|
المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1076 - 2005 / 1 / 12 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المسيحية العربية والاسلام في المشهد الكوني بعد انفجار الاصطدامات الاخيرة في العراق، بين قوات الاحتلال والجماهير الشيعية، صرح بيلاطس الجديد، المندوب الاميركي السيد بول بريمر، بأن الامام الشيعي السيد مقتدى الصدر هو شخص خارج على القانون. وقبل ذلك، بعد احداث 11 ايلول 2001، فإن قيصر العصر، الرئيس الاميركي جورج بوش، وعن قصد او غير قصد، زل لسانه بعبارة "حملة صليبية جديدة" ضد "الارهاب الدولي". اما السيد مقتدى الصدر ذاته، فقد رد، ضاحكا او هازئا، على السيد بريمر، بأن الاخير لا يفهم القانون، لأنه هو خارج "الشريعة". لغتان مختلفتان. حوار طرشان. برج بابل جديد. في مثل هذه المتاهة، تصبح الحقيقة التاريخية هي الضحية الاولى: إذ يحصل انطباع سطحي، بأن هناك بالفعل مسألة "صراع حضارات"، وبشكل اكثر تحديدا بين العرب ـ المسلمين، وبين المسيحية، التي تقودها "روما الجديدة"، وبأن المسيحية هي غريبة على العرب. ولعله من الضروري على هذا الصعيد الاشارة الى إفرازات الحرب اللبنانية، التي حاول فيها بالفعل احد الاجنحة "المسيحية" المزيفة ان يربط مصير المسيحيين بعجلة اسرائيل والامبريالية الاميركية. ولكن هذا الجناح باء بالفشل، بفضل الوعي الوطني والقومي، ولا سيما لدى المقاومة الاسلامية والغالبية الساحقة من الجماهير المسيحية. ومع ذلك، فإننا نرى للاسف، انه لا تزال تترى من حين الى آخر بعض التصريحات من قبل الشيخ أسامة بن لادن واناس اخرين من تياره، التي تخلط بين النصارى والصليبيين، وتهاجم الجميع معا بدون تمييز، ولا سيما بدون تمييز بين المسيحيين العرب والامبرياليين الاجانب. ومثل هذه التصريحات تساعد على استمرار لوي عنق الحقيقة. وهي ـ شاء اصحابها ذلك ام لا ـ تصب موضوعيا في مصلحة الاعداء، ليس فقط لانها تسهم في شق الصف الجماهيري العربي، بل خاصة لانها تسهم ايضا في "تبييض صفحة" الطغمة العليا الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية، بالتسليم المسبق لها بدور ليس لها وهو: دور ممثل المسيحية، بما فيها المسيحية العربية. وهذا يجعل من الضروري تسليط الضوء على المسيحية منذ نشأتها، وعلاقتها الاصيلة بالعرب والعروبة، وبالنضال التحرري الحضاري العربي، منذ ما وجدت: كان وجود المسيحية معلما تاريخيا جوهريا للتحضر الذاتي للانسانية، ولانتقالها من الهمجية الى الحضارة. ولهذا فالمسيحية، في عملية وجودها وتجددها، هي ايضا معلم للنضال المستمر من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والاخلاق والكرامة الانسانية. وكل شعب مسيحي يعتبر انتقاله من الوثنية الى المسيحية، بوصفه تحولا ايجابيا، وانتقالا الى خيار تاريخي تحضري. ولكن اذا سألنا: متى انتقل العرب الى المسيحية؟ سيكون سؤالنا غير دقيق وغير صحيح. والاصح أن يـُسأل عن مكان المسيحية في التاريخ والثقافة العربيين، وعن مكان العرب في المسيحية، بصرف النظر عن الديانة التي ينتسبون اليها. ـ باختصار ومباشرة، يمكن القول ان المسيحية، تماما كما والاسلام، لم تكن ابدا ظاهرة "اجنبية" بالنسبة للعرب. والعرب، خلافا لأي شعب مسيحي اخر، لم "ينتقلوا" ابدا الى المسيحية، لسبب بسيط، هو انهم هم بالذات، بمعنى ارضهم (فلسطين، سوريا، شرق الاردن، الخ) وأجدادهم (السريان، الآراميون، الكنعانيون، الفينيقيون، اهل الصحراء الخ.) يمثلون البيئة الجغرافية، الثقافية