|
المرأة والربيع العربي بين المنصف والمجحف
روفيدا كادي هاتان
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 22:55
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
مع انشغال العالم وأحداث الربيع العربي كثر الجدل حول التغيرات التي ستطرأ على المنطقة وما سيفرزه هذا الربيع من ثمار وبالتأكيد فان قضية حقوق المرأة شأنها شأن سائر القضايا المهمة التي طرحت على الساحة جنبا إلى جنب مع نتائج الربيع العربي منتظرة أن تمد لها يد العون لتنتشلها من دائرة الظلام المعتم الذي أحاط بها على مر قرون وخاصة في منطقة لم تتحسن بها أحوال المرأة كثيرا بل على العكس إذ قامت بدفع ثمن باهض للحروب والظلم والفقر والتخلف الذي شاع وتفشى في المجتمعات العربية وحول كل أركان المجتمع إلى واقع مرير لا يختلف عليه اثنان . وإذ نتحدث عن الربيع العربي فإننا نطرح مسببات ونتائج لهذا الواقع المرير . ولكن هل الربيع العربي حدث حديث لم يحدث من قبل ؟ وهل المجتمعات العربية بدأت تستشعر معنى الثورات بعد هذا الحدث الجليل ليترك تغييرا في النفس البشرية أدى إلى زلزلة القيم البائدة والثقافة المتدنية السائدة حول مكانة الإنسان عموما في مجتمعات لم تعطي الكثير لأهمية القيمة الإنسانية ؟ فعند متابعة أحداث التاريخ الماضي لمنطقة الشرق عموما نجده زاخرا بالثورات والحروب والانقلابات العسكرية منها والشعبية حتى تقلبت أنظمة الحكم فيها من حال إلى حال وتغيرت الأوجه حتى بات التغيير أمرا شائعا هز هذه المجتمعات على مدار عقود وحال المرأة لم يتغير إلا في حال التغير نحو الأسوأ بسبب ما يخلفه العنف الناتج من التناحر على المصالح وهنا نعود لنطرح سؤالا مهما هل كلمة ثورة مجردة من الدقة كفيلة بتغيير حال المرأة إلى الأفضل ؟ أم أن لهذه الكلمة معنى أعمق وهي بحاجة ماسة إلى متمم يوضح على عاتق من تقع مسؤولية التغيير ؟ إن كان ما تعاني منه المرأة قد ترتب على سنوات من بناء مفاهيم خاطئة وقيم وعادات مغلوطة وتحريف لمبادئ دينية لتتفق مع المصالح المرجوة لبناء مجتمع ذكوري بحيث تكون المرأة فيه العبد المطيع لسيد قوي مطاع حيث زرعت بها بذور الخوف والطاعة العمياء حتى وان كان ضد إنسانيتها وغلف عقلها بمفاهيم التخلف والجهل حتى أصبحت هي الحارس الأمين على سوء أوضاعها وفي أحيان أخرى العدو الأول لأي تغيير يعطيها مكانتها اللائقة في المجتمع . حتى بتنا الآن بأمس الحاجة إلى تغيير جذري وحقيقي لا يكون من جهة واحدة بل وعي كامل لسائر أبناء هذه المجتمعات مع تعاون يعكس روح الثقافة والحوار بين أبناء المجتمع الواحد خصوصا وان هذه الشعوب تعاني من ثقافات مغلوطة على مدار قرون أرجعت المرأة إلى الوراء ليتراجع معها المجتمع بأسره فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى ثورة ولكن في قيمنا الأخلاقية المتعلقة بمكانة المرأة أولا ليتم بعد ذلك بناء جيل يحترم هذه المكانة وإذ جاءت ثورات الربيع العربي من اجل حصول المواطن العربي على حقوقه الإنسانية ومن اجل نهوض المجتمعات من سباتها وابتعادها عن دائرة الفقر والبطالة فان تحقيق النتائج المرجوة من هذه الثورات هي مجتمعات مرفهة وأكثر علما وثقافة وبالتالي أكثر حضارة قد يعطي الفرصة ليكون حال المرأة أفضل ولكن إن انحرفت عن مسارها وبقيت ضمن الإطار المتعارف عليه من تناحر على المكاسب واصطياد الفرص إلى استمرار حلقة الانتقام والتنكيل فان هذه الثورات سوف تستمر بالدوران في حلقة مفرغة غير مجدية فإعطاء الحقوق لأي فرد وليس للمرأة وحدها لا يتم بين ليلة وضحاها بل يجب أن يتحقق الوعي الكامل لنيل هذه الحقوق ويجب أن تكون ممارسة الشعوب للحرية صحيحة , فهل حققت شعوب الربيع العربي ثورة في تفكيرها الاجتماعي ليمحو رواسب عقود كثيرة من التأخر أم أن الثورة بداعي الإصلاح ستأخذ مسارا أخر . ومع إفراز هذه الثورات اتجاها إسلاميا ملحوظا في هذه الدول لإيجاد حلول جذرية شافية لمعاناة شعوبها فان هذا لا يجعل من هذه الثورات مختلفة عن سابقاتها إذ أن التيارات المختلفة دائمة الظهور في أي ثورة في مختلف