|
دوافع السلوك المنحرف للشخصية غير النزيهة
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3648 - 2012 / 2 / 24 - 09:49
المحور:
المجتمع المدني
لا يوجد مجتمع خال من الفساد ، ولا توجد حكومة نظيفة من الفساد . في كل المجتمعات وفي كل الحكومات..الفساد موجود، والاختلاف في النسب ليس الا .هذا يعني أن الفساد في أحد أسبابه ، طبيعة بشرية ، فكما يوجد أشخاص مجبولون على النزاهة كذلك يوجد أشخاص مجبولون على الفساد،لكنهم قلّة مقارنة بالذين تصنعهم ظروف واحداث تخلخل المنظومات القيمية والضمير الأخلاقي.
ان الفساد يعد انحرافا ،والانحراف..هو كل تصرف يتجاوز القيم الاخلاقية والدينية التي يعتمدها المجتمع،ولهذا يكون شاذا،والشاذ بالمعنى الاحصائي ، يعني قلّة عدد الذين يمارسون هذا السلوك. ويعني في المعيار الاجتماعي، ان يكون متباينا نوعيا عن المعايير المقبولة. فبرغم أن السرقة في الليل كان يمارسها عدد من فقراء الريف زمن الاحتلال العثماني بسبب الفقر وقسوة السلطة وظلم الاقطاع،الا انها كانت تعدّ فعلا مشينا زمنئذ لدرجة أن الناس كانوا لا يعطون السارق زوجة. والحكم نفسه بخصوص الفساد اذ كان يعدّ ،بقيام الدولة العراقية، خزيا لأن مرتكبيه قلّه ولأنه يخرج عن المعايير الاجتماعية..ولهذا كان الناس يحتقرون من يقوم به وينبذونه. ونتيجة لهذه العقوبات الاجتماعية (احتقار الفاسد، ونبذه اجتماعيا..)، والعقوبات القانونية (السجن واسترداد المال المسروق)، فأن الفساد ظل حاله حال اية ظاهرة اجتماعية،لا تقربه الا قلّة تنتهك مبدأ الحلال والحرام فيما الكثرة المطلقة تعدّه خزيا. ان الحكومة والكتل السياسية والناس عموما يشكون من الفساد وكل يبحث عن اسبابه من منطلق تخصصه .وبوصفنا متخصصون في العلوم النفسية والاجتماعية،فان لدينا ما يشبه النظرية في تفسير ذلك،خلاصتها: (اذا زاد عدد الأفراد الذين يمارسون سلوكا منحرفا، وغضّ الآخرون الطرف عن أدانته اجتماعيا أو وجدوا له تبريرا، وتساهل القانون في محاسبة مرتكبيه..تحول الى ظاهرة ولم يعدّ انحرافا كما كان). ونظريتنا هذه تقوم على حيثيات اولاها.. ان العراقيين خضعوا الى تدريب على (التطبيع النفسي) للفساد من منتصف سبعينيات القرن الماضي..بدأ بأشخاص محسوبين على السلطة مارسوا الفساد علنا وشرعا..ثم تحولوا الى جماعات وشركات بين أصحاب اموال وبين اشخاص متنفذين في السلطة يؤمّنون لهم الحماية القانونية والأمنية. وثانيها.. ان الحروب والحصار، لثلاث وعشرين سنة متواصلة(1980-2003)، افقرت الناس واعوزتهم، لدرجة ان اساتذة الجامعة، الذين يحتلون المرتبة الرابعة بقمة الهرم الاجتماعي، تراجعوا اقتصاديا في التسعينيات الى المرتبة الخامسة والعشرين، واضطر عدد منهم الى بيع كتبه او العمل سائق اجره بسيارته الخاصة، فيما اضطر المعلمون والمدرسون الى بيع السجائر في (بسطيات) يشتري منهم المارّة في الشارع..بينهم طلبتهم!. وهذه الحيثية ترتبط بثالثتها.. المتمثلة بـ(انعدام العدالة الاجتماعية) في تباين حاد بين ثراء وترف خرافي لأقلّية وبين عوز أذلّ اعزّة واشقى اكثرية..فعمد قسم كبير منهم الى اعطاء ضميره الاخلاقي (اجازه) حين رأى رعاة القوم ينعمون فيما أطفالهم شاحبون وزوجاتهم تتحسر على ثوب جديد. تلك حيثيات عملت على اشاعة الفساد في زمن النظام السابق. وما حصل في 2003 هو ان التغيير اطاح بالنظام ولم يطح بالفساد.فضلا عن حقيقة ان الفساد يشيع حين يكون الوطن تحت احتلال..وأنه يشجع او يحمي من لديه استعداد للأنحراف. فحصل أن توسع في مؤسسات الدولة، أدى الى توليد انطباع لدى الناس هو ان الحكومة غير جادة في محاربة الفساد بعد هروب مسؤولين كبار نهبوا ملايين من الدولارات..تنعموا بها وترفهوا،وكان قبلهم ( الحواسم ) قد نطّوا بزانة الفرهود واشتروا ( الفلل) والشقق الفارهة في عواصم عربية ، وبنوا العمارات في بغداد ومدن عراقية،لم يساءلوا،وما أمروا بردّ أموال ومنهوبات الدولة لمؤسساتها،وكلا الحالين أشاعا شعورا نفسيا بالحيف لدى آخرين أطلقوا على أنفسهم اسم ( النوادم !). وتداول الناس وجود فساد وصفوه بـ (المشرعن) يمارس بأربع صيغ: الاولى: تخصيص رواتب ضخمة وامتيازات خيالية للرئاسات الثلاث والوزراء واعضاء البرلمان، بما فيها ايفادات لعواصم دول العالم..