سيدة عشتار بن علي
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 16:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ظاهرة الصراع ظاهرة متناهية الأبعاد ,ومتشابكة ,وثابتة في الوجود والتاريخ ,حيث تعود جذورها الى نشأة الإنسان الأوّل فالتّصادم والتّعارض بين طرفين أو أكثرامر حتمي, ذلك أنّ الاختلافات القيميّة والمصلحيّة تجعل الطّرفين أو المجموعة ينخرطون في مسيرة من الأفعال وردود الأفعال الهدف منها الانتصار في الصراع ,إذ أن كلّ طرف يعمل جاهدا على تعزيز مكاسبه على حساب الآخر باعتماد عدّة وسائل من بينها اعتماد العنف لأن مفهوم الصّراع أوسع من مفهوم العنف
هناك مقولة مفادها بأنه: ”عندمايوجد فرد يسود السلام، وعند وجوداثنين ينشأ الصراع، وعند وجود أكثر، تبدأ التحالفات ,تحيل هذه المقولة على القانون التاريخي الذي يحكم حياتنا بشكل عام,على المستوى الفردي او على المستوى الجمعي ومهما كان شكل الوحدة الإنسانية، أسرة، قبيلة، أمة فإنها محكومة بقانون الصراع تلك قاعدة تاريخيةولا يحتاج ذلك الى اثباتات لأن تاريخ الانسان وحده يشهد بذلك
هذه الفكرة أصبحت نظرية قائمة بذاتها ولقيت رواجا بين أجيال من الفلاسفة والمفكّرين, وقد كان لقيام الثورة الفرنسية وتحطيم حصن الباستيل في فرنسا وقيام الثورة الصناعية في انجلترا وظهور الطّبقة العاملة المرتبطة بنمو الصناعة الدور الأساسي في ظهور اتجاه فكري وفلسفي عرف بنظرية الصراع الاجتماعي او الصراع الطبقي وهو يستمدّ جذوره من الفلسفةالمثالية وخاصة جدل الفيلسوف الألماني هيجل الذي يعتبر أهم مؤسسيها في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي , فقد رأى هيجل أنّ الانسان ممثل في دراما التاريخ يحاول دائما ان يقرب النص من الحياة , وهو فيما يفعلة في الواقع يقدم مثلا وقيما وينشأ الصراع نتيجة الحوار والجدل والتنافس بين هذة المثل فالنظرية الديالتيكية لهيجل تعتبر التاريخ سجلّا لصراع العقل في عالمنا الواقعي من اجل وصول الروح الى الوعي والحرية والوحدة المطلقة في نهاية صراعهم فالجدل او المنافسة هو الطريق الذي يؤدي الى مبلاد الحكمةوقد اطلق هيجل على عملية تصارع أنساق الأفكار اسم العملية الديالكتيكية الّتي تعني ببساطة تنافس قوتين متعارضتين
يمكن القول بأن جدل الديالكتيك عند هيجل هو الذي أسّس لنظرية الصراع الاجتماعي عند كارل ماركس الّذي حوّل هذا اليالكتيك من صورتة العقلية الفكرية الى صورتة المادية التاريخية فحل ّصراع الطبقات الاجتماعية, بالمفهوم المادي الاقتصادي الاجتماعي بدل صراع الافكاروقد شكلت الدراسات الاجتماعية الواقعية لحياة الطبقات العاملة في مصانع اوربا وما كانوا يرزحون تحته من بؤس واستغلال ا تحت مظلة النظام الرأسمالي أساسا آخر لنظرية الصراع خاصة في شكلها الماركسي فالمادية التاريخية استمدت من المادية الجدلية مبادئها في تحليل الظواهر والوقائع الاجتماعية، إذاعتمدت اعتماداً أساسياً على المقولات الثلاث الأساسية التي يمكن تلخيصها في أن عمليات التراكم الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية، وأن التناقض بين مكونات الأشياء يعد الأساس في حركتها- وما من شيء في الطبيعة والحياة الاجتماعية إلا ويحمل في مكوناته قدراً من التناقض ينتج صراعاً مستمراً بينها- وأن الصراع بين المكونات يؤدي باستمرار إلى ما يعرف بنفي النفي، فكل مرحلة من مراحل التطور تنفي بالضرورة المراحل السابقة، ولا يمكن أن تتعايش المراحل مع بعضها إلا لفترات مؤقتة توصف بالتناقض، ولايمكن أن يكون بينها أي وفاق أو استقرار
