|
الايمو والسياسة والدين.
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 01:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في غياب حرية التعبير عن الرأي لا يمكن معرفة الوقائع، ستتلبس الإشاعة لبوس الواقع وتظهر الحقيقة وكأنها إشاعات. اختلاط لا يمكن فصله، الكذب والصدق والواقع والزيف يندفعان في تيار واحد سريع إلى أذهان الناس التي لا تعرف أين تولي وجهها لمعرفة الحقيقة، فالحكومة والبرلمان والصحافة والمرجعيات الدينية والمؤسسات الأمنية والكتل السياسية لا يعرف صدقها من كذبها، لم تعزف يوما لحنا صافيا خاليا من النشاز. المشكلة إن العراقيين حديثو عهد بممارسة حرية التعبير، صحيح قد مرت فترة ليست بالقصيرة على سقوط الدكتاتورية، لكن ولحد الآن لم تبرز مؤسسة ريادية لتعليم الناس كيفية التعبير عن أرائهم بشكل صحيح، دون خوف أو خشية من حاضر أو مستقبل أو من مليشيا، أكانت حكومية أو حزبية أو دينية أو جهاز شرطة أو فرق استخبارات. عندما حاول الناس التعبير عن أرائهم وطرح مطالبهم أمام الحكومة تظاهروا في ساحة التحرير، تصدت لهم الحكومة بهول العساكر وقوة الهمجية وحملات وتشويهات إعلامية وأكاذيب وتلفيقات رخيصة، فذبحت المحاولة في مهدها وتصنعت دور الضحية. أما المرجعيات الدينية، وخاصة تلك التي تمتهن السياسة، فقد وضعت معاير وحدود وأحكام وقواعد للسلوك ملزمة للجميع، لا تهاون مع يخترقها حتى لو كان سهوا أو جهلا. فكثرت وتعددت حوادث الاعتداء وشملت جميع الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية والمهنية، نساء ورجال وأطفال، حيث جلد وطورد وقتل بائعي وشاربي الخمر وفجرت محلات بيع الخمور، وشنت حملة إعلامية دينية تصدرها كبار خطباء الجمعة وتبنتها مجالس المحافظات للتشنيع، وتم غلق العديد من النوادي الأهلية ومنها نادي الأدباء، ثم فُتك بالمثليين والشواذ وأسموهم (الجراوي) حيث قُتلوا ومُثل بجثثهم بشكل بشع يدل على انحراف القاتل وتوحشه، كذلك شُنع بالسافرات وقتل العشرات من النساء في البصرة وغيرها من المحافظات بحجج لم يكلف احد نفسه النظر في مصداقيتها، حتى الذين يرتدون بناطيل الجينز جُلدوا ومُزقت سراويلهم وحُلقت شعورهم للامعان في مهانتهم واذلالهم. كرة القدم قالوا أنها حرام وتلهي عن ذكر الله، إما الفن وأهله فقد نكبوا كنكبة البرامكة لم يجدوا لهم ملاذا إلا خارج العراق لكي يتم استغلال مواهبهم بالبخس الأجور. ومع كثرة وقوع الجرائم وتعددها أنواعها لم يُلقى القبض على أي احد من الجناة ولا على المحرضين الذين، ورغم اتساع دوائر العنف وازدياد وتائره لا يكفون عن إصدار الفتاوى في إنزال القصاص بمن يخالف أوامرهم وتوجيهاتهم الدينية. إن كل المراجع الدينية أكانت المتطرفة أو المتزمة أو المعتدلة وحتى الإرهابية لها تمثيلها في الدولة وفي الحكومة، لها وجود في المؤسسات الأمنية والقانونية والتشريعية والتعليمية. هذا التداخل بين الدين وبين السياسة والنظام في العراق، وحقيقة إن من يحكم هو تابع لمرجعية دينية معينة، هو احد الأسباب التي جعلت رجال السياسة خاضعين لرجال الدين وليس العكس. كما إن عدم نزاهة السياسيين الحكوميين الكبار وعدم أهليتهم لمناصبهم، وكذلك بسبب التخلف المعرفي والعلمي للناس، زادت شعبية رجال الدين وقوى تأثيرهم بين الأوساط