خاطئ، فهناك من ضمن المعارضة العراقية من يطلق على نفسه بحزب البعث العربي الاشتراكي، وقد تحالفت مؤخرا مع أحزاب عراقية معارضة أخرى كان من ضمنها حزب الدعوة الإسلامي. ومما يُعجّل انتفاء الأوهام الاضطهادية التي يعاني منها السيد المحامي هو الدور الذي اضطلعت به سوريا في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد ضد سلطة صدام طوال عقد الثمانينيات والتسعينيات،حيث صارعت سلطة صدام ووقفت مع إيران في حربها ضد سلطة صدام. فكيف يفسر السيد بيان قيام حزب البعث في سوريا بمحاربة سلطة صدام التي تدعي بأنها بعثيه؟ وهل يعتبر الموقف السوري شعوبيا ويصب في نفاذ الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟
سلطة صدام لم تمثل في يوم من الأيام أي فكر، إنما هي زمرة وصلت الى الحكم أثر انقلاب عسكري، و هي لا تثق بالشعب و تعتبره خصما لها، و دليل ذلك تجده في تمكين صدام لأقربائه من المناصب المهمة في السلطة.
حسن بيان يربط إعلان شيعة العراق بأميركا!!
في دراسة تخصصية صدرت في القاهرة مؤخرا، قام بها 30 اختصاصي عربي من بينهم كلوفيس مقصود، رئيس بعثة الجامعة العربية في الأمم المتحدة السابق، استنتجت الى ان المجتمعات العربية قد أصيبت بالعجز الخانق جراء انعدام الحريات السياسية، كبت النساء، والانعزال عن الأفكار والاتجاهات الأخرى في العالم التي تصب في إغناء الإبداع و التقدم. واستنتجت ايضا بان الدول العربية تحرم نفسها من إبداع وإنتاجية نصف تعداد مواطنيها. لم يعزي هؤلاء الاختصاصيين المعروفين تخلف المجتمع العربي بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى الى هيمنة مطاعم المكدونالد والكوكا كولا، بل سلطوا الأضواء على المشكلة الحقيقة فيها والتي هي انعدام الحريات والتي بدورها "أدت الى هروب المثقفين الى دول الغرب لتوفر المناخ الذي يقبل باختلاف الآراء والأفكار". هذه الدراسة تتوافق مع ما جاء به "إعلان شيعة العراق" الذي يدعوا الى سيادة الحريات السياسية ورفع التمييز الطائفي المقيت الذي لحق بأغلبية الشعب العراقي (الشيعة) الذين يشكلون اكثر من 60 بالمائة من شعب العراق.
ولكن السيد بيان يقول "إن ما يريده موقعو الإعلان هو ابعد ما يكون عما يسمونه ترسيماً صحيحاً لمستقبل العراق، لان أصحابه، شاءوا أم أبوا، إنما يوضعون في خانة التخريب السياسي الذي تعمل له أميركا"
مهلا مهلا يا سيدي، عن أي خرابٍ تتحدث؟
الخراب الذي يعيشه شعب العراق هو تحصيل حاصل لكل الممارسات القمعية التي صادرت حق الشعب العراقي بالتعددية الحزبية والحريات السياسية الأخرى، فالخراب هو نتيجة انفراد ثلة من عشيرة صدام بحكم 22 مليون نسمه. صراع شعب العراق مع السلطة القمعية في بغداد مر بمراحل متنوعة وهو كأي حالة أخرى خاضع لقوانين التطور التي تتأثر بالمناخات والأطر السياسية التي تتفاعل معها، وما إعلان شيعة العراق الا حلقة من الحلقات الأخيرة التي ظهرت كرد فعل لمحاولات سلطة صدام واتباعه الذين يريدون تشويه صورة شيعة العراق بربطهم بإيران تارة، وبأميركا تارة أخرى.
