|
السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1076 - 2005 / 1 / 12 - 09:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
للوهلة الأولى بدت مواقف السوريين متناقضة من الانتخابات الأميركية الأخيرة. فقد اظهروا اهتماما أكبر من المعتاد بالواقعة الانتخابية الأميركية، واهتماما غير متناسب إن لم نقل إنه ضئيل بمن يكون الفائز بنتيجتها. غير أن التمعن في الأمر يكشف أن لا تناقض في الواقع. فقد صدر الاهتمام الأكبر بالانتخابات الأميركية عن اهتمام أكبر بالشأن الاميركي عموما، وبالخصوص بالسياسات الشرق اوسطية والدولية للولايات المتحدة. وسبب ذلك لا يكاد يحتاج إلى بيان: فقد أسقطت الولايات المتحدة نظاما مجاورا لسوريا ويشبه بعض الشيء نظامها، وهي اليوم جارة لسوريا، وقوة تغيير في الشرق الأوسط. وبينما كانت سياسات الإدارات الأميركية تؤثر على سوريا على الدوام، وبينما لم تكن الولايات المتحدة أبدا قوة خارج "الشرق الأوسط"، فإنها تؤثر اليوم على السوريين، شعبا وافرادا ودولة، بصورة اكثر كثافة ومباشرة. ويمكن القول بمعنى ما ان اميركا لم تعد قوة خارجية بالنسبة لسوريا. والاحتكاك السوري الأميركي المتعدد الجبهات يفرض ذاته على مدارك السوريين، سواء عبر وسائل الإعلام او بصورة مباشرة. لم، إذن، نزعم ان اهتمام السوريين بمن يكون الفائز في انتخابات على هذه الدرجة من الأهمية لهم كان محدودا؟ السبب، ببساطة، محدودية تاثير شخصية الفائز أو حزبه او خطابه الانتخابي على السياسات الأميركية في "الشرق الأوسط". ويعتقد السوريون، وبقدر غير قليل من الصواب، أن الفرق بين كيري وبوش محدود فيما يخص سوريا وجوارها الفلسطيني والإسرائيلي والعراقي واللبناني والعالم العربي بصورة عامة، خلافا لما هو الحال بخصوص السياسة الأميركية الداخلية وحيال أوربا والأمم المتحدة مثلا. ورغم أن هناك جديد في مواقف السوريين من الولايات المتحدة، يتمثل بصورة خاصة في وجود نزعة أميركانية او ما قد نسميه بقدر من المبالغة المتعمدة "الحزب الأميركاني"، فإن الانتخابات الاميركية لم تكون محور استقطاب حتى بين أميركانيي سوريا. فلم يظهروا انحيازا بارزا لبوش ضد كيري أو العكس(سندقق هذا الحكم بعد قليل). ولعل سبب ذلك انهم يدركون، هم انفسهم، ان السياسة الاميركية في "الشرق الأوسط" اقل تعرضا للتغير مع تغير الإدارات. الأميركانيون السوريون مجموعات متنوعة الأصول والدوافع، أبرز ما يوحدها هو العداء للإسلاميين، او حتى للإسلام ذاته، أكثر حتى من العداء للدكتاتوريات الحاكمة. وتجتذبهم "الحرب ضد الإرهاب" أكثر من مشاريع دعم الديمقراطية التي يتحدث عنها الأميركيون. ولعل في أميركانيتهم عنصر انبهار بالقوة الأميركية وبالقدرة الأميركية على تغيير الواقع. وهذا عنصر يزداد قيمة مع تلاشي اية رهانات على إصلاحية قصر سورية، ومع استمرار ضعف المعارضة التقليدية المتحدرة من اصول قومية عربية وماركسية. مع ذلك يمكن القول انه كانت ثمة درجة من تفضيل بوش على كيري في أوساط الأميركانيين السوريين. لماذا؟ لأن الأميركانية السورية، بحكم تكوينها وتاريخ ميلادها بعد 11 ايلول وبعد احتلال العراق، تطمئن لثبات سياسة إدارته، وبالخصوص لعدائها العنيف حيال الإسلام المقاوم في كل مكان. هل سيحافظ كيري على هذه السياسة لو فاز؟ هذا ما لا يمكن ضمانه. كم يبلغ عددهم؟ صغير لكنه ليس ضئيلا. حضورهم محسوس، ومنابر تعبيرهم عن ذاتهم في بعض المواقع الإلكترونية حيث معايير الكتابة والنشر اكثر تراخيا وأقرب للتعبير المباشر عن النفس. وتتوزع قاعدتهم الاجتماعية على اقليات إثنية (اكراد) ودينية (مسيحيون) ومذهبية (اقليات إسلامية). هذا لا يعني بحال ان أكثرية تلك الفئات ذات نزوع أميركاني، ولا يعني أيضا أنه ليس هناك أميركانيون في أوساط المسلمين السنيين. لكن يبقى صحيحا ان المشترك في "اميركانية" هؤلاء انها موجهة ضد طرف آخر: العرب، المسلمون، السنيون... وهذا ما يجعل الأميركانية اشبه بتقاطع ظرفي لدوافع متعارضة يصعب توحيدها في حزب او حتى ائتلاف متماسك. هناك كذلك تلوينة أميركانية عقيدية تصدر، لسخرية التاريخ، عن شيوعيين سابقين، ينسبون اليوم للولايات المتحدة دورا حضاريا وتحريريا يشبه تماما ما كانوا ينسبونه لموسكو، وما ينسبه المحافظون الأميركيون الجدد لسياسة إدارة بوش. وعلى العموم هناك شبه قوي بين الأميركانيين السوريين والعرب وبين الشيوعيين أتباع موسكو في مرحلة شبابهم: شبه في التعصب وفي الاندفاع وفي القاعدة الاجتماعية. وكم يغري المرء ان يتساءل عن حال "الحزب" الأميركاني لو كانت السياسات الأميركية اكثر توازنا وعدالة حيال سوريا والقضايا العربية. لكان بالتاكيد اقوى الأحزاب السورية، ولكانت فرص الديمقراطية في العالم العربي قوية جدا، مثل اوربا الشرقية على الأقل. هل هناك سوريون يفضلون بوش لأسباب اخرى؟ هل يمكن تمييز تفضيل خاص لبوش، يصدر عن دوافع غير تلك الكامنة وراء النزعة الاميركانية التي وصفناها للتو؟ يقول تيلور غولسن (ديلي ستار، 4/12/ 2004) إن بعض السوريين يفضلون بوش لأسباب دينية واخلاقية. يحتاج هذا الراي إلى تفحص عن كثب. إن السوريين الذين يعرفون أن بوش "ولد من جديد"، وأنه متدين ومحافظ اجتماعيا وأخلاقيا، وأنه ضد الإجهاض وضد حقوق المثليين...، هم ذاتهم السوريون الذين ينفرون من كل أشكال التشدد الاجتماعي والتدين السياسي، أعني المثقفين. أكثرية السوريين، بالمقابل، لا تعرف ولا تهتم بمعرفة عقيدة بوش الدينية وانحيازاته الاجتماعية والسلوكية في بلده. قد يستثنى من هذا التقدير بالضبط الفئات التي يدرّسها غولسن: متعلمون، من الطبقة الوسطى عالية الدخل فما فوق، تستطيع الاستفادة من مؤهلات مدرس أميركي، يتقنون لغة أجنبية، ويفكرون في العمل أو حتى العيش مستقبلا في الغرب، وخصوصا أميركا، ويعيشون فيها منذ الآن وجدانيا؛ إنهم باختصار أقلية الأقلية، وليسوا نموذج السوري المتوسط حتى لو كانوا اشبه بالأميركي المتوسط حسب تعبير غولسن. وأصولهم الاجتماعية الدينية مسلمة سنية او مسيحية بصورة تكاد تكون حصرية. ما حال أكثرية السوريين؟ كما قلنا: هناك اهتمام اكبر بالعامل الأميركي، وهناك ريبة عميقة حيال الخطط الأميركية. هذه الريبة الراسخة تقلل من اهتمام السوريين بدقائق وتفاصيل السياسة الأميركية. فلسان حالهم يقول: مهما يكن ساكن البيت البيض ومهما يكن حزبه وعقيدته الدينية ...فإن سياسته حيالنا ستكون هي ذاتها. فلماذا نهتم؟ في هذا الموقف مزيج من ملاحظة صائبة ومن شعور بالضعف يمنع الناس من التفكير باحتمال التاثير على السياسة الأميركية. وهناك "اقلية اقلية" اخرى معادية جذريا وبأقصى الوسائل لكل ما هو أميركي. دمشق 10/12/2004
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
-
نقد ثقافة الضحية
-
بين النقد والاتهام
-
نقد ذاتي
-
معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
-
مفهوم لخط الفقر السياسي
-
عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
-
سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
-
قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
-
المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
-
سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
-
حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب
-
أجهزة أمن اكثر = أمن اقل؛ والعكس بالعكس
-
موت آخر المحاربين
-
مشاركة في انتخاب الرئيس الأميركي!
-
اي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 2 من 2
-
أي مستقبل لبلادنا دون الخط الثالث؟ 1 من 2
-
إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا
-
حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
-
اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|