|
المرأة و الثورة
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 3661 - 2012 / 3 / 8 - 23:29
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
يتمثل المكسب الأبرز الذي حققته الانتفاضات العربية في توفر هامش واسع من الحريات السياسية ، و هذا الهامش مهدد الآن من قبل اليمين الديني ، و يمكن أن يشهد تراجعا متى أحس ذلك اليمين بالضيق و الحرج إزاء المطالب الشعبية ، و كلما قوى نفوذه و ثبت أقدامه عبر السيطرة على السلطة السياسية إلا و تزايدت لديه الحاجة إلى التخلص من تلك الحريات ، و لن يكون مجبرا على تقديم تبريرات كثيرة للقيام بذلك ، إذ يكفيه القول أنها تتعارض مع الشريعة . و على الصعيد الحقوقي للمسألة النسوية ، يبرز على السطح مجددا الخطاب المعادى للمرأة التي تبدو حقوقها المدنية مهددة بمخاطر شتى ، أما على الصعيد الاجتماعي فإن أوضاعها تزداد سوءا ، ففي تونس مثلا امتد الانتحار حرقا بشكل لافت لكي يشمل النساء بعد أن ذهب ضحيته العديد من الرجال ، و لا تجد بعض وسائل الإعلام من سبب يفسر ذلك غير الادعاء بأنهن فعلن ذلك بفعل تأثير " اضطرابات نفسية " و ذلك بعد مرور أكثر من عام على حرق البوعزيزي نفسه ، و قد بينت أحدث دراسة تم القيام بها حول العنف الذي يمارس ضد النساء معاناة حوالي نصفهن من ذلك . و اليوم كما بالأمس يتفاقم الفقر و البطالة و البؤس و الشقاء ، و تنتشر بين النساء ظواهر مثل البطالة والبغاء و العنوسة و العمل بأجور بخسة في المدن و الأرياف ، و تتعرض فتيات صغيرات يعملن في بيوت الأثرياء إلى معاملة اقرب إلى العبودية ، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية ، و من لا تعمل بالمعنى المتداول للكلمة فإنها تنوء تحت عبء الأعمال المنزلية ، و من النساء من ترعى الماشية و تجمع الحطب و تجلب الماء و تخضع رغم ذلك للإذلال و الإهانة على يد أقرب أفراد عائلتها . و في أقطار عربية عديدة لا تزال جرائم الشرف و زواج القاصرات و تعدد الزوجات و الطلاق العشوائي و رجم النساء و ختان البنات و زواج المتعة و زواج المسيار ... و حرمان الفتيات من الدراسة ظواهر رائجة ، لا يخفى طابعها الإقطاعي . إن وضع المرأة يزداد صعوبة مع مرور الوقت ، و ينضاف هذا إلى ظواهر كثيرة أخرى لكي يكشف أسطورة الربيع العربي ، فالانتفاضات العربية جرى قطع الطريق أمامها مبكرا للحيلولة دون تحولها إلى ثورات حقيقية ، و اليوم تمسك الامبريالية بخيوط الوضع ، و قد نجحت إلى حد بعيد في تقسيم صفوف الشعب ، موظفة في ذلك اليمين الديني حتى يسهل عليها السيطرة على الثروة العربية . و في المجال موضوع حديثنا فإن الهدف الذي كافح من أجله المنتفضون هو الحرية و بالتالي الاتجاه ناحية المساواة بين المرأة و الرجل في شتى المجالات ، و لكن ذلك ظل إلى حد الآن دون تحقيق و أصبح الانتباه مصوبا نحو النقاب و الحجاب و ختان الإناث و الزواج بأربع و ما شابه ذلك، و من هنا فإن التغيرات حاصلة لا محالة و لكن في أي اتجاه ؟؟ هنا السؤال ، فما نشهده واقعيا هو السير في الاتجاه المعاكس لذلك الكفاح . و طالما ليست هناك ثورة بالمعنى السياسي و الاجتماعي فإن البنيان القيمى لن يتغير فالوجود الاجتماعي هو لذي يحدد الوعي لاجتماعي ، و فيما يخص التسلط الذكوري فإنه سوف يظل على حاله جوهريا فالذهنية التسلطية و ما يقترن بها من ممارسات تضرب بجذورها عميقا في المجتمع ، و لن تتبدل لأن رئيسا هرب أو سحل أو سجن ، إنها تستمد وجودها من طبيعة التركيبة لطبقية للمجتمع ، هذه التركيبة التي ظلت على حالها رغم نبل التضحيات التي قدمها المنتفضون ، فما حدث لا يتعدى إلى حد الآن في سائر الأقطار العربية التي شهدت الفعل الانتفاضي تعويض رؤوس قديمة برؤوس جديدة ، و هذه الرؤوس مهما اختلفت أسماؤها فإنها من طينة طبقية واحدة ، و لا ينبغى أن نغتر هنا باختلاف الأسماء و العناوين و الخطابات و الشعارات ، فقد وجدت تلك الترسانة الإيديولوجية على الدوام لإخفاء القمع و الاستغلال ، والمهم هو المحتوى السياسي و الاقتصادي ، حيث يمكننا أن نلاحظ بيسر أن وضع كل طبقة ضمن علاقات الإنتاج قد ظل على حاله ، فالأغنياء ظلوا