|
المفاهيم والقيم الاخلاقية والمجتمعية العربية وافاق المستقبل
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 19:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في تناولي لهذا العنوان ، أرى ان من المفيد الاشارة إلى حالة الاخلاق العربية الاسلامية الراهنة كامتداد تاريخي بالمعنى الجزئي ، ولكن الجوهري في بعض الجوانب ، مع المفاهيم والقيم الاخلاقية والمجتمعية التي سادت في التاريخ القديم وتواصلت مع التاريخ الحديث والمعاصر . اما المسألة الاخرى في هذا التناول ، فهي تعود إلى الفجوة بين ما تضمنته –وما زالت- اللغة العربية من مفاهيم ومعاني احتوت على كثير من المبالغات اللفظية في المدح أو الذم أو الشجاعة أو التفاخر ، رغم ان الواقع المعاش سواء في التاريخ القديم أو اللحظة الراهنة يتناقض كليا أو جزئيا مع تلك المضامين والمعاني ، وذلك يعود –من وجهة نظري- إلى طبيعة التطور الاجتماعي والاقتصادي المشوه تاريخيا وراهنا من ناحية ، وبتأثير التراث الغيبي وضعف نمو وانتشار الرؤى التنويرية أو العقلانية أو الحداثية بحكم قوة التخلف واحتجاز التطور من ناحية ثانية ، بحيث أدى كل ذلك إلى انتاج وترسيخ علاقات اجتماعية وقيمية جاءت انعكاسا طبيعيا لبنية التخلف في الواقع الاجتماعي العربي ، وبالتالي فإننا نلاحظ استمرار سيادة أو هيمنة هذه العلاقات أو الاتجاهات القيمية في الثقافة العربية حتى اليوم عبر مجموعة من الاتجاهات القيمية يحددها د.حليم بركات كما يلي : 1. قيم القضاء والقدر وقيم الاختيار الحر . 2. الصراع بين القيم السلفية والقيم المستقبلية (في تعاملنا مع الحاضر هل نعود إلى الماضي ام نتوجه إلى المستقبل ..؟) . 3. قيم الإتباع أو التقليد والسلفية ، وقيم الابداع التي يقول عنها السلفيين أنها ليست من صفات الانسان بل من صفات الله وحده دون غيره ! . 4. قيم العقل وقيم القلب أو الصراع بين القيم العقلانية من منهجية وموضوعية وشك وبحث وتدقيق ، وبين القيم العاطفية من عفوية وبداهة وفطرة وايمان وارتجال ويقين . 5. قيم الامتثال والطاعة وصراعها مع قيم التمرد والتفرد والتحرر . 6. قيم الانفتاح على الآخر وقيم الانغلاق على الذات . 7. قيم احترام السلطة مقابل قيم التمرد عليها أو قيم التسليم بالأمر الواقع ، وقيم التغيير والرفض . نستنتج مما تقدم ، أن الاخلاق العربية لا تخرج عموما عن هذه الاتجاهات القيمية ، وهي اتجاهات مستمدة من انماط المعيشة البدوية والفلاحية والمدنية ،المرتبطة بدورها – حتى اللحظة الراهنة من القرن الحادي والعشرين - بمفاهيم واليات التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد التي يبدو ان تراكماتها قد وصلت اليوم الى حد القطع والانفجار حيث لم تعد الجماهير الشعبية العربية قادرة على تحمل المزيد من القهر والاستغلال والاستبداد والفقر والمعاناة ، فانفجرت – عبر الانتفاضات - في وجه انظمتها معلنة كسر كل حواجز الخوف من الانظمة الحاكمة واجهزتها القمعية ، بل ونجاحها في اسقاط رؤوس تلك الانظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبقية على جدول سيرورة الثورة العربية التي تفتقد- حتى الان - لكل من الرؤية والبديل الثوري القادر على استكمال وانجاز اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية، الامر الذي ادى الى فوز حركات الاسلام السياسي في تونس ومصر مؤذنا بافتتاح مشهد الاسلام السياسي لسنوات قادمة ، بما يعني اعادة انتاج مظاهر التبعية والتخلف والاستغلال والقهر والافقار والمعاناة باشكال جديدة في اوساط العمال والفلاحين الفقراء والشباب ، في مقابل استمرار تحكم الشرائح الطبقية الراسمالية الكومبرادورية والزراعية والعقارية والمالية والبيروقراطية المدنية والعسكرية بثروات ومقدرات وموارد المجتمع ، وبالتالي اعادة انتاج واحتدام عوامل الصراع الطبقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بما سيؤدي الى