|
نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني2-3
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 18:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ أكثر من مائة وستين عاماً خاطب حضرة بهاء الله في لوحِ الملكة فيكتوريا جمهورَ حكامِ أهلِ الأرض بقوله العظيم : " تَدَبَّرُوا وَتَكَلَّمُوا فِي ما يَصْلُحُ بِهِ العالَمُ وَحالُهِ .....فَانْظُرُوا العالَمَ كَهَيْكَلِ إِنْسانٍ إِنَّهُ خُلِقَ صَحِيحاً كَامِلاً فَاعْتَرَتْهُ الأَمْراضُ بِالأَسْبابِ المُخْتَلِفَةِ المُتَغايِرَةِ وَما طابَتْ نَفْسُهُ فِي يَوْمٍ بَلْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ بِما وَقَعَ تَحْتَ تَصَرُّفِ أَطِبَّاءَ غَيْرِ حَاذِقَةٍ الَّذِينَ رَكِبُوا مَطِيَّةَ الهَوَى وَكَانُوا مِنَ الهَائِمِينَ، وَإِذا طابَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضائِهِ فِي عَصْرٍ مِنَ الأَعْصارِ بِطَبِيبٍ حاذِقٍ بَقِيَتْ أَعْضاءٌ أُخْرَى فِي ما كَانَ..." وأيضاً في نفس اللوح يتفضل بقوله الجليل: "...إِنَّا نَرَاكُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَزْدادُونَ مَصَارِفَكُمْ وَتُحَمِّلُونَها عَلَى الرَّعِيَّةِ إِنْ هذا إِلاَّ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، اتَّقُوا زَفَرَاتِ المَظْلُومِ وَعَبَرَاتِهِ وَلا تُحَمِّلُوا عَلَى الرَّعِيَّةِ فَوْقَ طاقَتِهِمْ ....أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ إِذاً لا تَحْتاجُونَ بِكَثْرَةِ العَساكِرِ وَمُهِمَّاتِهِمْ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ تَحْفَظُونَ بِهِ مَمَالِكَكُمْ وَبُلْدَانَكُمْ..... أَنِ اتَّحِدُوا يا مَعْشَرَ المُلُوكِ بِهِ تَسْكُنُ أَرْياحُ الاخْتِلافِ بَيْنَكُمْ وَتَسْتَرِيحُ الرَّعِيَّةُ وَمَنْ حَوْلَكُمْ .... إِنْ قَامَ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلَى الآخَرِ قُومُوا عَلَيْهِ إِنْ هذا إِلاَّ عَدْلٌ مُبِينٌ." "إِنَّ المغزى الذي يكمنُ في هذه الكلماتِ الخطيرة هو أَنَّها تشير إٍلى أَنَّ كَبْحَ جِماحِ المشاعرِ المتعلقةِ بالسّيادة الوطنيّة المتطرِّفة أَمرٌ لا مناص منه كإجراءٍ أوَّلي لا يمكنُ الاستغناءُ عنه في تأسيسِ رابطة الشّعوب المتّحدة التي ستَنْتَمي إليها مُستقبلاً كلُّ دولِ العالم. فلا بُدَّ من حدوث تطورٍ يَقودُ إلى قيام شَكْلٍ من أشكال الحكومة العالميّة تخضع لها عن طِيبِ خاطرٍ كلُّ دولِ العالم، فتتنازلُ لصالحِها عن كلِّ حقٍّ في شنِّ الحروب، وعن حقوقٍ مُعيَّنة في فرضِ الضّرائب، وعن كلِّ حقٍّ أَيضاً يُسمَحُ لها بالتّسلُّح، إِلاَّ ما كان منه يَكفي لأغراضِ المحافظةِ على الأمنِ الدّاخلي ضمنَ الحدودِ المَعْنيَّة لكلِّ دولة. ويدورُ في فَلَكِ هذه الحكومةِ العالميّةِ قوّةٌ تنفيذيّةٌ دوليّة قادرةٌ على فرضِ سلطتِها العليا التي لا يمكن تحدِّيها من قِبَلِ أيّ مُعارضٍ من أَعضاءِ رابطة شعوبِ الاتِّحاد. يُضافُ إلى ذلك إِقامةُ بَرلَمانٍ عالميّ يَنتخِبُ أعضاءَه كلُّ شعبٍ ضمن حدودِ بلادِه، ويَحْظَى انتخابُهم بموافقةِ حكوماتِهم الخاصّة، وكذلك تأسيسُ محكمةٍ عُليا يكون لقراراتِها صِفَةُ الإِلزام حتى في القضايا التي لم تكنْ الأطرافُ المَعنيَّةُ راغبةً في طرحِها أمامَ تلك المحكمة... إِنَّها جامعةٌ عالميّة تزول فيها إلى غير رجعةٍ كلَّ الحواجزِ الاقتصاديّة ويقوم فيها