عصام محمد عبدالصبور
الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 13:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتهت الحرب العالمية الثانية وانتهت معها فترة السلام الاجتماعي الذي كان مهيمن على الواقع الاجتماعي المصري خلال سنوات الحرب وكانت الحركة الوطنية المصرية فى انتظار تجاوب بريطانيا معها وتنفيذ وعودها بالجلاء التام عن ارض مصر بعدما قدمت مصر الكثير من المساعدات لقوات الحلفاء اثناء الحرب وكانت الجامعة تستعد ﻷطلاق الاحتجاجات مع بداية العام الدراسي 45/46 حيث دعا الطلاب اليساريون الى عقد مؤتمر عام يوم 7 اكتوبر لمناقشة الموقف الطلابي من القضية الوطنية والوضع الراهن مع الانجليز وقد دعوا اليه كل الفصائل السياسية المصرية ولكن الاخوان كانوا قد اقاموا مؤتمر خاص بهم قبلها بيوم وطلبوا من المؤتمر ان يقر القرارات التي اتخذوها فى اجتماعهم السابق لكن المؤتمر لم يستجب لمطالبهم وكان النتيجة انسحاب الاخوان وحدوث شرخ فى علاقتهم بالطلاب اليساريين.
وفى ديسمبر عقد اجتماعا ممثلا لكافة التكتلات الطلابية فى محاولة لتوحيد الحركة وقد تم بالفعل انتخاب لجنة تنفيذية من الطلاب وفى 26 يناير 46 توحدت صفوف الطلاب وكان ذلك نتيجة للرد المائع الذي ردت به بريطانيا على مذكرة الحكومة المصرية حيث اضرب طلاب اللغة العربية بالازهر ونظمت عدة مسيرات واحتجاجات فى الكليات والمعاهد والمدارس وعقد الطلاب بعد ذلك اجتماعا جماهيرى قرروا فيه تنظيم مسيرة يوم 9 من فبراير 46 وتقديم مذكرة الى القصر تدعوا الى وقف المفاوضات مع بريطانيا ، وفى هذا اليوم اندفع الاف الطلاب من المدارس الثانوية بالقاهرة الى الحرم الجامعي حيث كان محتشدا هناك عددا ضخم من الطلاب يستعدون فى الخروج بمسيرة الى وسط المدينة وعند وصول الطلاب الى كوبرى عباس وجدوه مفتوحا ولكن الطلاب اصروا على عبور الكوبرى الى وسط المدينة واستطاع بعض الطلاب ان يقفلوا الكوبري ليسمحوا بالعبور واثناء عبور الطلاب قام البوليس بفتح الكوبري عليهم مما اداى الى سقوط عدد كبير من الطلاب ، وخرجت مظاهرات متفرقة فى نفس اليوم فى الاسكندرية ومدن بالدلتا وقد اصيب عدد كبير من الطلاب فى ذلك اليوم بينما استشهد الطالب محمد علي وهو طالب سوداني وقد حاول الامن منع اقامة جنازة الشهيد واستمر فى معركة يوما كاملا مع الطلاب ، وفى اليوم التالي ذهب الملك الى الجامعة كما كان مقرر لافتتاح قسم جديد بالمدينة الجامعية واستقبلوه الطلاب ببرود شديد ولكنه قد دعا عدد من الطلاب للقائه فى القصر وخرجت فى اليوم التالي مظاهرة طلابية بقيادة الطالب الاخواني مصطفى مؤمن - ولكن هذه المرة كان المظاهرة فى حماية البوليس - واتجهت الى القصر لتأييد الملك.
وفى 15 فبراير 46 اصدر الملك قرار بتعيين وزارة جديدة برئاسة اسماعيل صدقي والذي كان مكروها بشدة بسبب قمعه وديكتاتوريته وهو المعروف بالغاء دستور 1923 ولكن قد رحب الاخوان به وخرج القيادي الاخواني مصطفى مؤمن ليكرمه بآية قرآنية تقول "واذكر فى الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا" وعندما تولى الوزارة اصدرت اللجنة التنفيذية للطلاب المنتخبة حديثا بيانُا طالبت فيه بـ:
ضرورة جلاء القوات البريطانية كلية من كافة أراضى ومياه , وأجواء وادى النيل
يجب أن تطرح المسألة المصرية دولياً أمام مجلس الأمن
يجب أن تحرر البلاد من العبودية الاقتصادية
وقد شهدت الفترة من 17 الى 19 فبراير قفزة كبيرة فى وعي القوى الثورية عندما بدأوا فى التنسيق بين حركة العمال وحركة الطلاب وكان الطلاب اليساريون يلعبون دور المحرك الرئيسي فى هذه المبادرة حيث اتصل عدد منهم بمجموعة من النقابات العمالية عقب أحداث 9 فبراير مباشرة ونجحوا فعلياً فى تشكيل جبهة مشتركة من كل من العمال والطلاب تحت اسم "اللجنة الوطنية للطلبة والعمال" وكان اغلب قيادات اللجنة من اليساريين وهى اللجنة التي قادت الحركة الوطنية فى الفترة اللاحة وانتخبت الطالبة ثريا أدهم , والعامل حسين كاظم سكرتيرين لها وقد رفض طلاب الاخوان ومعهم مجموعة اخرى الانضمام الى اللجنة ، وقد دعت اللجنة الى اعلان يوم الخميس 21 فبراير 1946 يوما للجلاء كما دعت الشعب الى الاضراب العام وكانت الاستجابة لهذا الدعوة كبيرة إذ خرجت مظاهرات ضخمة فى العديد من المدن ففى الفاهرة تدفق عشرات الأولوف من المواطنين طلاباً وغير طلاب إلى قلب المدينة واستطاعوا عبور كوبري عباس وعندما وصلوا الى ميدان الاسماعيلية "التحرير حاليا" قابلتهم الحامية البريطانية فبدأوا فى إحراق أسوار الثكنات , ورداً على ذلك اندفعت نحوهم أربع مركبات حربية بريطانية وفتحت عليهم وبالاً من نيران الرشاشات اسفرت عن مقتل حوالى 20 طالبا وجرح العشرات وقد تنصلت الحكومة من المسئولية كلها والقت باللوم على الطلاب لأنهم سمحوا لمظاهرتهم باندساس عناصر الدهماء فى وسطهم ، وعلى اثر تلك الاحداث اعلن اتحاد الطلاب العالمي يوم 21 فبراير 46 يوما للتضامن العالمي مع طلاب مصر والهند حيث كانت قد شهدت مدينة بومباي الهندية احداثا مشابهة فى نفس اليوم ضد الاحتلال الانجليزي ايضا ، وهنا خطأ شائع فى الاحتفال بهذا اليوم كيوم للطالب العالمي بينما يوم الطالب العالمي هو 17 نوفمبر 1939 والذي يحتفي بذكرى انتفاضة طلاب تشيكوسلوفاكيا ضد الاحتلال الالماني.
