الموجات السياسية

محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 3649 - 2012 / 2 / 25 - 12:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

عندما كتب السيد محمد باقر الصدركتابه:"فلسفتنا"،في عام1959،كان الحزب الشيوعي هو المسيطر على الشارع العراقي،بمافيه مدينة النجف،وكان يحكم من وراء عبد الكريم قاسم.لم يأخذ ذلك الكتاب بعض قيمته،وهو بالتأكيد من الكتب العربية القليلة التي لاتتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة طوال القرن العشرين التي يمكن القول أنها تحوي انتاجاً فلسفياً،إلابعدما بدأت موجة المد الاسلامي،بفرعيه السني والشيعي،في الربع الأخير من القرن الماضي.
يطرح هذا موضوع أن الموجات السياسية تتوازى معها علامات مرافقة - متزامنة ،لنجد الأخيرة ممتدة وشاملة لحقول الأفكار والثقافة والفن ومظاهر اجتماعية مثل الأزياء،وهذا مارأيناه بوضوح في فترة المد الليبرالي العربي(1919-1952)ثم في فترة المد الاسلامي(منذ عام1975)،فيماكان أقل ظهوراً في فترة المد القومي العروبي(1956-1970)وهو مايعود ربما إلى ضعف الحمولات الفكرية- الثقافية للتيار القومي العروبي بفرعيه الناصري والبعثي.
بالمقابل،فإن هذا يظهر،أيضاً،أن الأفكار المتداخلة مع السياسة لاتأخذ مداها وتتحول إلى رائجة إلامع مد سياسي مطابق لها أيديولوجياً،وهذا يشمل المؤلفات ذات القيمة،والتي تظل منسية أومهملة أولايلتفت إليها حتى يحصل ذلك المد،ومؤلفات أخرى يصاب المرء بالدهشة من ضحالتها عندما يطالعها من جديد بعد انتهاء موجتها السياسية فيماكانت أثناء تلك الموجة فوق السحاب في المبيعات ومراجعات الصحف والمجلات والوسط الأكاديمي.هذا لايعني،أن هناك مفكرون تغيب أوتتلاشى أهميتهم مع دخول تيارهم السياسي في مرحلة الجزر،مثل كارل ماركس في مرحلة مابعد السوفيات،حيث لم يعد يأخذ أهميته في الأوساط الفكرية كفيلسوف سياسي لتيار،وإنما من خلال أفكار مطروحة عنده في مواضيع محددة،مثل نظريته حول دورية الأزمات الرأسمالية التي عادت للتداول الأكاديمي والصحفي في الفترة التي أعقبت نشوب الأزمة المالية- الاقتصادية بدءاً من الولايات المتحدة في أيلولسبتمبر2008.
كل ماسبق يظهر أن الموجات السياسية ليست ذات جمولات سياسية محضة وإنما لها مرافقات فكرية – ثقافية- سلوكية – مظهرية تعبر عن مناخات تسود في مجتمع محدد وتفرض ايقاعاً معيناً في غالبية أومجمل النسيج الاجتماعي.
في هذا الإطار،يلاحظ أن الموجة السياسية لاتبدأ إلابعد انتهاء أخرى أوفشلها،كماحصل بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب1948 وماعنته من قرب انتهاء المد الليبرالي،وهو ماتكرر في عام1967لماأعطت هزيمة 5حزيرانيونيو علامات على دخول المد القومي العروبي في مرحلة الجزر.هنا،يلفت النظر أن انهيار الدولة العثمانية في عام1918كان مؤدياً إلى انتعاش الأفكار الحداثية التغريبية في منطقة المشرق العربي،وكذلك نكبة فلسطين عام1948مع انتعاش العروبة،وفي هاتين الحالتين كان الفرق الزمني بين المد الفكري- السياسي- الحزبي وبين استلام السلطة السياسية قصيراً من الناحية الزمنية،فيمااحتاج الأمر إلى ثلث قرن من الزمن كان فاصلاً بين المد الفكري- السياسي- الحزبي وبين استلام السلطة السياسية(تونس ومصر2011-2012) بالنسبة للتيار الاسلامي،حيث كان الصدام بين الاسلاميين والسلطات الحاكمة في مصر(منذ1990)وتونس(1991)والجزائر(1992)،بالترافق مع دعم الغرب الأميركي- الأوروبي للأنظمة الحاكمة بعد انفكاك تحالفه مع االحركة الاسلامية العالمية عقب انتهاء الحرب الباردة مع السوفيات عام1989،مؤدياً إلى عدم قدرة الاسلاميين على ترجمة نفوذهم الفكري- السياسي- الحزبي في المجتمع إلى طريق سالك نحو السلطة السياسية،وقد كانت تجربة الانقلاب العسكري(11يناير1992)،المدعوم من باريس ثم واشنطن،مثالاً واضحاً من حيث سدِه للمسار الانتخابي البرلماني الجزائري أمام تحقيق فوز(الجبهة الاسلامية للإنقاذ)في الجولة الثانية للإنتخابات بعد أن أعطت الجولة الأولى قبل أسبوعين من الإنقلاب مؤشرات كافية على اتجاههم لفوز كاسح.
في عامي2011و2012انتهت هذه المعادلة،عقب اتجاه واشنطن،ابتداءاً من تجربة سقوط الرئيس المصري حسني مبارك،إلى تفادي تجربة تولي قوى معادية لها عقب سقوط حكم الحلفاء ،كماحصل في طهران1979،من خلال ملاقاتها للتيار الاسلامي التي صعدت موجته السياسية إلى السطح الاجتماعي بفعل عوامل التآكل الداخلي للقوة الاجتماعية للنظام الحاكم الحليف لواشنطن.
من خلال التجربة المصرية لفترة مابعد مبارك،كان اجتماع الغطاء الدولي ،مع التآكل الذاتي لقوة النظام من حيث تمثيله الاجتماعي،مؤدياً إلى تحول وترجمة موجة فكرية- ثقافية - سياسية- حزبية إلى موجة وصلت إلى السلطة السياسية،من خلال فوز برلماني استطاع من خلاله الاسلاميون نيل الثلثين،ولوعبر نموذج تعايش يشبه ماهو حاصل في أنقرة منذ انتخابات برلمان عام2002بين الاسلاميين والمؤسسة العسكرية ،وأيضاً برضا أميركي.

#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات