|
وضعية المرأة مرهونة بالتدافع الاجتماعي (يوم المرأة العالمي)
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 10:45
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
وضعية المرأة مرهونة بالتدافع الاجتماعي أجهضت عملية التنوير، ولما تضوي الجحور المظلمة ؛ فاستقرت داخل المجتمعات العربية مظاهر التخلف، خاصة تبخيس الإنسان ودونية المرأة. بالمقابل أفضى قهر الرجل او المرأة إلى خمول الطاقات الذهنية وإهدارها. غرس في النفوس دونية ذهنية ومهنية يتطلب علاجها مهارات علمية وثقافية في ظلال نهوض اقتصادي واجتماعي وثقافي ـ علمي. كم هي خطيرة العواقب الاجتماعية لاضطهاد المرأة . ذلك أن المرأة تبادل الرجل تبخيسه، وتدلق مهانتها في أذهان أطفالها. تقتص من حرمانها وقهرها بتنشئة رجال مشوهين في وعيهم ونفسياتهم، فاقدين القدرة على الحوار وعلى الحب والمتعة. تكرست دونية المرأة تحت وطأة الاستبداد السياسي المستظل بالكولنيالية. نال المجتمعات العربية كافة خلال لربع الأخير من القرن الماضي إعصار العولمة، حيث كثفت الكولنيالية إجراءات عززت مظاهر التخلف وأمدتها بنسغ الحياة وألبستها قشور حداثة ممسوخة. غشيت الأقطار العربية أنظمة طغيان قهرت الرجال بجانب النساء، وطال القهر الأقليات العرقية والطائفية، فارتدت المرأة تحت وطأة الاستلاب إلى الحجاب والخمار؛ أرجعت إلى مكانة انطلقت منها هدى شعراوي وسط حفاوة عربية متفائلة بالتحرر الإنساني والقومي. أعيدت المرأة إلى قهر تجلى بأوضح نماذجه في التوتر النفسي المكروب والعطالة الذهنية، وكذلك في عقد التبخيس التي تختزل النظرة نحو الأغلبية الساحقة لأفراد المجتمع. التبخيس والنظرة الدونية تتجليان في النظرات المتبادلة بين الأفراد وفي نظرة المجتمعات المتطورة تجاه المجتمعات المقهورة . ردة شملت الأقطار العربية كافة ، خاصة عقب هزيمة حزيران التي عرت نماذج التخلف في الحياة العربية ، دون أن تحفز حراكا اجتماعيا يحدث الحياة العربية. بالعكس، تهيأت في البلدان العربية شروط سياسية واجتماعية للوقوع فريسة العولمة الزاحفة بنظم الخصخصة وحرية السوق والليبرالية الجديدة. تعمقت النكسة بخروج مصر من جبهة النضال العربي وارتمائها في حضن التبعية للتحالف الامبريالي الصهيوني. تداعيات ربطت الأنظمة التسلطية العربية بروابط تبعية للتحالف إياه. مارست الأنظمة طغيانا لم يقف عند حد القهر؛ إنما تجاوزه إلى الهدر، هدر المجتمع نساء ورجالا؛ وكانت له قاعدته الاقتصادية. فقد توصل الاقتصاد السياسي لليبرالية الجديدة، عبر عملية بناء عولمة الرأسمال الاحتكاري، إلى أن اقتصاد العالم لا يستوعب سوى خدمات خُمس سكان المعمورة، ويتحتم مقاربة الأخماس الأربعة على أنهم فائضون عن الحاجة وتدبير أمورهم بأنشطة اقتصادية هامشية مفككة لا تحقق تنمية؛ مقرونة بدعايات غسل الدماغ إلى أن يتم استلابهم بالكامل. ابتدأت عملية ترويض الشعوب لمقتضيات العولمة وليبراليتها الجديدة. كان الشعب الفلسطيني في غزة والضفة أول من مورست عليه التجارب في إدارة الترويض. وقدمت دول الاتحاد الأوروبي تكاليف التجربة. ثم ألحقت المجتمعات العربية لعمليات الترويض. نشأ داخل كل مجتمع عربي واقع عطلت فيه مشاريع التنمية والبناء، وأهملت قطاعات الخدمات الاجتماعية. أقحمت الاستهلاكية نموذجا اقتصاديا وثقافة مهيمنة. تخلت