وفى 24 فبراير اصدرت اللجنة التنفيذية للطلاب بيانا يدعوا الى:
إعلان الحداد القومى
الموافقة على قرار اللجنة الوطنية للعمال والطلبة بإصدار ميثاق وطنى يوقع عليه زعماء البلاد يلزمهم عدم قبول الحكم إلا على أساس تصريح بريطانى يعترف بالجلاء التام عن وادى النيل كأساس لللمفاوضة
سحب الموظفين الانجليز من البوليس المصرى
استنكار بيان رئيس الحكومة للتفرقة بين طبقات الشعب , ووصف المواطنين الأحرار بالدهماء
مقاطعة اللغة الانجليزية
تكف الجرائد الحزبية عن منازعاتها وإلا تقاطع من الطلبة
وقد أصدرت اللجنة القومية للعمال والطلبة بدورها بياناً مشابهاً مع إضافة مطالبة بريطانيا بتحديد موعد نهائى للجلاء أو أن يعرض النزاع على مجلس الأمن الدولى ، كما أحتج البيان أيضاً على الحظر الذى فرضته الحكومة على نشر أنباء الحركة الطلابية فى الصحف وأعلن يوم الرابع من مارس " يوم الشهداء " تخليداً لذكرى الطلاب الذين قتلوا فى 21 فبراير وذلك باتفاق جميع القوى داخل الحركة ( اللجنة التنفيذية للطلبة , واللجنة الوطنية للعمال والطلبة , واللجنة القومية للطلبة ).
النتائج المباشرة للانتفاضة:
كان إعلان " كلمنت أتلى " رئيس الوزراء البريطانى فى 8 مارس 1946 عزم القوات البريطانية على الانسحاب من القاهرة والدلتا وتمركزها بدلاً من ذلك فى القاعدة البريطانية فى منطقة قناة السويس أحد الآثار المباشرة لانتفاضة 1946 ، وتوقفت الحركة الطلابية بسبب انشغال الطلاب فى الامتحانات وجهزوا لاستئنافها مع الاجازة الصيفية.
وفى 8 يوليو 46 نشرت جريدة " الأهرام " نداء من اللجنة الوطنية للعمال والطلبة تدعو فيه إلى قطع المفاوضات المصرية الانجليزية , وإحالة النزاع إلى مجلس الأمن , ودعت إلى اعتبار يوم 11 يوليو ـ ذكرى قصف الأسطول الانجليزى للاسكندرية فى 1882 ـ يوماً لإحياء الكفاح الوطنى ، وفى 10 يوليو صدق ممثلو خمس عشرة منظمة على هذا النداء.
فى نفس الليلة بادر صدقي باشا إلى عرقلة إحياء الحركة , بإلقائه القبض على حوالى مائتين من القيادات اليسارية , وحل عدد من الجمعيات يشمل اتحاد خريجى الجامعة , ولجنة نشر الثقافة الجديدة , ودار الأبحاث العلمية , ورابطة فتيات الجامعة , ومؤتمر نقابات عمال القطر المصرى , وإغلاق العديد من المجلات مثل الفجر الجديد , والوفد المصرى والجبهة , والطليعة والوعى .
وقد عرفت هذه الحملة باسم " قضية المبادىء الهدامة " أو " قضية الشيوعية الكبرى " وسعى صدقي لإستصدار تشريع استثنائى من البرلمان لمكافحة الشيوعية , مستشهداً بمقتطفات من الكتابات اليسارية التى كانت تنشر فى أنحاء البلاد واهمها:
إن الحكومة تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً .. وإن جانباً ضخماً من ثروة مصر تحتكرها حفنة من الباشوات الرأسماليين
إن جموع الأمة عاقدة العزم على تغيير الأوضاع الاجتماعية
إن الطبقة الحاكمة دمية فى يد الامبرياليين
يجب أن توزع الأرض على صغار الفلاحين , كما ينبغى أن تنشأ التعاونيات
---------------
المراجع:
عمال وطلاب فى الحركة الوطنية المصرية .. د.عاصم الدسوقي
الطلبة والسياسة فى مصر .. د.أحمد عبدالله روزا
#عصام_محمد_عبدالصبور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