أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي علوش - محاولة لفهم الدوغما















المزيد.....

محاولة لفهم الدوغما


مهدي علوش

الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 12:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعود تاريخ مفهوم الدوغما الى بلاد اليونان القديمة ، حيث كانت تحمل هذا الاسم اوامر السلطة الحاكمة . بينما في فترة القرون الوسطى ، كانت الدوغما المسيحية تعني الايمان بما مصدره الوحي والكتاب المقدس . قد تؤدي مغامرة اي فرد بأنكارها الى تبرؤ وسطه الاجتماعي منه ، اذا لم يحصل له ما هو اسوء من ذلك . ولعلنا اليوم نحمّل الكلمة بعضاً من هذا المعنى احياناً .
في الفلسفة ارتبط مفهوم الدوغما منذ البداية بالمعرفة الانسانية وامكانيتها . فالشكيون اليونان مثلاً كانوا يطلقون كلمة دوغمائي على كل من يعتقد ان بامكاننا الحصول على اية معرفة عن الاشياء . ويبدو ان تصورنا الحالي عن الدوغما يعود في جانب كبير منه الى بداية ما يعرف بالازمنة الحديثة ، اي فترة صعود البرجوازية . فصراع فرنسيس بيكون ضد الدوغما ولاجل تعزيز المعرفة كان يجد تعبيره في تعظيمه لدور التجربة على حساب منهج القياس المنطقي الارسطي ( الاستنباط ) . بينما كان الاتجاه العقلاني في المعرفة ( ديكارت و لايبنتز ) يدعو الى استخدام نور العقل من اجل تبديد ظلام الايمان الدوغمائي . هيوم كان ينعت العقلانيين بالدوغمائية . كانت كان يرفض الأدعاء الدوغمائي بامكانية الوصول الى الشيء بحد ذاته . هيغل يلعن الذين ينكرون تناقض العالم واشيائه ويعتبره احادية نظر ميتافيزيقية . ماركس وانجلس يقيمون المنهج الديالكتيكي الهيغلي ( الذي هو ضد الدوغمائية ) على اساس مادي . في اوساط الماركسية نشأ صراع بين الدوغمائية والتحريفية ، كان حله ، كما هو معروف ، عملياً ونظرياً ، في اللينينية ، التي كانت تنتقدهما معاً على ان كليهما ناتج عن : عدم فهم التناسب الصحيح بين المتغير والثابت نسبياً من عناصر النظرية . اما في اوساط الفلسفة البرجوازية المعاصرة ، فقد تصدرت الوضعية الجديدة مجال ما يعرف بفلسفة العلم ، التي تحمل لواء مكافحة ما تسميه بالميتافيزيقية التقليدية . الا ان هذا لم يمنع احد ممثلي هذه المدرسة ، وهو ويلارد كواين ، من ان يخرج عليها بنفس سلاحها متهماً اياها بانها تنطوي على عناصر دوغمائية .
هذه النسبية الواضحة في تداول المفهوم ، في ظننا ، تقف وراء النظر اليه على انه يعبر عن التمسك غير المبرر بالآراء والمواقف القديمة . وهو صحيح الى حدٍ ما ، بقدر اعترافه الضمني بتطوّر وحركة الاشياء ، الا انه غير كاف على وجه الدقة . لان النسبية لوحدها تؤدي للمحاكمة على اساس ان كل فكر حي الآن لا بد وان يتقادم عليه الزمن ، فيجدر عندها استبداله بجديد ، لا يلبث هو الآخر ان يصير قديماً ، لا حاجة لنا به . وهكذا ، قد يصبح البريء من الدوغما هو من لا يحمل اي نظرية اطلاقاً . ولربما يصل الامر الى التنظير في الدفاع عن هذا الموقف ، وفي هذا مفارقة بيّنة .
وبما اننا لسنا ممن يتنكر للفكر، فاننا نرى ضرورة دراسة هذه الظاهرة فيه ، وتعريتها بأدواته .
الدوغما ( كأي مفهوم تاريخي ) يجب تناولها من جانبين مترابطين لايمكن فصل احدهما عن الآخر . ولربما يشكلان مصدر خواصها الاساسية ، اي ما يدعى بمحتوى المفهوم ، مما يساعد بالنتيجة على تحديد حجمه ( مجال انطباق المفهوم ، او ما يدعى ب الماصَدَق ) ، فيقلل من العشوائية في استخدامه . الاول هو الجانب المعرفي ، والثاني هو الجانب الاجتماعي-التاريخي .
اولاً - تناول المفهوم على انه يمثل مشكلة معرفية ، اي عندما تكون النظرية ( او اجزاء منها ) غير صادقة في معالجتها للواقع الموضوعي . فأن المشكلة تتعلق ، بالضرورة ، بالمنهج . اي انها تقع في دائرتي : المنطق الاعتيادي ( الشكلي ) والمنطق الديالكتيكي . الاول يقوم على مبدأين اساسيين - احدهما الاستنباط ، الذي يعني اشتقاق حقائق جديدة خاصة من مقدمات عامة ، وهو مبدأ نتائجه صحيحة بالكامل ، اذا ما كانت مقدماته صحيحة . فرنسيس بيكون انتقد هذا الاسلوب على انه دوغمائي ، وذلك لان المقدمات دائما غير مؤكدة . وحتى لو كانت مشتقة من مقدمات اسبق صحيحة ، فأن الاخيرة غير مبرهن عليها بصورة قطعية . لذلك فضّل المبدأ الثاني - أي الاستقراء ، الذي ينطلق من تجارب عملية محدودة كي يصل الى نتائج اكثر عمومية . وهو مبدأ ، وان كان