الحكومات عن واجباتها الاجتماعية وانشغلت نخبها في اللهف والهبش، وتنشيط استهلاك منتجات الفبارك . تعمدت سياسات الإفقار التي اتبعتها الأنظمة التابعة تقليص الخدمات الاجتماعية وتحويلها إلى مجال لنشاط القطاع الخاص. افترس الفساد الموازنات العامة للدول ومخصصات التنمية؛ وأحكم حرمان المحتاجين والمهمشين من الرعاية الحكومية. أما الليبراليون الجدد، من محاسيب النظم ونخبها ، فقد تخلوا عن المجتمع والتحقوا بطغم المليارديريين الدوليين . نظروا إلى الرابطة الجغرافية القائمة، على أنها مجرد صدفة تاريخية، وهانت عليهم الرابطة الوطنية والقومية. بهدوء تُرِك كل شيء يتعفن أو يصدأ او يستنقع؛ جرى تقديم الولاء على الإنجاز؛ وكف الطلب على الكفاءة، المنطوية على خطورة للنظام ، نظرا لأنها تكشف عجز النخب، فتوجب إقصاؤها؛ وشاعت هجرة العقول واستقرارها في بلدان الغربة. استنبتت في حقل الليبرالية الجديدة قيم التزلف والتسلق والتكاذب المتبادل والخداع المتبادل. عربش اختلال القيم وتعمقت الشروخ داخل الروابط الاجتماعية. كان لكل ذلك جنايته على التعليم؛ إذ لم تعد المعرفة والخبرة ذات شأن واكتفي بمظهرية الشهادات. حصل ترد مريع في نظم التربية والتعليم. بات التعليم الجامعي مجرد تأجيل للبطالة بضع سنوات؛ والموهبة ليست ثروة وطنية ، بل ميزة شخصية يمكن استثمارها في أي بيئة. سطحية التعليم أسفرت عن عقول مفرغة من المعرفة ومن المشاريع الثقافية ، فانزلقت العقول إلى السلفية. باات العالم العربي في أفل قوائم القراءة وإصدار الكتب وترجمة المؤلفات الأجنبية ، ومن حيث جودة التعليم الجامعي. ومن مظاهر التردي شيوع الفن الرخيص وانحسار الفكر والمجلات الفكرية. ندرة في النشاط الفكري ، وشح في الكفاءات، في خضم فيض من خريجي وخريجات الجامعات، الفائضين عن الحاجة. وبات هؤلاء صيدا ثمينا للسلفية . كل ذلك معالم خطة طريق ومؤامرة دولية لإهدار الوعي العام، سخرت فيها أيضا وسائط الاتصال الجماهيري أدوات لتعميق الاستلاب الإيديولوجي والإفقار الروحي. وعبر هذه الطريق ظلت الأعراض المَرَضية ألغازا عصية على التفسير، روابطها مخفية بنهج السياسات المتبعة. أدخلت ثقافة العولمة في عملية تقويض إنسانية البشر؛ فأشاعت الثقافة الاستهلاكية المظهرية والاستعراضية مولدة النفاق الاجتماعي وممارسات تدبير الحال وامتهان المعرفة وازدراء الخبرة لصالح الفهلوة والشطارة واقتناص الفرص. في مجتمع الهدر ليس هناك إلا أفراد لا يعون، لا يعقلون . تزامن الاستبداد مع الهزيمة، وفي أساس كل ذلك التجزئة، لتشتيت الوعي. استعصت مشاكل الأمة على المجتمع؛ استكان العقل بسبب الاستبداد، وتعايش مع كل ما لازمه من مظاهر. ومع تأزم القلق الوجودي، يسود الموقف خوف الكارثة التي تشحن التوتر الانفعالي لدرجة تجر إلى ردود فعل متطرفة. استمدت السلفية الجهادية طاقة إضافية. وسواء كان العقل سلفيا او علمانيا فإن انبهاره بالغرب يفضي إلى ازدراء العقل الشرقي. وبالتفاعل مع كل ما سبق أشيع التدين المظهري؛ استولت الخطب الشعبوية غير العقلانية على الوجدان الجمعي للفئات المقهورة غير المسيسة، من كل شاكلة تشعر بالانكسار والعجز أمام تحديات السياسة والطبيعة، خاصة ومسلسلات يومية تظهر السطو اليومي على المال العام والتجاهل التام للمسئولية الوطنية والاجتماعية من قبل النخب الحاكمة المتخمة