|
أنين الأم و صيانة الفكر البشري....
الهام لطيفي
الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 16:21
المحور:
حقوق الانسان
بمناسبة 21 فبراير اليوم العالمي للغة الأم يعرف الانسان بالحيوان الناطق بالتعريف المنطقي ويتميز بهذه الصفة عن جميع الکائنات بحيث أن النطق هو الفصل الاول التي يميز الانسان عن سائر الموجودات؛ و النطق هنا يعني الفکر بمعني أن الانسان هو حيوان مفکر ولکن النطق بالمعني اللغوي العربي هو ما تتواتربه بالحروف في سياق اللغة و هنا نستطيع القول ان اللغة اي ما يتميز بها الانسان من الحیوان لها وجه عام وشراکة خاصة بفصل النطق بمعني الفکر ,اذن من هنا نري العلاقة بين اللغة والفکر هي علاقة تفاعل وتکامل ؛ حيثما تناقل الکثير من الفلاسفة واللسانيون علاقة اللغة والفکر و تاثيرهما علي البعض فمن خلال هذا المقال سوف اتطرق الي علاقتهما الوثيقة وتاثيرها في حياة البشر والعوامل الموثرة في تکوينها وتحولها . في البداية نستطيع القول انما اللغة سواءا من أنها وسيلة التواصل بين أفراد المجتمع ونقل الأفكار، تجعل عملية التفكير ممكنة بتنظيمها للواقع بمختلف تجلياته ومعطياته فهي التي تنقل وتخرج ما حملناه من ثقافة وتاريخ من طيات ذاتنا وافکارنا کما هي التي تحک رموز هذه ألافکارعلي الحجر وعلي الخشب والحديد لتخلدها في ذاکرة التاريخ وهي التي تصب ما في داخلنا من فکر في مصا ريع الأبيات الشعرية ليتناقلها الجميع لتکن مقروءه ومسموعة لهم ولتسهل فهمهم لما نتفرد به من ثقافة وفي النهاية هي التي تعکس صورنا الذهنية المنطبعة في افکارنا علي مرآة القراءة ومن ثم ذلک تقوم بنشرها حتى تصون هويتنا ورمز بقائنا. ومن جهة ثانية تعرّف لغة الأم عادة بأنها اللغة التي يتكلمها الطفل دون تعليم رسمي وبشكل طبيعي في الوسط العائلي فاذن هذه اللغة التي نتمتم بها حروفنا الاولی ونبحث من خلالها عن ابسط أسئلتنا ألفکرية في الطفولة ، و نعبّر بها عن أفكارنا الفردية وقد تکون هي العمود الذي يعتمد عليه كل إنسان في تكوين ذاته وطريقة تفکيره ، والذي يستند بها طوال حياته؛ وفی الواقع أ نين الأم أی الأوتار الأولي التي تتغنی بها الأم لترقد طفلها او يلعب ويطرب علي رنينها هي قد تکون أول خطوة لصيانة ثقافتنا و هويتنا التي تنتقل الي أجيال بيئتنا؛ اذن فهي المدرسة الأولي التي يتعلم بها الانسان أن يحترم تاريخه وثقافته وأن يحترم هويته و ذاته وما تحمله في طياتها من ثقافة وتراث وتاريخ،كما انها الحجر الأساس لتکوين شخصيتنا وفکرنا التي يکمن في اللاشعور منذ أول صورة صورنا ابها . فانها تعمل علي صياغة أول ملامح عقليتنا فنحن نتعلم الفکر عن طريق اللغة وتتسع دائرة أفکارنا بالتتبع من وسعة مخزون مفرداتنا ومدي تسلطنا علي لغة أمنا أي لغة الطفولة فإذن لغة الأم هي التي تنبت اول نواة الهوية الثقافية .و قد تکون هی الآلیة الآولی ليرتبط بها الفرد بالبيئة منذ وضع اول خطواته علي الارض حتي ان يستطيع ان يري ويفسر ما حولها حسب الفکر التي يرتبط بتلک اللغة . فاذا اعتبرنا اللغة هی الاساس فی صنع الافکار و هي التي تحددها دائرتها اذن حسب ما ذکر مسبقا علينا بتطوير ورعاية هذا العنصر الاساسي والمؤثر في الهوية من أجل صيانة مکنوننا الفکري والتاريخي وکلما نطمح بنقله دون الضياع من فکر وثقافة لأننا لا نستطيع أن ننتج من الأفكار إلا ما تسمح به لغتنا وبالا حري لغتنا الأولي اي لغة الأم التي نطقنا بها وتکونت افکارنا وطموحاتنا عليها. وبالتالي أريد ان أقول ليس بوسعنا أن نطمح لأكثر مما إن تسمح لنا اللغة ان نعبر بها فإن مستوى تطور اللغة يرسم حدودنا الفکرية حيثها تلف ماضينا والظروف التي عايشناها والتجارب التي مارسنها ضمن تلک الظروف ويا حبذا أن أشرت إلي رأي الدكتور طه حسين في كتابه " مستقبل الثقافة العربية " حول علاقة اللغة بالفكر " حيث يقول: (نحن نشعر