الاجتماعية، بينما ساءت سمعة السياسيين وقلة شعبيتهم، لذلك أصبح السياسي يحابي رجل الدين ويأخذ فتواه على أنها قانون لا يمكن تجاوزه أو تخطية مؤمنا بان شعبيته هي من شعبية المرجع الذي يقلده أو يتبعه. وهذه التبعية موجودة أيضا في البرلمان العراقي، حيث يُسمع صوت المرجعيات الدينية ومصالحها وفتاويها بينما يغيب صوت الشعب، تُسمع الآراء الدينية والطائفية وتغيب الآراء المدنية المتحضرة أو العلمية التقدمية، فكل أعمالهم وتصرفاتهم ونشاطاتهم تبدو وكأنها لنواب المرجعيات والطوائف وليس لنواب الشعب. إن كتم الأصوات والحجر على الحقائق لا يخدم أي حكومة، فهو يعطي للكذب المضاد وجه يبدو وكأنه وجه للحقيقة، فبقدر ما تكذب الحكومة يمكن للمناوئين إن يكذبوا ويؤخذ كذبهم على محمل الجد وينظر إليه على انه صورة عن الواقع بدون تزييف. ولان العراق بلد بلا إحصاء وبلا بيانات وبلا حسابات وبلا تعداد، لا احد يعرف كم عدد أفراد الأيمو المغلوبين على أمرهم وكم هو عدد المثيليين المفتوك بهم، بل كم مليون يبلغ سكان العراق!! لا احد يعرف مثلما لا احد يقدر نتائج التصريحات الخطيرة التي يطلقها هذا الأرعن أو ذاك فعلى سبيل المثال قال رئيس اللجنة الأمنية لمدينة الكاظمية إن مفارز الأمن الوطني والشرطة المجتمعية في المنطقة!! ابلغتهم عن تحركات مريبة!! لأشخاص يقلدون ظاهرة الايمو مؤكدا إن هؤلاء يقومون بامتصاص الدماء من معاصم بعضهم البعض. إما الآخر فقد صرح بأن الايمو من عبدة الشيطان. أليس مثل هذه التصريحات هي مثل سكب الزيت على النار وإعطاء أوامر واضحة لتصفية هؤلاء المراهقين.؟ وعند وصف عددا من الأفراد بأنهم عبدة الشيطان ومصاصي دماء فهل يتوقع إن المؤمنين الذين يلعنون الشيطان في كل وقت سيسامحون عباده المزعومين ولا يسرعون إلى تصفيتهم بكل طريقة ووسيلة؟ الم يسبق هذه ظاهرة قتل الايمو وكذلك المثيليين خطب دينية متزمتة تصف الشباب العراقي بالميوعة والتخنث والابتعاد عن الدين؟ أين هي الحكومة ومؤسستها الإعلامية والثقافية عن ظاهرة انتشار الخطاب الإسلامي المتزمت في كل مدن العراق.؟
إن الحكومة العراقية والبرلمان العراقي ورئاسة الجمهورية مسئولون مسئولية كاملة عن أي جريمة قتل بحق الناس مهما كانت ميولهم واعتقاداتهم وهوايتهم. إن لم تستطع القبض على الجناة، فيجب محاسبة المحرضين، فهم السبب الأول في انتشار الجريمة والعنف والجهل.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اضطهاد المرأة في صدر الاسلام
-
عندما يكون الله معديا
-
من اجل ربيع يساري قادم
-
هل يمكن تعايش الثقافتين العلمانية والاسلامية؟
-
احتجاج جسد عاري
-
الديمقراطية الإسلامية العجيبة في العراق
-
الاسلام والقذافي وصدام
-
الصخب الإعلامي والإسلامي
-
القوميات بين الواقع والطموحات.
-
هل تخلع الشعوب الاله كما خلعت الحكام ؟
-
من الديمقراطية إلى الإسلام در.!!
-
دولة الدين القائد
-
هل سكب بشارالأسد الماء على لحيته؟
-
هل يمكن للشيوعي ان يكون مسلما؟
-
الدولة السنية والشيعة والتاريخ.
-
الاخلاق والاسلاميون
-
رئيس الجمهورية وأحكام الإعدام
-
قمع واساليب دكتاتورية لحكومة تدعي الديمقراطية
-
الاحزاب الاسلامية والثورة المصرية
-
العالم يقف احتراما لشعب مصر.
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|