لطيف الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3646 - 2012 / 2 / 22 - 16:20
المحور:
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
غلبت على حكايات الشيوخ والعجائز الالمان المعادين للنازية طرفة ساخرة مفادها " ان العنصر الجرماني قدر الله له ان يكون اشقرا مثل هتلر , ورشيقا مثل كيرينغ وزير دفاع هتلر , وعيونه زرق مثل غوبلز وزير اعلام هتلر , كان هتلر اسود الشعر وكيرينغ ضخم الكرش وغوبلز اسود العينين , من كان يجرأ أن يقول ذلك, والشعوب تعيد كرتها ,فما ارتكب في تاريخ البشرية من ترهيب وعزل وتعذيب وتشويه وقتل ضد المعوقين, وجد ذروته في فترة الحكم النازي, الذى استخدم سلوكا لاانسانيا وحشيا بوسائط مختلفة من القتل المنظم , سواء بالغاز او بحقن السم او بالتجويع , واستخدم الاعلام ايضا للتحريض ضد الاطفال والنساء والشيوخ من المعوقين باعاتبارهم عالة على المجتمع " الارى النقي " وبشر من الدرجات الدنيا , غير منتج ,بل شره واكول , ووظف هتلرالعلماء والاطباء والفلاسفة لتبرير حملته هذه , بدا القتل المنهجي والمنظم للمعوقين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية , وحالما قفز هتلر الى السلطة , استمر في تشريع الانظمة التي تاخذ قوة القانون عبر البرلمان خلال الحقبة النازية في المانيا والاراضي المحتلة من قبل الجيش النازي , اضطهد فيها وعذب وقتل مئات الالاف من المعوقين وقد اصدر هتلروحزبه اوامره وشرعها نوابه اثناء حكمه , اولها تقليص عدد المدارس الخاصة بالمعوقين والضعفاء من التلاميذ واغلق منها ثمان مدارس في برلين , احدهما للصم والبكم واخري للعميان وثالثة للاعاقات العقلية , والمتبقية مدارس لضعفاء التلاميذ ما تسمى "مدارس المساعدة" والتي امتازات بها وبطرقها التربوية جمهورية فايمار قبل الحكم النازي . ان قناعات الايدولوجية النازية والتي تعكزت على الدارونية ظاهريا , اظهرت بقباحة بالغة ايماناتها "بالعنصر النقي " البقاء للاصلح " والتلوث الوراثي و عنصريتها للجنس الاري ;لقد اقتنع النازيون بفكرة تحسسين النسل الاصطناعي استنادا وسبقا لنظرية التطور الدارونية , لحاجتهم الماسة لعنصر بشري اكثر نقاء من المتوفر حاليا ,وحلا لهذا الاشكال عزل البشر الغير متطور ومنهم المعوقين , وصدرت سلسلة من القرارات بمنع المعوقين من الزواج وتخفيض المساعدات الاجتماعية والطبية التي اقرتها جمهورية فايمار . في عام 1933 وبدون اي حق قانوني طرح هتلر فكره وتصوراته اعلاه , وقد ساعدته كثيرا للوصول الى السلطة , وقد اكد في كتابه " كفاحي " وبكل وضوح موقفه ضد قوانين رعاية المعوقين , ومن هذا المنطلق , اعتبر هتلر بعد سيطرته على الحكم ان المدارس الخاصة بالمعوقين ومدارس مساعدة التلاميذ الضعفاء هي تهديد مباشر لكل مشاريعه القادمة , ليس هذا فحسب لقد حرضت الصحافة ضد المعوقين , فتصاعدة صيحات ونشرت مقالات وتحقيقات ضد مؤسسات المعوقين وشجب تقديم المساعدات لها واعتبرت هذه المساعدات مفاهيم انسانية مبالغ فيها تصل حد الغباء . عبر احد المستثمرين من اعضاء الحزب النازي عن موقفه في تقديم المساعدات من قبل الدولة للمعوقين قائلا " نحن لا ندفع اموالنا الى الاصحاء من ابناء الشعب , بل نضخها الى الى المشردين والمهملين والعواهر " . كان الاعتقاد السائد وما خلقته ماكنة الاعلام النازي
( التلاميذ الذين يحتاجون مساعدة عليهم توفيرها بانفسهم حتى لو توفر العمل في الاماكن القذرة ). فالغاء مدارس مساعدة التلاميذ الضعفاء والمعوقين لم يكن هو الهدف بل هو الوسيلة للوصول الى غاية اكثر اجراما وهو تمرير قرار " قتل المعوقين " او ما اطلق عليه " الموت الرحيم " . ففي قناعات الفكر النازي ان التربية ليست جديدة على الانسان ومن الممكن ان تورث ومممكن ايضا رعايتها والعناية بها مدى الحياة , فبمساعدة البيئة والمحيط يمكن ان تنمو وتتطور واعتقدوا ايضا ان المدارس المساعدة ومدارس اعادة المعوقين يمكن ان تتحول " بودقة لانصهار " الموروثات البيولوجية للاعاقات عندها يكمن اتخاذ كل الاجراءات اللازمة .