بالترف الاستهلاكي المبتذل . ودخل الساحة ثقافة صراع الحضارات، تشن حملات متجنية على الإسلام ورموزه وقيمه وعلى المسلمين؛ استنفرت ردات فعل تجلت في تعصب ديني سلفي، عرض الإسلام طبقا للنموذج الذي روج له أعداؤه الليبراليون الجدد في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. سادت حالة أهدرت معها كرامة البشر وعقولهم وكيانهم القومي. الفهم الساذج يعقد مقارنة غير واقعية : طالما الثروة تستخرج من باطن الأرض، أو تقتنص جاهزة من قناة السويس أو من بيئة سياحية فكذلك الحقيقة أيضا تستخرج من باطن تراث السلف أو فولكلوره .اقتصاد ريعي أدى إلى بنية ثقافية عند النخب جوهرها التقاط الخيرات الجاهزة دون عناء البحث والتجريب والإبداع. وأنى للعقل المقيد بالجهل أن يدرك أن تكنولوجيا الغرب ومنتجاتها هي حصيلة جهود قرون من استيعاب وفهم حركة عناصر الطبيعة المحيطة . هكذا انصهرت السلفية في الانبهار بالآخر والتبعية له. والعضو يضمر ثم يموت إن بطل استعماله. العقل المعطل تتقلص وظيفته لأدنى حاجات العيش. والركود الاجتماعي يطلق الانفعالية تنساق مع الريح أنى تدور. ضمن هذا العطب العضوي تستبد بالجموع حمى مباريات كرة القدم أداة إلهاء ووسيلة تشكيل انتماء زائف وهمي يعوض عن الانتماء الوطني. خصصت للمباريات ساعات طويلة من بث الانفعال الأهوج مع تنقلات الكرة بين الأرجل تشغل الأفراد عن واقع البؤس ، وحتى عن الهموم الوطنية والقومية. تدافعات من جهات شتى جرى تحريكها وتوجيهها بقصد إرباك الوعي العام . تجلى الواقع هدرا اجتماعيا، أناخ بثقله على الرجل والمرأة. من معالم تردي مرحلة الانتكاس أن تصدر في العام (2010) فتوى عن المجلس الإداري في مصر، بقرار أغلبية الأعضاء ترفض إجازة تعيين المرأة قاضية، بينما صدر في مصر عامي 1953و 1954 عن محكمة القضاء الإداري برئاسة السنهوري قراران تاريخيان، كان الأول لصالح الدكتورة عائشة راتب ، التي أظهرت قدرا من النبوغ والتفوق. قصرت حركات التحرر الوطني دون تحقيق التحرر الاجتماعي، فبقي التبخيس والقهر والاستلاب مظاهر لأزمة اجتماعية عطلت التحرر القومي. وضمن حالة التردي رجوع المرآة الجزائرية إلى تبعية الرجل بعد أن حررتها الثورة واجترحت خلالها بطولات مثيرة للإعجاب، وكذلك انكفاء المرأة الفلسطينية، التي شاركت الرجل مهمات الكفاح الوطني إلى علاقة الرضوخ . الهدر بطبيعته يرخي العنان لنزوات الموت؛ في الغالب تستنفر نزوة الموت نزعة الحياة ، تقاوم ولو استكانت إلى حين . نزعات الحيا ة تنوس في النفوس أحاسيس كرامة مبهمة ضعيفة الفاعلية، تمور في أعماق النفسية الاجتماعية لا يحس بها سوى الندرة؛ حيث تفترش الفضاءات ثقافة الهدر مركبة العناصر متعددة المصادر، تبدو ألغازا محيرة ومربكة. انتفضت أحاسيس الكرامة الإنسانية حالما تحركت جماهير تونس ثم جماهير مصر. العالم العربي كله تملكته أحاسيس وحدة قومية، خاصة مع ثورة الشعب في مصر، التي جاءت ضربة لمعسكر مناهضة الثورة التحررية، نظرا لانحيازها السابق وبحكم الموقع والتقدم الاجتماعي والحضاري النسبي، والحجم السكاني الكبير. الثورة في جوهرها ثورة في الوعي، لم تنجز تغييرا ماديا على الحياة ؛ لكنها فتحت بوابات التفاؤل بالمستقبل. ثورة ثقافية فككت العقد النفسية حين أمسكت الاستبداد متلبسا بجرائم اللصوصية والفساد والخيانة الوطنية . لم