لايضمن ، في اغلب اشكاله ، الاّ الصحة التقريبية للنتائج ، لكنه يشكل احد اهم مصادر معارفنا الجديدة . اليوم لا يوجد عالم منطق لا يعترف بأهمية استخدام المبدأين معاً . ومنذ اوخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين جرى تطوير ملموس في مجال المنطق الشكلي من اجل ضمان دقة نتائجه ، وذلك عن طريق اقرانه بالرياضيات ، ما كان ثمرته ما يدعى اليوم بالمنطق الرياضي ، لأول مرة عام ١٨٧٩ على يد غوتلوب فريغه . ورغم هذا التطور الكبير ، الا انه بقي يعالج بفاعلية ظواهر الطبيعة والمجتمع الساكنة نسبياً او المتوازنة . وبمجرد حصول اي تطور في الواقع المدروس ، فان ذلك يعني وجوب الخروج من هذه الدائرة والدخول في دائرة اوسع هي دائرة المنطق الديالكتيكي ، وهو - علم اشمل قوانين حركة وعلاقات كافة ظواهر الطبيعة والمجتمع . يحدث هذا عندما يلوح قصور النظرية عن تفسير الواقع المتغير، مما يستدعي تدقيق كافة عناصرها من مفاهيم وفرضيات وقوانين ، وفق قوانين الديالكتيك المادي ، بعد الرجوع للواقع المدروس في حركته وعلاقته مع محيطه . اي الرجوع الى الديالكتيك الموضوعي ، وعكسه في النظرية . بهذه المنهجية يحقق العقل انجازاته في تطور المعرفة ، والتي تتقدم الى الامام دائماً ، الا انها مع ذلك تبقى نسبية ، لا تحصل دفعة واحدة . ولكي نميّز بين الدوغما الفعلية والقصور المعرفي الناتج عن اسباب ثقافية - تاريخية ، لا بد من الكشف عن جانبها الثاني .
ثانياً - لعل الدوغما واحدة من بين الكثير من الظواهر الفكرية البشرية ، التي لايمكن فهمها بوضوح دون الاضاءة على الوضيفة التي تقوم بها ضمن النسق الفكري المحدد ، على حقيقة التحزب فيه ، اي انحيازه وتعبيره عن مصالح طبقية ، وبشكل مموّه على الاغلب . يصعب تشخيصها عن طريق المنطق فقط ، بدون الكشف عن دورها الاجتماعي .
ان نظرة سريعة على الخط العام للتطور الفكري للبرجوازية منذ لحظة صعودها التاريخي ، و ارتباطاً بتغير وضعها الاجتماعي ستكشف لنا : ان البرجوازية ، في البداية ، وبسبب وضعها الاجتماعي الخاص المتجسد في مشروعها الثوري ، كانت مجبرة على عرض مصلحتها الطبقية الخاصة على انها مصلحة عامة المجتمع . فكان لابد للفكر ان يقدم النموذج العام للسلوك والرؤية وطرائق التفكير ، ان يقدم نظماً فلسفية كاملة ، تطمح لأن تقدم حلولاً شاملة ، ما يمكن اعتباره نمطاً عاماً في الفكر البرجوازي . لكن هذا الوضع بدأ يتغير بتآكل وظائفها التقدمية . وظهور تناقض مصلحتها الخاصة مع المصلحة العامة ، وهو ما ادى الى تآكل القاعدة الاجتماعية للفكر البرجوازي الكلاسيكي ، والى تحول هائل في ميكانزمات عمله . تفتت الوحدة الاجتماعية السابقة ، وتذرّى المجتمع بصورة تدريجية ، وتعددت الآراء والمواقف ، بسبب بروز طائفة من المشاكل الخاصة بكل طبقة او فئة اجتماعية . واذا بنا امام تعددية واسعة للمدارس الفلسفية ، تعبر كل منها ليس فقط عن مشاكل وطموحات منظومة اجتماعية محددة ، ولربما عن امزجة وطرائق تفكير فئة معينة ايضا . فمثلاً : الوضعية الجديدة متخصصة ،على الاغلب ، للاستهلاك من قبل الانتلجنسيا في مجال العوم الطبيعية والتقنية . الوجودية تتوجه الى انتلجنسيا الادب والفن . والبرغماتية هي العطر الخاص بنمط التفكير البرجوازي الامريكي ..وهكذا . وبالرغم من نزوع كل مدرسة منها لان ترتقي الى مستوى نظام فلسفي شامل ، وذلك انسجاماً مع الخطاب القديم ، لكن هيهات اياً منها ان تصيب نجاحا في مسعاها . اذ مادامت مبادئها وادواتها تنطلق من وضع اجتماعي خاص ( اي من منظومة اجتماعية خاصة لاتملك مشروعاً تأريخياً لكامل المجتمع ) ، فكيف يمكنها اعادة تركيب او احتواء فكر أية منظومة اجتماعية اخرى ، ناهيك عن ان تكون فكراً لكامل المجتمع .
الدوغما تكمن هنا في بسط اجنحة الفكر الخاص ليغطي مجال الفكر العام .
ختاماً لابد من التأكيد على ان الدوغمائية في الفكر، بقدر ما تحاول ليْ عنق العلم والتاريخ ، من اجل فرض منطقها الخاص على باقي افراد المجتمع ، فهي بذات القدر خاصية جينية لفكر الطبقات او الفئات التي لا تمتلك مشروعاً تقدمياً للمجتمع ، او التي تجد ان في مصلحتها ابقاء الراهن ، او العودة الى راهنية متخلفة سابقة .



#مهدي_علوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الانعكاس في اساس نظرية المعرفة الماركسية


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي علوش - محاولة لفهم الدوغما