|
ملف حول المرأة
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 23:17
المحور:
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي
اسئلة الملف: 1- هل سيكون للمرأة في الدول العربية نصيب من التغيرات المحدودة التي طرأت حتى الآن على مجتمعات هذه الدول كأحد نتائج الربيع العربي؟ إن التغيرات التي تعرفها بعض المجتمعات التي حرك الربيع العربي بركتها الساكنة والآسنة ، ظلت إلى الآن تغيرات جد محدودة ، باستثناء التغير الجوهري الذي تمثل في إسقاط رأس النظام . وباعتبار المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع ، فإن نصيبها من التغير لن يزيد عن الدرجة التي سيعرفها المجتمع نفسه . بل قد تعرف وضعيتها القانونية والحقوقية بعض التقهقر عما كانت عليه إبان النظام المنهار ، كما هو الحال في ليبيا التي أعلن رئيس المجلس الانتقالي عن إلغاء القوانين التي يراها تتعارض مع الشريعة الإسلامية مثل قانون منع تعدد الزوجات . وقد يشمل التغيير جوانب أخرى . من هنا ، لن يكون التغير على نفس الدرجة بالنسبة للدول التي عرفت ثورات ، كما لن يحمل بالضرورة تغيرات إيجابية تستجيب لتطلعات المرأة . وكل ما أعلنته حركة النهضة الإسلامية في تونس أنها لن تمس مكتسبات المرأة التي تحققت على عهد النظام السابق . 2- هل ستحصل تغيرات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي في منظومة القيم المتعلقة بالسلطة الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحصل تغيرات جوهرية في ضوء الحراك الشعبي الواسع والخلاص من رأس النظام وبعض أعوانه في أكثر من دولة عربية؟ لحد الساعة ، وبعد مرور سنة عن اندلاع ثورة الربيع العربي ، لم تستقر الأوضاع بشكل نهائي في الدول التي سقطت أنظمتها السياسية .الأمر الذي لا يسمح برصد الاتجاه العام الذي تسير نحوه المجتمعات المعنية . لكن هناك مؤشرات سلبية تم رصدها ، وقد تتحول إلى ظاهرة إذا لم تتصد لها كل القوى الحية . ومن هذه المؤشرات السلبية استغلال هامش الحرية الذي فتحته الثورة من طرف التيار السلفي ، خاصة في تونس ، حيث تم الاعتداء على صحافيين ومفكرين ، كما تم احتلال الجامعة وإغلاقها في وجه الطلبة لما يزيد عن الشهر لفرض النقاب على إدارة الجامعة . بل استغل السلفيون ضعف الدولة التونسية ليروجوا للفتاوى الشاذة التي ستعصف بكل المكتسبات التي راكمتها المرأة التونسية في مجال الأحوال الشخصية . وكان أخطر هذه الفتاوى ما روجه الداعية السلفي المصري وجدي أبو غنيم في موضوع زواج القاصرات وختان الفتيات . فالمجتمع التونسي لم يعرف ظاهرة ختان الإناث ، وهاهو التيار السلفي يستغل المساجد لنشر هذه الآفة التي هي انتهاك مقيت لحقوق الإناث . وفي محاولة للتصدي لهذه الفتاوى حذرت وزارة الصحة التونسية ٬ من مثل هذا العمل٬ ودعت المواطنين إلى "رفضها وإدانتها" ، مؤكدة أن "عمليات بتر الأعضاء التناسلية للإناث هي ممارسات مدانة ولا تمت بصلة إلى ثقافة وعادات تونس". وأوضح بيان الوزارة أن " بتر أنسجة الأعضاء التناسلية العادية والسليمة للأنثى يعوق الوظائف الطبيعية للجسم علاوة على تسببه في مضاعفات فورية أو دائمة على صحة النساء". واستندت الوزارة في تحذيرها من خطورة الفتوى إلى تبني عدة "منظمات دولية من بينها منظمة الصحة العالمية واليونسكو واليونيسيف٬ سنة 2008 ٬ موقفا مشتركا في هذا الشأن٬ حيث اعتبرت ختان الإناث يشكل انتهاكا لحقوق البنات والنساء٬ وليس له أي فائدة على صحة المرأة ." إن التونسيين كانوا يتطلعون إلى الحرية والكرامة ومحاربة الاستبداد ؛ ولم يكن في حسبانهم هذا النوع من الانفلات الروحي الذي يتهدد وحدة المجتمع وصحة النساء وكرامتهن . إن هذا المسار الذي يدفع إليه التيار السلفي هو ردة حضارية تتهدد قيم المجتمع وحقوق الإنسان ، وعلى رأسها حقوق المرأة ووضعها الاجتماعي الذي تسعى للرقي به وتحريره من سلطة الذكورة وقيمها . 