|
إن لم تفيق ألآُمّة بثوراتها السلمية ..فالى ألإنقراض
سامي بن بلعيد
الحوار المتمدن-العدد: 3650 - 2012 / 2 / 26 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دعونا نقيم وضعنا العربي بعقلٍ متأملٍ مستشعرٍ وصادق فاعلٍ وغير مُنفعل ولا متعصب ... وبدأت هكذا كتابتي على اعتبار ان اختلال كل الموازين الحياتية في الوطن العربي كان سببها هو اختلال في العقل ... لانه الوحيد مصدر البناء والتنمية والمدنية وبغيره لا يأتي شيئ من هذا القبيل . ومن يمعن النظر في حال أُمّتنا اليوم وما صابها من الضعف والانحلال والتخلُّف والفساد الذي ما برح يعصف بهذه ألأُمة نحو الزوال وكأن التأريخ يريد ان يتحدّث عن لسان العرب في الحاضر المعاصر ويقول لقد اصبحتم تنتجون الفساد بصورة منهجيةٌ تتسارع وتيرتها لتنافس سرعة الاداء الحضاري التنموي العلمي حتى لامسنا القول الذي الذي يعطي احلى تعريف للتنمية وهو ( التنمية هي العلم عندما يصبح ثقافة ) وهذا التعريف للآخر اما تعريفنا للتنمية فهو (الفساد هو الجهل عندما يصبح ثقافة ) .
وما من شك ان مظاهر تدهور الامة العربية كثيرة تتمحور بين الماديةِ والمعنوية والتكميلية وقد تتداخل هذه المظاهر في اغلب الحالات ،فالحروب الخارجية والبينية وما ينجم عنها من تشريد وتهجير دفعت ملايين العرب ابتداءاً بالطبقات الكادحة بحثاً عن لقمة العيش من جانب وعن العدالة والحرية من جانبٍ آخر ثم انتهى الامر الى المثقفين والعلماء والمفكرين باحثين عن مناخ فكري تحرري رحب ، الاحتلال المباشر وغير المباشر للبلدان العربية .... وفي الجانب المعنوي عمليات الضغط والتهديد والتركيع والتطويع او الحصار الاقتصادي والمقاطعة ، سيطرة الآخر المسيطر والقوي بطريقةٍ غير مباشرة ثقافياً علمياً اقتصادياً تكنلوجياً ، واخيراً انتاج انظمة الحكم الفاسدة التي شكلت مدارسها السياسية على ضوء التوجيهات التي تربطها بشبكة الهيمنة العالمية لهدف دفع الانسان العربي نحو التسطيح ودائرة إللآوعي وعزلها عن تراثها وثقافتها وتقطيع كل حلقات التكوين الانساني العام لشخصية هذا الامة كي تضعف وتتمزّق أكثر وتصبح تحت هيمنة ألآخر المسيطر يشكلها كيفما يشاء ويضعها في دائرة الثقافة الاستهلاكية كي يتمكن من السيطرة على كل مقدراتها .
وفي هذا الاطار الشائك والمعقّد تُطرح الكثير من التساؤلات المُلحّة وهي: لماذا فشل العرب في النهوض والتطوّر وصناعة المعرفة ومنافسة العالم المتطوّر بينما تمكنت أُمم وشعوب أُخرى من تحقيق ذلك الهدف ؟ ولماذا نحن مستمرين في التمزُّق بين الماضي وإرثه وذكرياته وبين ضروريات الحاضر المعاصر ؟ هل سنستمر في حياة البرزخ ونهب أنفسنا ظريبة بين الماضي والحاضر ’العلم والدين ، القديم والجديد ، الاصالة والمعاصرة ، الفعل والانفعال ، ؟ وهل سنبقى نتلقى اللكمات في حلبة يتصارع فيها اليساري واليميني ، الرجعي والديمقراطي ؟ أما للحياة وسطية وتكامل يفتح ألآفاق لجميع شرائح المجتمع ويجعل السلمية (العقل) هي المصدر الاسياسي لاصدار الاحكام التي تهدف الى ايصال المجتمعات الى حالة سلام مع ذاتها ؟
من كل ذلك يجب ان نتفكّر اننا في مجتمع لا يعطي للثقافة حضها وعائداتها لا تمثل اكثر من 7_10% من العائدات من قيمة المنتجات الثقافية العالمية وذلك حسب آخر تقارير عن مؤسسة الفكر العربي للتنمية الثقافية ... قد يقول البعض لقد خرجنا على اطار الموضوع وبالحقيقة نحن في الموضوع الذي منه تأتي الحلول للمشاكل العويصة والتحديات القاتلة التي تترقب للأُمّة ... لان الهوّة والفرق اذا ظلاّ شاسعان بيننا وبين العالم المتحضر واستمرينا في التحرُّك على ما نحن عليه اليوم ... اننا لن نصل الى طريقٍ مسدود فحسب بل اننا سنصل حتمياً الى الهاويةِ .
