|
المرأة العربية الآن
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 08:59
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
1- هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟
يمكن حصرالمكسب الأكبر الذي حققته الانتفاضات العربية في توفر هامش أوسع من الحريات السياسية ، و هذا الهامش مهدد الآن من قبل اليمين الديني ، و يمكن أن يشهد تراجعا متى أحس ذلك اليمين بالضيق و الحرج إزاء المطالب الشعبية ، و كلما قوى نفوذه و ثبت أقدامه عبر السيطرة على السلطة السياسية إلا و تزايدت لديه الحاجة إلى التخلص من تلك الحريات ، و لن يكون مجبرا على تقديم تبريرات كثيرة للقيام بذلك ، إذ يكفيه القول أنها تتعارض مع الشريعة . و على الصعيد الحقوقي للمسألة النسوية ، يبرز على السطح مجددا الخطاب المعادى للمرأة التي تبدو حقوقها المدنية مهددة بمخاطر شتى ، أما على الصعيد الاجتماعي فإن أوضاعها تزداد سوءا ، ففي تونس مثلا امتد الانتحار حرقا بشكل لافت لكي يشمل النساء بعد أن ذهب ضحيته العديد من الرجال ، وذلك بعد مرور أكثر من عام على حرق البوعزيزي نفسه ، و قد بينت أحدث دراسة تم القيام بها حول العنف الذي يمارس ضد النساء معاناة حوالي نصفهن من ذلك . و اليوم كما بالأمس يتفاقم الفقر و البطالة و البؤس و الشقاء ، و تنتشر بين النساء ظواهر مثل البطالة والبغاء و العمل بأجور بخسة في المدن و الأرياف ، و تتعرض فتيات صغيرات يعملن في بيوت الأثرياء إلى معاملة اقرب إلى العبودية ، و من لا تعمل بالمعنى المتداول للكلمة فإنها تنوء تحت عبء الأعمال المنزلية و من النساء من ترعى الماشية و تجمع الحطب و تجلب الماء الخ. و في أقطار عربية عديدة لا تزال جرائم الشرف و زواج القاصرات و تعدد الزوجات و الطلاق العشوائي و رجم النساء و ختان البنات و زواج المتعة و زواج المسيار ... و حرمان الفتيات من الدراسة ظواهر رائجة ، لا يخفى طابعها الإقطاعي . إن وضع المرأة يزداد صعوبة مع مرور الوقت ، و ينضاف هذا إلى ظواهر كثيرة أخرى لكي يكشف أسطورة الربيع العربي ، فالانتفاضات العربية جرى قطع الطريق أمامها مبكرا للحيلولة دون تحولها إلى ثورات حقيقية ، و اليوم تمسك الامبريالية بخيوط الوضع ، و قد نجحت إلى حد بعيد في تقسيم صفوف الشعب ، موظفة في ذلك اليمين الديني حتى يسهل عليها السيطرة على الثروة العربية . و في المجال موضوع حديثنا فإن الهدف الذي كافح من أجله المنتفضون هو الحرية و بالتالي الاتجاه ناحية المساواة بين المرأة و الرجل في شتى المجالات ، و لكن ذلك ظل إلى حد الآن دون تحقيق و أصبح الانتباه مصوبا نحو النقاب و الحجاب و ختان الإناث و الزواج بأربع و ما شابه ذلك، و من هنا فإن التغيرات حاصلة لا محالة و لكن في أي اتجاه ؟؟ هنا السؤال ، فما نشهده واقعيا هو السير في الاتجاه المعاكس لذلك الكفاح . 2- هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟
طالما ليست هناك ثورة بالمعنى السياسي و الاجتماعي فإن البنيان القيمى لن يتغير فالوجود الاجتماعي هو لذي يحدد الوعي لاجتماعي ، و فيما يخص التسلط الذكوري فإنه سوف يظل على حاله جوهريا فالذهنية التسلطية و ما يقترن بها من ممارسات تضرب بجذورها عميقا في المجتمع ، و لن تتبدل لأن رئيسا هرب أو سحل أو سجن ، إنها تستمد وجودها من طبيعة التركيبة لطبقية للمجتمع ، هذه التركيبة التي ظلت على حالها رغم نبل التضحيات التي قدمها المنتفضون ، فما حدث لا يتعدى إلى حد الآن في سائر الأقطار العربية التي شهدت الفعل الانتفاضي تعويض رؤوس قديمة برؤوس جديدة و هذه