|
الثورة السورية... والمسألة الطائفية
خالد الحروب
الحوار المتمدن-العدد: 3644 - 2012 / 2 / 20 - 08:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة فكرة أساسية تتكرر في أدبيات عديدة لتيارات علوية منخرطة في الجهد الوطني والثورة السورية وهي أن إحدى أهم استراتيجيات النظام الأسدي في السيطرة والحفاظ على ما يوصف في تلك الأدبيات بأنه "حكم المزرعة" هو تحشيد الطائفة العلوية خلف النظام وخلق تماهٍ تام بين الحكم والعلويين في سوريا. وهذه بطبيعة الحال هي الاستراتيجية المركزية لنظام الأب والابن من خلفه للبقاء في الحكم، حيث تم زرع خوف مقيم في أوساط الطائفة أساسه أن النظام هو حاميهم ودرعهم الواقي أمام رغبة عارمة من قبل الأغلبية لإبادتهم. فقد اشتغل النظام على تكريس العداء بين كل مكونات الشعب السوري والعلويين للوصول إلى هذه الحالة، بحيث يضمن التفاف الطائفة حوله لحمايته ولتكون يده الضاربة في حكم الاستبداد والنهب الذي أخضع سوريا له. وليست هناك أي عبقرية مميزة في مثل هذا النمط من الانحطاط السياسي، فهو ممارسة مشتهرة في طول وعرض تاريخ الطغاة الذين يبحثون حولهم عن فئة تناصرهم من منطق الخوف والرعب من الفئات الأخرى. وفي حال ساد التعايش بين مكونات المجتمع وانتفى الخوف المسبب للتحشيد المؤدي للاحتماء بالطاغية، فإن استراتيجية الطاغية هذا تركز على استزراع ذلك الخوف وبث أسبابه، بما فيها افتعال عمليات القتل والاغتصاب والسرقة بين الفئة المُستهدفة وبقية المجتمع. واليوم نرى تلك العمليات وهي تصل إحدى ذراها البشعة في سوريا، حيث يعمد النظام إلى التقتيل الطائفي والاغتصاب الطائفي والترحيل الطائفي بين العلويين والسنة، مورطاً الشرائح الغاضبة والمتوترة من الطرفين في ممارسات ثأرية تبدأ ولا تنتهي. إن إحدى أهم مهمات الثورة السورية وكل المنخرطين فيها وكل مؤيديها تتمثل في إبطال مفعول تلك الاستراتيجية المنحطة التي ينتهجها النظام، ويريد بها ومن خلالها حرف مسار التغيير في سوريا. فالثورة في سوريا انتفاضة وطنية هدفها تغيير نظام مُستبد وفاسد بآخر وطني وتمثيلي ويعبر عن كل السوريين. ونظام الأسد لا يمثل الطائفة العلوية ويجب ألا تقع الثورة السورية ومن يؤيدها في شرك الخطاب الطائفي الذي يروجه النظام سرّاً في أوساط الطائفة العلوية بزعم كونه حاميها وممثلها. فالنظام ما عاد يمثل إلا شريحة ضيقة من المنتفعين والفاسدين الذين دينهم وطائفتهم الأهم هي الفساد ومناصرة النظام واقتسام الكعكة معه. وهؤلاء يأتون من كل الخلفيات والطوائف والقوميات. فيهم من السنة والمسيحيين والأكراد كما فيهم من العلويين. والفساد والاستبداد لا يحصران في طائفة أو إثنية أو قومية معينة. ولهذا فإن الضرورة الاجتماعية والوطنية الكبرى تتمثل الآن في محاربة كل نزعة طائفية تريد إحالة كل جرائم النظام إلى الطائفة العلوية. ولا يعني هذا تبرئة جماعية لأي أحد، ولكن الأهم هنا هو عدم التعسف بإطلاق تهم جماعية ضد طائفة برمتها. والمتعاونون مع النظام الذين يرتكبون جرائم بحق السوريين حاليّاً وارتكبوها سابقاً يجب أن يخضعوا لحكم القانون ووفق محاكمات عادلة تحاكمهم على جرائمهم وليس على انتمائهم لأي طائفة. وسوريا ما بعد سقوط نظام "حكم المزرعة" يجب أن تقدم نموذجاً جديداً يكون بعيداً، وبعيداً جداً، عن أي شبه مع النظام الأسدي إن لجهة استراتيجياته الطائفية، أو سياساته الثأرية. حاليّاً، هناك ضرورة ملحة تستوجب تنقية كثير من الخطاب الإعلامي المرتبط بالثورة السورية أو المؤيد لها، الذي يعزز البعد الطائفي للنظام ويقوم بخدمته بشكل غير مباشر. فالتعبيرات والخطابات والأوصاف الإعلامية