بوجودنا وبحاجاتنا المختلفة وعواطفنا المتباينة ، وميولنا المتناقضة حين نفكر ، ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير ، ونحن لا نفكر في الهواء ولا نستطيع أن نفرض الأشياء على أنفسنا الا مصورة في هذه التي نقدرها ونديرها في رؤوسنا ونظهر منها للناس ما نريد ونحتفظ منها لأنفسنا بما نريد فنحن نفكر باللغة " إذن فاللغة ليست رموزا ولا مواصفات فنية وحسب ، ولكنها إلى جانب ذلك وفي الأساس منهج فكر وطريقة نظر وأسلوب تصور ، هي رؤية متكاملة تمدها خبرة حضارية متفردة ويرفدها تكوين نفسي مميز ، فالذي يتكلم لغة هو في واقع الأمر يفكر بها ، فهي تحمل في كيانها تجارب أهلها وخبرتهم وحكمتهم وبصيرتهم وفلسفتهم ) فوفقا علي ذلک فإذا أردنا أن نهتم بنقل هذا المخزون الثقافي التي يقع علي اکتاف لغة الأم منذ السنين الاولي في الحياة فعلينا أن نتجنب الازدواجية اللغوية والتي قد تکون العامل الأساسي في ازدواجية العقلية والشخصية وان نحرص علي تعليم أطفالنا ومجتمعاتنا لغة الأم واعتمادها کلغة الأساس من حيث إنها هي النواة الرئيسية في تکويننا الفکري والثقافي فمن اجل الحفاظ علي هويتنا، علي ثقافتنا وکنونيتنا وطموحاتنا المتميزة عن الجميع علينا أن نؤمها في اللغات لنسلک ونحافظ علي مناهجنا الفکرية وکلما نطمح به أن يخلد في ذاکرة التاريخ وان يترعرع و ينمو ضمن المناهج الفکربة والثقافية. وفي نهاية هذا المقال وبالمناسبة اود ان اشير الي احصائية اللغات الحية في العالم التي ادلي بها المدير العام لليونسکو السيد كويشيرو ماتسورا، بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم، في رسالة إلى الأسرة الدولية وهي ان قد بات أكثر من 50% من 6000 لغة المستخدمة في العالم والتي تعتبر وسائل لنقل الذاكرة الجماعية والتراث غير المادي مهددة بالاندثار. و96% من هذه اللغات لا يستخدمها سوى 4% من سكان العالم. كما يقل عدد اللغات المستخدمة في المدرسة عن ربع مجموع اللغات الموجودة في العالم، وأغلبيتها لا تستخدم إلا بصورة متفرقة. أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم والملك العام فلا يزيد عددها على بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مائة لغة.
فمعا معا للحفاظ علي لغة الأم وصيانتها من الاندثار! اشاره منقولة عن موقع الیونسکو: يستند نهج اليونسكو في مجال التعليم واللغات في القرن الحادي والعشرين إلى ثلاثة مبادئ هي: التعليم باللغة الأم كوسيلة للنهوض بالاستيعاب وتحسين نوعية التعليم عن طريق الاستفادة من معارف وخبرات الدارسين والمعلمين. وتؤيد اليونسكو نتائج الدراسات التي تدل على أن تدريس اللغة الأم يمثل عاملاً رئيسياً في برامج محو الأمية والتعلم. التعليم بلغتين و/ أو بعدة لغات على كل مستويات التعليم كوسيلة للنهوض بالمساواة والتعبير عن تنوع اللغات في شتى المجتمعات، بما فيها البيئات المتعلمة، ووسائل الإعلام، والمجال السيبرني. ويتمثل الهدف الأساسي في تشجيع استخدام ثلاث لغات على الأقل في التعليم في سياقات التعدد اللغوي.دعم تعليم اللغات باعتبارها جزءاً أساسياً من التعليم المشترك بين الثقافات الرامي إلى تشجيع التفاهم بين مختلف الشعوب وضمان احترام الحقوق الأساسية.
#الهام_لطيفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللغة الرسمية؛ إتحاد أم إضطهاد ؟
-
المرأة الاهوازية والثورة الفکرية
-
المراءة الاهوازية والتقاليد في قرن الحادی والعشرين
المزيد.....
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
-
اتحاد جاليات فلسطين بأوروبا يرحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغال
...
-
الأمم المتحدة: نتائج التعداد بيانات عامة دون المساس بالخصوصي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي ينهي الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|