|
الفدرالية اول خطوة لعرقنة ليبيا
محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 3657 - 2012 / 3 / 4 - 13:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
منذ سنة تقريبا، وبعد اندلاع ثورة 17 فبراير باسابيع، كتبت محذرا من عرقنة ليبيا*، بتحويل مسار ثورتها من ثورة للتغيير نحو الافضل ، الى فوضى تفضي الى تحويل البلاد الى كنتونات ومراكز قوى متصارعة، مماثلة للحالة العراقية الراهنة..
وقد حذرت وقتها من ان قوى عظمى واقليمية تسعى لامتطاء ثورة الشعب الليبي والانحراف بها عن اهدافها النبيلة المتمثلة في إقامة دولة القانون والحريات، وتحويلها الى أدة لتنفيذ أجندة هذه الدول التي تتلخص في الابقاء على البلاد في حالة صراع مزمن ومن كل الانواع، وفرض سيطرتها على المناطق النفطية والموانئ البحرية والجوية الضرورية لتحرك قواتها وتأمين امدادات النفط، اي استنساخ كامل للحالة العراقية الراهنة ..
القوى العظمى والقوى الاقليمية التي ترعى هذا المشروع الخطير قامت وعلى مدى الاشهر التي اعقبت التحرير الكامل للبلاد من سيطرة النظام السابق، قامت بزرع البذور الأولى لمشروعها السرطاني في البلاد، بتبنيها لقوى قبلية معينة وشراء ذمم البعض وتأجيج صراعات قبلية وعرقية وجهوية قديمة كان الليبيون قد تجاوزوها خلال ثورتهم ضد النظام، كما قامت هذه القوى ببث طوابير من كوادر مخابراتها تحت غطاء منظمات مدنية وانسانية متنوعة في مفاصل البلاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية لجمع المعلومات الضرورية لإدارة مشروع عرقنة ليبيا .
وبفعل الانتشار السريع والمذهل لآفة التقوقع القبلي والعرقي والجهوي، وتراجع الانتماء الوطني بين الليبيين، أمكن لهذه القوى الاجنبية اختزال الزمن وإنجاز جزء كبير من مشروعها التدميري للبلاد في وقت قياسي؛ ففي اقل من شهر بعد إعلان التحرير اشتعلت حمى المحاصصة العرقية والقبلية والجهوية في تشكيلة المكتب التنفيذي الذي كلف بإدارة البلاد قبل تشكل الحكومة الانتقالية، وزاد أوار هذه الحمى بعد الاعلان عن تشكيل الحكومة.. وما إن بدات الحكومة في لم شتات أعضائها الذين فرضتهم قوى قبلية وعرقية وجهوية، حتى طفت على السطح قوى المليشيا المسلحة التي شكلت بتواجدها في المدن ، وخاصة العاصمة حكومة موازية للحكومة الشرعية، بل متجاوزة لها في فرض سلطتها كل في نطاقها.. ولم تكن القوى الاجنبية بعيدة عن كل هذا الحراك السلبي، بل كان يتم بمعرفتها وإشرافها، إذ تحولت عواصم معينة الى محج لوفود قبلية وجهوية تبحث عن الحلول لمشاكلها لدى من يديرها ويؤججها ، فيما استقبلت مناطق وفودا رسمية لدول اجنبية في غياب كامل لوزارة الخارجية، فيما تستقبل مطارات ليبية طائرات من كل نوع وجنسية لا تعرف الحكومة ولا الأجهزة الأمنية التابعة لها ماذا تنقل الى الداخل او الخارج ..
وتحولت الحكومة في ظل تواجد هذه المليشيات القبلية التي تقف وراء بعضها قوى أجنبية، تحولت الى حكومة على الورق، فلم تستطع هذه الحكومة حتى حماية أعضائها، فضلا عن إعادة هيبة الدولة في الشارع، كل ذلك يتم بفعل تماهي ممنهج بين بعض القوى المحلية المرتبطة بأجندات سياسية أجنبية وبين قوى اجنبية وإقليمية لها مصالح في الابقاء على ليبيا في حالة صراع مزمن يحول دون إقامة دولة قوية وفاعلة في المنطقة..
وخلال اقل من نصف سنة بعد التحرير ، تحقق لهذه القوى الاجنبية واحدا من اخطر واكبر اهدافها وهذه المرة ايضا بايدي ليبية، وهو مشروع تقسيم ليبيا والذي سيعلن عنه غدا الاثنين من بنغازي، تلك المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة على النظام المنهار لتتحول بهذا الاعلان وبعد أشهر من نجاح الثورة الى اول منبر يعلن منه تحقيق نبؤة الطاغية المقبور بتفكك وتقسيم ليبيا بعده.. وحتما ستقتفي المزيد من الجهات والمناطق اثر اقليم برقة وتعلن استقلالها بعد أن تكون قد فقدت الأمل في قيام دولة قوية وفاعلة تجمع ما تبقى من اشلاء هذا الوطن الذي تشظى وتفكك بفعل مخططات أجنبية وبأيدي ليبية أعماها جشعها وضيق أفقها عن إدراك خطورة المشروع الذي يستهدف امنهم ومستقبل ابنائهم وبلادهم ..
وحتى تضمن تكريس مشروع التقسيم على الارض، وتزيد من تعميق هوة الخلافات بين الجهات والمناطق التي ستصبح دويلات قزمية تدور في فلك القوى الاجنبية الراعية لها، ستعمل هذه القوى وبأدوات ليبية على إشعال حروب محدودة تبقى دئما تحت سيطرتها بين هذه الكيانات الجديدة، وفتيل ووقود هذه الصراعات متوفر وبأنواع متعددة في كل جهات ليبيا، وهو ما سيبقي هذه الكيانات القزمية رهينة للقوى الدولية والاقليمية الراعية لمشروع عرقنة ليبيا.. ويمكن اليوم رصد خلايا سرطانية خبيثة لهذه الكيانات في اكثر من منطقة في ليبيا، وذلك في صورة الكيانات المتضخمة عسكريا وسياسيا لبعض القبائل والجهات والعرقيات التي استغلت فرصة انهيار النظام ومؤسسات الدولة لتستولي على كميات هائلة من السلاح والعتاد والمقرات الحيوية للدولة وفرض سلطتها متجاوزة الحكومة المركزية وغير عابئة بقرارتها ، وهو وضع سيغري هذه القبائل والجهات بسلوك طريق التقسيم والانفصال والإجهاز على ما تبقى من الدولة الليبية، وهو آخر مراحل مشروع العرقنة .
ولكن يبقى هناك أمل ولو ضعيف في وعي النخبة المثقفة والواعية في كل انحاء ليبيا لمخاطر هذا المشروع ، وهي نخبة تفتقر للتنظيم والقيادة الوطنية غير المشبوهة والتي لا تربطها اية روابط بأجندات خارجية، وهما شرطان مهمان يجب توفرهما في اي قيادة تقود هذه النخبة للدفع بها في معركة إجهاض مشروع عرقنة ليبيا.. فليبيا اليوم بعد أن خرجت من أسر الطغيان والفوضى الذي دام لأكثر من اربعة عقود، نراها تدفع الى منحدر خطير تتجاوز آثاره المدمرة ما خلفه النظام المنهار، وستكون عواقبه كارثية ليس على الجيل الحالي فقط بل على أجيال قادمة، ستديننا بخيانة دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من اجل تحرير ليبيا من الطغيان، فإذا بنا نحن اليوم نلغي وجودها كدولة موحدة ونحولها الى كيانات قبلية وعرقية وجهوية متصارعة تعاني من التخلف والفقر المزمن.. فهل تدرك هذه النخبة الدور الخطير الذي ينتظرها لتقوم بأهم دور في معركة المحافظة على ليبيا كدولة واحدة وتفعيل مؤسساتها وتوعية المواطن الليبي بمخاطر الارتباط بقوى أجنبية والارتهان لأجندتها ايا كانت هويتها او جنسيتها، وكذلك مخاطر التقسيم والاصطفاف القبلي والجهوي والعرقي، والعمل على إحياء روح الانتماء الوطني وتوجيه الطاقات نحو البناء ومحاربة التخلف والنظر الى المستقبل بدل البقاء أسرى لذكريات الماضي المريرة نجترها لإلحاق المزيد من الدمار ببلادنا ومجتمعنا الذي يتعرض اليوم لأكبر وأخطر مؤامرة وهي مؤامرة التقسيم والارتهان للأجنبي..
* الموضوع على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=248504
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حان وقت تصحيح الذاكرة حول الثورة الليبية.
-
لا.. لعسكرة الثورة السورية
-
صور فيروزية 2 نحت على صفحة الخيال
-
مجازر سوريا تشل التفكير وتبلد الذاكرة
-
عيد الحب على الطريقة العربية
-
الموت هربا من الراسمالية المتوحشة
-
روفائيل لوزون .. تطهر.. ثم تقدم.
-
لتحتضن قلوبنا من ضاق عليه الوطن.
-
وماذا عن عُريِنَا الفاضح؟!!
-
صور فيروزية (1)
-
هدية للروح بمناسبة العام الجديد
-
الاعتراف بالهزيمة ثم العمل ..أول خطوة لنجاح التنوير
-
هل يستوعب الليبيون اول دروس الديمقراطية؟
-
سيف الاسلام رهن الاعتقال..وماذا بعد؟؟!!
-
سقط هبل.. هنيئا للبشرية
-
أخطر الطوابير طراً ..
-
بعد اسقاط الطاغية.. حان وقت معركة بناء الدولة المدنية
-
النظم العربية والغرب يدفعان لعرقنة المنطقة
-
طرابلس تضع النظام على سكة الرحيل
-
علاجات عقيمة لمعضلة عظيمة
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|