في عام 1933 في الرابع عشر من تموز شرع قانون يمكن المسؤول من " تسبيب العقم " و" اخصاء " كل من يعاني من مرض وراثي , ويشمل الامراض النفسية والاعاقة الجسدية , والاعاقة العقلية , شمل كل المعوقين , اضافة الى شريحة من الناس تدعى بالضعاف عقليا , ولعدم القدرة على التفريق بين الاغبياء من التلاميذ والضعاف عقليا ; شملت مدارس مساعدة التلاميذ الضعفاء في هذا القانون ايضا , اجريت عمليات " التعقيم " والاخصاء " في قاعات المستشفيات للتلاميذ في اعمار الرابعة عشر اجباريا حتى تراوحت النسب بارتفاع وانخفاض بين 20-68 % من تلاميذ مدارس المساعدة والمعوقين : في 1935الغيت مدارس مساعدة التلاميذ الضعفاء وتحولت الى مدارس نظامية لها طابعها الخاص لاتتبع الدروس النظامية ولها خططها التربوية الخاصة . 1938 صدر قانون التعليم العام وشمل المدارس الشعبية . لقد علل النازيون هذه الاجراءات بسبب الازمة المالية لكن هذا التعليل كان مبررا لما قادم من تحقيق اهدافهم الايدلوجية ضد البشر " الاقل قيمة " كما يطلقونها هم , بيحث اصبح الفصل بين المدارس النظامية ومدارس المعوقين موشرا على تخلف الطلاب المعوقين وعدم قدرتهم على مواكبة العنصر الاري النقي ودالة على "الموت الرحيم " والحكم على عدم قدرتهم في الاستمرار في الحياة , وبالفعل اصدر هتلر موافته على قتل احد الاطفال في عام 1939 واصدر اومره الى الاطباء لتنفيذ نفس الامر في الحالات المماثلة , وصدر امر سري من وزارة الداخلية في الحكومة النازية في 18 اب 1939 يطلب ( من الاطباء والممرضين والقابلات في جميع العيادات والمستشفيات الابلاغ فورا عن الولادات المشوهة وخاصة الاطفال المنغوليين وذو الاطراف المشوهة , وارسال المستندات والاوراق التي تثبت الاعاقة الى" اللجنة الوطنية لتسجيل العلمي" التي تشكلت من ثلاث علماء اطباء وتقوم هذه اللجنة بالتاشير على اوراق الولادات الحديثة بعلامة (سالب )تعني الموت , فينقل الطفل الى قسم معين في عديد من المستشفيات ويقتل الطفل هناك , اما بواسطة المورفين او رش بعض المواد الكيماوية عليه لاذابته او القتل جوعا , وسمي هذا القتل (بالموت الرحيم ) اما علامة (موجب) تعني الحياة , ذهب ضحية هذه الموت الرحيم 5000 طفل في عام 1939 .
قتل المعاقين والضعفاء لم يخترع من قبل النازين , بل استند الى مبدا ( ابادة من لا يستحق الحياة من الحياة )الذي تعود جذوره الى القرن الخامس عشر وحظى بمباركة الزعيم الديني الاصلاحي الكنيسي ( من اشهر الاهوتين عداء للمعوقين" مارتن لوثر نبي الالمان , يعتبر لوثر من الابطال الالمان رغم معادته للسامية , وارائه الاجتماعية العنصرية ضد المراءة والفلاحين والملحدين والاطفال المعوقين ,فليس بدون سبب يكيل هتلر له المديح ,في اوسط القرن الخامس عشر امر لوثر باغراق كل المعوقين بحجة انهم لا يستحقون رحمة الرب وانهم "(كتلة لحم متعفنة لا تستحق رحمة الله.) اعاد هتلر صياغة فكرته في القرن العشرين ولكن بصيغة قانون صدرمن مستشار الدولة الالمانية في ديسمبر 1931 تحت عنوان" الموت الرحيم" امر بتجوع وقتل كل المعوقين ) 1
الطفلة كرستا
في التاسع من شهر (أيار ) ماى من عام1935في مدينة فرانكفورت غرب ألمانيا ولدت الطفلة كرستا , جاءت الى عالمنا تحمل على أكتافها (متلازمة الداون) ( متلازمة الداون اكتشفها العالم الانكليزي جون لاندون هايدون داون 1866 تسمى سابقا الإعاقة المنغولية , المصاب بمثل هذه الإعاقة يحمل كرموسوما واحد ا أكثر من الإنسان العادي وبالضبط 47 كرموسوم بدلا من 46 كرموسوم .ينشطر الكر موسوم رقم 21 ثلاث مرات في خلية المصاب بمتلازمة الداون بدلا من مرتين في خلية الانسان العادي . بسبب هذه الزيادة في عدد الكر موسومات , تظهر ملامح اعاقة متلازمة الداون بارزة تميزجسد المصاب بالاعاقة عن الإنسان الغير مصاب وعن الإعاقات الأخرى , فمن مظاهر هذه الاعاقة الجسدية والعقلية تغيرات واضحة في تكوين الوجه والرأس والعيون , الأذان اضافة الى تضخم في اللسان , و تغيرات في الهيكل العظمي وخاصة في منطقة الحوض , عدى ذلك يتعرض الى مضاعفات أخرى في القلب والمعدة والأمعاء ,.يرافق ذلك تخلف عقلي تتفاوت درجاته من طفل الى اخر , يؤهل هولاء الاطفال في مدارس اعادة تاهيل المعوقين ويتم تطوير قدراتهم عبر طرق تربوية تعليمية خاصة أثبتت كفاءتها , وتعد لهم برامج متعددة لتأهيلهم اجتماعيا ).
في السنة الثالثة من عمر كرستا توفيت آمها ,فعاشت مع والدها والأخت الصغرى هلغا, كرس الأب جل اهتمامه للعناية بطفلتيه وتوفير احتياجاتهما , لكن حاجة كرستا للعناية الفائقة المستمرة ,دفع للبحث لها عن مكان في احد الأقسام الداخلية للأطفال المعوقين , لم يعد الأب قادرا على توفير لقمة العيش والعناية بكرستا . في الخامسة من عمرها نقلت الى دار العناية " شويرن" للتربية الخاصة في منطقة ناساوو. أسس هذا المصحح للإمراض العقلية عام 1850 كمدرسة لمساعدة الأطفال المعوقين في منطقة هسن.
في اواخر الثلاثينات تلك السنوات العجاف , بدأ الفكر النازي الألماني بمسك بالكثير من حبال السلطة المدنية والاجتماعية ., و في الزمن النازي استعمل مصح "شويرن " كمركز لتجميع الأطفال المعوقين وإرسالهم الى طاحونة القتل الجماعي للأطفال في "هادا مار" بالغاز أو التجويع أو مضاعفة جرعات الدواء العلاجية بحجة عدم القدرة على الحياة. راح الأب يسال باستمرار عن ابنته كرستا عن طريق الممرضات في المصح, ويرسل لها الرسائل والطرود البريدية والمواد الغذائية والألعاب . في عام 1942 مات الأب وأوكل رعاية كرستا إلى بعض أقرباه , وأصبح العم كارل هو المسئول الشرعي عن كرستا , قبل رحيله , كتب الأب رسالة إلى كرستا في عيد ميلادها الخامس .جاء فيها
" في عيد ميلادك اكتب لك بطاقة تهنئة وأرفق معها لعبة وجرافة رمل صغيرة و جردل لتمارسي لعبك المفضل في الرمل , أتمني لك أطيب الأوقات , رغبت أن أكون بجنك هذا اليوم , لم استطع أن ابعث لك الحلويات لصعوبة الحصول عليها . مع تحيات والدك "
كتب الى الممرضات القائمات على رعاية المصح ." ابعث طيا بعض الملابس الصيفية لاعتقادي أنكم تحتاجون إليها , الملابس القصيرة يمكن إعادة خياطتها أشكركم مقدما وأرجو أن تبعثوا لي بعض الأسطر عن حالة كرستا , استلمت صورة ابنتي وأنا شاكر لكم "
بعد مرور عدة أشهر على وفاة والدها رحلت كرستا الى معسكر ومحرقة "هادامار" .
