|
بسالة الشعب السوري وصلت الى القمة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 23:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من يتابع ما يجري على الساحة السورية من كافة الجوانب، و بما تشهد من المعارك الحقيقية و التضحيات الضخام من قبل الشعب السوري، وهو يقاوم و يرد الصاع صاعين او اكثرعلى قسم من الجيش المعزول عن الشعب ، و سيصل الجميع لقناعة تامة بان هذا الشعب اثبت شجاعته المتميزة النادرة للقاصي و الداني، و التي لم يشهد التاريخ و العصر الجديد مثله من حيث الصمود و التصدي و المقاومة و ردع كل ما تستحدمه الدكتاتورية دون ان يرف لها الجفن، وهو يضحي بكل غالي و نفيس رغم الظروف الدولية غير المؤاتية او غير الداعمة له، و هو في اوج معنوياته و يناطح اعتى قوة عسكرية و قوات جرارة اخرى مجهزة بسلاح القوة الكبرى التي لاتزال تطرح حقوق الانسان و الدفاع عن الحرية عرض الحائط، دون ان تبالي بابسط القيم الانسانية ، كل ذلك من اجل مصالح و محاولة اعادة امجاد الماضي على حساب شعب اعزل . ومن المؤكد بان تلك القوى لم تستطع تحقيق اهدافها على حساب الشعب السوري لانها تتخبط في مكانها و لم تعيد النظر في كيفية التنقل لمرحلة مابعد انحطاط المعسكر الاشتراكي و اتباع الطرق و المناهج الواقعية الصحيحة التي يمكن ان تلائم الفكر و الفلسفة و العقيدة اليسارية الصحيحة، و لم تتمكن من الاستفادة من اخطاء الماضي، محاولة تصحيح الخطا بالخطا و لم تتمكن من الخروج من عقدة الهزيمة، لانها تتبع ما تفرض على من يحكم فيها من المصالح الضيقة التي تبعدبلده عن اليسارية و الاشتراكية الحقيقية التي من المفوض ان تُطبق فيها بعد الاعتبار من التجربة السابقة فيها . ان الشعب الذي اثبت جدارته في اصراره على نيل حريته رغم ما يعانيه على يد قوة عسكرية تسيطر عليها حلقة ضيقة من اقارب و حاشية الدكتاتور و حثالى حزبه ، فالتاريخ يسجل لهذا الشعب ابداعاته و بسالته في الدفاع و المقاومة و ما اقدم عليه لمواجهة القوة الغاشمة، و بقى صامدا امام من يقف وراء اطالة عمر الدكتاتورية، و هو ينتصب شامخا ، و هو يحسب لما يجب ان يصل اليه بعد النجاة و النصر المنتظر، و يسجل على الاخر و من وراءه و من يدعمه ما تقترفه ايديهم دون اي اعتبار لآمال و اماني و اهداف الشعب و ما ينتظره في الافق الانسانية التي تلوح من بعيد، مبشرة بالنصر على الطغاة . عندما اندلعت ثورات العصر و استهلت من التونس ، انها فاجئت القوى الطاغية، و رسخت مع نفسها الارضية المناسبة للوصول الى النتيجة الصحيحة بعد نضوج عوامل نجاح الثورات، و لم تتحضر تلك الانظمة الغشيمة لكيفية السيطرة على الاحتجاجات، و لم تاخذ وقتا طويلا، و نجحت في تونس و مصر بسرعة قياسية دون عائق كبير يذكر، اي الثورات فاجئت الانظمة، و هذا ما حفز الانظمة الاخرى التي خشيت وصول الثورات اليها و اخذت ما يمكنها من الحيطة و الحذر من اجل المقاومة والبقاء اكبر مدة ممكنة. لذا شاهدنا انها طالت في ليبيا شيئا ما نتيجة التحضيرات و التخطيطات التي رسمت كيفية المقاومة من قبل الحكام، و نجحت الثورات عند بكرة ابيها، و لم تتمكن الانظمة لاسباب كثيرة و اهمها العامل الخارجي القوي الحاسم الذي كان لصالح الثوار من ميل ميزان القوى لصالحه و بقت الى جانب الشعب الثائر ، و حسب ما فرضته المصالح الاستراتيجية للقوى الغربية الكبرى المؤثرة ، التي انتظرت طويلا لتتحين الفرص و تستغل ما تبرز لاسقاط النظام الليبي، كان لهم الدور المشهود، هذا اضافة الى التضحيات الضخام من قبل الشعب المعاني من ظلم هؤلاء. ما يحسب له و يضيف الاعتقاد الراسخ بشجاعة و بسالة الشعب السوري، هو استناده بشكل كبير و واضح على امكانيته و قدرته الذاتية بنسبة لا مثيل لها من قبل ، لا بل هناك من الاطراف العديدة التي تدعم النظام السوري و يساعده على دحر شعبه دون اي وجه للحق و الانسانية، و هذا ما يفرضه المصالح الاقليمية و جهات مختلفة و منها القوى الكبرى التي تعتبر ما يجري في سوريا و ما تحصل من النتيجة هي النقطة النهائية الحاسمة لتغيير المعالم السياسية في المنطقة بشكل جذري و شامل، وهو يدخل الى المعادلة نتيجة ما تفرضه عليه الصراعات السياسية في البلدان المهتمة بالثورة السورية، و التي تريد حسم امورها و تعيد حساباتها وفق ما يتعين عليهم في حال سقوط النظام السوري او بقاءه، اضافة الى الازمات الاقتصادية العالمية التي ابعدت ما يمكٌن التدخل الحازم من اجل انهاء الصراع بالسرعة المطلوبة على الساحة السورية ، كما حصل في ليبيا، على الرغم من موقف روسيا و الصين و ايران و جهات هامشية اخرى في المنطقة و العالم . ان لم تكن ايدي الدكتاتوريات في البلدان الاخرى مشرعة على اخرها في استخدام القوة الغشيمة التي تمتلكها ضد شعوبها، فان الدكتاتورية السورية لم تدخر جهدا في طغيانها و فاقت بشاعة مواجهتها لشعبها من كافة الجوانب اعتى الدكتاتوريات ، و اعادت امجاد حافظ الاسد في فعلته في حماة في الثمانينات بل اكثر و بيضت وجهه، و على العكس مما كان في الثورات التي حصلت من قبل ، هنا كبلت ايدي الشعب ، بينما استمرت المقاومة و استدامت الاحتجاجات في الثورات الاخرى مع زيادة الضغوطات على الانظمة، و هنا ايضا العكس. اليوم لم نشهد اي تحرك جدي من قبل المجتمع الدولي، و بقي مكتوف الايدي نتيجة تعنت القوتين العظميين روسيا و الصين ، و هنا شجعت تلك المواقف على ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، و اعتمد النظام على القوة المفرطة في الحل الامني، لا بل يستحصل النظام السوري باستمرار على المساعدات السخية من الناحية السياسية الاقتصادية العسكرية من داعميه ، و لم تبق هناك ساحة صراع داخلي بين جيش النظام و الشعب فقط، بل اصبح الشعب وحيدا امام القوى العسكرية المختلفة الداخلية و الخارجية . هذه الفروقات الكبيرة بين ثورة الشعب السوري و الشعوب الاخرى تثبت لنا مدى بسالة الشعب السوري و عزيمته و ارادته القوية الفريدة في نوعها، التي تفرض على البعيد قبل القريب الانحناء له قبل غيره، و حقا ان الاجيال ستذكر ما يحصل والشعب يسجل مجدا و رفعة راس و تاريخ ناصع بكل معنى الكلمة . و لا يمكن تقدير ما يقوم به هذا الشعب باي مقياس كان ، انه يستحق ان تسمى ثورته بثورة الثورات . و من جانب اخر هناك من يريد