أغنياء و الفقراء ظلوا فقراء ، و هكذا فإنه سواء كانت السلطة السياسية في يد اليمين الديني أو اليمين الليبرالي ، في يد سلطة ملكية آو جمهورية ، فإن ذلك لا يغير من جوهر الأمر شيئا ، و هو ما ينعكس على وضع المرأة العربية التي تجد نفسها مكبلة بالقيود اليوم كما بالأمس . بناء على ما ذكرته ، ليس هناك من سبيل أمام المرأة العربية إذا أرادت كسر قيودها غير مواصلة الكفاح من أجل الحرية ، والتصميم على النصر، ، و هو ما لا يمكنها إدراكه دون تنظيم ، التنظيم و التنظيم ثم التنظيم ، تلك هى الحلقة المفقودة ليس في كفاح النساء العربيات فقط و إنما في كفاح الشعب العربي بأسره ، فالرجعية بمشاربها المختلفة منظمة الصفوف ، و هو ما مكنها إلى حد الآن من ترميم نظمها السياسية بعد الزلزال الذي سببته الانتفاضات ، أما الشعب فقد قاوم دون سلاح غير عزيمته و عليه الآن تحويل تلك العزيمة إلى عمل كفاحي منظم ، و المرأة المناضلة التي كانت بين المنتفضين ، و قدمت عددا من الشهيدات و الجريحات ، يمكنها أن تتقدم الصفوف أيضا على مستوى التنظيم استعدادا لقيادة المعارك الطبقية القادمة لا محالة ، أي أن تمارس دورها في القيادة على قدم المساواة مع الرجل و على جميع الثوريين إدراك أن الثورة غير ممكنة دون مشاركة النساء . إن إبقاء جذوة الانتفاضة مشتعلة ، و تحويلها إلى ثورة حقيقية لن يكون ممكنا دون تنظيم صفوف الشعب و من ضمنه جمهور النساء ، و من هنا فإن انخراط المرأة في العمل المنظم ضمن الأحزاب لثورية و الجمعيات و النقابات المهنية مهم جدا ، في لحظة تاريخية عاصفة تواجه فيها قضيتها هجوما تتركز نيرانه على النساء باعتبارهن متاعا و ملكا للرجال ، يجب حجبه و إرجاعه صاغرا إلى البيت قبل أن يستفحل شره . و إذا كان بعضهم يردد إن الأحزاب الإسلامية الحاكمة في بعض الأقطار مستنيرة و ديمقراطية و بالتالي لا خوف على حقوق المرأة ، فإن ما ينبغي التذكير به هو أن اليمين الديني بارع في المناورة و المخاتلة ، انه يريد العودة بالمجتمع إلى الوراء ، ليس فقط بسبب وفائه لمرجعية إيديولوجية فات زمانها ، وإنما أيضا و هذا هو الأهم خدمة لقوى طبقية ، تجد في المقدس حصنا إيديولوجيا يحمى مصالحها . و عندما يتحدث ذلك اليمين عن برامجه و يطرح شعاراته في أشكل زاهية لا يجب تصديقه ، بل يجب النظر إلى ما يمارسه ، حيث نعاين نكوصه ، بل إنه حتى على مستوى الخطاب مستعد في الوضعيات القصوى إلى التنصل من تلك الشعارات ، مفصحا عن رغبته في قطع الأطراف و جز الرقاب ، و أحيانا تتمرد عليه الكلمات فتعبر زلات لسانه عن رغبته الدفينة في إقامة إمارة إسلامية يتحكم فيها سلطان الوحي كما أوله هو . لأجل ذلك على الثوريين و من ضمنهم الجمعيات النسائية المناضلة أن يحذروا من تصديق أكذوبة استنارة اليمين الديني ، و إدانة تلك الممارسات في الإبان و مقاومتها ، و أن لا يكرروا ذلك الخطأ الذي جعل البعض يتحالف معه بدعوى توقيعه على مواثيق حقوقية و سياسية تحمى الحريات الأساسية ، فاليمين الديني عندما يكون ضعيفا يرتدى ثوب الحمل ، و عندما يقوى يكشف عن أنيابه ، و من هنا فإن من ينتظر إصلاح وضع المرأة في ظل سلطة اليمين الديني سيخيب مسعاه . و غنى عن البيان أن المرأة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الذي هي فيه ، و لا أتحدث هنا عن جمهور النساء ، و إنما رئيسيا عن حركة النضال النسوى ، التي بقيت حبيسة المدن ومتجهة بشكل خاص إلى البرجوازية الصغيرة و المتوسطة ، مستنسخة غالبا الحلول من المجتمعات البرجوازية ، فطغى على أساليب نضالها و خطاباتها الطابع الجنسوى ، و قد حضرت قبل مدة ندوة نظمتها جمعية نسوية تونسية فاسترعى انتباهي تركيز إحدى ناشطاتها على رفض " هيمنة الرجال و هيمنة الأحزاب " ، و هذا الخطاب يتجاهل أن معركة الكادحين نساء و رجالا واحدة ، و أن تحرر المرأة جزء من تحرر المجتمع ، فضلا عن أن تلك المعركة تحتاج أدوات مثل الحزب الثوري ، و أن الجمعية النسوية لا يمكن بأي حال أن تكون بديلا عنه . أما إذا تحدثنا عن جمهور النساء فإن المسؤولية أقل شأنا ، فليس مستغربا أن يكون انخراط المرأة في النضال ضعيفا ، فآلة