|
آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 18:33
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي إلى الأخت بيان صالح - منسقة ملف شؤون المرأة ، مع خالص تحياتي لعبت المرأة في ثورات الربيع العربي دورين متناقضين . تمثل الأول في مشاركتها الكثيفة والفاعلة في أحداث الثورات . مشاركة إن لم تكن قد تفوقت على نظيرتها للرجال ، من حيث الكم والفاعلية ، فقد تساوت معها ، ولم تقل عنها في أية مرحلة . وهذه المشاركة المثيرة للإعجاب والاحترام ، ضمنت للثورات نجاحا ، كان متعذرا تحقيقه بدونها ، رغم عدم انعكاسه على تمثيلها ، في الانتخابات التالية . وجاء الدور الثاني ، وفي الطور الثاني للثورات ، انتخابات مجالس الثورة ، برلمان ونقابات ومجالس تمثيلية أخرى ، صادما ، كونه جاء نقيضا ، وليس متعارضا فقط ، مع دورها الأول ، أثناء فعاليات الثورات . هنا ، في هذا الدور ، رمت المرأة بحجارة كثيرة أمامها ، دون أن تعي ، ربما ، أنها تعمل بيدها على إعاقة حركتها للأمام ، نحو حريتها ومساواتها والحصول على حقوقها الأخرى المهضومة على مدار قرون طويلة . فهي ، نقيضا لدورها في فعاليات الثورة ، انتخبت تيارات الإسلام السياسي ، الذي يقع إبقاء وضع المرأة على حاله ، وحتى إعادته خطوات كثيرة إلى وراء ، في صلب عقيدته ، ومن ثم في مركز رؤاه وبرامجه السياسية والاجتماعية والثقافية . في بلدان الربيع العربي ، التي جرت فيها الانتخابات حتى الآن ، تصورات تقوم على خيالات رومانسية ، تقول بأن الجماهير ستحجب الثقة عن التيارات الإسلامية ، في حال قصرت برامجها عن حل مشكلات الجماهير المعيشية الطاحنة . وفي رأيي أن مثل هذا القول ، يتعدى الخيال الرومانسي إلى الوهم ، أو الركض وراء السراب . فهذه التيارات ، بالمكاسب التي حققتها ، امتلكت وسائل للتأثير على الجماهير أكثر كثيرا ، من حيث الكم والنجاعة والفاعلية ، مما كان لديها قبل ذلك . فهي مثلا بدأت في إطلاق فضائيات جديدة وخاصة لها . ومن الوهم التصور أنها ستعف عن السيطرة على الإعلام الحكومي ، واستخدامه لخدمة توجهاتها . وبالتالي لن تعدم الوسائل لتبرير قصورها ، في حال حدوثه ، وهو سيحدث بكل تأكيد ،وإلقاء التبعة على غيرها . ولنتذكر مسألة في غاية الأهمية ، وهي أن كل فكر ودعاية هذه التيارات ، يقوم على مقولة أن الدنيا فانية ودار عبور ، وأن الآخرة دار بقاء وخلود ، وأن العمل في الأولى يجب أن لا يكون لغير الثانية . وقراءة التجارب السياسية ، بتأن وإمعان فكر ، تقول أن هذه التيارات الإسلامية ، ربما ستكسب أكثر من جولة قادمة ، مهما اتسم آداؤها من ضعف الفاعلية ، في التصدي لحل المعضلات الاقتصادية والمعيشية والإسكانية والبيئية والصحية والتعليمية ....الخ القائمة . بما يعني أن حكم هذه التيارات قد يمتد لأكثر من عقد قادم من الزمن ، ستوضع فيه أكوام كبيرة من الحجارة في طريق تحرر المرأة ومساواتها بالرجل . مع ذلك ، وفي معالجة هكذا قضية شائكة ، لا بد من الانتباه لوقائع ثابتة ، تجعل من المتعذر على أية قوة مناهضة لقضية تحرر المرأة تجاوزها . أولى هذه الحقائق مكاسب المرأة في التعليم ، والتي تعاظمت كثيرا في نصف القرن الماضي . في فلسطين اليوم كمثال ، تفوق أعداد البنات في المدارس والجامعات أعداد الأولاد . وتفوقهن عليهم في النتائج المدرسية والجامعية لا يحتاج إلى تدليل . هن أوائل كل الفروع تقريبا في الجامعات . وفي الثانوية العامة ، ومنذ أكثر من عشر سنوات ، يحتكرن قرابة 80 % من المراكز الأولى . وهذا التفوق العلمي ، الذي لا يمكن كبحه ، يضع فكرة قصر وجود الأنثى على البيت ، وحجبها عن التعليم ، في خانة المستحيل . كما سيكون لهذا التفوق العلمي انعكاسات إيجابية ، بكل تأكيد ، على مسيرة تحررها اللاحقة . وثانية هذه الحقائق أن المرأة خرجت إلى العمل . وإعادة حبسها في البيت من عاشر المستحيلات . لم يعد المجتمع بقادر عن الاستغناء عن عمل المرأة ، التي احتلت مكانها في سائر فروع الإدارات والإنتاج . ولم يعد عملها مقصورا على مهنة أو اثنتين ، التمريض والتعليم ، كما كان الحال في النصف الأول من القرن الماضي . هي الآن تنافس الرجل في كل المجالات . هي أديبة ، إعلامية ، قاضية ، وزيرة ، طبيبة ، أستاذة جامعية ، قانونية ، مهندسة .....