صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3651 - 2012 / 2 / 27 - 08:50
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
غريب أمر هذا العراق، ففي كل يوم يفاجئنا بأمور اغرب من الخيال، اذ صوت النواب يوم الخميس الماضي، بالأغلبية على شراء 350 سيارة مصفحة لأنفسهم بقيمة إجمالية تبلغ 60 مليار دينار، وطبعا فان تلك السيارات يشمل توزيعها، حتى الذين يتغيبون بصورة متواصلة عن جلسات البرلمان، ويتواجدون اغلب أيام دورة المجلس في دول مجاورة وغير مجاورة، أو ممن يحملون جنسياتها والذين لا يقل عددهم عن 100 نائب في كل جلسة.
كما تشير الأنباء الى وجود وثائق برلمانية ترتبط بإدراج مقترح يتعلق بتسليح حمايات أعضاء مجلس النواب، بشراء قطع اسلحة لكل نائب في المجلس.
يتدرع النواب، الذين من النادر ان يستهدفهم احد، بالسيارات المصفحة، ويحتمون بها، مثلما احتموا من قبل بالمنطقة الخضراء، بعد ان حجزوا مساحات شاسعة بحجة الوضع الامني، الذي لم يفلحوا طيلة السنوات الثماني العجاف منذ نيسان 2003، في تحسينه، ويبدو انه لن يتحسن، بعد ان تركوا الناس نهبا للمفخخات والانتحاريين. فمن يدرع، وبماذا يتدرع بؤساء العراق الذين تفترسهم المفخخات ويتساقطون يوميا في الشوارع في تفجيرات غريبة، بمن فيهم افراد الجيش والشرطة المساكين، الذين لا يعرفون من يسهل لمنفذيهم حركة تلك السيارات، ويوفر مستلزمات تفخيخها و تفجيرها.
ان تعزيز حمايات النواب بصورة غير اعتيادية، هو تكريس للتأزم الأمني والعجز عن بناء البلد والدولة، بالصورة التي يأمل بها الناس، وأمر يدفع المواطن الى الشعور بالخيبة، وفقدان الثقة بالدولة والمؤسسات القائمة، وهو ضياع غير مسوغ للأموال، في الوقت الذي يمر العراق، بظرف خاص، وهو بحاجة لكل مبلغ من اجل إعادة اعمار المدن التي تخربت، كما يشعر المواطن بالاستغراب من السرعة التي جرى بها التصويت على سيارات النواب، مثلما جرى مع القوانين الاخرى الخاصة بهم، في الوقت الذي تجري المماطلة بانجاز قانون عصري للتقاعد يحفظ حقوق المتقاعدين، وكذلك العجز عن سن قوانين تخدم الشرائح الاخرى من العاطلين والارامل واليتامى، وغيرهم من الفئات المسحوقة، وكذلك مع وجود أزمة السكن وغيرها من المحن القاتلة.
يحق للمواطن ان يتساءل هنا مثلما تساءل البعض، انه فيما اذا كانت الحكومة عاجزة عن توفير الأمن للبلد، فلماذا لا تشتري سيارة لكل مواطن اسوة بالنواب يخرجون بها صباحا لتقيهم شر المفخخات، التي عرف المواطن بتجربته ان النسبة الاكبر منها يحصل في مدة الدوام الرسمي، ولاسيما في الأوقات من الساعة الثامنة صباحا حتى الواحدة بعد الظهر، ما يوقع اكبر الخسائر في صفوف الباعة المتجولين وعمال المسطر والمارة وافراد الجيش والشرطة.
لقد جرى التصويت على حيازة النواب لسيارات مصفحة، في اليوم ذاته الذي تناثرت أشلاء الناس في شوارع العاصمة بغداد، وعدد من المحافظات في مسلسل متواصل من القتل اليومي الذي يبدو ان الحكومة، وبالتحديد الجهات الأمنية ليست بصدد السيطرة عليه وإنقاذ الناس من دوامات الموت.
يتساقط الناس في الشوارع بفعل الأداء الحكومي السيئ، وتتساقط المدارس على رؤوس التلاميذ في حوادث تكررت وفي إحداها سقطت طارمة مدرسة بنيت في السنوات الأخيرة كما أفادت الأنباء، ما يشير الى تمكن الفساد من ادق مفاصل البناء، واذ لم يزل التلاميذ يتكدسون في عشرات وربما مئات المدارس الطينية، وثمت أبنية غاصة بطلبتها الى حد غير اعتيادي.