ترى مدرسة الصراع هذه أن الإنسان بالطبيعة خير,وان الظروف الاجتماعية المحيطة هي فقط التي جعلته شيطانا, وهذه النظرة تشبة الى حد بعيد وجهة نظر جان جاك روسو الذي يرى ان الإنسان خير بطبيعته ولكن تحوله إلى حياة المجتمع غير الطبيعي الاصطناعي هي التي جعلتة شريرا يقتل بعضه بعضا وينهب بعضه بعضا, ويعتدي القوي منهم على الضعيف , فمنطق الصراع الاجتماعي اذن يعود الى تحول وتغير غير طبيعي في تاريخ الانسان.وبالتالي فان البناء الفوقي للمجتمع هو ناتج عن البناء التحتي، وولذلك تعتبر اخلاق المجتمع متأثرة بالعلاقات الاقتصادية فاساس الصراع في المجتمعات حسب ما ورد في كتاب راس المال لكارل ماركس هو الصراع بين الطبقات الاجتماعية اذ يقول في كتابه (راس المال) بأن تاريخ البشرية هو تاريخ الصراع الطبقي الاجتماعي, والصراع الطبقي هو الصراع بين طبقتين اجتماعيتين متخاصمتين هما الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة او الطبقة المستغلة والطبقة المستغلة او الطبقة القاهرة والطبقة المقهوره او الطبقة الظالمة والطبقة المظلومة فملكية وسائل الانتاج من قبل طبقة معينة تمنح افراد الطبقة المعنوية العالية والنفوذ الاجتماعي والاحترام والتقدير, بينما عدم امتلاك الملكية من الطبقة الاخرى يجعلها مكسورة معنويا ونفسيا وغير محترمة اجتماعيا ولاتملك القوة والنفوذ الاجتماعي والسياسي وهذا مايولّد ظاهرة الوعي الطبقي عند الطبقة المحكومة,أي الشعور والاحساس بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية الصعبة مما ينتج عنه الوحدة الطبقية ثم التنظيم الثوري بين ابناء هذه الطبقةالامر الذي يدفع افرادها الى الثورة ضد الطبقة الحاكمة او المستغلة وبالتالي سقوط المجتمع وتحوله الى نمط آخر
نظرية الصراع عند باريتو
من ابرز علماء الاجتماع الصراعيين في ايطاليا والعالم.ظهرت نظريته الصراعية في كتابه " العقل والمجتمع الذي يقع في جزئين وكتاب" علم الاجتماع السياسي".وتتلخص نظريته الصراعية بأن الصراع يكون بين الصفوة والعوام فالمجتمع يقسم الى طبقتين اجتماعيتين متصارعتين هما طبقة النخبة وطبقة العوام وقد صنف باريتو النخبة الى صنفين هما النخبة الحاكمة والنخبة غير الحاكمة فالنخبة الحاكمة هي التي تتكون من افراد يحتلون مواقع الحكم والمسؤولية كالوزراء والمدراء العامين وقادة الجيش ورؤساء الجامعات والمؤسسات الكبيرة والمصانع والمزارع والمصارف. وهؤلاء الأفراد يؤثرون بطريقة أو أخرى على عملية سير الحكم ومسيرة الدولة من خلال مواقعهم السياسية
أما النخبة غير الحاكمة فتتكون من أفراد لا يحتلون مواقع وأعمال حساسه وبارزه ومهمة لا يستطيع المجتمع الاستغناء عن خدمات أعضائها مهما تكن الظروف.ومن أمثلة النخبة غير الحاكمة الطبيب والاستاذ الكبير والفنان الكبير والمهندس الكبير والمحامي الكبير والممثل أو المغني أو العازف الكبير.
أما طبقة العوام فتتكون من عامة الناس الذين لا يحتلون مواقع اتخاذ القرار والمسؤولية فالشعب هو مجرد تابع، يستغله كل فريق، وتعمل الصفوة حسب نظرية باريتوعلى المحافظة على جهل الجماهير ، واستغلال الخرافات التي تسود بينها ولكن يجب أن لا تصدق الصفوة هذه الخرافات، بل تستغلها فقط للتغرير بالجماهير
يرجع الصراع الى رغبة النخبة في الحفاظ علي مراكزها القيادية لأطول فترة زمنية ممكنة وعدم اتاحتها المجال للعوام بمشاركتهابينما تعمل طبقة العوام على الوصول الى هذه المراكز والوثوب اليها
نظرية الصراع عند لويس كوسر
هو عالم اجتماع امريكي معاصر اهتم بالنظرية الوظيفية وقدم مساهمة في نظرية الصراع الا جتماعي .
هذه المساهمة تعرف الصراع بـ :
" انه مجابهة حول القيم او الرغبة في امتلاك الجاه والقوة او الموارد النادرة " .
اهتمّ بمشكلات الصراع الاجتماعي . في كتابين :" وظائف الصراع الاجتماعي ؛ 1956م" و" الاتصالات الفكرية في دراسة الصراع الاجتماعي؛ 1967م" وهو يكشف عن إيجابية ا الصراع الاجتماعي أكثر من اهتمامه بالكشف عن سلبياته فالصراع حسب نظرية كوسر يؤدي إلى زيادة قدرة العلاقات الاجتماعية أو الجماعات على تحقيق التكيف أو التلاؤم في المجتمع فالصراع بدلا من ان يكون عاملاً سلبياً يفرق المجتمع ويمزق أوصاله، فانه يسهم في المحافظة على حدود الجماعة
يتبين لنا من خلال استعراض بعض نظريات الصراع ان روادها يتفقون على امر واحد وهو ان الصراع Conflict Theory قانون اساسي وحتمي يحكم التاريخ فلا يمكن ان يحدث تغير في اشكال المجتمعات دون هذا الصراع على اختلاف تأويلاته
#سيدة_عشتار_بن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