محمد أبوعبيد
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 22:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت معظم البرلمانات العربية عبارة عن شكل مطاطي، تحديداً في الأنظمة المستبدة والشمولية، يطوّعها "الحاكم بأمر الله" أنّى شاء لتتناسق مع أهواء حكمه، وليظهر بالتالي أن حكمه ديمقراطي وشعبي بيد "مجلس الشعب". نتذكر، مثلاً، كيف تم تعديل ما يسمى بالدستور في سوريا في سويعات كي يتسلم بشار الأسد الحكم "دستورياً"، علماً أن الجمهوريات لا يورّث الحكم فيها، لكن عند حزب "العَبَث" يجوز.
بعد إطاحة بعض الأنظمة المستبدة، صار الجميع يمارس حرية التعبير، خصوصاً الأحزاب، أو الجماعات، التي كانت محظورة تشكلا وتعبيراً. ولا ريب في أن هذا المشهد هو المُعَبّر الأقوى لديمقراطية أي مجتمع أو نظام، مثلما هو الطموح لدى المواطن العربي في رؤية صوته مسموعاً لدى صناع القرار.
لكن ما يحدث حالياً في بعض برلماناتنا العربية لا يبشر بخير المستقبل مثلما بشّر به سقوط الطواغيت. فهذه المجالس النيابية حاليا هي مثل اللعبة الجديدة في يد الطفل، سعيد بها جداً ولا يعرف كيف يتدبر أمر اللعب بها. وبدا ذلك واضحاً خلال جلسات نيابية في مصر، مثلاً، حيث لم يعد مجلسا الشعب والشورى فيها سوى حلبة تتصارع عليها الأصوات، ومصنع للنكات.
واضح، ومن دون أدنى ضبابية، أن بعض من أصبحوا نُوّاباً في برلمان عربي، أو "نوّاماً" فيه، لم يبلغوا بعد سن النضج النيابي ليكونوا أعضاء ممثلين عن شرائح مجتمعية، ولم يتقنوا اللغة البرلمانية ولا طرائق طرح القضايا. كأنهم يحسبون أن ديمقراطية البرلمانات تكمن في فوضاها، وفي "المناطحات الصراخية"، أو في السب والقدح والتجريح، ما يعطون صورة أخرى عن مجلسهم النيابي غير الصورة الحقيقية له. لكن وبحكم ممارسة الديمقراطية في الربيع العربي فلا أحد يستطيع أن يوصد الأبواب في وجوههم ما داموا ممثلين عن أناس انتخبوهم.
لقد عبر بعض "النواب" العرب عن هموم شخصية أكثر من تعبيرهم عن هموم مجتمعية، أو جماعيّة، وبعضهم لم يكن يسعى إلا لنجومية برلمانية وتلفزيونية لا أكثر. فالمواطن العربي، المثقل بالهموم المعيشية والصحية والتعليمية، وغيرها، يرغب في العيش الكريم، وفي إعالة أطفاله أكثر مما يرغب في سماع نائب يرفع الأذان خلال جلسة نيابية، وهو التصرف الذي استنكره إسلاميون أيضا. كأن مشلكة المصري، والعربي بشكل عام، على مدى عقود الاستبداد كانت تتمثل في عدم رفع الأذان خلال النقاشات البرلمانية.
إنْ كان هذا هو شكل البرلمانات العربية في المستقبل القريب، أو البعيد، فإن المواطن العربي يكون قد نجا من نار الحاكم المستبد، ليقع في رمضاء مجالس نيابية لا تنوب عنه حقاً. إذنْ، ما أحوج المواطن العربي إلى برأمان وليس إلى برلمان.
#محمد_أبوعبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