3- ما هو الأسلوب الأمثل لنضال المرأة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تلك الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية السياسية إلى الحكم؟ إن المرأة في العالم العربي تعاني من استلاب ثقافي خطير تحتاج إلى أن تحرر نفسها من هذا الاستلاب كشرط لضمان انخراط فعال لها في الحياة السياسية والاجتماعية . فالمرأة ، في الغالب الأعم ، لازالت ضحية ثقافة ذكورية متسلطة تجرد المرأة من إنسانيتها وتكرس دونيتها . بل المرأة نفسها تمارس القهر والدونية في حق نفسها وغيرها من الإناث على مستويات عديدة بما فيها المستويات السياسية ، خاصة في مجال الترشيح والتصويت . فالمرأة تمثل نصف الكتلة الناخبة ، لكنها لم تتحرر بعد من تبعيتها للرجل كما لم تستقل بعد بقرارها السياسي لتختار بحرية الجهة التي تصوت لصالحها ، ويكون تصويتها نابعا من قناعتها بأهمية البرنامج الانتخابي وما يعد بتحقيقه للنساء من حقوق وكرامة ومساواة . ولا يمكن للمرأة أن تكون لها مشاركة فعالة وإيجابية في الحياة السياسية إلا إذا تحررت هي نفسها من نفسها التي تعيد إنتاج ثقافة البداوة والدونية والشيطنة . ولحسن الحظ أن النساء في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة أدركن حجم المخاطر التي تتهدد حقوقهن من طرف التيارات الدينية . وهذا من شأنه أن ينشر الوعي بين النساء بضرورة الانخراط في النضال الجدي من أجل تصحين الحقوق المكتسبة وانتزاع أخرى . إن المشكل الحقيقي في العالم العربي يكمن في ثقافة الاستبداد التي تستبطنها الشخصية العربية وتصير هي الموجه الرئيسي لتفكير وسلوك هذه الشخصية . فالمرأة تفقد الثقة في نفسها وفي مثيلاتها إذا هن ترشحن لتحمل مسئوليات سياسية ، فلا تزكيهن وتصوت على الذكور . في هذه الحالة تكرس المرأة تبعيتها للرجل وتستمرئ وصايته عليها . 4- تدعي الأحزاب الإسلامية السياسية بأنها تطرح إسلاماً ليبرالياً جديداً وحديثاً يتناسب مع فكرة الدولة المدنية. هل ترى-ين أي احتمال للتفاؤل بإمكانية شمول حقوق وحريات المرأة ضمن البرنامج السياسي الإصلاحي الاحتمالي لقوى الإسلام السياسي, وهي التي تحمل شعار "الإسلام هو الحل"؟ إن السلطة تمثل مجالا لصراع المصالح والمواقع ، ولا يمكن الرهان على أحزاب لا تحمل قناعات حقيقية بقيم وثقافة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا . والوضع يكون أخطر في حالة فوز الأحزاب الإسلامية المتشددة . لكن ما يحمل على بعض التفاؤل هما عاملان اثنان : أولهما استمرار اليقظة الشعبية واستعدادها للثورة ضد أي حكومة أو نظام لا يحترم حقوق الإنسان . وما تعرفه تونس من حركات احتجاجية نسائية وحقوقية برهان على هذه اليقظة . العامل الثاني يتمثل في الضغوط الدولية التي يمكن أن تمارس ضد الأنظمة التي جاءت بها الثورات إلى الحكم إذا هي لم تحترم تعهداتها وعلى رأسها احترام حقوق الإنسان ، وحقوق النساء جزء لا يتجزأ منها . فالثورة على النظام السياسي المستبد لا تؤدي بالضرورة إلى قيام نظام أكثر ديمقراطية وانفتاحا على قيم العصر . وأمامنا نظام الملالي في إيران الذي هو أكثر استبدادا من نظام الشاه . وكذلك الحال بالنسبة لباقي الأنظمة التي ادعت القومية والاشتراكية فحكمت الناس بقوة الحديد والنار ولا زالت بقاياها تمارس التقتيل اليومي في أبشع صوره . وبالقدر الذي تكون فيه هيئات المجتمع المدني منظمة ونشطة ، ستفرض على الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى السلطة أن تحترم حقوق الإنسان وتضمن حقوق المرأة . فالمجتمعات العربية مجتمعات حديثة العهد بثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ، وهي على استعداد للتراجع عن الحقوق النسبية التي تحققت للمرأة ؛لأن من صلب ثقافة المجتمع الموروثة ، قيم الذكورة وثقافتها ، ولا يمكن اجتثاثها بسهولة . فقد تشكلت ذهنية المواطنين وفق موروث ثقافي يتغذى على قيم الذكورة التي تجعل المرأة هي المجال الأمثل لقياس الذكورة وممارستها والشعور بها . وكلما وجد الذكور سبيلا لإخضاع المرأة فلن يترددوا في الاستعانة بالموروث الثقافي بما فيه الاجتهادات الدينية الذكورية لتحصين مواقعهم وشرعنة اضطهاد النساء وتبخسيهن . ولا فرق في هذا بين الإنسان البسيط والمشايخ حماة فقه البداوة وحملته . وما تعرفه تونس من جدال حاد حول فتاوى وجدي غنيم والحفاوة التي استقبله بها السلفيون وعموم المواطنين حتى ضاقت المساجد بما رحبت من شدة الازدحام والتطلع إلى الاغتراف من فقه البداوة الذي يكتنزه ويروجه هذا الشيخ الذي وعده التيار السلفي بأن يضمن له الإقامة الدائمة في تونس ، ما تعرفه تونس هو دليل قاطع على الاستعداد "الفطري" لدى المواطنين للانقلاب على قيم الحداثة وثقافة حقوق الإنسان . 5. ما هو الدور الذي يمكن أن يمارسه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط على المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها؟ ليس يسيرا أن تقتلع ثقافة التسلط من نفوس الذكور بمجرد تشريع قوانين أو بث ندوات على الهواء . إن المسألة جد معقدة ، وتقتضي سلسلة من الإجراءات والتدابير ، بعضها آني والآخر متوسط المدى ثم بعيده . بخصوص الإجراءات الآنية ، يتوجب التنصيص في الدستور على مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في الوصول إلى مراكز القرار حزبيا ، جمعويا ، برلمانيا وفي كل المجالات . فلا مجال يبقى حكرا على الذكور . فضلا عن هذا ينبغي وضع قوانين تنظيمية تضمن وصول النساء ، في مرحلة انتقالية، بنسب معينة لا تقل عن الثلث ، إلى البرلمان والمجالس المنتخبة . وهذا ما يسمى بالتمييز الإيجابي حتى يعتاد المجتمع على تواجد المرأة في مواقع تدبير الشأن العام ويلمس فاعليتها ؛ مما يساعد على محو النظر السلبية التي لصقت بالمرأة باعتبارها ناقصة عقل وعاطفية . فضلا عن هذا ، يتوجب وضع برامج تربوية وتعليمية وإعلامية تعيد تربية المواطنين ، نساء ورجالا ، على قيم وثقافة حقوق الإنسان . كما يتطلب الأمر انخراط المؤسسات الدينية في إشاعة ثقافة دينية متجددة ومنفتحة على قيم العصر حتى لا يشعر المواطن بالغربة في دينه أو بالخوف على إيمانه .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب العدالة والتنمية من معارضة الحكومة إلى رئاستها .
-
ثورة تأكل الثورة والتاريخ والمستقبل
-
حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية
-
حوار مع شيخ متطرف (9)
-
حوار مع شيخ متطرف (8)
-
سعي الأقليات إلى إقامة كيان سياسي خاص طلب للكرامة و الحرية و
...
-
منذ متى كان الإسلاميون يناصرون حقوق النساء ؟ !!
-
مطالب الفبرايريين وعقائد العدليين .
-
مستويات الصراع السياسي في المغرب .
-
حوار مع شيخ متطرف(7)
-
حوار مع شيخ تكفيري (6)
-
حوار مع شيخ متطرف(5)
-
حوار مع شيخ تكفيري متعطش إلى الدماء(4)
-
حوار مع شيخ متطرف (3)
-
متى يمنع المغرب مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد ؟؟
-
حوار مع شيخ تكفيري متطرف (2)
-
حوار مع شيخ متطرف (1)
-
خطاب العرش والتغيير في إطار الاستمرارية .
-
إستراتيجية جماعة العدل والإحسان واحدة بتكتيكات متعددة
-
دستور مغربي يحافظ على التوازنات السياسية .
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
آفاق المرأة، والحركة النسائية، بعد الثورات العربية، بمناسبة
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|