تقتصر ثورة الوعي على البلدان التي حدثت فيها انقلابات سياسية ؛ وإنما هي ثورة شملت المجتمعات العربية كافة. وغدت الديمقراطية مطلبا شعبيا على نطاق واسع ، وانتزعت الجماهير الحق في حرية لتعبير والتفكير والبحث. أطلقت الثورات العربية من كمونها إنسانية البشر، نساء ورجالا. انتفضت المرأة شريكا للرجل في التمرد على الهدر الاجتماعي. النساء المحجبات والمنقبات في عواصم الأقطار العربية ومدنها الكبرى شكلن نصف جمهور الثورة . ثورة في الأحاسيس والانفعالات سبقت ثورة الوعي . اعتبرت توكل كرمان رمز ثورة الوعي ضمن نطاق ضيق نسبيا من النساء، ولكنه وعي معدٍ ينتشر بسرعة ولا بد من قمعه . اتهمت توكل كرمان بالخروج على معلوم الدين ، وأهدر دمها. جرى تسخير السلفية سلاح الثورة المضادة. السلفية مهووسة بالتكفير ومحاصرة المرأة المسلمة، تتناول المظاهر العرضية وتغيب العطب الجسيم الذي يفتك بالكيان الاجتماعي، تشغل الجمهور المتدين بحجاب المرأة ولحية الرجل وحيض المرأة وتتجاهل موبقات الإفقار الجماعي والبطالة وتردي التعليم والعشوائيات السكنية وتشرد الأطفال مع تفكك الأسر. والأنظمة المستبدة هيأت للسلفية منابر وأمدتها بالمال كي تحشو النفوس غير المسيسة بالتزمت والتعصب الطائفي والانفعالية المعطلة للتفكير. في الحقيقة حدث ائتلاف بين الاستبداد والعصبيات الضيقة وتماثلت أولوياتها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والسياسية. تذرعت أنظمة الهدر العربية بالدين بررت به تعطيل العمل بالقرارات والمواثيق الدولية المتعلقة بالطفولة والنساء! أحزمة البؤس المتناثرة حول المدن الكبرى لم تتعارض مع مبادئ الدين! طبقا للمنطق المعاق ذاته طالبت كاميليا حلمى، رئيس لجنة المرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، فى مذكرة أرسلتها إلى المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بضرورة غلق المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة، وإنهاء أعمالهما بشكل فوري..!!" لم يصدم مزاجها مناظر الأطفال الحفاة شبه العراة يبحثون بين أكوام القمامة عما يسد الرمق!! ولم تلفت انتباهها ممارسات الدعارة، المخدرات ، تفشي الجريمة والتصدع الأسري والعنف وتسيب الأطفال، وهدر قيمة الإنسان وقيمه واعتباره ... ظواهر لم تستفز أحاسيس التدين السلفي؛ لم تحرك قلق السلفيين حقيقة أن من استبيحت إنسانيته سوف يستبيح كل شيء حين تحين الفرصة! كلت أبصارهم عن بؤس النساء في ظل مجتمع الهدر، والمفضي إلى تدهور الوجود الاجتماعي للمرأة . والمرأة مسبار كاشف للوجود المجتمعي برمته. ففي إحصائية لحالة النساء والأسرة والمجتمع في السعودية ، حيث المطوعون وعناصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسومون الناس العسف، بلغت حالات الطلاق نسبة أل 35% من حالات الزواج، بزيادة عن المعدل العالمي الذين يتراوح بين 18و22 بالمائة. وتقع غالبية حالات الطلاق في السنة الأولى من الزواج بنسبة تصل إلـى 60%، بحسب تقديرات مختصين. صرح المسئولون أن الظاهرة "خطر كبير يهدد المجتمع". ووصف رئيس محاكم منطقة تبوك، الشيخ سعود اليوسف، الأزمة بأنها "مؤشر خطر على المجتمع". الأسرة خلية من المجتمع، ولا بد أن يتسلل ما يشين العلاقات الاجتماعية إلى العلاقات الأسرية وتتحمل المرأة وطأتها. وإذ يستكين الرجل للقهر