يرون لا ضرورة لها،وكان ينبغي ان تصرف على ما هو أوجب لفقراء ومعوزين ويتامى وارامل. والثانية:استحضار وعيهم الجمعي لغياب القدوة النزيهة المتعففة على صعيد السلطة والأنموذج المقارب لشخص عبد الكريم قاسم..لتقتدي الرعية بسلوك رعاتها. والثالثة: ما نشرته التقارير بوجود اثني عشر الف عنصر حماية موزعين على اعضاء مجلس النواب والمسؤولين في الحكومة وبمعدل (30) عنصرا لكل مسؤول، نصفهم اسماء وهمية او في اجازة طويلة. واستغلال بعض المسؤولين التخصيص المالي المخصص لعناصر الحمايات لحساباتهم الشخصية، اي انهم يضعون اسماء وهمية لاشخاص غير موجودين على ارض الواقع بهدف الاستفادة من تلك الموارد المالية مما يعدّ وجها من اوجه الفساد المالي والاداري، وهذه ايدتها تقارير صادرة من مؤسسات تعنى بالنزاهة والشفافية. والرابعة: اعتقاد المواطن ان المحاصصة ادت بالحكومة الى التعامل مع قضايا الناس والبلد وفقا لمصالح اطرافها، وانها صارت تسعى لخدمة كتلها السياسية اولا ومصالحها المادية تحديدا، وتتخذ قرارات (ترضيه)..جوهرها فساد مشرعن، ابرزها تشكيل حكومة من (42) وزيرا،لا شغل حقيقي لنصفهم سوى اخذ رواتب ومكافئات ضخمة من المال العام. ان لهذه الأحداث التي يميل الانسان الى تضخيمها في اوقات الأزمات،وما قبلها من تراكمات، فعلها السيكولوجي في انحراف السلوك لدى بعض الأفراد .ففي داخل كل انسان (منظومة قيم) هي التي تحدد اهدافه وتوجّه سلوكه،وأي خلل يصيب هذه المنظومة يؤدي الى انحراف في السلوك .والذي حصل ان المجتمع العراقي تعرّض في الثلاثين سنة الأخيرة الى ضربات موجعة استهدفت منظومته القيمية وتهرئة نسيجه الأخلاقي نجم عنها تخلخل اضعف مبدأ الحلال والحرام عند بعض المسؤولين.ومع انهم قلّة،بالمعنى الاحصائي مقارنة بمن ظلت منظوماتهم أقوى،فانهم بالمعنى الاعتباري بدو وكأنهم يشكلون فئة كبيرة بين الموظفين..اضعف لديهم (الضمير الوظيفي)لسببين نفسيين،الأول:ان هؤلاء يتملكهم قلق المستقبل وأنهم يعدّون وجودهم في المركز الوظيفي فرصة عليهم ان يستغلوها فيدفعهم (تطيرهم) الى التجاوز على المال العام.والثاني: ان ظاهرة خطيرة تسود مجتمعنا الآن هي الجشع والاستهلاك المتعي .وفي هذا يقول فرويد ان الشخص الذي لا يهمه الا التملك والكسب هو شخص مريض نفسيا ومصاب بالعصاب ..ولك ان تلحظ شيوع هستيريا الشراء والتملك لاسيما بين اصحاب الوظائف العليا ومحدثي النعمة.
وازاء وضع كهذا فان الهدف الأول للدولة والناس وهيئة النزاهة ان تحمي المنظومة القيمية الأصيلة للمجتمع العراقي،وذلك بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين تبدأ بمحاكمة كبار الفاسدين علنا عبر وسائل الاعلام..فبها نحي الضمير الأخلاقي والوظيفي لدى من عملت الضغوط على اضعافه ونقطع الطريق على من يفكر في الانحراف عن جادة النزاهة.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألف ليلة وليلة..في منهاج دراسي!
-
الزيارات المليونية..تساؤلات مشروعة عن التهديد والوعيد
-
ثقافة نفسية(56): حذار من الحبوب المنوّمة!
-
العراقيون والاكتئاب الوطني!
-
المخدرات..تداركوها قبل حلول الكارثة
-
الزيارات المليونية..في قراءة نفسية - سياسية
-
السياسيون..وسيكولوجيا الضحية والجلاّد
-
ثقافة نفسية(50): الضمائر غير الصحية نفسيا
-
ثقافة نفسية(49): هكذا تفعل خبرات الطفولة
-
ثورة الحسين..المشترك بين العلمانيين والاسلام السياسي!
-
تأجير محبس!
-
التناقض بين الفكر والسلوك في الاسلام السياسي
-
ثورات العرب..وربيع الاسلام السياسي
-
العرب ..وسيكولوجيا الانتقام
-
أفعى الفساد
-
ثورات العرب..والاسلام السياسي
-
نفاق المثقفين
-
الكليات الأهلية..وضمان الجودة
-
انتحار..دموع!
-
مشهد مقتل القذافي ..وسيكولوجيا الانتقام
المزيد.....
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|