منذ سبتمبر عام 1939 اصدر هتلر قراراته بقتل المعوقين والعجزة في المجتمع الألماني, وأطلق الفكر النازي أحكام الموت على كل إنسان معاق ضعيف باعتبار حياتهم لا قيمة لها , نفذت جرائم الموت الجماعي بعد صدور مثل هذا الأمر في أفران الغاز في معسكر هادامار . قتل الى نهاية الحرب ما يقارب 120.000 الى 140.000 جلهم من المعوقين إعداما بالغاز أو التسميم والتجويع
إصابة كرستا بمتلازمة الداون , أتاح الفرصة لأطباء النازية لإطلاق كذبة "المرض الموروث" الذي يؤسس و يشرعن لهم إطلاق موجات الطاعون الأسود لملاحقة الأطفال المعوقين وإدخالهم في سجلات خاصة تسهل ارتكاب جريمة القتل الجماعي بشكل وظيفي. في عام 1940 كتب أطباء هتلر إن مسببات إصابة كرستا بمتلازمة الداون تعود الى إصابة والدها بالكآبة والإحباط ومشكلة الكحول التي يعاني منها جدها , كما ادعى الأطباء كذبا إن متلازمة الداون هي إعاقة موروثة , واليوم يعلم الجميع بان لا سلوك العائلة الاجتماعي أو الأجداد يلعب دورا في ولادة طفل معاق بمتلازمة الداون . . أثناء قصف ألمانيا من قبل طائرات الحلفاء, تحولت المصحات والأقسام الداخلية الى مراكز استقبال للعوائل الهاربة من القصف , لذلك تردت حالة العناية بسكان المصحات , ولم يعد العاملين في هذه المصحات وقت كاف لكتابة تفصيلات عن حالة المرضى , فاستعاضوا بكتابة عبارة لازمة (لا يوجد تطور عقلي ) مما أعطى الحجة لقتل كرستا والكثير غيرها . في عام 1941ازداد عدد الوافدين من المعوقين الى معسكر هادامار حيث تم إعدامهم بإشكال مختلفة . جلبت كرستا قبل ان تبلغ الثامنة من عمرها الى طاحونة الموت مع ثلاثين من الأطفال المعوقين وقام احد الأطباء بإعطائهم جرعة دواء مضاعفة ماتوا جميعا على أثرها , أما تفصيل كيف حدث هذا لم يكتشف لحد هذه اللحظة , لتبرير مثل هذا القتل كتب الطبيب في شهادة الوفاة , في
( 22. 2 . 43 لم تشف إحدى المريضات بالتهاب الأمعاء فتوفيت مساء هذا اليوم ) .
قتل أثناء الحرب في معسكر هادامار فقط 15000 معوق بعضهم بالغاز أو مضاعفة جرعة الدواء أو التجويع .النازيون مارسوا نظرية تعتمد قانون الأقوياء , إما الضعفاء والمرضى والأقليات الاخري من البشر تطرد خارج حدود المجتمع . أطلقت النازية على المعوق اسم ( الآكل الذي لا ينفع ).
اصدر هتلر رسالة ضمنها أوامره بقتل كل مريض بمرض دائم وكل معوق ولتمويه مثل هذه الجريمة لم يتحدث هتلر عن الموت بل عن (الموت الرحيم ) وبهذا يمكن الناس من الإيمان بتبرير أخلاقي لمثل هذه الفعل الذي لا يكون إلا فرديا كما يعتقدون .
اثناء الحرب عبر العديد من التربوين عن ارائهم ومخاوفهم في اعفاء العديد من طلاب المدارس وسوقهم الى ساحات الحروب , مما يستدعي فتح مدارس جديدة لمساعدة هولاء واعادة تعليمهم لقد رباهم الفكر النازي على حب الوقفة العسكرية والسماع والعمل والطاعة .
المراجع
Erziehungsverhältnisse im Nationalsozialismus
Klaus Peter Horn – Jörg-W-Link
انظر مقالي
لطيف الحبيب - المعاقون في الاديان السماوية
www.ahewar.org/debat/show.art.asp? الحوار المتمدن - العدد: 3594 - 2012 / 1 / 1
#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