فنحن العرب نعيش في خظّم اخطار قاتلة وقضايا مُهلكة فإذا استطعنا الاطلاع عليها لتبين لنا ان درء هذه الاخطار سيكون من سابع المستحيلات إن لم يكن هناك مجهود جماعي لا يستثني احد على ظهر الوطن العربي وهذا المجهود الجماعي لا يمكن ان يأتي من خارج ثورات الربيع العربي السلمية التي اخرجت الملايين وصهرت في اطارها كل الاطياف فهي الوحيدة التي نستطيع ان نلبسها الثوب الثقافي الانساني العربي لانها اتت من اجل بناء الانسان ... لا من اجل بناء رئيس او معارض ولا من اجل حزب او جماعة معينه ... انها ثورة تغيير بمثابة مصفاة للعقول ومناطق القيم الاخلاقية والادبية .... عمق حضاري يلامس عقل الانسان وروحه ... هدف انساني يدفع المجتمع من عالم العنف والحروب والتآكُل ورفض ألآخر واستبعاد المنطق الى عالم الحرية والسلم والتكامُل والقبول والعقل والعدالة والمدنية ... والجدير الذي احب ان انوِّه اليه ان هذه الثورة ليست تقليدية كسابقاتها وهدفها هو الحكم انها ثورة حضارية .... بداية عصر جديد ومهما لاحظ البعض انها حوصرت او سُرقت فذلك امر مجافي للحقيقة ومهما تخوّف البعض من الاسلام السياسي ان يسرقها ... بل اقول على العكس ان الثورة ستضع الاسلام السياسي تحت المجهر ولن يبقى في الظل يتحرّك كيفما يشاء ويلوم الآخر ... انها فرصة تأريخية لكل العرب ... ولا تخوّف من وصول الاسلاميين الى الحكم فإن عدولوا وثبّتوا المدنيّة فلا بأس وذلك فيه مصلحةٌ او سع وان تخاذل سيكون خروجه نهائي من ساحة المعترك السياسي ... ولا تنسوا ان الملايين التي خرجت لا زالت حيّة وتراقب الاوضاع عن كثب وعندها استعداد للخروج بالملايين مرات ومرّات في حال ظهور اي معوقات في طريقها ... انها بمثابة دستور حي ومتحرِّك وليست نصوص مكتوبة ومخزونة في خزانة الزعيم الذي يسميها دستوراً ولكنه حبر على ورق .
فأنا اتمنى من كل انسان عربي ان يعتبر نفسه شريك في هذه الثورات السلمية ولا يجوز للعربي ان يبقى متفرجاً وكأنه في ملعب كرة قدم ... من سينتصر ومن سيفوز ومن لعب الافضل ومن لم يتوفق ... او يبقى كوكالة اعلام فردية يسمع من الاخبار ليذهب بها الى اصحابه او يقرأ جريدة او مجلة ليذهب بها الى اصحابه او الى اي موقع مشاركة الكترونية او غيرها ... او يشارك ليرى مشاركته ويكتب ليعود الى قراءة ما كتب لمرات عديدة ....
اننا امام مفترق طرق والاجراس التي تنذر بالخطر كثيرة ويجب ان نخرج من الفضاء السمعي البصري الفاضي الذي يعمل خارج الاطار الحقيقي والساحة الحقيقية لثقافة الشعوب ... ان الثقافة هي مركز الثقل وهي الحامل الحقيقي لأي مشروع قد تخطط اليه اي أُمّة والثقافة المُدركة تنقل مفاهيم التقدُّم الحضاري من العاطفة الى العقل ومن التطلُّع المجرّد الى العمل الحقيقي على ظهر الواقع المعاش ... وثورات الربيع العربي السلمية هكذا هي ... فإن لم تفلح في لم الشتات وتقريب المسافات وان لم تفلح في هدم جدار العزلة والانطواء وان لم تفلح في ارجاع العربي من متاهات الضياع وحالة الاغتراب التي يعيشها مع نفسه ومع ألآخر ..... فما بوسعي ان اقول سننتظر على قارعة الطريق حتى يتم اعلان انقراض حضارتنا لا سمح الله.
#سامي_بن_بلعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اصبح العرب ظاهرة صوتية مقطوعة الصلة بالمدنية ؟
-
السبب الرئيس في تعثُّر ثورات الربيع العربي يرتكز على خلل في
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|