اعترافٌ قاطعٌ بأنَّ رأسَ المال واليدَ العاملةَ شريكان لاغِنَى للواحدِة منهما عن الآخر، جامعةٌ يتلاشى فيه نهائيّاً ضجيجُ التّعصّباتِ والمُنازعاتِ الدّينيّة، جامعةٌ تنطفئ فيها إِلى الأبد نارُ البغضاء العرقيّة، جامعةٌ تَسُودها شِرْعَةٌ قانونيّة دوليّة واحدة تكون تعبيراً عن الرّأي الحصيف الذي يَصِلُ إليه بعنايةٍ مُمثِّلو ذلك الاتِّحاد، ويجري تنفيذُ أحكامها بالتّدخُّل الفوريّ من قِبَل مجموع القواتِ الخاضعة لكلِّ دولةٍ من دولِ الاتِّحاد. وأخيراً إِنَّها جامعةٌ عالميّة يتحوَّلُ فيها التّعصّبُ الوطني المتقلِّبُ الأهواءِ، العنيفُ الاتِّجاهات، إلى إِدراكٍ راسخٍ لمعنى المواطِنيَّةِ العالميّة – تلك هي حقّاً الخطوطُ العريضةُ لصورةِ النّظامِ الذي رَسَمَه مُسبَقاً بهاء الله، وهو نظامٌ سوف يُنْظَر إليه على أنَّه أَينعُ ثمرةٍ من ثمراتِ عصرٍ يكتمل نُضْجُه ببطء". يخاطب حضرة بهاء الله أهلَ العالم بقوله العظيم : " قَدِ ارْتَفَعَتْ خَيْمَةُ الاتِّحَادِ لاَ يَنْظُرْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَنَظْرَةِ غَرِيبٍ إِلَى غَرِيبٍ. كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ.... يُعْتَبَرُ الْعَالَمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ أَهْلُهُ.... لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. " لكي لا يكـون هنـاك أدنى شـكٍ أو ريب في الهـدفِ والغايـةِ النضـرةِ لرســالةِ حضــرة بهاء الله العالمي النطاق فإن الدينَ البهائي يكون : "بعيداً عن أيّة محاولة لتقويض الأُسُسِ الرّاهنة التي يقوم عليها المجتمعُ الإنسانيّ، يسعى مبدأُ الوحدة هذا إلى توسيعِ قواعدِ ذلك المجتمع، وإعادةِ صياغةِ شكلِ مؤسّساتِه على نحوٍ يَتَناسَقُ مع احتياجات عالمٍ دائمِ التّطوّر. ولن يتعارضَ هذا المبدأُ مع أي ولاءٍ من الولاءاتِ المشروعة، كما أنه لن ينتقِصَ من حقِّ أي ولاءٍ ضروريِّ الوجود. فهو لا يستهدفُ إطفاءَ شُعْلَة المحبّةِ المتَّزنة للوطنِ في قلوبِ بني البشر، ولا يسعى إلى إزالةِ الحكمِ الذّاتيّ الوطنيّ، الذي هو ضرورةٌ ملحَّةُ إِذا ما أُرِيدَ تجنُّبَ الشّرورِ والمَخاطر النّاجمةِ عن الحكمِ المركزيّ المُبالَغ فيه. ولن يتجاهلَ هذا المبدأُ أو يسعى إِلى طَمْسِ تلك الميّزات المتَّصلة بالعِرق، والمناخ، والتّاريخِ، واللّغةِ والتّقاليد، أوالمتعلّقةِ بالفكرِ والعادات، فهذه الفوارقُ تُميِّزُ شعوبَ العالمِ ودُوَلَه بعضها عن بعض. إِنَّه يدعو إلى إقامةِ ولاءٍ أَوسع، واعتناقِ مطامحٍ أسمى، تَفُوق كلَّ ما سَبَقَ وحَرَّك مشاعرَ الجنسِ البشريّ في الماضي. ويؤكِّدُ هذا المبدأُ إِخضاعَ المشاعرِ والمصالح الوطنيّةِ للمتطلَّباتِ الملحَّة في عالم مُوحَّد، رافضاً المركزيّةَ الزائدةَ عن الحدِّ من جهة، ومُستنكِراً من جهةٍ أخرى أيّةَ محاولةٍ من شأنِها القضاءُ على التّنوّع والتّعدّد. فالشِّعارُ الذي يَرْفعه هو: "الوحدةُ والاتِّحاد في التّنوّعِ والتّعدّد". كما تفضل حضرة عبد البهاء بقوله الكريم : " لاحظوا أزهارَ الحدائقِ : فمهما اختلفَ نوعُها وتفاوتت ألوانُها وتباينت صورُها وتعدّدت أشكالُها إنّها لمّا كانت تُسقى من ماءٍ واحد، وتنمو من هواءٍ واحد، وتترعرع من حرارةِ وضياءِ شمسِ واحدةٍ فإنّ تنوّعَها واختلافَها يكون سببًا في ازديادِ رونقها وجمالِها. وكذلك الحال إذا برز إلى حيّز الوجودِ أمرٌ جامع – وهو نفوذُ كلمةِ الله – أصبح اختلافُ البشرِ في الآدابِ والرّسومِ والعاداتِ والأفكار والآراءِ والطّبائعِ سببًا لزينةِ العالمِ الإنسانيّ. أضف إلى هذا أنّ هذا التّنوّعَ والاختلافَ سببٌ لظهورِ الجمالِ والكمال، مثلُه في ذلك مثلُ التّفاوتِ الفطريّ والتّنوّعِ الخَلْقيّ بين أعضاءِ الإنسان الواقعةِ تحت نفوذِ الرّوحِ وسلطانِها. فإذا كانت الرّوحُ مسيطرةً على جميعِ الأعضاءِ والأجزاء، وكان حكمُها نافذًا في العروقِ والشّرايين كان اختلافُ الأعضاءِ وتنوّعُ الأجزاءِ مؤيّدا للائتلافِ والمحبّةِ وكانت هذه الكثرةُ أعظمَ قوى للوحدةِ. ولو كانت أزهارُ الحديقةِ ورياحينها وبراعمُها وأثمارُها وأوراقُها وأغصانُها وأشجارُها من نوعٍ واحد ولونٍ واحد وتركيبٍ واحد وترتيبٍ واحد لما توفر لمثلِ تلك الحديقةِ أيّ رونق ولا جمال بأيّ وجه من الوجوه. أمّا إذا تعدّدتْ ألوانُها واختلفت أوراقُها وتباينت أزهارُها وتنوّعت أثمارُها تسبّب كلُّ لون في زينةِ سائرِ الألوان وإبرازِ جمالِها وبرزتْ الحديقةُ في غايةِ الأناقةِ والرّونقِ والحلاوة والجمال. كذلك الحالُ في تفاوتِ الأفكار، وتنوّعِ الآراء والطّبائعِ والأخلاق في عالمِ الإنسان. فإنّها إذا استظلّتْ بظلِّ قوّةٍ واحدة، ونَفَذَتْ فيها كلمةُ الوحدانيّةُ تجلّتْ وهي في نهايةِ العظمة والجمال والعلويّة والكمال. ولا شيء اليوم يستطيع أن يجمعَ عقولُ بني الإنسان وأفكارُهم وقلوبُهم وأرواحُهم تحت ظلّ شجرةٍ واحدةٍ غيرَ قوّةِ كلمةِ الله المحيطة بحقائقِ الأشياء." إن نداءَ حضرةِ بهاء الله وتعاليمَه في المقامِ الأول يخالفُ كلَّ أنواعِ الانعزالِ وضيقَ الأفق، النزعةَ الإقليمية والتعصبَ. متى تصبح المثلُ التي طالما تشبثتْ بها المؤسساتُ العريقةُ، فرضياتٌ دينيةٌ معينة، والنظمُ الدينيةُ غيرَ قادرةٍ على ترويجِ رفاهيةَ وسعادةَ الجنسِ البشري قاطبةً وخدمةِ احتياجاتِ عالمٍ بشري دائمِ التطور، فلا بد أن تزالَ وتُهمَلَ وتتنزَّلَ إلى درجةِ الأفكارِ والعقائدِ المندثرةِ المنسية؛ لماذا يجبُ أن تُستثنى من التدهورِ الذي يلحقُ بأي أنظمةٍ إنسانية، في عالمٍ يخضعُ لقانونِ التغييرِ والتبديلِ الدائم؟ لأنه حسب المعاييرِ القانونية فإن أيَّ قانونٍ أو مكتبٍ سياسي واقتصادي خُلِقَ لكي يحافظَ على المنافعِ البشريةِ وليس لأن تُضطََهَدَ الإنسانيةُ من أجلِ الحفاظِ على سلامةِ ذلك القانونٍ أوالعقيدة . (من نداء لأهل العالم-حضرة شوقي أفندي)
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرجوك ياشيخ الأزهر الشريف تحرى الحقيقة ( يا أيها الذين آمنوا
...
-
نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني1-3
-
نداء لأهل العالم -مصائب العالم الإنساني 2-2
-
نداء لأهل العالم (3)- مصائبُ العالمِ الإنساني
-
نداء لأهل العالم-(2) الدين البهائي وشخصياته المحورية البارزة
...
-
نداء لأهل العالم-1
-
أبدية الشريعة (7-7) - - عبدالبهاء -
-
أبدية الشريعة (6-7) - - بهاءالله -
-
أبدية الشريعة (5-7)- - الباب -
-
أبدية الشريعة (4-7)- بين القرن التاسع عشر والعشرين
-
أبدية الشريعة (3-7)
-
أبدية الشريعة (2-7)- بشارة يوم الله في كتب الله
-
أبدية الشريعة (1-7)
-
البهائية روح العصر
-
الحجج الإلهية والحجب البشرية
-
نداء من الله
-
عصر ذهبي ينتظر البشرية
-
نشوء وارتقاء الإنسان
-
تطوّر الإنسان
-
نشأة وارتقاء الإنسان بين دارون والفاتيكان ورأي البهائية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|