|
أجوبة عن أسئلة ملف:أفاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية
محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 22:59
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
1- هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟
لقد عرفت المجتمعات التي خبرت مؤخرا تجربة الربيع العربي والتي هي بمعنى أول خريفُ شكلٍ مُحدد من أشكال أنظمة الاستبداد، وبمعنى آخر احتجاجات وصلت أحيانا حد التمرد واتخذت أحيانا أخرى بعض مظاهر الثورة دون أن تتحول فعلا إلى ثورة، أقول أن تلك المجتمعات عرفت سابقا احتجاجات وأزمات ومكنتنا من ملاحظة أن حركية تحرر المرآة هي حركة بطيئة بل وأحيانا حركة "انتكاسية وارتكاسية ونكوصية". وهذا يعني أن الحركات الاحتجاجية لا تقود تلقائيا إلى تمرد جميع فئات المجتمع حتى وإن كانت الأكثر معاناة (كما هو شأن المرأة التي تعاني من استغلال مزدوج). وهذا المعطى يقود إلى التساؤل عن نتائج "تمرد الذكور" (بشكل مكثف وواضح كميا وخطابا) وتأثيرها على وضع المرأة؟ لنعد إلى المحرك الأول الذي مرْكز حركية المحتجين والذي هو القضاء على الديكتاتور، أي على الشخص الذي جسد لعقود عديدة الديكتاتور: هذا المطلب هو تكثيف لمطالب أخرى مترابطة ابتداء من الفاقة والاستغلال وشظف العيش وحتى حرية التفكير والتعبير مرورا بالحق في المساهمة في التدبير والتسيير. فأين هو مطلب تحرير النساء في هذا الخطاب؟ كانت الاحتجاجات سياسية واقتصادية واتخذت شكلا عائليا كبيرا وضخما حين مرْكزت الانتباه على هدف استراتيجي: التخلص من الأب الظالم الذي خان الأبوة وحول أبناءه إلى عبيد. لقد غابت مطالب تغيير وضع المرأة في خطابات وشعارات الاحتجاجات، بل دل صعود حاملي الدعوة الدينية في شكل سياسي إلى الواجهة على تهديد لوضع المرأة ولمكاسبها، نلاحظ ذلك في تونس وفي ليبيا وفي مصر بل وفي المغرب. إذن كان الاحتجاج محتكرا في التوجه وفي عملية إضفاء المعنى من طرف السلطة الذكورية التي تحررت من الخوف وحملت معها خوفا آخر لم يكن جديدا.
2- هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟
إن حصول تغير في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق هو أمر يتم ضمن سيرورة تعود جذورها لعقود خلت، فلا أحد ينكر التغير واختراق القيم المعادية للسلطة الذكوري في الثقافة الذكورية نفسها، سواء على مستوى الخطاب أو في العلاقات الاجتماعية كما تدل على ذلك أنماط السلوك وأشكال التعامل والتواصل. لذلك فالمسالة هي: هل سيساهم الحراك الشعبي والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه من التسريع في التحرر من تلك القيم الذكورية؟ إن الأمر غامض. فالعمود الفقري للحراك الشعبي تشكل من الذكور، وفي بعض البلدان كانت النساء المتمردات ضد الدكتاتور هن النساء الممجدات للسلطة الذكورية وشكلن جيشا مهما يقبل الخضوع والتبعية وأولوية الذكور في المرتبة والقيادة ويناضلن ضد الدكتاتور كما هو الشأن مع نساء اليمن. كما أن التحرر من رأس النظام لا يعني التحرر من النظام، وبالتالي من المشروع القول أن النظام هزم من الناحية الإستراتيجية المتمردين في عدة جبهات منها جبهة تغيير النظام لأن النظام ضحى بالفاسدين الذين أعلنوا فسادهم على رؤوس الأشهاد وفي كل أركان البلاد لكنه احتفظ ببنائه ودعاماته، كما أن النظام لم يشهد زعزعة لقيمه وأسسه الفكرية والإيديولوجية لأن المتمردين والمحتجين حاربوه من داخل نفس الإيديولوجية: فالأنظمة التي سقطت رؤوسها والتي رؤوسها آيلة للسقوط تتغنى بالديمقراطية والحرية والعلمانية أحيانا، ولا يكفي القول أن الأمر لا يتعلق حتى بإيديولوجية تتضمن الوهم وتنشره وتبيع الزيف وتبذره من منظور معارضيها، بل إن ما تبثه هذه الأنظمة هو كذب عن وعي وتخطيط وهو احتقار للجميع، أي لا يرقى ما كان رؤوس تلك الأنظمة ينشرونه حتى لإيديولوجية رديئة. لن يكون هناك تغير جوهري بالنسبة لنظام العمل أو لأشكال التدبير إلا باختيار فلسفة واضحة للتغيير تقدم تصورا مخالفا لبذاءات الأنظمة الفاسدة ولسمومها. ما هي إيديولوجية معظم المتمردين: إنها الحلم بتحقيق العدالة، ولا يمكن أن يشكل الحلم قاعدة لتصور واضح لمجتمع بديل.
3- ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟
إن التعقيد الذي يميز الحركية النضالية للمرأة من أجل فرض وجودها في الحياة الاجتماعية والسياسية يعود في وجه من أهم وجوده لتعدد خصوم المرأة ككائن مختلف، ولتداخل مجالات عمل أعدائها، حيث نجد في أغلب الأحيان أن أشرس أعداء المرأة هم النساء اللواتي سقطن في قعر استلاب فظيع. وبالتالي من الممكن الحديث عن عدة أساليب لتحرر المرأة من وضعية الدونية والإقصاء وفرض وجودها في الحياة السياسية والاجتماعية. أول أسلوب هو تملك المرأة للتراث الديني من وجهة نظر نسائية نضالية، أي على المرأة أن تنجز تفسيرها للقرآن وقراءتها للحديث وتأويلها للتاريخ. ثاني أسلوب يتمثل في امتلاك بيداغوجية الإقناع بشكل تحتل فيه المعرفة مكانة بارزة بحيث يتقلص مجال السجال لصالح مجال البحث والمقارنة والمعلومة الموثقة. ثالث أسلوب يتمثل في خلق تكتلات وتحالفات وفرض شروط واضحة لصالح تحرر المرأة على الأحزاب والنقابات بحيث تصبح النساء أيضا قوة ضغط في المجتمع السياسي إضافة على كونهن فاعلات في هذا التنظيم أو ذاك. ورابع أسلوب فرض رقابة على الكتب المدرسية بحث لا يمكن للمرأة أن تقبل استعمال نصوص أو أمثلة أو دعامات تحط من المرأة وتخرب مشروعها النضالي بتلقين الطفل أفكرا سامة بخصوصها. وبدل الحديث عن معركة واحدة تخضها النساء والرجال في جبهة تقدمية يجب إعطاء استقلالية نسبية للمطالب والحركية النضالية النسائية لأن العقلية الذكورية تخترق المجتمع بأسره ولا تعترف بالتقسيمات الإيديولوجية بحيث نجد ليبراليا ينتمي للسلطة السائدة مؤيدا لمطالب المرأة التحررية خلافا لمناضل تقدمي في حزب يساري لا يقبل تلك المطالب في العمق.
4- تدعي الأحزاب الإسلامية السياسية بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى-ين أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي, وهي التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"؟
لا توجد أية تجربة تاريخية تمكنت فيها المرأة من الحصول على حقوقها في ظل سيطرة الدين سواء كان هذا الدين يقدم وجها معتدلا أو وجا دمويا. لكن ما أثبتته التجارب هو أن الدين كيفما كان الوجه الذي يقدمه لم يتمكن من القضاء على طموح المرأة في لتحرر ولم يتمكن من تحويلها إلى عورة داخل برقع أو إلى كتلة إغراء محروسة. إن تحرر المرأة يرتبط بالدرجة الأول بالتحرر من كل مرجعية تفرض حقيقة خارج التاريخ وخارج التوافق والتعاقد البشري. إن مجرد وجود مرجعية دينية يعني أسر المرأة داخل تفسير وتأويل تلك النصوص، بينما الأصل هو التعاقد بين أفراد المجتمع حول ما يهمهم جميعا وترك الحرية للفرد فيما يخصه، ومجال المرأة هو مجال الحرية الفردية والحميمية والحياة الخاصة والاختلاف. لقد استغلت الأنظمة الفاسدة قضايا مشروعة لقضاء مآرب غير مشروعة، وعلى رأس تلك القضايا المستغلة بشكل خسيس ودنيء قضية فلسطين وقضية المرأة وقضية العروبة وغيرها... لا يجب أن نتوهم أن الإسلاميين المعتدلين، حسب زعمهم، سيقدمون شيئا من الحريات للمرأة، لان الحرية لا تتجزأ، ولأن ما يفرض التراجع أو الهجوم على قضايا المرأة هو ميزان القوى ما بين المجتمع والحكام وليس قرار الحكام. لكن ربما يكون المشكل أعمق من حركة سياسية محافظة تستمد منظورها من تأويل للدين وإسقاط لعصر قديم على واقع جديد، ربما يكون المشكل هو الجماهير المحافظة التي تتبنى موقفا متناقضا من المرأة يتأرجح بين احتقارها وحجزها داخل تصور شعبي للدين وبين تقبل اضطراري لواقعها الذي فرضته بعرقها وجهدها. لا يتعلق الأمر إذن بحركة نخبوية انقلابية وصلت للحكم بالسلاح وفرضت منظورا نخبويا على الجماهير.
