|
رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 11:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فجأة وبدون سابق انذار.. دخلت اللغة العربية كلمة جديدة، وغريبة، هي »الكويز«. والأغرب أنها انتشرت انتشار النار في الهشيم بين عشية وضحاها، وأصبحت تتردد علي كل لسان. والأكثر إثارة للدهشة أن حكومة الدكتور أحمد نظيف سبقت مجمع اللغة العربية في التعامل مع هذه الكلمة المستحدثة، وأحاطتها بهالة من المعاني المصاحبة لها وهي كلها معان وردية ومتفائلة، تبشر المصريين بأن هذه »الكويز« ستحل مشاكل الاقتصاد المصري، وستنقذ صناعة الغزل والنسيج، وستحافظ علي فتح مئات الآلاف من بيوت العمال المهددة بالإغلاق بالضبة والمفتاح، وستؤدي إلي فتح بوابة ذهبية لدخول الصادرات المصرية إلي الأسواق الأمريكية العملاقة، ونافذة فضية لدخول الاستثمارات الأجنبية إلي مصر. أما »أم الغرائب« فهي أن الحكومة تذكرت كل هذه المزايا، التي يسيل لها اللعاب، فجأة، رغم أنها هي نفسها - أعني حكومة الحزب الوطني - هي التي ظلت ترفض التعاطي مع نفس الكلمة أو إبرام أي اتفاق يحمل اسمها منذ عام 1996. ولم تعترف حكومة نظيف بوجود شيء اسمه »الكويز« إلا بعد إعلان وزير إسرائيلي أن الاتفاق قد تم التوصل إليه وأنه سيتم توقيعه في القاهرة يوم 14 ديسمبر. بعدها فقط.. بدأت المصادر الرسمية المصرية تتحدث عن »الكويز«. وهذه الكلمة الغريبة، وثقيلة النطق والظل، تتكون كما هو معروف من الاحرف الثلاثة الأولي من الكلمات الانجليزية Qualified Industrial Zones أي المناطق الصناعية المؤهلة وهي مناطق تحددها الاطراف الثلاثة، أي أمريكا وإسرائيل ومصر ويتم اعفاء الصادرات المصرية التي يتم تصنيعها داخلها من الجمارك في الولايات المتحدة الأمريكية بشرط أن تتضمن 7.11% من المكونات الاسرائيلية. هذا الاتفاق.. أثار موجة من الجدل الساخن بين أنصاره وخصومه.. وهذا طبيعي وصحي. وقد حضرت ندوات ولقاءات كثيرة حول هذه المسألة وكان من أفضلها - من وجهة نظري - تلك المناقشة الذي تمت في »صالون دريم«، حيث قام رجل الأعمال المعروف حسين صبور باستضافة اثنين من كبار رجال الأعمال المؤيدين للكويز، هما الاستاذ عادل العزبي نائب رئيس غرفة صناعات الغزل والنسيج والاستاذ طارق توفيق نائب رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية، كما استضاف كاتب هذه السطور مع علمه المسبق بموقفه المعارض للاتفاقية شكلا وموضوعا، سياسيا واقتصاديا علي حد سواء. وعلي مدار ساعة ونصف الساعة دار حوار متحضر وديموقراطي وجدل بالغ السخونة، والتهذيب في نفس الوقت، بين حجج معارضة هذه الاتفاقية سياسيا واقتصاديا وبين مبررات قبولها لدي مؤيديها. وأذيعت الحلقة، وأعيدت اذاعتها مرتين بعد ذلك علي قناة دريم دون حذف أو تدخل أو رقابة. وتلقيت اتصالات كثيرة جدا من شخصيات عامة ومن مواطنين بسطاء يعلقون علي هذا الحوار الحر وعلي جوانب كان يكتنفها الغموض وأضاءها النقاش الديموقراطي. باختصار. كان الجميع رابحين.. وأولهم المشاهد الذي أتيحت له الفرصة لمتابعة مقارعة الحجة بالحجة، بموضوعية، وهدوء، والتزام عفوي بآداب الحوار والحديث بعيدا عن الغوغائية واتهامات التخوين والتلويث. ويعود الفضل في ذلك ــ أولا ــ الي المهندس