وها أنت بنفسك قد اتهمت موقعي "إعلان شيعة العراق" بأنهم يخدمون المصالح الأمريكية وانهم شعوبيون أو بمعنى آخر "فرس إيرانيون" يريدون تدمير الحضارة العربية وإلحاق الهزيمة بالتاريخ العربي!! مما يؤكد الحاجة الماسة لمثل هذا الإعلان لدحض مثل هذه الادعاءات الكاذبة.
ويستمر السيد بيان بتسفيه شعب العراق عندما قال أن "الرحم العراقي كان عقيماً بالنسبة الى الأجنة الطائفية والمذهبية" محاولا ان يدفع بتهمة الطائفية عن نظام صدام. لنرى إن كان ما يدعيه صحيحا...
مؤخرا قامت جريدة "بابل" التي تصدر في بغداد ويديرها ابن صدام حسين شخصيا بشن هجوم شرس على الشيعة يتهمهم بأنهم أصلا يهود (العدد 3317 في 10 نيسان 2002)، ويزعم المقال أيضا ان الشيعة على ضلال ويبيحون اللواط (نفس العدد)، وتستهزئ الجريدة من مصطلح "عج" كناية عن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وتدعي بوقاحة ان "عج" تعني: عجين السنبوسة (العدد 3312 في 4 نيسان 2002). كما تكررت هذه الهجمات من على قناة العراق الفضائية في يوم 10 سبتمبر من هذا العام.
وقبيل ان تعدم سلطة صدام السيد الإمام محمد باقر الصدر في عام 1980 صرح قائلا "إني أطالب باسمكم إطلاق حرية الشعائر. إلغاء العضوية الإجبارية لحزب البعث، إنهاء الإجراءات القمعية والإفراج عن المعتقلين و المسجونين السياسيين أخيرا أطالب باسمكم..إعطاء الشعب الحق في اختيار ممثلين عن طريق انتخابات حرة للتعبير عن رأيه" وهذه المطالب التي دفع من اجلها السيد الإمام حياته وحياة أخته الكريمة تثبت لكل العالم ان الشعب العراقي لم يعرف الحرية في المجالين السياسي والديني، و هو ضحية تمييز طائفي مقيت. كما ان هذه المطالب والتي تجدها بتفصيل اكثر في "إعلان شيعة العراق" الذي صدر في الشهر الماضي تصفع كل من يدعي بشعوبية شيعة العراق. رأت سلطة صدام التي تدعي انتسابها للفكر القومي في العراق ان المطالب الديمقراطية للشعب العراقي حينها تشكل خطرا على وجود الشمولية و الدكتاتورية التي يدعي السيد المحامي متجنيا على الحقيقة ان شعب العراق دافع عنها في انتفاضة 1991 التي حررت 14 محافظة من اصل 18. وبهذا الادعاء الكاذب يكون سيد بيان قد وجّه إهانة مؤلمة لشعب العراق، فهو لا يؤمن ان شعب العراق يتوق الى الحرية و الديمقراطية بصورة فطرية كما هي الحال عند كل خلق الله. ولكن السيد بيان يريد من القارئ العربي ان يصدق قصته الخرافية في ان شعب العراق لم ينتفض على دكتاتورية سلطة صدام، و هو وصل الى درجة من الخنوع جعلته في حالة هيام تام معه، الى درجة ان الشعب المتيم بدكتاتورية صدام قد دافع عنها أثناء انتفاضة الشعب عام 1991!!!
ما هذا الاستخفاف بعقول الناس؟ هل يريد منا السيد بيان ان نصدق ان سلطة صدام الذي يعتمد بإدارته لشؤون البلاد على "تقاليد القرية" (كما وصفه سعد البزاز، مدير الإذاعة والتلفزيون العراقي السابق، مدير تحرير جريدة الزمان حاليا) هو الحل لمشكلة تشرذم العرب المزمنة؟ قُل غيرها يا رجل !!
كاتب عراقي في المنفى - أميركا
إيلاف خاص