والانسانية، التي ولدت، وحفظت فيها الى اليوم، المسيحية الاصيلة. وظهور الاسلام، كمرحلة متقدمة في تطور المجتمع العربي، هو ذاته يمثل ـ من وجهة نظر تاريخية ـ "تأكيدا" و"استمرارا" للمسيحية، وليس ارتدادا عنها او نقضا لها. طبعا ان هذا هو موضوع كبير، تاريخيا، دينيا ـ فلسفيا، أركيولوجيا، ثقافيا، واخيرا وليس آخرا سياسيا. ولكنه يمكننا التوقف باختصار عند بعض النقاط ذات الدلالة: 1ـ قبل ظهور السيد المسيح بتعليمه الجديد، ظهر على المسرح الانساني يوحنا المعمدان، الذي، جنبا الى جنب رفاقه وانصاره، وقف ضد السلطة الاستبدادية الرومانية وخدمها من الطغمة العليا اليهودية من التجار والكهان. ـ اين كان يختبئ هؤلاء السلف للمسيحية، أنصار يوحنا المعمدان، وينخرطون في جماعات منظمة، كما تدل المعطيات التاريخية، ويقومون بنشاطهم بحرية (بعيدا عن رقابة وقمع الطغمة اليهودية العليا والادارة الرومانية)؟ ـ أليس في القسم الاردني من "البحر الميت"، على حدود الصحراء، على الشاطئ الشرقي لنهر الاردن! وهناك بالتحديد، وليس في المدينة اليهودية، كان يوحنا المعمدان يقوم بحرية بدعوته، ويعمد الناس، ويغسلهم (رمزيا) من سفالة المدينة اليهودية، في المياه العربية الطهور، النابعة من جبال لبنان. وهناك ايضا حصل على معموديته السيد المسيح نفسه. لقد حصل انصار يوحنا المعمدان، الجماعة الاسينية وغيرها، على دعم البدو العرب، الذين لم يشاركوا فقط في تلك الجماعات المنظمة، بل واكثر من ذلك: فإن تلك الجماعات هي التي تعلمت من البدو تنظيمهم غير الاناني، غير الاستغلالي، الاخوي الاجتماعي، القائم على: الاخلاق الشخصية الرفيعة والعفة وضبط النفس، العمل المشترك، الملكية المشتركة، المائدة المشتركة. وبعد ان قامت العاهرة سالومي، ابنة العاهرة هيروديا، خليلة هيرودوس، الحاكم الروماني، بالطلب منه ان يقدم لها رأس يوحنا المعمدان، الذي جرى اعدامه بنتيجة مؤامرة بين الطغمة العليا اليهودية الفاسقة والمستبدين الرومان، فإن انصاره (اي يوحنا المعدان) تعرضوا لحملة شديدة من التجسس والملاحقة في كل المناطق اليهودية. ولكن بالرغم من ذلك فإن دعوته و"قضيته" استمرت في الانتشار في الارض العربية. والعرب بالتحديد هم الذين اصبحوا الانصار الاول، الاكثر اخلاصا وتفانيا للتعليم الجديد. ولكن قسما منهم لم ينتقلوا كليا الى المسيحية، في صيغتها الاخيرة. وهم ما اصبحوا يسمون الصابئة (او مسيحيو يوحنا المعمدان). وقد اعترف بهم القرآن الكريم، كديانة الهية، الى جانب المسيحية واليهودية. وحتى اليوم لا يزال الصابئة موجودين في بغداد واجزاء اخرى من العراق، وطبعا انهم، الى جانب الشعب العراقي كله، "يتمتعون" الان بـ"الدمقراطية الاميركية"، ويتعلمون للتو من "مسيحيي" آخر زمن عن "يوحنا المعمدان" من لاس فيغاس و"يسوع المسيح" من هوليود! 2ـ عندما، بعد ولادة السيد المسيح، بدأ الجلاد هيرودوس، بمساعدة الطغمة اليهودية العليا، حملة واسعة للعثور على الاطفال المولودين حديثا، وقتلهم، فان العائلة المقدسة (يوسف النجار، مريم العذراء والطفل يسوع) هربت واختبأت في مصر. وحتى تصل الى هناك، كان على العائلة المقدسة ان تقطع مئات الكيلومترات من الشاطئ الفلسطيني وصحراء سيناء. ـ كيف أمكن لهذه العائلة الفقيرة الهاربة ان تقطع كل هذه المسافة المستحيلة، وذلك في اثناء حملة مطاردة رهيبة من قبل الرومانيين المتوحشين والفريسيين اليهود اعداء الله والانسان؟ ـ بالتأكيد ان العائلة المقدسة قد تلقت المأوى، والماء والمأكل، والمعاونة، من قبل الصيادين الفلسطينيين واهل الصحراء، الفقراء كليهما. وعن مثل هؤلاء الناس بالضبط قال السيد المسيح فيما بعد: "كنت يتيما فأويتموني، كنت ظمآنا فسقيتموني، كنت جائعا فأطعمتموني". ان هؤلاء الناس العاديين والبسطاء من "ابناء العرب" قد فعلوا ذلك، بدون ان ينتظروا شيئا بالمقابل، من تلك العائلة الفقيرة الهاربة، وبدون ان يعلموا شيئا عن المسيح، وحتى بدون ان ينتظروا مكافأة من السماء، حيث لم يكونوا بعد قد انتقلوا الى الايمان التوحيدي. لقد فعلوا ذلك بقوة الدافع الاخلاقي والثقافة الحياتية، اللذين كانوا مجبولين بهما. وهذه المناقبية والثقافة "الطبيعية" هي على وجه التحديد الوسط، وبكلمة ادق الرحم، الذي ولدت فيه، بلا دنس، المسيحية الاصيلة: العربية. 3ـ عدا التوراة، لا يوجد معلومات ومعطيات تاريخية، وعلمية اخرى، تؤكد ان الذي رفع على الصليب، باصرار من الكهان والغوغاء اليهود حسب الانجيل، هو يهودي. والروايات اليهودية ذاتها تنكر يهودية يسوع، وتقول إنه ثمرة علاقة جسديّة بين عاهرة تُدعى مريم وبين جندي روماني يُدعى "جوزف بانتيرا" (راجع التلمود). والعديد من العلماء والمؤرخين الكبار يؤكدون بأن السيد المسيح، مثلما انه لا علاقة له بالاخلاق اليهودية ـ الفريسية، فليست له ايضا علاقة نسب بداود، لجهة الخط الابوي لأبيه بالتبني: يوسف النجار. بل ان هؤلاء العلماء يؤكدون بأنه (اي السيد المسيح) كان سريانيا ـ اراميا. وللمثال: فإن المفكر الفرنسي ارنست رينان، في كتابه "حياة يسوع"، يسمي المسيحية "ديانة سورية". كذلك يفعل ارنولد توينبي في دراسته (المختصرة) عن التاريخ العالمي. اما المؤرخ اللبناني الكبير، البروفسور فيليب حتي، الذي كان استاذا في عدة جامعات اميركية، فيؤكد، في كتابه "تاريخ سوريا"، ان المسيح كان آرامي اللسان. وحتى اليوم لا يزال السكان المسيحيون للبلدة التاريخية العريقة معلولا (سوريا)، وبعض القرى المحيطة بها، يفتخرون بأنهم يتحدثون بالتحديد لغة يسوع المسيح، كلغة اصلية لهم، جنبا الى جنب اللغة العربية المعاصرة. والى حوالى 300 سنة، كان سكان جبل لبنان من المسيحيين القدماء، الموارنة، لا يزالون يتحدثون السريانية. وحتى اليوم لا تزال قداديسهم تجري باللغة السريانية (وهي لهجة من الارامية ـ لغة المسيح والاناجيل الاولى والانجيليين الاوائل). 4ـ كما ويكتب عن مريم العذراء بأنها امرأة كنعانية. حتى ان اسمها الشرقي الاصيل (مريم، او بصورة ادق ماريام) هو من اصل كنعاني ـ ارامي، ويتألف من كلمتين (مار) و(يام)، اللتين تعنيان (مار= قديس او قديسة) و(يام = كبير او كبيرة). وفي السياق ذاته يكتب: ان رسم مريم العذراء مع الطفل يسوع كان موجودا على الكعبة في مكة المكرمة، الى جانب جميع معبودات وآلهة القبائل العربية، حتى دخول النبي محمد منتصرا الى مكة. وحينذاك أوعز بإزالة جميع المعبودات، الا رسم مريم ويسوع. وفي تلك السنة جرى الحج الكبير في مكة، الذي يسمى "حج العرب". وتذكر الكتابات الكلمات المعبرة لتلك الامرأة العربية التي، حينما رأت رسم مريم العذراء، صرخت قائلة: "بأبي أنت وأمي، انك عربية". 5ـ ان اله المسيح يختلف جذريا عن اله العهد القديم، في انه لم يكن الها تسلطيا، قبليا، عنصريا، "قوميا"، "فئويا" او "طبقيا"، بل الها رحيما، لجميع الامم ولجميع الناس، ولا سيما المستعبدين والمظلومين والمحزونين. والقانون الاخلاقي للمسيحية كان يقوم على الفلسفة الاغريقية، التي من جهتها كانت مؤسسة على تعليم الفيلسوف الفينيقي العظيم زينون (332 ـ 364 ق.