ان يستغل هذه الثورات لتطبيق اجندات يحضر لها منذ عقود دون ان يقرا المستجدات و ما تغير من الظروف العامة للشعب ، و هذا لا يعني اننا عندما نتمنى انتصار الثورة اننا مع من يقف من بعيد ينتظر النتيجة او يحاول ان يظهر بانه صاحب الامر الان لكي يتدخل في اخر الامر و بعد النصر ، و هناك من ينتهز الفرصة لتحقيق اغراض اخرى . كل ما مطلوب على هذا الشعب القاهر للظلام ان يستديم من مقاومته و يستمر في ثورته حتى بعد سقوط النظام لحين الوصول الى المبتغى، و من اجل ان يسجل بنفسه ما ينتظر منه لاحلال نظام جديد مناسب و ملائم للعصر و موازي للتضحيات التي قدمت من خلال هذه الثورة العظيمة ، و يجب ان يستفيد الشعب من الاخطاء التي ارتكبت في الدول الثائرة الاخرى من قبله ، و ان يتخطى الافرازات السلبية جراء الخلل من مجريات الثورة و سرعته دون تحضير دقيق مسبق، و جراء الخلل في التعامل مع المستجدات السريعة التي حدثت مرافقة مع عدم نضوج الارضيات المطلوبة و عدم تكامل الخطط المفروضة لنجاح اية ثورة كانت . و عليه يجب ان يضع الشعب السوري هذا التاخير في الوصول الى النصر العظيم و الخلاص من النظام العاتي، و عليهم ان يعملوا على ان يفيد طولمدة الثورة نتائجها و يعوضوا الواقع و الفترة فيما بعد من اجل ايجاد الحلول السريعة لما يعتريهم فيما بعد الثورة ، و ان يساعد ما تاخروا فيه في تحديد المسار الصحيح لتحقيق اهداف كافة مكونات الشعب دون استثناء، و الحؤول دون السقوط في بعض المستنقعات التي عرقلت الثورات السابقة او التي برزت بعدها، و عليهم ان يخططوا بدقة لما بعد السقوط منذ الان ، و يستثمروا اطالة فترة المخاض من اجل الحصول على الولادة الطبيعية للنظام الجديد الملائم، و لتكن ثورة شعبية بعيدة عن تدخل اي كان، و تكون نموذجا لسيطرة العقلانية عليها و تحديد مسيرتها و رسم القواعد و الاسس الرصينة لها، و حينئذ يمكن ان تتسم هذه الثورة بالنظافة الفريدة و التي يمكن ان يقتدي بها الاخرون .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من كان جزءا من المشكلة لا يستطيع حلها
-
اقليم كوردستان بحاجة الى دستور ديموقراطي
-
ثورات العصر بين تعامل الشرق و الغرب
-
هل يستحق الشعب الكوردي دولته المستقلة ؟
-
هل من تغيير فوري بعد الثورات ؟
-
مواجهة التحديات الانية على حساب الاستراتيجيات!!
-
مستقبل اليسار و مجريات الشرق الاوسط
-
هل يسقط النظام السوري ؟
-
دور القوى اليسارية والربيع العربي ..
-
بديل النظام السوري بعيدا عن المؤامرات
-
دولة كوردستان الديموقراطية - القضية و الحل -
-
هل تعترف امريكا بحق تقرير المصير للشعب الكوردي
-
ما المانع من خروج العراق من الوحل
-
يحق للمراة ان تقود الشعب و لا يسمح لها قيادة السيارة
-
تنبهوا للشوفينية الجديدة في بغداد ايها الاحرار
-
اسلامية ايران بين مرض الجوز و تسميم نهر سيروان
-
ليس الا تبادل للادوار بين تركيا و اسرائيل
-
فلتكن الثورة السورية مستقلة و لا ثقة باردوغان
-
سحابة صيف صفراء لتغطية نشر الدرع الصاروخي
-
هل تعتذر اسرائيل من الشعب الكوردي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|