الخ ، وهذه المسيرة الرائعة للمرأة تصب في صالح قضية تحررها . والثالثة أن الحركة النسوية ، ومعها فكر وفعل القوى والأحزاب اليسارية والليبرالية ، كدس الكثير من المكاسب لقضية تحرر المرأة ، يحتاج القفز والانتكاس عليها ، إلى الكثير من الجهد ، إذ تتوفرلمقاومته أدوات وإمكانيات كبيرة . لكن المرأة باختيارها الصادم في انتخابات ما بعد الثورة ، أضافت عقبات جديدة ، على طريق تحرره كما أشرنا . يتقدم هذه العقبات ، كما أرى ، حسن النية ، ولا أقول الظن ، بنوايا تيارات الإسلام السياسي ، مثل القول بطرحها إسلاما ليبراليا جديدا ، وحديثا يتناسب مع فكرة الدولة المدنية ، وهذا بدوره سيصب في مجرى قضية تحرر وتقدم المرأة . هناك حقائق يؤدي تجاهلها ، إلى خلق هذه العقبات الجديدة . في مقدمتها أن الفكر الإسلامي ، حسب نص عشرات الآيات ، يقوم على التمييز بين الجنسين ، بوضعه المرأة في مكانة أدنى من الرجل ، وبتأكيد عدم المساواة بينهما . كما أن هناك عشرات الأحاديث التي تعيد التأكيد على هذا التمييز لصالح الرجل . المسألة هنا مسألة عقيدة ، تستند إلى نصوص ، لا يستطيع المتأسلم ، مع كل ضغط الواقع ، وكل تأثير المحيط الإقليمي والعالمي عليه ، تجاهلها أو القفز عليها . وهو حين خرج في الَقَسَم ، في افتتاح مجلسي الشعب والشورى ، المصريين ، على النص ، وأضاف بما لا يخالف شرع الله ، أشار إلى التزامه بهذه النصوص ، وهي بالعشرات كما أشرت ، التي تؤكد على هذا التمييز . المسألة الثانية أن كل فكر تحرير المرأة وحقوقها ومساواتها ، هو فكر غربي المصدر ، جرى الكثير من التحريض ضده في الفترات السابقة . وحين أخذنا بهذا الفكر ، كونه جزءا من التراث الإنساني ، لم نتنبه إلى حقائق رافقت نشوءه وتطوره . أهمها أن فكر المسيحية واليهودية كان يكرس ، هو الآخر ، دونية المرأة . والالتزام بالنصوص كان يحول دون مجرد طرح أفكار تحررها وحقوقها ومساواتها . والنقلة النوعية ، بشأن هذه الحقوق ، حدثت بعد الثورة الفرنسية ، أي منذ قرنين تقريبا ، وبعد تكريس مناهج العلمانية في الحكم ، وبعد الخروج على قدسية هذه النصوص ، عقب مناقشتها ومعارضتها ، ثم رفضها في النهاية . ولو لم يحدث ذلك لظل من غير الممكن ، مجرد طرح فكر تحرير المرأة . عندنا ما زال الالتزام بهذا المقدس قائما . وفي مواجهة النصوص الكثيرة ، عشرات الآيات ، وعشرات الأحاديث كما أشرت ، تجري محاولات ضعيفة وبائسة ، للالتفاف ، من خلال تفسيرات ضعيفة ، وغير مقنعة ، لأحاديث فردية ، مثل النساء شقائق الرجال ، والتوصية بالمرأة ، وخذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ...الخ . ولأن التفسيرات خارجة عن السياق تبقى بلا أثر . فالنساء واقعا وفعلا هن أخوات شقيقات ، وغير شقيقات للرجال . وكان ، ويكون ، محتملا أن يثور الأخ ، الشقيق وغير الشقيق ، لكرامة أخته ، حين يهينها زوج جلف لم ينل حظا من التهذيب . وثورة الأخ هذا ، في ذلك الزمن ، زمن نشر الدعوة وبناء الدولة ، كان من الممكن أن تترتب عليه نتائج خطيرة . وعلى أي حال لا تحمل هذه الأحاديث أدنى إشارة إلى المساواة ، أو إلى كفالة الحقوق . وإذن تشكل مناقشة المقدس ، والخروج عليه ، كما حدث في الغرب ، بداية الطريق لتحرير جمهور عريض عريض من النساء ، من القناعة بدونيتهن والرضا بها ، كما تؤكدها النصوص ، ونقلهن من موقف الدفاع الشرس عن هذه الدونية ، والنضال من أجل تكريسها ، إلى موقف