الاجتماعي فإنه يفرض على المرأة علاقة القهر والتبعية. والاضطراب النفسي يدخل كل طرف في الصراع بغير إرادته فتتراكم الصراعات حتى في أكثر العلاقات وثوقا. مجتمع المحافظة والجمود يجمد طاقات العقل ويصادر العواطف ويبلد الأحاسيس، ويطلق العنان للانفعالية؛ وهي بطبيعتها غير مرشدة. انطلاقا من منظور علمي لواقع الهدر انتصر الدين المستنير، في شخص الراحل الشيخ محمد حسين فضل الله، المرجع الديني الأعلى السابق في لبنان، للمرأة في إحدى وقفاته الإنسانية المشهودة وأنصفها. أخضع الموقف لمعطيات الواقع واستحسان العقل، فقال " إن قوامة الرجل على المرأة لا تعني سيادة الرجل عليها، بل تعني تحميل الرجل مسؤولية إدارة الأسرة التي لا بد أن لا يستبد بها؛ بل أن يتشارك مع الزوجة في كل الأمور المشتركة بينهما كزوجين"؛ مضيفاً إن "إقبال المرأة على العمل المنزلي والاضطلاع بأعبائه من خلال إنسانيتها وعاطفتها وتضحيتها، في الوقت الذي لم يكلفها الإسلام أيا من ذلك، حتى فيما يختص بالحضانة وشؤونها، واحترم عملها حتى افترض له أجراً ماديا، لا بد أن يدفع الرجل إلى تقدير التضحية التي تبذلها المرأة في رعايته ورعاية الأسرة، فلا يدفعه ذلك إلى التعسف والعنف في إدارة علاقته بها." نخلص من جماع ما تقدم أن حقوق النساء إحدى القضايا الجوهرية للتوجهات الإنسانية في العلاقات بين الناس، والمختزلة بالديمقراطية. وكلما تقدمت الديمقراطية في دروب التنمية المادية الاجتماعية ، تنمية الموارد المادية والخبرات البشرية، مستند إلى المعرفة والعلوم ، فإنها تتحول إلى نمط حياة تفكك عرى التخلف والقهر في حياة المجتمع. الديمقراطية تقترن وجوبا بالثقافة. ليست الديمقراطية تعددية وصناديق اقتراع وحسب، حتى وليست ثورة سياسية. تستهل الطريق نحو الديمقراطية ، وبالذات إنسانية الموقف بين البشر وتجاه المرأة، بوعي حقيقة أن الكبت النفسي أحد ترسبات الهدر المزمن، والتحرر منه ضرورة للخلاص. نشأ تحالف جهنمي بين الاستبداد السياسي والقمع الاجتماعي من جهة ، والكبت النفسي من جهة ثانية. تتوالد في النفس البشرية المكروبة بالجور آليات التوازن النفسي المصطنع تموه واقع الاضطهاد. إذ عادة ما يتم تسريب رد فعل العنف قي مسارب جانبية؛ كأن يوجه الاحتقان لدى المهدورين بتوترات اجتماعية، تلهبها سرعة الاستثارة، وافتعال الأزمات والصراعات والنزاعات وتضخيمها. يجري ذلك بتدبير مقصود وهادف مثلما يحدث دوما حول المباريات الكروية ، وقد يجري التصعيد لأبعد من الداخل إلى الخرج ، كما حدث بين مصر والجزائر. تتحول صغائر الأمور إلى كبائر، وتوافهها إلى شواحن نفسية، تتجلى في ميول التشفي وتبخيس الآخرين وإسقاط التبخيس الذاتي على الآخر. وقد تسخر لشحن ظواهر التطرف والفاشية التقليدية المتلبسة ظواهر الأصوليات والتعصب. الثورات لا تصنع خاتمة الأتراح. فلتعطيل عمل شواحن الكبت والهدر ثم تفريغها لا بد من توفير فرص النقاهة النفسية من كروب القمع السياسي وابتلاع الإهانات وتبخيس الذات. لابد أن تعقب الإطاحة بالتسلط السياسي عملية تحرر ذاتي من تأثيرات الهدر، تدخل المقهورين في حالة استشفاء فكري؛ وإلا فإن ما يحدث سيكون عبارة عن استبدال استبداد بآخر، وقمع بآخر، وربما تورط المقهور في قهر الآخرين . الفتوى الدينية للشيخ فضل الله طريق يحفها التطلع إلى تفريغ شواحن الهدر