انتفاضات ثورية ضد انظمة الاسلام السياسي ( التي سيثبت عدم اختلافها عن الانظمة المخلوعة )، او سقوط الحركات الدينية بصورة ديمقراطية في الدورات الانتخابية التالية ، وهذا مشروط بتقدم وتطور وتوسع الاحزاب اليسارية والديمقراطية في اوساط الجماهير خلال المرحلة القادمة ، وبدون ذلك فان ازمة مجتمعاتنا العربية سيعاد انتاجها من جديد بصور اكثر تخلفا مما كان عليه الحال قبل الانتفاضات العربية ، خاصة وان أزمة مجتمعاتنا العربية، ومن ثم أزمة الأخلاق العربية الاسلامية ،هي ازمة تاريخية وراهنة ، تعود في جوهرها إلى أن بلداننا العربية عموماً – حتى اللحظة - لا تعيش زمناً حداثياً أو حضارياً، ولا تنتسب له جوهرياً، وذلك بسبب فقدانها، بحكم تبعيتها البنيوية، للبوصلة من جهة، وللأدوات الحداثية، الحضارية والمعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور المجتمعي العربي ومساره وعلاقته الجدلية بالحداثة والحضارة العالمية أو الإنسانية. فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين ، إلا أننا –في البلدان العربية- ما زلنا في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة، أو في زمان "ما قبل الرأسمالية" ، على الرغم من تغلغل العلاقات الرأسمالية( الرثة والمشوهة ) في بلادنا، والشواهد على ذلك كثيرة، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية، ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود الاجتماعي والاخلاقي والدور التاريخي الموضوعي للنهوض الحداثي وللثورة الوطنية الديمقراطية وللمشروع القومي التقدمي أو الذات العربية في وحدة شعوبها، ووحدة مسارها ومصيرها، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي ، والسبب في كل ذلك يتجلى عند رؤيتنا للفرق الزمني الذي يفصلنا كمجتمعات عربية عن شكل ومضمون مفاهيم الحداثة والنهضة والتنوير العقلاني والتقدم ، التي نشأت في اوروبا منذ اكثر من مائتي عام ، والسؤال هنا : ما هو -يا ترى- الفرق الزمني الذي يفصلنا اليوم في عصر العولمة ، وثورة العلم والاتصالات والمعلومات عن مفاهيم وقيم الحداثة والنهوض والثورة؟؟ ألسنا بحاجة الى ثورة شعبية تغييرية شاملة تقتلع الطبقات الاستغلالية من جذورها و تطال كل جوانب البنية المادية والمجتمعية العربية الكفيلة وحدها بازاحة التبعية وكل مفاهيم واليات وادوات الاستبداد والاستغلال والتخلف الاجتماعي والاخلاقي في بلادنا ؟.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الذكرى الأولى لانتفاضة 25 يناير ...
-
شعار -يهودية الدولة- بين غطرسة القوة والأسطورة التوراتية
-
معايدة إلى مواطنينا المسيحيين، أخواتي وإخواني ورفاقي وأصدقائ
...
-
حديث في راهن ومستقبل الانتفاضة واليسار العربي في مشهد الإسلا
...
-
في الذكرى الرابعة والستين لقرار التقسيم 181
-
قطاع غزة 1993 – 1948 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية
-
حول الثقافة ودور المثقف العضوي
-
هواجس المشهد العربي ما بعد الانتفاضات
-
وعد بلفور: قراءة سياسية تاريخية وراهنة
-
المجتمعات العربية وأكذوبة المجتمع المدني
-
حول سؤال ما الماركسية ودور قوى اليسار العربي في الانتفاضات ا
...
-
مرة ثانية : محاولة للإجابة على سؤال - هل انتهت الفلسفة؟-
-
مراحل تطور الرأسمالية ودور القوى الماركسية في الخروج من الاز
...
-
ضد الهبوط السياسي .. ومن أجل المستقبل .. على الرغم من ظلام ا
...
-
وجهة نظر حول : -استحقاق أيلول أو مشروع الاعتراف بالدولة الفل
...
-
رداً على تقرير -جيفري بالمر- الحقوق الثابتة لشعبنا الفلسطيني
...
-
أبو علي مصطفى في ذكراه العاشرة
-
وثائق المؤتمرات الوطنية للجبهة الشعبية : بوصلة رفاقنا للمرحل
...
-
المؤتمر الوطني السادس – تموز 2000 (7/7)
-
الوثيقتين، النظرية و التنظيمية ، الصادرتين عن المؤتمر الوطني
...
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|