|
الاحتلال يكشف زيف ديمقراطيته
صدقي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 3656 - 2012 / 3 / 3 - 11:28
المحور:
الصحافة والاعلام
جاءت مداهمة الاحتلال نهاية الأسبوع الماضي لمحطتي تلفزة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ومصادرة أجهزة البث والكومبيوتر الخاصة بهما، ليؤكد قاعدة أن "لا حرية لعمل وسائل الإعلام في ظل الاحتلال والاستبداد". وسرعان ما برر الاحتلال ذلك بأن ترددات البث لتلفزيوني "وطن" و"القدس التربوي" تؤثر سلبا على سير عمل المطارات والأجهزة اللاسلكية!! في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية رفضها إدعاءات جيش الاحتلال. وأوضحت الوزارة على لسان وكيلها سليمان الزهيري إن هذه "الذرائع ادعاءات إسرائيلية كاذبة تهدف إلى سرقة الترددات الفلسطينية لصالح الاستيطان"، واستحالة أن تؤثر ترددات بث المحطات التلفزيونية على المطارات والأجهزة اللاسلكية من ناحية فنية. كما أن إسرائيل لم تبلغ الجهات الفلسطينية المسؤولة حول تأثير بث هاتين القناتين على مطاراتها. هذا يقودنا إلى النظر في واقع الإعلام في ظل الاحتلال والحكومات المستبدة، حيث اهتمت النظم السياسية بالإعلام وتنوعت معاملتها معه وفقا لمعايير مبادئها ومصالحها، في ظل إيمانها بأبعاد الوظيفة السياسية للإعلام والاتصال، وعلاقته بالحياة السياسية الداخلية والخارجية، وأخذت هذه العلاقة شكلا تصاعديا مع عصر الثورة التكنولوجية لما تؤديه هذه الوسائل من مهام إخبارية وتفسيرية واقناعية. ويدرك الاحتلال جيدا أن الإعلام يلعب دورا حيويا ومهما في غير ما يريده، في الوقت الذي تجعل الأزمات والصراعات الجمهور يتعرض بصورة أكبر لوسائل الإعلام، لرغبته في الحصول على مزيد من المعلومات تجاه الأزمة أو الخطر الناتج أو المتوقع حدوثه. ويرتبط بذلك، قناعة الاحتلال أن احتلاله للأرض وسيطرته عليها لا يكتمل إلا باحتلال الفضاء ويتمثل ذلك بالسيطرة على الترددات و"تهويدها"، وحرمان وسائل الإعلام الفلسطينية بمختلف أشكالها من نصيبها في هذه الترددات، ومن أنظمة الاتصالات الحديثة. الاحتلال الذي يسوق صورته على انه واحة الحرية والديمقراطية، تأتي مثل هذه الأعمال لتنفي عنه ما يدعيه، وتكشف طابعه الاستبدادي ليس فقط ضد الفلسطينيين، بل ضد وسائل إعلامه أيضا، وهنا نستذكر التحذير الذي نقلته وكالة "أسوشيتد برس" –وكالة أنباء أمريكية- قبل عام من الآن، على لسان كبار الصحافيين في إسرائيل، خلال مؤتمر حول ما أسموه رياح معاداة الإعلام من قبل الحكومة الإسرائيلية. حيث تضمنت الإجراءات الحكومية، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، اعتماد التعيين السياسي في الإعلام الحكومي وتهميش النقاد البارزين وإصدار تشريعات مناهضة لليبراليين مما قد يتسبب بعرقلة إعدادهم للتقارير الاستقصائية، وهذا ما تعرضت له القناة العاشرة الإسرائيلية –تعد واحدة من قناتين تلفزيونيتين تجاريتين- من خطر الانهيار، بعد أن تراكمت عليها الديون ورفض اللجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي طلب القناة فترة سماح مدتها عام لتسديد ديونها التي تقدر بـ11 مليون دولار مستحقة للدولة. كما عانت القناة العاشرة من مشكلات في الحصول على نصيب من السوق منذ البداية لعدم السماح لها بالبثّ على الموجة الأرضية، واقتصر بثها على القمر الصناعي والكيبل. واعتبر وقتها أحد مقدمي البرامج في القناة (موتي كرشنباوم) أن ما حدث مع القناة إنما هو "مناورة سياسية انتقامية. والمشكلات التي تواجها القناة فرصة للانقضاض عليها". يأتي ذلك بعد أن أجرى قسم