يحرص النواب والمسؤولون في الدول الاخرى، على عكس صور ايجابية لدى شعوبهم عن طريق خفض الامتيازات التي يحصلون عليها، وعلى سبيل المثال فان الرئيس البوليفي أيفو موراليس، قرر، بمجرد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2005، خفض راتبه ورواتب جميع وزراء حكومته بنسبة 50 %، اضافة الى تخفيض رواتب ومخصصات أعضاء البرلمان، مسوغا ذلك بالقول "حتى يمكن تعيين أعداد إضافية من الموظفين في قطاعي التعليم والصحة"، وقد انخفض راتبه بالفعل من نحو 3600 دولار شهريا إلى 1800 دولار. وفي نيوزيلندا قرر نواب برلمانها في مطلع سنة 2009 بسبب الظروف الاقتصادية التي مر بها العالم، وبلدهم، بحسب قولهم، أن يتوقفوا لمدة عام عن الحصول على رواتبهم، دعما منهم لوضع بلادهم.
اما الرئيس الروسي فراتبه لا يتجاوز الـ4500 يورو شهريا، وفي الولايات المتحدة الامريكية فان تقاعد الرئيس مماثل لتقاعد الموظف الحكومي.
ان بلدنا العراق، هو الاحوج لهكذا مواقف واجراءات من قبل المسؤولين والنواب، والدوافع التي توجب ذلك كثيرة؛ منها متطلبات الاعمار التي تستدعي الحرص على كل مبلغ ولو كان بسيطا من اجل استعماله في الارتقاء بالاقتصاد وتطويره، فضلا ً عن الحاجة الى انقاذ المواطن من الحرمان والمعاناة التي تعرض اليها طيلة عقود من الزمن، بفعل الحروب والعقوبات، التي احالت حياته الى واقع من المرارة والعوز. كما ان لموضوع تنازل النواب والمسؤولين عن امتيازاتهم، جوانب معنوية بعد ان عاهدوا انفسهم على خدمة ناخبيهم، واكثروا من الكلام في ذلك، ومن الواجب ان ينفذوا وعودهم التي أملوا بها الناس، الذين يعرفون عن طريق عبر التاريخ، ان السياسي الحقيقي، هو من يضحي بنفسه لخدمة الناس، والدلائل في ذلك كثيرة، ولاسيما من التاريخ العراقي، اذ ان كثيرا من السياسيين ارتقوا أعواد المشانق دفاعا عن قضيتهم وحقوق الناس، ومن اجل هذا يجب ان يسعى السياسيون الجدد للتفاني من اجل خدمة الناس والارتقاء بحياتهم؛ فتلك هي الضمانة الحقيقية لسموهم في اعين ناخبيهم وعموم ابناء الشعب، وبعكس ذلك، واذا واصل المسؤولون والنواب التفكير بمغانمهم الشخصية وتحقيق الأفراح والليالي الملاح، لهم ولأسرهم على حساب مآسي الناس ومعاناتها، فنعتقد ان الامور ستسير من سيء الى أسوأ، و سيتواصل القتل اليومي، مثلما يتواصل الفساد، ويتكرس التخلف، وستسبقنا الدول الاخرى حتى اكثرها تخلفا في عمليات البناء والاعمار، وبالطبع فان كثيرا من المسؤولين وكذلك النواب، هم من الرابحين في كل الاحوال و لن يخسروا شيئا، حتى اذا ساء وضع البلد اكثر، وسيسارعون الى الانتقال بأموالهم وامتيازاتهم للعيش في دول اخرى، وبعضهم تتواجد عائلاتهم فعلا منذ التغيير حتى الآن في الدول الاخرى، اما الخاسر الوحيد ، الخاسر دوما، فهو المواطن البسيط الذي صدق ان التغيير سيغير حياته الى الافضل، فلم يغيرها.
نقول؛ اذا لم يجر التصرف بمنطق الإيثار من قبل الطبقة السياسية القائمة، واذا لم يجر تصحيح الأحوال، والارتقاء بحياة الناس والبلد، واذا ظلت الامور على حالها بل الاسوأ من ذلك، فاعتقد ان الحل الأسلم للأوضاع القائمة، يتمثل في حل مجلس النواب، واستقالة الوزارة وإجراء انتخابات جديدة، بعد تغيير النظام الانتخابي الفاشل الذي نسير عليه الان، الذي يضمن مصالح الكتل الكبيرة، ويعطي نوابا لا يتمتعون بالأهلية والشعبية المطلوبة مقاعد لا يستحقونها، اذ ان من نال الاصوات الانتخابية فعلا من اعضاء مجلس النواب الـ 325 هم 5 % فقط، اما بقية الاعضاء فنالوا اصوات رؤساء كتلهم، والفائزين، على وفق قانون الانتخابات غير العادل الذي ظلم احزابا اخرى نال مرشحوها اكثر من اعضاء البرلمان الحاليين ولم يحصلوا على مقاعد فيه!، فطفق هؤلاء غير المستحقين، يفصلون القرارات والقوانين، على هواهم، بما يضمن معيشتهم ووضع اسرهم، غير عابئين بمعاناة ملايين العراقيين، الذين تصل اعداد من هم منهم دون مستوى الفقر الى 7 ملايين انسان أي بنسبة 23 % من مجموع السكان، بحسب التقارير المعلنة.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