م.)، مؤسس الرواقية، التي تأثر بها غالبية الفلاسفة اليونانيين الكبار، والتي كانت تدعو للمساواة بين الاحرار والعبيد، الاغريق والبرابرة، الرجال والنساء، وغيرها من المبادئ الاجتماعية والاخلاقية، التي تحولت الى أسس للمناقبية المسيحية، التي ميزت العهد الجديد عن العهد القديم. ولذا عندما بدأ التعليم المسيحي، فإنه، على خلاف المنطقة اليهودية، لاقى انتشارا سريعا في جميع الاراضي العربية، لان "البذور الجيدة" وقعت في ارضها الطبيعية الخاصة، التي منها سبق وأخذت هذه البذور ذاتها. واننا نجد اثرا لذلك في ان بعض الطوائف الاسلامية ذاتها (كالموحدين الدروز) لا تزال الى اليوم تنظر نظرة تقديس الى زينون وارسطو وغيرهما من المعلمين ـ الفلاسفة المناقبيين اليونانيين. 6ـ بالرغم من جميع اعمال التنكيل الفظيعة، التي تعرض لها المسيحيون الاوائل، فإن المسيحية انتشرت بسرعة في سوريا، فلسطين، الاردن، لبنان، مصر، شبه الجزيرة العربية الخ. ومن هذه الاراضي انطلق مئات وألوف المرسلين الكنسيين، في جميع الاتجاهات: نحو افريقيا، اسيا الصغرى، البلقان، الهند، الصين وغيرها. واكثرية هؤلاء المرسلين كانوا يتكلمون ويكرزون ويعلمون، بفخر، باللغة السريانية ـ الارامية، لغة يسوع المسيح. وحتى اليوم لا يزال يوجد في مدينة "تسيان فو" في الصين، نصب قديم، يعود تاريخه الى 781م، نقشت عليه (باللغتين الصينية والسريانية) أسماء 76 من هؤلاء المرسلين السريان، الذين قضوا بقية عمرهم على الارض الصينية. 7ـ اذا عدنا الى تاريخ الكنيسة، وقرأناه بدون تحيز، سوف نرى ان المئات من شهداء المسيحية الاوائل هم سريان، مصريون، ليبيون، ابناء شبه الجزيرة العربية وغيرهم، من المسيحيين العرب ـ المؤمنين المتفانين. 8ـ جاء وقت، كان فيه غالبية كبرى من سكان شبه الجزيرة العربية، العراق وسوريا، قد اصبحوا مسيحيين. وقد نشأت في الماضي ثلاث دول مسيحية عربية، احداها في اليمن (كانت حليفة لروما)، واخرى في جزء من العراق (كانت حليفة لفارس)، وثالثة في جزء من سوريا (كانت حليفة لبيزنطية). كما يوجد في لائحة باباوات روما خمسة باباوات سوريين، بينهم اثنان طوبا قديسين. 9ـ ولكن بعد ان اصبحت المسيحية ديانة دولة، ذرت قرنها خلافات وصراعات داخلية كبيرة في المسيحية. وان قسما كبيرا من المسيحيين العرب الاوائل قد تبنوا حينذاك معتقدات، تتعارض مع طقوس وممارسات الكنيسة الرسمية و"السلطة المسيحية" (ولا سيما فيما يتعلق بتحديد طبيعة يسوع المسيح كنبي، وليس كإله، ولمريم العذراء كقديسة، وليس كوالدة للاله، وبعدم الاعتراف وبرفض التراتبية "الطبقية" للكنيسة وتبعيتها للدولة)، وهو ما ترتب عليه ظهور فرق عديدة، اعتبرتها الكنيسة مهرطقة. ان وجود هذه الفرق، في المسيحية العربية المبكرة، دل على وجود انقسام اجتماعي كبير، من جهة، وتناقض مع "السلطة المسيحية" الاجنبية، من جهة ثانية. ان اول زوجة للنبي محمد، السيدة خديجة، وابن عمها (الحكيم من مكة، المحترم جدا من الجميع بما في ذلك من قبل النبي العربي) ورقة بن نوفل، كانا من هؤلاء المسيحيين الاوائل، الذين حسبوا بالنتيجة بأنهم هراطقة. وبنتيجة اعمال التنكيل والصراعات والانتقامات الداخلية المتبادلة في صفوف المسيحيين، فإن غالبية هؤلاء الناس، الذين سموا هراطقة، قد تبنوا الاسلام، لثلاثة اسباب اساسية: اولا ـ لأن وجهات نظرهم قد تطابقت مع ما جاء في القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد. ولهذا بالتحديد، فإن