5 - هل تتحمل المرأة في الدول العربية مسؤولية استمرار تبعيتها وضعفها أيضاً؟ أين تكمن هذه المسؤولية وكيف يمكن تغيير هذه الحالة؟
من الناحية التاريخية، ومن الناحية المتعلقة بالاختلافات البيولوجية وما ينتج عنها من اختلافات في التصورات المعادية للمرأة لا تتحمل المرأة في الدول العربية أو في غيرها من البلدان مسؤولية تبعيتها وضعفها. فالصراع ما بين الرجل والمرأة لم يبدأ من حادثة ما، أو من خلاف محدد، إنه صراع حول هويتين مختلفتين، صراع يتجاوز الطبقات والاستغلال الاقتصادي رغم أنه هذا الأخير يعمق ذلك الصراع. فكيف يمكن اختزال وضع المرأة إلى ضعف في التفكير أو إلى تبني تصور خاطئ أو إلى أي سبب طارئ؟ وكيف يمكن تفسير شمولية الوضع السلبي للمرأة في مختلف المجتمعات الطبقية وفي جميع الطبقات بدون استثناء؟ أعتقد أن مسألة المسؤولية هي أيضا مسألة يمكن إرجاعها إلى سيرورة تتداخل فيها المسارات البيولوجية والاقتصادية والعائلية والجنسية والجمالية والدينية والرمزية. لكي تتحمل المرأة مسؤولية وضعها الذي تعاني منه يجب أن تكون واعية بأنه وضع خاطئ وتصر على تبنيه رغم ذلك. هنا أيضا لا بد من إثارة مسألتي الاستلاب والإيديولوجية والاستبداد. إن الفكر الذكوري المتسلط والمستفيد من تسلطه هو المسؤول وهو الذي يعمل بكل آلياته لكي تستمر المرأة في تقبل الخضوع والضعف. إن كانت هناك من مسؤولية للمرأة عن وضعها فهي مسؤوليتها عن جنسها وعن اختلافها وعن كل ما يميزها تاريخيا عن الرجل وهذا مستحيل. فالأنثى ليست هي المرأة كما أن الذكر ليس هو الرجل. إضافة إلى أن وضعية الخضوع للرجل هي وضعية متناقضة تختلط فيها تصورات الامتياز بوضعيات الدونية. ويمكن طرح هذه المسألة من زاوية أخرى: زاوية السيد المنتصر الذي يعرض نفسه للخطر والعبد المنهزم الذي فضل أو فرض عليه وضع الاستسلام وعدم تعريض حياته للخطر، وبهذا المعنى فإن المسيطر يستحق الاستمتاع بانتصاره وأنه لا معنى لوجوده إلا بهذه المخاطرة. هل هذا النوع من المقاربات يبرر الخضوع والاستعباد؟ ربما. لكن لا يمكن استبعاد طرق أخرى للنظر لعلاقة المرأة بالرجل نظرة أكثر تعقيدا.
6 - ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟
يجب التأكيد مرة أخرى انه من الصعب الحديث عن الرجل بالمفرد وعن المرأة بالمفرد. لأن الأمر يتم على شكل سيرورات معقدة ومتداخلة، بحيث لا يمكن لدور الرجل في علاقته بالمرآة أن يتم خارج علاقته بهذه الأخيرة، إذن فإذا قام بفعل يستهدف تحريرها لا بد أن هذا الفعل يربطه تفاعليا بها ويجعلهما في وضعية التغير المتبادل. إن ما يجعلنا نفكر في دور الرجل هو كونه في موقع المسيطر وبالتالي يفترض انطلاقا من هذا الموقع أن يغير سلوكه أو أن يتفضل على "إِمائِه" ببعض الفضلات من الحقوق والحريات. الأمر أعقد من هذا التصور الاختزالي. يتعلق الأمر بصراع تخوضه جميع الأطراف وتتداخل فيه التوجهات وتتفاوت، ويختلط فيه دور الضحية بدور الجلاد، وتستبدل فيه الأدوار، لذلك ربما كانت فكرة التناقض المولد للتطور عب سيرورات يقوم فيها الفرد (كقائد أو كمفكر أو كمبدع) والجماعات المختلفة بأدوار تتجلى فيها المواقع والتصورات. لقد برزت من صلب سلطة الذكور مواقف مضادة لتلك السلطة ومؤيدة لمطالب المرأة، كما انتفضت نساء ضد قيود العبودية وتشكلت أنوية تدعو للحرية والتحرير. وهذا ما يُنير الطريق ويديم الأمل.
#محمد_الهلالي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Hilali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول مفهوم الثورة، كيف نعيد لمفهوم الثورة حدته وعنفوانه؟ جورج
...
-
أنا لستُ القدر وأنتِ لستِ الصُّدَف
-
حول مفهوم الثورة (كيف نعيد لمفهوم الثورة حدته وعنفوانه؟) جور
...
-
سَفْرُ العَزاء
-
دماء الغرباء
-
تلعثم بين اليدين
-
حلم تائه
-
لا تسجل أنا عربي
-
لامبالاة القلق
-
صحو الصبح
-
دعاء العاشق
-
قبلة العاشق
-
دماء الربيع
-
يا خالق القتل كفانا قتلى
-
نَفَسُ من انتظر
-
الأجوبة على أسئلة
-
الإسلام السياسي المعتدل: من المسجد إلى الحكومة أو مفارقات ال
...
-
الليبرالية والليبراليون العرب
-
الفيلسوف طوني نيغري: رسالة إلى صديق تونسي حول ثورة تونس
-
نافذة على الديمقراطية والسياسة والعقل والتسامح
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|