منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1075 - 2005 / 1 / 11 - 09:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يتردد سؤال، عن شكل سورية بعد الانسحاب من لبنان، في الأوساط الصحفية والإعلامية، وكما يبدو لي فإن السؤال عينه، يفتقر إلى الدقة عندما يطرح من الزاوية اللبنانية. ربما من الأصح الحديث عن شكل لبنان بعد رحيل القوات السورية من أراضيه؟. أو كيف ستكون عليه العلاقات السورية اللبنانية بعد خروج القوات السورية؟. علما أن سورية سوف تكون أفضل حالاً، بكل تأكيد، بعد خروجها من لبنان، غير أن شكلها لا يتحدد فقط بوجودها أو عدم وجودها في لبنان، بل بمركب معقد من العوامل والظروف، بعضها من طبيعة داخلية، وهي الأساس، وبعضها من طبيعة خارجية، وهي الفاعلة.
إن الصياغة الصحيحة للسؤال، تضع الجواب على المسار الصحيح، لذلك عندما نسأل: كيف سيكون عليه لبنان بعد رحيل القوات السورية عنه؟ أو كيف ستكون العلاقات السورية اللبنانية بعد رحيل القوات السورية من لبنان؟ فإننا نعني، بدون مواربة، أن ثمة وضع لبناني، أو شكل لبناني، متشكل بالعلاقة مع دور فاعل لسورية في لبنان، مستندا إلى وجود قواتها العسكرية والأمنية على أراضيه. هو عينه الواقع، أو الشكل، الذي سوف يحاول أن يتغير وفق المعطيات اللبنانية "وحدها"، بعد خروج القوا ت العسكرية والأمنية منه.
ومنذ البداية، وقبل شروعنا في محاولة تقديم إجابة عن السؤال السابق، بعد إعادة توجيهه، لا بد لنا من تحييد سؤال آخر غالبا ما يتم تضمينه بالسؤال السابق، وفي أحيان أخرى يطرح مستقلاً عنه؛ أعني سؤال انسحاب سورية من لبنان.
إن سؤال انسحاب سورية من لبنان هو سؤال خاطئ، وبالتالي ليس له جواب صحيح. فسورية موجودة في لبنان وسوف تظل، كما أن لبنان موجود في سورية وسوف يظل، بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح..الخ، وإن الانشغال بسؤال خاطئ، هو مضيعة للوقت والجهد، ولن يؤدي إلى نتيجة. هذا لا يعني بالتأكيد، أن كيفية هذا الوجود السوري اللبناني المتبادل لا يولد أسئلة، بل على العكس، فهو يولد أسئلة كثيرة، وعليه أن يولدها باستمرار، لأن في ذلك بحث مستمر عن كيفيات جديدة، أفضل وأفضل للعلاقات السورية اللبنانية المرتكزة على وجود كل منهما في داخل الآخر، الوجود الذي لا انفكاك منه. غير أن ما عنيته هو أنه قبل ذلك، لا بد أن يكون الكيانان السياسيان السوري واللبناني في وضعية طبيعية، أو لنقل: أن يكون الكيان السياسي اللبناني في وضعية الندية للكيان السياسي السوري. من المعروف، أن الندية اللبنانية كانت تعاني على الدوام من عدم الاكتمال لأسباب داخلية تتعلق، من حيث الأساس، بطبيعة نظام الحكم في لبنان، غير أن غيابها في الوقت الراهن، يعود، بشكل رئيسي، إلى وجود القوات السورية والأمنية على أراضيه.
لقد مرت العلاقات السورية اللبنانية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بمراحل مختلفة، تغيرت خلال كل منها الاصطفافات الداخلية اللبنانية، بالعلاقة مع الدور السوري، بل وتغيرت توجهات الدور السوري نفسه. وبدون الغوص في تفاصيل تقلبات هذه المراحل، يمكن القول بأنها مثلت انتقالاً من مرحلة إيقاف الحرب الأهلية اللبنانية، إلى مرحلة ضبط القوى المتصارعة، والسيطرة عليها، تمهيداً لتجريدها من سلاحها، والانتقال بها من مرحلة الصراع المسلح إلى مرحلة الصراع السياسي، وإعادة الهيكلية للنظام السياسي اللبناني، ومن ثم العمل على التحكم به. وقد استفادت سورية في كل مرحلة من مراحل وجودها المباشر في لبنان من اصطفافات القوى السياسية والمجتمعية اللبنانية، ولعبت على رؤيتها(أي رؤية هذه القوى) الضيقة لمصالحها المباشرة، وتغليبها لها على مصالح لبنان الدولة والكيان. ويجب أن يكون حاضراً دائما في الذهن أن الدور السوري في لبنان، وفي كل مرحلة من مراحله، كان أيضاً، من جهة، رهينة لطبيعة النظام السوري، ولمصالحة الضيقة والمباشرة، ومن جهة ثانية، كان شديد التفاعل، سلبا أو إيجاباً، بالعامل الخارجي( الأمريكي والفرنسي)، أو بالعامل الإقليمي، العربي، والاسرائلي منه على وجه الخصوص. اللافت، في الآونة الأخيرة، وتحت تأثير المتغيرات الإقليمية، أن الدور السوري أخذ يشتغل على ردات الفعل، أكثر من الحساب، مما جعل سورية كلها تدخل في ورطة حقيقية في لبنان.
وإذا كانت التفاصيل مهمة لتكوين صورة أكثر دقة للمشهد اللبناني السوري في علاقاتهما المتبادلة، غير أنها قد لا تكون ضرورية في تكوين موقف مبدئي، يكون في صالح كلا البلدين والشعبين. وهكذا، ومن حيث المبدأ أرى أن مستقبل العلاقات السورية اللبنانية ينبغي أن يشيد على الأسس التالية:
1 -انسحاب القوات السورية والأمنية من لبنان، الذي تأخر كثيراً، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، إلا كنوع من الاستجابة لأسئلة الداخل اللبناني. وفي هذه الحالة، ينبغي أن تأخذ الاستجابة السورية شكل التعبير عن الرأي، العلني والشفاف، وليس فرض الرأي.
2 -مساعدة اللبنانيين، في حال طلبوا ذلك، على تطبيق اتفاق الطائف، أو تطويره، الذي لا يزال معاقاً سواء بفعل الدور السوري المشوه في لبنان، أو بفعل تعارض مصالح القوى اللبنانية السياسية، والمجتمعية، وهي تعارضات حقيقية، لا يزيلها مجرد نكرانها.
3- ينبغي أن يكون واضحا لجميع القوى اللبنانية، أن عودة العنف إلى الداخل اللبناني، تحت أي مسمى، وعنوان، أو تحويل لبنان إلى ساحة للضغط على سورية، هو في غير صالح لبنان ولا سورية، وهو مجال مهم للتعاون بين جميع اللبنانيين والسوريين، الرسميين وغير الرسميين.
4- إعادة النظر في جميع الاتفاقات السورية اللبنانية، بما يراعي مصالح كلا الطرفين، وهذا يتطلب وجود الندية في التعامل والحوار بين السلطات الرسمية في كلا البلدين.
إن بعض جوانب التشويه الحاصل في العلاقات السورية اللبنانية، بل وفي الداخل اللبناني، يعود إلى طبيعة النظام السياسي السوري، وبالتالي فإن إزالة هذه التشوهات، رهن بضرورة التغيير في هذه الطبيعة. فالنظام الاستبدادي لا يستطيع أن يتعامل مع واقع هو فاعل فيه بغير أدوات الاستبداد ذاتها. وفي هذا المجال حاول النظام الاستبدادي السوري البرهنة، على خبرته العالية، فعمل جاهدا على تكييف الداخل اللبناني، بالروح الأمنية ذاتها، التي حكم بها سورية خلال أربعة عقود. غير أن ما لم يستطع أن يراه، ويحسب له حساب، بحكم الزاوية الضيقة التي ينظر منها إلى مصالح سورية، أن اللبنانيين لا يساسون إلا من خلال شكل من أشكال الديمقراطية، فالحرية عندهم قيمة، والحياة قيمة، والعمل قيمة..الخ. لذلك فهو إذا كان قد نجح في استمالة بعض الإقطاعيين السياسيين هنا وهناك، فإن سورية تكاد تخسر شعباً بكاملة.
إن تغيير النظام السوري إلى نظام ديمقراطي، والانتقال من طراز الدولة الأمنية إلى طراز الدولة الديمقراطية، سوف يلعب دوراً حاسما، في تغيير دوره في لبنان، وفي غير لبنان. في هذا المجال قد يكون لخروج القوات السورية، من لبنان دور إيجابي، على الأقل من زاوية إعادة تركيز الاهتمام على الشأن الداخلي السوري، علما أن ثمة دعابة يرددها بعض السوريين بالعلاقة مع تسلم اللواء غازي كنعان وزارة الداخلية، تفيد بأن الحكم سوف يعمل على توظيف ما يمكن أن يكون قد تعلمه بعض الرسميين السوريين من اللبنانيين من قيم الحرية والديمقراطية، في مجال التطوير والتحديث..الخ؟!
من جهة أخرى ينبغي عدم التقليل من مسؤولية اللبنانيين عما هم فيه، فالنظام السياسي اللبناني القائم على المحاصة الطائفية، هو نظام أكثر قابلية لتدخلات الآخرين فيه، وعرضة لتجاذباتهم على أرضه، وبالتالي سوف يظل مفتوحاً على الأزمات في المستقبل. إن لسورية الكيان السياسي مصلحة حقيقية، لا تقل أهمية عن مصلحة لبنان، في أن يتحول النظام السياسي اللبناني من نظام طائفي، قائم على التوافق، إلى نظام لا طائفي، يقوم على مبدأ المواطنة الواحدة، والمشاركة الواحدة،والمسؤولية الواحدة..الخ.
وأخيرا، مادام هناك متسع للخروج المشرف للقوات العسكرية والأمنية السورية من لبنان، ينبغي عدم تفويتها، فهل يفعل النظام السوري؟
#منذر_خدام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