بعض اللاهوتيين الرسميين المرموقين، مثل القديس يوحنا الدمشقي (675 ـ 749م)، اتهموا الاسلام بأنه ليس دينا جديدا، وبأنه ليس شيئا آخرا سوى بدعة هرطقة مسيحية. ثانيا ـ لأن الاسلام لم يقتصر على النضال ضد سادة القبائل المستبدين، المختبئين خلف شتى الاصنام و"الآلهة" والمعبودات، وانما هو في الوقت نفسه كان يوحد جميع العرب ضد العبودية الاجنبية لاثنتين من اكبر الامبراطوريات العظمى في ذلك الزمن: الفارسية والرومانية ـ البيزنطية. ثالثا ـ لأنه ـ اي الاسلام ـ كان يعترف بجميع الديانات التوحيدية، ايا كانت الفرق والشيع فيها. وهو ما كان يعبر عن ويجسد العادات والتقاليد العربية الحقيقية لأهل الصحراء وغيرهم من سكان الارض العربية، الذين كانوا قد اعتادوا، حتى في زمن الجاهلية، على تقبل "الغير" و"الرأي الاخر" و"الدين الاخر"، وان يكون لهم حتى 360 معبودا و"الها" مجموعين في مكان واحد بذاته هو "مكة العرب"، التي يحج اليها الجميع، حيث "يصلي كل لالهه". 10ـ كل ذلك هو غيض من فيض، مما يؤكد: ـ ان المسيحية، كما والاسلام، كانا، ولا يزالان، مظهرين اساسيين للثقافة والحضارة العربية، للوطنية والقومية العربية، وقد تتاليا وتكاملا، في مرحلتين تاريخيتين مختلفتين؛ ـ ان المسيحية، بشخص مختلف طوائفها وكنائسها واديرتها ومدارسها الخ، قد تمت حمايتها والمحافظة عليها في المجتمع العربي، في زمن المطاردات المخيفة للمسيحيين، بعد قيام روما واحبار وعهار اليهود بقتل يوحنا المعمدان ويسوع المسيح؛ ـ إن المسيحية العربية جرى المحافظة عليها من قبل الاسلام، بعد ظهوره، وانها استمرت في الوجود حتى يومنا هذا، وهي تتابع تحقيق رسالتها الايجابية والبناءة، الثقافية والوطنية والانسانية، بالرغم من الاثار السلبية والجروح العميقة التي خلفتها الحملات والحروب الصليبية، والطاعون العثماني، وبالرغم من انشاء الدولة الفاشية المعادية للمسيحية والمعادية للاسلام، اي اسرائيل، وبالرغم من مرحلة الاستعمار التقليدي الذي لعب ما شاء على المسألة الطائفية، وبالرغم من الحملة الصليبية الجديدة، الاميركية ـ الصهيونية؛ ـ ان القومية العربية ليست فقط ذات ملامح مسيحية ـ اسلامية، لا يمكن محو اي جانب منها بدون تشويه الوجه كله، بل هي اساسا ذات جوهر حضاري واحد متكامل ومتفاعل، انتج المسيحية والاسلام، وتبدى فيهما. وهذا الجوهر هو على وجه التحديد الذي يمثل اليوم الرد التاريخي الحضاري الاعظم، على العولمة البربرية الاميركية ـ الصهيونية، التي تهدف لتحويل العالم الى قطعان بشرية مسلوبة الارادة، مستغلة ومستعبدة، يحكمها قبضة من السوبرمانات المتماهين مع اله وحشي "توراتي" مزيف، لا علاقة له بكل ما يمت للرحمة الالهية والانسانية بصلة. وبهذا الوجه، وهذا الجوهر، فإن الامة العربية انما تضطلع اليوم بدور حجر الزاوية في النضال لاجل تحرير جميع شعوب العالم بأسره، تماما كما كانت، ولا تزال، الرسالة الحقيقية، الجوهرية، للديانتين العربيتين المتكاملتين: المسيحية والاسلام. جورج حداد (كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا)
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم مفجرو الكنائس المسيحية في العراق؟! وماذا هم يريدون!؟
-
الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن
...
-
العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
-
أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا
...
-
مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|