الأخبار في القناة تقارير استقصائية عدة سببت إحراجا كبيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، منها الكشف عن نفقات نتنياهو وزوجته الباهظة في السفر إلى الخارج خلال العشر سنوات التي قضاها في منصب رئاسة الوزراء. ويتفق حزب (إسرائيل بيتنا) -الذي يشارك في الحكومة الائتلافية والذي ينتمي إليه وزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان)- نتنياهو غضبه من القناة، بسبب عرض مقطع مصور يظهر فيه أحد وزرائه وهو يدخل منزله مع عشيقته. واستقال رئيس قسم الأخبار في القناة بعد أن أُجبر على الاعتذار عن تقرير ينتقد قطب صالات القمار في الولايات المتحدة، (شيلدون أديلسون)، والذي تربطه علاقات قوية بنتنياهو. ويمتلك أديلسون صحيفة يومية بارزة هي "إسرائيل هايوم"، التي تتعاطف مع نتنياهو، على عكس القنوات التلفزيونية والصحف التي لا تملك الدولة فيها حصة. وهنا نسجل ما قاله الخبير الإسرائيلي في القانون والاتصالات (يوفال كارنيل): "لا يوجد أدنى شك في أن السياسيين يتحينون اللحظة التي يمكنهم فيها إضعاف وسائل الإعلام وتلقينها درسًا (...) يقاوم السياسيون الإعلام الحر على جميع الجبهات، ويحاولون إضعافه ومنعه من الانتقاد وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الديمقراطية". ويأتي الحديث هنا عن القناة العاشرة ليس من باب المديح، وإنما لنقول: "إذا كانت معاملة حكومة الاحتلال لوسائل إعلامها بهذا الشكل القمعي، فكيف هي معاملتها ونظرتها للإعلام الفلسطيني؟!!" وما الفرق بين الاحتلال الإسرائيلي الذي يداهم محطات التلفزة ويقمع الحريات، ويسعى للسيطرة على ترددات البث، وبين الاحتلال المغولي الذي دمر مكتبة بغداد؟ هو الاحتلال في أي عصر ومكان، يعتبر وسائل الإعلام ومصادر المعرفة خصمه اللدود الذي يسعى لإسكاته.
#صدقي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شجرة برتقال
-
من حق الشعوب ملكية وسائل الإعلام
-
وسائل الاعلام...صوت للفقراء
-
صحافة المواطن نافذة للأشخاص ذوي الاعاقة
-
الصورة... لغة الأمس واليوم والغد
-
رجل ثلج
-
الذاكرة الوطنية بعد 60 عاما من النكبة
-
-حرب الأفيون- الجديدة بأيدي اسرائيلة
-
العرب وروح المبادرة
-
هذيان لاجئ فلسطيني
-
رمضان وأحلام الوحدة(2)
-
رمضان ومبادرة الوحدة (1)
-
فلنجنب مدارسنا الخلافات الحزبية
-
-ممر السلام- أفيون مخدر أم تحول جذري؟
-
الأسطورة المقاوِمة: لازِمة من لوازم الإرث الفلسطيني
-
100 مليون دولار!!! ويرفضها!!
-
كفاك تضليلا سيادة الرئيس
-
صرخة من الأغوار لعلها تلامس شغاف القلوب
-
احياء قضية حق العودة في وسائل الاعلام
-
حرب الاحتلال غير المعلنة على البيئة الفلسطينية
المزيد.....
-
الملكة رانيا والأمير الحسين يهنئان ملك الأردن بعيد ميلاده
-
بعد سجنه في -معسكر بوكا-.. ماذا نعلم عن أحمد الشرع الذي أصبح
...
-
الجولة الثالثة.. بدء إطلاق سراح الرهائن في غزة و110 أسرى فلس
...
-
من هي أغام بيرغر الرهينة التي أطلقت سراحها حماس الخميس؟
-
هواية رونالدو وشركائه.. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
سقطتا في النهر.. قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قر
...
-
مراسم تسليم الرهينة الإسرائيلية آغام بيرغر للصليب الأحمر في
...
-
-كلاب و100 ضابط من أوروبا على حدود مصر-.. الإعلام العبري يكش
...
-
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يصل إلى دمشق في أول
...
-
دقائق قبل الكارثة.. رجل يكشف آخر رسالة من زوجته قبل حادثة مط
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|