مثل "النظام العلوي في دمشق"، أو "حكم العلويين"، أو "جرائم العلويين ضد السنة"، وكل ما هو قريب من ذلك يقع في خانة الجرائم الإعلامية والسياسية. وإلى ذات الخانة تنتمي أية تعميمات عن "جرائم السنة"، و"حكم السنة القادم"، وسوى ذلك. فهذه الأوصاف يجب أن تكون مرفوضة تماماً من ناحية مبدئية صرفة، لأنها تقسم المجتمع، وتضع طوائفه ضد بعضها بعضاً، في حين أن المعركة الحقيقية هي معركة كل هذه الطوائف مجتمعة ضد الاستبداد وتفرد أي شريحة مهما كانت أقلية أو أغلبية في التحكم في الآخرين. ذلك أن سوريا الجديدة وبلدان عرب ما بعد الثورات يجب أن تتأسس وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي تتراجع فيها الولاءات الإثنية والطائفية إلى الخلف، ويتقدم الولاء لدولة القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات. وإن استبدلنا طائفة بأخرى، حتى لو كانت أكبر منها وتمثل غالبية، فنحن لا نتقدم نحو الأمام، بل نعيد اجترار الكوارث ذاتها. وإضافة إلى ذلك فإن هذه الأوصاف وتكريسها واستمرار استخدامها هي بالضبط ما يريد النظام أن يصل إليه ويحافظ عليه. فهو يريد، وبكل الجهد الممكن، إبقاء الرعب مسيطراً على الطائفة العلوية في سوريا، ولذلك فإن أي تعميم ضد الطائفة، ونسبة جرائم النظام لها، يحقق ذلك الهدف. بيد أن الإيجابي في الصورة الراهنة هو أن وعي السوريين يتعمق إزاء تفادي الوقوع في شرك مخططات النظام المنهار. والشرائح والمناطق العلوية المنخرطة في الثورة ومعارضة النظام والخروج على الطاعة القسرية المفروضة عليها هي في تزايد يوماً إثر يوم، حتى في أشد معاقل النظام سيطرة وتحكماً، اللاذقية وما جاورها. وما يعزز المنحى الإيجابي هذا هو استمرار تأكيد قيادات الثورة على عدم طائفيتها، وعلى توفير كل التطمينات الممكنة للعلويين بأنهم كأفراد وجماعات سيكونون مواطنين كاملي الأهلية والمساواة مع بقية أفراد وشرائح وجماعات الشعب السوري. ومرة أخرى هناك كثيرون اقترفوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة العلوية، وكثيرون ارتكبوا جرائم وينتسبون إلى الطائفة السنية أو غيرها، وهؤلاء جميعاً يجب أن يحاسب كل منهم تبعاً لما اقترفه، وليس بناء على انتسابه الطائفي. ولذا فإن أمام سوريا الجديدة القادمة والسوريين تحد كبير وهائل يتمثل في بناء دولة حديثة تتجاوز القبلية والطائفية والانحطاط السياسي الذي حشر النظام الأسدي البلد فيه. وأمامهم جميعاً نماذج في الجوار بعضها جذاب وناجح مثل التجربة التركية، وبعضها طائفي وبشع مثل التجربة العراقية. إنها مهمة السوريين، عندما يرتقون فوق كل الاعتبارات ويكونون سوريين أولاً وآخراً.
#خالد_الحروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدواجية معايير روسيا والصين
-
أدونيس والثورات العربية
-
الثورات العربية: رهان على المستقبل
-
الانتخابات الفلسطينية: حل أم مشكلة؟
-
مسارات الرواية العربية
-
النظام السوري... وفزاعة التدويل
-
تاريخ مرير... وبعث بلا قيامة!
-
-حماس- والمصالحة... والمقاومة السلمية
-
الهجوم على برهان غليون: من -اغتيال العقل- إلى -اغتيال السياس
...
-
تفاقم العنصرية الأميركية ضد الفلسطينيين
-
الإسلاميون والسلطة: نهاية الإيديولوجيا
-
النظام السوري واستقرار إسرائيل
-
ما البديل عن التدخل الخارجي؟
-
الثورات العربية والانقسامات الطائفية
-
الشعوب بين الإصلاح والثورات
-
معنى الثورة: النهر ضد المستنقع
-
هل يبرز فكر قومي جديد؟
-
فلسطين وبدائل -الدعم- الأميركي
-
إلغاء -الرباعية- الدولية
-
فلسطين: تغيير قواعد اللعبة!
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|