سبيلا لانتصار الديمقراطية وتحكيم العقل. ونظرا لاستناد إنسانية الموقف إلى معطيات العلم، فإن إزالة بصمات الهدر تمر بمراحل تفعيل الفكر عبر مطهر العلم: ـ إيقاف الترويض الذاتي المتواطئ مع الهدر، والرفض الحازم لكل أشكال التسلط في الحياة السياسية والمجتمعية. نزوة الموت تطغى على نزوة الحياة في الساحة الوجودية للهدر؛ فتولد سيرورة هابطة في الحياة الاجتماعية. وأبرز مظاهر الموات هو الاكتئاب واجترار العجز. والتمرد علاج شاف من الاكتئاب؛ وبانتظار الثورة تتوجب اليقظة حيال ديناميات الهدر النفسية ، ومنها آليات التوازن النفسي المصطنعة ضد القهر، وصولا إلى كشف آثاره السلبية على النفس و المعطلة للفكر . ـ بتوفر الصحة النفسية يبزغ وعي ينطوي على برعم التفكير الإيجابي، المتضمن وعي الإمكانات والقدرات والفرص. يشكل الوعي بالفاعلية الذاتية والركون إلى قدرة المواجهة ، لب نواة الاقتدار الإنساني؛ فلا شيء أفظع من المبادرة بقول "لا أعرف، لا أستطيع ". الضرورة تستدعي "لنجرب" أيقونة تدفع للتحرك والتدبر حتى في الوضعيات التي تبدو بدون مخارج. إنها المحرك الهام للدافعية والعزم والتصدي والإقدام ومجابهة التحديات. وتعرف الفاعلية الذاتية بأنها تلك العلاقة ما بين القدرة الشخصية المدرَكة وبين السلوك الفاعل يحدوه التفاؤل بالنجاح. ـ ما أُطلق عليه تعبير"علم النفس الإيجابي" يعزز عناصر الاقتدار الذاتي؛ فهو يلهم الصحة النفسية ويقوّم الطاقة الفسيولوجية والذهنية للإنسان. يركز العلم على أوجه القدرة لدى الإنسان بدلا من أوجه القصور، وعلى الفرص بدلا من الأخطار وعلى تعزيز الإمكانات بدل التوقف عند المعوقات؛ ويهدف إلى تنشيط الفاعلية الوظيفية والكفاءة. ومن أهم مقومات الحياة الطيبة حب الشخص لحياته والوفاق مع ذاته ومع الدنيا والناس. تترسخ دعائم الديمقراطية من خلال التعبئة والحشد في مجالات السياسة والثقافة والتربية والتعليم. يتوج كل ذلك بإنسانية العلاقات الاجتماعية كافة. الاقتدار الذاتي للمرأة يدخلها في شتى ضروب الحياة الاجتماعية واثقة من نفسها معتزة بكرامتها ومدركة لمسئولياتها تجاه نفسها وتجاه أسرتها ومجتمعها، قادرة على الدخول في منافسة أخوية في شتى المجالات ، فاعلة ومبدعة، تسهم في دفع عملية التحرر والديمقراطية والتنمية والتقدم الاجتماعي.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغالطات ام جهل .. يا أبراهامي ؟!
-
مشروع نصر حامد أبوزيد
-
السلفية والعولمة
-
سلفية العصر الحديث
-
التكفير يقتحم المشهد الثقافي
-
اليسار وقضايا الفكر والثقافة التراث 2
-
اليسار وقضايا الفكر والثقافة
-
البعد القومي في مهام اليسار العربي ومركزه القضية الفلسطينية
-
التحول الديمقراطي.. أعطاب ذاتية
-
الحوار المتمدن في العاشرة من عمره المديد
-
مصر والثمار المرة للطغيان
-
أشباح تحوم في فضاء مصر
-
الخروج من متاهة التفاوض
-
ردع تدخلات الامبريالية أولا
-
بنية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي وشروط تقويضه
-
غولدستون المغلوب على أمره
-
مأساة ليبيا بين آفات القذافي ونهم الاحتكارات النفطية ´- الحل
...
-
ليبيا بين الآفات النفسية والذهنية للقذافي وبين نهم الاحتكارا
...
-
الحق حين يسخره الباطل
-
الدولة الوطنية من حلم إلى كابوس
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|