رفضها ، والنضال من أجل المساواة . المسألة الثالثة تتمثل في أن أكبر العقبات ، التي تواجه قضية تحرر المرأة ، تتمثل في رفض أغلبية كبيرة من النساء لها . وأكثر من ذلك ، قناعتهن بأن العقيدة الإسلامية ، بعشرات النصوص ، قرآن وحديث ، التي تؤكد هذه الدونية ، والتبعية للرجل ، هي صحيحة ، وتعطيها ما هو أفضل بكثير مما تدعو له حركات تحرر المرأة . في فلسطين مثلا ، يلفت الانتباه أن نسبة عالية بين المتعلمات ، لا يعتقدن فقط بصحة الفكرة الدينية ، بل ، وعلى عكس الرجال ، يغلقن عقولهن تماما ، أمام أية محاولة ، لمجرد النقاش في المسألة . كما يلفت الانتباه أن زوجات وبنات أعضاء حركات وفصائل اليسار ، يقفن في مواجهة أفكار رجالهن ، وضد أي محاولة منهم لإقناعهن بالمساواة ، ورفض وضع الدونية . في ظني أن هنا تكمن المعضلة الرئيسية . بقاء النساء على هذا الحال يعني المحافظة على خزان تصويت للتيارات الإسلامية في الدورات القادمة . والانطلاق من التأكيد على قدسية النصوص ، يلغي كل جهد في اتجاه قضايا المرأة . والأنكى من كل ذلك إضفاء القدسية على ناقلي النصوص ، من الدعاة والوعاظ وغيرهم . إضفاء القدسية هذا يمنح هؤلاء الدعاة حرية في القول والفعل ، يجعل من مواجهة نتائجها جهدا ضائعا . والأدهى أن الداعيات والواعظات الجاهلات ، يتصدرن دائما جلسات النساء ، ويحشون أدمغتهن بكل ما هو خرافي وفاسد ، ودون أن تتجرأ واحدة على المعارضة ، رغم وضوح ما في كلام الواعظة من انعدام الدقة ، ومن التعارض مع أبسط أشكال المنطق . إذن نحتاج جميعا ، رجالا ونساء ، حركات وقوى ومنظمات ، بدايات مماثلة لما جرى في الغرب . حوار مع المقدس . ورفع الغطاء عن هذا المقدس برفضه ، ووضع بديله . وحتى نصل إلى ذلك نحتاج للتعامل ، الآن وقبل الغد ، مع مسألة تصحيح مسار التعليم . التعليم في بلداننا العربية ، وليس المناهج فقط ، وإنما النظام القائم على التلقين ، القائم على تغييب العقل ، هو معضلة المعضلات . بقاؤه على ما هو عليه الآن ، مع أفضل المناهج ، سيبقي على المشكلة قائمة . هناك في كل قطر من أقطارنا ، ملايين من الناس عقولهم مغيبة . والتحرر ، أي تحرر ، يحتاج إلى عقول متفتحة . وتظل العقول المغلقة ، المغيبة ، تشكل أعدى أعداء قضايا التحرر ، وأكثر الحلفاء إخلاصا لتيارات الإسلام السياسي . ولنقولها صريحة مدوية : المؤمن بصحة المقدس ، رجلا كان أو امرأة ، لا يؤمن بقضية تحرر المرأة . والمستشارة التي تقبل تغطية رأسها ، لا تؤمن بمساواتها مع زوجها أو ابنها . والدكتورة ، عضوة مجلس الشعب ، التي قبلت بوضع وردة مكان صورتها في الإعلانات ، لا تؤمن بمساواتها مع الرجل ، ومن ثم ستناضل ضد من يعترض على دونيتها . وأخيرا قد يقول القارئ : ولكنك نسيت التطورات العاصفة التي تحدث في سائر أقطار كوكبنا ، وأثرها على قضايا التحرر ، ومنها قضايا تحرر المرأة ، وأقول : لا لم أنسها ، ولكنني لا أحب التركيز عليها ، حتى لا أساعد من يميل إلى الاتكال عليها ، في قعوده عن مواجهة ما يجري على أرضنا .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ
...
-
قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية
...
-
عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية
...
-
الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
-
قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 4 مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 3) مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 2 مخاطر على الديموقراطية
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري
-
عبود الزمر و العيش خارج حدود الزمان والمكان
-
دخول الى حقل المحرمات - 1 -
-
وحدة الأضداد بدون صراعها
-
هل هي مبادرة؟!
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|