الاضطهاد التي طحنت النساء طيلة آلاف السنين جعلت المرأة في الغالب خزانا صامتا للقمع ، فهي مستعبدة خارجيا و داخليا في نفس الوقت ، و الجلاد لا يتحكم بها من خارجها فقط و إنما من داخلها أيضا ، فتتحول هي نفسها إلى ضحية و جلاد ، و عندما تستبطن قمعها نراها تبرر لجلادها جرائمه ، فنفوذ التقاليد الدينية و الأسطورية و السحرية نجده أقوى لدى النساء منه لدى الرجال و لا يفسر ذلك بغباء النساء و نقص عقولهن و جبنهن ، و إنما بعشرات القرون من الإخضاع الذي مارسته المجتمعات الباطرياركية على المرأة ، و هو ما نبهنا إليه ، وقد أصاب ابن رشد كبد الحقيقة عندما أكد على أن استبعاد المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية عملا و إنتاجا و ثقافة يحولها إلى ما يشبه الأعشاب الطفيلية التي تلحق الأذى بالزرع ، و هو ما يؤدى إلى خراب العمران بتعبير ابن خلدون . و من هنا فإن تحرر المرأة يحمل طابعا مزدوجا ، أي إنه ضد الذات و ضد الآخر، داخلي و خارجي في آن ، و نحن عندما تتحدث عن المرآة العربية فإننا نتحدث عما يزيد عن نصف المجتمع أي حوالي مائة و خمسين مليون امرأة ، إنهن بهذا المعنى نصف السماء العربية ، و هن يعانين في أغلبهن من الاضطهاد ، و عندما تنطلق هذه الجموع الغفيرة من قيودها و تصمم على نيل الحرية فإنها سوف تحصل عليها دون ريب . و للرجل دور كبير في تحرير نفسه من تلك الوضعية التسلطية التي يجد نفسه فيها من حيث علاقته بالمرأة ، و التي يعود جانب كبير منها إلى تأثير المجتمع الذي ينشأ فيه ، و هذا الدور نظري و عملي ، و بالنظري نعنى الفلسفة و الحقوق و الأخلاق و الفنون و غيرها ، فالرجل يحتاج إلى نظرة ثورية للكون بأسره و موقع الإنسان فيه ، وقتها يمكنه إدراك ماهية المرأة ككائن بشري ، و بالعملي نعنى وجوب ألا يتوقف الأمر عند الأفكار الجميلة ، و إنما يجب تجاوز ذلك إلى مستوى الممارسة ، أي تحويل تلك الأفكار إلى وقائع مادية ملموسة ، فعادة ما نجد مسافة فاصلة بين المقول و الممارس ، و هنا أريد التنبيه إلى أن هناك من له إحاطة بالمسألة من زاوية النظر غير أنه يوظفها في الاتجاه السالب ، و إذا أخذنا الأمر على مستوى الطبقة و جهاز الدولة و الحزب و الجمعية الخ ، فهناك من يجمع الخبرات و الأفكار لكي يضاعف من استغلال جمهور النساء ، فاستغلال المرأة لا يعود فقط إلى الجهل أو العلم بوضعها وإنما إلى الموقع ضمن الصراع بين الطبقات و السعي إلى التحرر من الاغتراب ، و بالتالي حل مشكلة سيطرة المنتجين على ثمار عملهم ، و هو ما لن يتحقق بغير الثورة الاشتراكية ، ربما لهذا الاعتبار يرى كارل ماركس " أن علاقة الرجل بالمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الإنسان و الإنسان فيها يظهر إلى أي حد أصبح السلوك الطبيعي للإنسان إنسانيا ، أو إلى أي حد أصبحت الماهية الإنسانية له هي الماهية الطبيعية " بمعنى أن تمثل تلك العلاقة نظريا و عمليا يصبح معيارا نقيس به تطور أي مجتمع .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة العربية الآن
-
هل انتصرت الثورة في تونس ؟
-
جانفي شهر الانتفاضات التونسية
-
القوى اليسارية والنقابات العمالية في الربيع العربي
-
سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ
...
-
منير العوادي سلاما !
-
الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !
-
مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
-
عرس الدم التونسي
-
ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
-
الفلسفة والتاريخ
-
رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
-
رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس
...
-
اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني
...
-
معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
-
الماركسية و الداروينية
-
علمنة التفكير
-
موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة
-
ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة
...
-
للتاريخ صهوته و صهيله
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|