مراحلها متخذة أشكالا عدة لتطرح أراء وحلول متنوعة لإيجاد التغيير المطلوب لأي شعب وإذا كان الإسلام قد احدث ثورة في عمق التفكير الاجتماعي في عصر أطلق عليه العصر الجاهلي ونقل مكانة المرأة من حال إلى حال ونفض عنها غبار الدفن على قيد الحياة تحت شعار الشرف القبلي ليرفعها من مكانة الجارية إلى القارورة والحرائر ويعطيها من الحقوق مع ما يتفق والحياة المدنية الجديدة التي أرسى قواعدها أصبح من البديهي صيانة حقوق المرأة بمجتمعات ما زالت تستفيء بظل الإسلام سواء اقبل أم بعد الثورات . ولكن بعد الاطلاع على القرون التي تلت نشر الدعوة الإسلامية وبعد مرور الزمن وقيام دول وسقوط أخرى وعلى الرغم من تعاقب الدول في الشرق والتي لازمت على إبقاء راية الإسلام إلا إن التحريف بدا يأخذ منحاه تحت مسميات عديدة لتصاغ المبادئ الدينية الإسلامية مع ما يلائم الصورة المطلوبة لدوام مصالح اتفق عليها بين من امسكوا بزمام الأمور لهذه الدول مما ارجع المرأة إلى عصر الجاهلية من جديد فسلبت حقوقها التي أعطيت لها من قبل الإسلام ونسخت الحقوق إلى قوانين جيدة عشنا نتائجها حتى الآن . وفي الحقيقة ونحن نذكر الإسلام وما أعطاه إلى المرأة يجب أن لا نغفل الذكر بان ما من دين سماوي أو قانون دنيوي مستند على الفكر والمنطق منذ أيام الحضارات الأولى في العالم إلا كان من قمة أهدافه إعطاء الحقوق الكاملة لأي فرد من أفراد المجتمع وبما أن المرأة تشكل الجزء الحيوي منه لما يقع على عاتقها من مسؤولية إعداد أجياله المتعاقبة فان القوانين المعطاة لها كثيرة والذين ينادون بها أكثر ولكن المعضلة تقع في طريقة التطبيق وضمان عدم الالتفاف على هذه القوانين وإذا لم نستطيع السيطرة على ما تفرزه هذه الثورات من نتائج كما حدث في ثورات القرن الماضي فان مصير المرأة يبقى في أيدي المثقفين من أبناء المجتمع رجالا ونساء فهم من يستطيعون تغيير ما لم تستطع الثورات من تغييره فالثورة الفكرية هي أعظم الثورات تأثيرا في الشعوب فهي الرقيب على المسار الصحيح الذي تسلكه هذه الثورات لذا فان التغيير الحتمي يجب أن يبدأ بالمرأة نفسها من خلال نفض غبار التخلف عن عقلها لتستطيع المطالبة بحقوقها دون المساس بأنوثتها أو الإخلال بواجباتها وإذا كان الحق لا يضيع ما دام ورائه من يطالب به فان المرأة لا تستطيع الجلوس وانتظار ما يجلبه الآخرون من حقوق يرونها مناسبة لها إذ عليها أن تعي ما لها من حقوق في الأديان والقوانين لتستطيع الحصول عليها كاملة من غير تحريف لتلائم من يعطيها لها وبما أن الثقافة العامة هي المدرسة التي تستمد الشعوب منها حافز التغيير إلى الأفضل أصبح تعليم المرأة وتثقيفها حاجة ملحة لا زينة تستطيع الاستغناء عنها متى شاءت فبالعلم تخطو المرأة أولى خطواتها لتحقيق الحرية والمكانة المرموقة التي تمنتها لزمن طويل حتى تتمكن فيما بعد من إعداد جيل يحترم حقوق الأخر فيصنع ثورات ناجحة الأداء وذات مضمون رصين . ولان الرجل رفيق درب المرأة فان دوره في تصحيح مكانتها مكمل لسعيها في نيل حقوقها ولو نظر الرجل إلى المرأة كابنة وزوجة وأم وأخت وليس كخصم ينافسه يجب الانتصار عليه و يسلبه حقوقه إن استطاع لدأب في سعيه لإعطاء المرأة ما يمنعه عنها الآن . وإذ نصل إلى هذه النتيجة فإننا نقف أمام جاني ومجني عليه في أن واحد فالمرأة المسلوبة الإرادة تصنع القيود التي تكبلها بجهلها وتقاعسها عن تغيير واقع غالبا ما تشتكي منه ومع وجود من يبدعون في تحريف القوانين والالتفاف على صيغة العادات والتقاليد لتؤدي ما يطمعون إليه بدلا من إعادة الحق إلى نصابه أصبحت المطالبة به غير مجدية مع انعدام المعرفة الكاملة والدقيقة لهذه القوانين وتعميمها لئلا يتم التلاعب بها .
#روفيدا_كادي_هاتان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وتقدم المجتمع بين المسبب والنتيجة
-
ما هو الأفضل تبني الديمقراطية أم ولادتها من داخل المجتمع
-
قوانين تحفظ حقوق المرأة
-
المراة بين الحقوق والواجبات
-
زمن الكم ام النوع
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|