الرؤوس مهما اختلفت أسماؤها فإنها من طينة طبقية واحدة ، و لا ينبغى أن نغتر هنا باختلاف الأسماء و العناوين و الخطابات و الشعارات ، فقد وجدت تلك الترسانة الإيديولوجية على الدوام لإخفاء القمع و الاستغلال ، والمهم هو المحتوى السياسي و الاقتصادي ، حيث يمكننا أن نلاحظ بيسر أن وضع كل طبقة ضمن علاقات الإنتاج قد ظل على حاله ، فالأغنياء ظلوا أغنياء و الفقراء ظلوا فقراء و هكذا فإنه سواء كانت السلطة السياسية في يد اليمين الديني أو اليمين الليبرالي ، في يد سلطة ملكية آو جمهورية ، فإن ذلك لا يغير من جوهر الأمر شيئا ، و هو ما ينعكس على وضع المرأة العربية التي تجد نفسها مكبلة بالقيود اليوم كما بالأمس . 3- ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟
بناء على ما ذكرته قبل حين ليس هناك من سبيل أمام المرأة العربية غير مواصلة الكفاح من أجل الحرية ، والتصميم على النصر، إذا أرادت كسر قيودها ، و هو ما لا يمكنها إدراكه دون تنظيم ، التنظيم و التنظيم ثم التنظيم تلك هى الحلقة المفقودة ليس في كفاح النساء العربيات فقط و إنما في كفاح الشعب العربي بأسره ، فالرجعية بمشاربها المختلفة منظمة الصفوف و هو ما مكنها إلى حد الآن من ترميم نظمها السياسية بعد الزلزال الذي سببته الانتفاضات ، أما الشعب فقد قاوم دون سلاح غير عزيمته و عليه الآن تحويل تلك العزيمة إلى عمل كفاحي منظم ، و المرأة المناضلة التى كانت بين المنتفضين ، و قدمت عددا من الشهيدات و الجريحات ، يمكنها أن تتقدم الصفوف أيضا على مستوى التنظيم استعدادا لقيادة المعارك الطبقية القادمة لا محالة . إن إبقاء جذوة الانتفاضة مشتعلة ، و تحويلها إلى ثورة حقيقية لن يكون ممكنا دون تنظيم صفوف الشعب و من ضمنه جمهور النساء ، و من هنا فإن انخراط المرأة في العمل المنظم ضمن الأحزاب لثورية و الجمعيات و النقابات المهنية مهم جدا ، في لحظة تاريخية عاصفة تواجه فيها قضيتها هجوما تتركز نيرانه على النساء باعتبارهن متاعا و ملكا للرجال ، يجب حجبه و إرجاعه صاغرا إلى البيت قبل أن يستفحل شره .
4- تدعي الأحزاب الإسلامية السياسية بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى-ين أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي, وهي التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"؟
اليمين الديني بارع في المناورة و المخاتلة ، انه يريد العودة بالمجتمع إلى الوراء ، ليس فقط بسبب وفائه لمرجعية إيديولوجية فات زمانها ، وإنما أيضا و هذا هو الأهم خدمة لقوى طبقية تجد في المقدس حصنا إيديولوجيا يحمى مصالحها . و عندما يتحدث ذلك اليمين عن برامجه و يطرح شعاراته في أشكل زاهية لا يجب تصديقه بل يجب النظر إلى ما يمارسه ، حيث نعاين نكوصه بل إنه حتى على مستوى الخطاب مستعد في الوضعيات القصوى إلى التنصل من تلك الشعارات ، مفصحا عن رغبته في قطع الأطراف و جز الرقاب ، و أحيانا تتمرد عليه الكلمات فتعبر زلات لسانه عن رغبته الدفينة في إقامة إمارة إسلامية يتحكم فيها سلطان الوحي كما أوله هو . لأجل ذلك على الثوريين و من ضمنهم الجمعيات النسائية المناضلة أن يحذروا من تصديق أكذوبة استنارة اليمين الديني و إدانة تلك الممارسات في الإبان و مقاومتها و أن لا يكرروا ذلك الخطأ الذي جعل البعض يتحالف معه بدعوى توقيعه على مواثيق حقوقية و سياسية تحمى الحريات الأساسية ، فاليمين الديني عندما يكون ضعيفا يرتدى ثوب الحمل ، و عندما يقوى يكشف عن أنيابه ، و من هنا فإن من ينتظر إصلاح وضع المرأة في ظل سلطة اليمين الديني سيخيب مسعاه .
5- هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟
نعم تتحمل المرأة تلك مسؤولية ذلك ، و لا أتحدث هنا عن جمهور النساء ، و إنما رئيسيا عن حركة النضال النسوى ، التي بقيت حبيسة المدن ومتجهة بشكل خاص إلى البرجوازية الصغيرة و المتوسطة مستنسخة غالبا الحلول من المجتمعات الأوربية ، فطغى على أساليب نضالها و خطاباتها الطابع الجنساني ، و قد حضرت قبل مدة ندوة نظمتها جمعية نسوية تونسية فاسترعى انتباهي تركيز إحدي ناشطاتها على رفض " هيمنة الرجال و هيمنة الأحزاب " و غنى عن البيان أن هذا الخطاب يتجاهل أن معركة الكادحين نساء و رجالا واحدة و أن تحرر المرأة جزء من تحرر المجتمع ، فضلا عن أن تلك المعركة تحتاج أدوات مثل الحزب الثوري و أن الجمعية النسوية لا يمكن بأي حال أن تكون بديلا عنه . أما إذا تحدثنا عن جمهور النساء فإن المسؤولية أقل شأنا ، فليس مستغربا أن يكون انخراط المرأة في النضال ضعيفا ، فآلة الاضطهاد التي طحنت النساء طيلة آلاف السنين جعلت المرأة في الغالب خزانا صامتا للقمع ، فهي مستعبدة خارجيا و داخليا في نفس الوقت ، و الجلاد لا يتحكم بها من خارجها فقط و إنما من داخلها أيضا ، فتتحول هي نفسها إلى ضحية و جلاد و عندما تستبطن قمعها نراها تبرر لجلادها جرائمه ، فنفوذ التقاليد الدينية و الأسطورية و السحرية نجده أقوى لدى النساء منه لدى الرجال و لا يفسر ذلك بغباء النساء و نقص عقولهن و جبنهن ، و إنما بعشرات القرون من الإخضاع الذي مارسته المجتمعات الباطرياركية على المرأة ، و هو ما نبهنا إليه ، وقد أصاب ابن رشد كبد الحقيقة عندما أكد على أن استبعاد المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية عملا و إنتاجا و ثقافة يحولها إلى ما يشبه الأعشاب الطفيلية التي تلحق الأذى بالزرع ، و هو ما يؤدى إلى خراب العمران بتعبير ابن خلدون . و من هنا فإن تحرر المرأة يحمل طابعا مزدوجا ، أي إنه ضد الذات و ضد الآخر، داخلي و خارجي في آن ، و نحن عندما تتحدث عن المرآة العربية فإننا نتحدث عما يزيد عن نصف المجتمع أي حوالي مائة و خمسين مليون امرأة ، إنهن بهذا المعنى نصف السماء العربية ، و هن يعانين في أغلبهن من الاضطهاد ، و عندما تنطلق هذه الجموع الغفيرة من قيودها و تصمم على نيل الحرية فإنها سوف تحصل عليها دون ريب .
6. ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟
هذا الدور نظري و عملي ، و بالنظري نعنى الفلسفة و الحقوق و الأخلاق و الفنون و غيرها ، فالرجل يحتاج إلى نظرة ثورية للكون بأسره و موقع الإنسان فيه وقتها يمكنه إدراك ماهية المرأة ككائن بشري ، و بالعملي نعنى وجوب ألا يتوقف الأمر عند الأفكار الجميلة ، و إنما يجب تجاوز ذلك إلى مستوى الممارسة ، أي تحويل تلك الأفكار إلى وقائع مادية ملموسة ، فعادة ما نجد مسافة فاصلة بين المقول و الممارس ، و هنا أريد التنبيه الى أن هناك من له إحاطة بالمسألة من زاوية النظر غير أنه يوظفها في الاتجاه السالب ، و إذا خذنا الأمر على مستوى الطبقة و جهاز الدولة و الحزب و الجمعية الخ ، فهناك من يجمع الخبرات و الأفكار لكي يضاعف من استغلال جمهور النساء ، أود القول أن استغلال المرأة لا يعود فقط إلى الجهل أو العلم بوضعها وإنما إلى الموقع ضمن الصراع بين الطبقات و السعي إلى التحرر من الاغتراب ، ربما لهذا الاعتبار يرى كارل ماركس " أن علاقة الرجل بالمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الإنسان و الإنسان فيها يظهر إلى أي حد أصبح السلوك الطبيعي للإنسان إنسانيا ، أو إلى أي حد أصبحت الماهية الإنسانية له هي الماهية الطبيعية " بمعنى أن تمثل تلك العلاقة نظريا و عمليا يصبح معيارا نقيس به إنسانية الإنسان .
فريد العليبي أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل انتصرت الثورة في تونس ؟
-
جانفي شهر الانتفاضات التونسية
-
القوى اليسارية والنقابات العمالية في الربيع العربي
-
سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ
...
-
منير العوادي سلاما !
-
الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !
-
مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
-
عرس الدم التونسي
-
ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
-
الفلسفة والتاريخ
-
رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
-
رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس
...
-
اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني
...
-
معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
-
الماركسية و الداروينية
-
علمنة التفكير
-
موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة
-
ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة
...
-
للتاريخ صهوته و صهيله
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|