حسين صبور، صاحب »الصالون« الذي أدار النقاش بنزاهة ودون محاولة التدخل لاغتيال الأفكار التي لا تأتي علي هواه وهو أداء محترم ارجو ان يتعلم منه المذيعون الشبان. ويعود الفضل ــ ثانيا ــ الي قناة »دريم« التي اذاعت الحلقة دون تدخل ودون رقابة. ويعود الفضل ــ ثالثا ــ الي جو الصراحة الذي ساد »الصالون«، دون محاولة لتبويس اللحي أو كنس الخلافات تحت السجادة أو التواطؤ لتحقيق تقارب وهمي، وكذلك دون عصبية أو تجاوز لاحترام الآخر مهما كان مختلفا. ربما تبدو كل الملحوظات السابقة »بديهية«، لكنها ليست كذلك للأسف الشديد اذا، ما لاحظنا كمية الابتذال التي اصبحت تميز البرامج الحوارية »اذا وجدت«، والتي اصبحت تنافس حلقات الملاكمة أو حلبات مصارعة الثيران في تجاوزها لكل القواعد والأصول المتحضرة والرشيدة. كما أن الاحتفاء بهذه السمات التي أشرنا اليها يزداد الحاحا في الناحية الاخري ايضا، أي عندما يتم اغتيال مبدأ الحوار الديموقراطي نفسه، واستئصال وجهة نظر معينة لا تروق لمقدم البرنامج. وليس هذا افتراضا نظريا، بل هو واقع حدث بالفعل، ومع كاتب هذه السطور تحديدا، وعلي شاشة القناة الأولي للتليفزيون المصري، عندما استضافني الزميل الاستاذ عصام رفعت رئيس تحرير مجلة »الأهرام الاقتصادي« في برنامجه »المنتدي الاقتصادي«. ثم فوجئت بحذف وجهة نظري تماما، بينما تم عرض وجهة النظر المعارضة التي تبناها مؤيدو »الكويز« دون حذف.. ومثل هذا السلوك الإعلامي لم يعد ملائما للتعامل مع أي قضية في عصر الثورة المعلوماتية، وما توفره من امكانات غير مسبوقة في الاتصال وتدفق المعلومات والأراء، وما تتطلبه من شفافية. واذا كان انصار »الكويز« واثقين معا من قوة حججهم وجهدت نظرهم.. فماذا يفيدهم اذا افسحوا المجال لسماع وجهة النظر المعاكسة سواء لتدعيم منطقهم أو لتصويبه وسد الثغرات التي يكشفها الرأي الآخر.. أو للتخلي عن توقعاتهم المغرقة في التفاؤل ــ كليا أو جزئيا ــ بعد أن يتعرفوا علي تعقيدات وتشابكات الصورة الشاملة؟! ولا بأس أن يتعلم الاعلاميون من رجل أعمال مثل حسين صبور قواعد الإعلام الحديث..
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
-
حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة
-
إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى
-
!الأعمى الإنجليزى .. والمبصرون العرب
-
الإعلام.. قاطرة الاستثمار
-
! الحكم فى نزاع -جالاوى- و -ديلى تلجراف- .. يديننا
-
مفارقة -مادونا- الأمريكية .. و-وفاء- المصرية
-
بوش وشارون .. أسوا أعداء الاستثمار فى العالم العربى
-
!درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
-
! الاقتصاد غير السياسى
-
! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
-
بيان شرم الشيخ.. الآخر
-
أبو عمار: حاصروه فى الجغرافيا .. فحاصرهم فى التاريخ
-
!الفنادق وشركات الطيران.. الرابح الوحيد في مؤتمر شرم الشيخ
-
نصــف أمـــريكا.. الآخــــر
-
شامبليون ونظريات محمود سعد وفاروق الفيشاوى
-
لماذا تخون الصحافة تقاليدها؟
-
!تكريم وزير .. تحت الكوبرى
-
العم - ســام - .. والخالة - ســـاميـة -
-
مـدافـع رمضان .. ومدافع بوش وشـارون
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|