أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية















المزيد.....

ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3643 - 2012 / 2 / 19 - 22:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


دخلت الأزمة السورية في الثالث من شهر شباط الحالي طورا جديدا أشد خطورة من كل ما سبق. دشن النظام قفزة واسعة في قمع البؤر الأنشط للثورة، في حمص بخاصة، وكذلك في درعا ومناطق دمشق وحماه وإدلب ودير الزور، وتفوق على نفسه في التنكيل بمحكوميه الثائرين، مستفيدا من تشجيع روسي، يحتمل أنه يتجاوز الفيتو في مجلس الأمن إلى التحريض المباشر على سحق الثورة بالقوة الفائقة (تتحدث بعض المعلومات عن دبابات روسية حديثة وصلت إلى النظام لهذا الغرض، فضلا عن ذخائر وأسلحة خفيفة). وفضلا عن ارتفاع عدد الضحايا اليومي أضعافا، فوق 100 في اليوم أحيانا، فإنه يجري تحطيم شروط الحياة البشرية، في المناطق المقصوفة، ومنع الإمدادات الغذائية والعون الطبي، ونهب ممتلكات السكان، وتخريب ما لا يمكن نهبه.
على أن أكثر ما يقلق من وجهة نظر مستقبل البلد أن هذا العنف المتمادي طوال أحد عشر شهرا تسبب بإضعاف الطبقة العقلانية والتواصلية من تفكير عموم السوريين. جرى ذلك بآليتين متكاملتين. الأولى أن الناشطين المبادرين الأوسع أفقا وانفتاحا على غيرهم والأكثر تمثيلا للتطلعات التحررية والديمقراطية للثورة تعرضوا للقتل أو الاعتقال والتعذيب المتطرف في قسوته أو اضطروا للتواري أو الهجرة من البلد. ومحصلة ذلك في جميع الحالات هي إضعاف تأثيرهم، وتصدر ناشطين أكثر محلية وأضيق أفقا وأميل إلى العنف الأنشطة الاحتجاجية. الآلية الثانية هي تصلب النفوس جميعا، وترقق طبقة التفكير العقلانية عند كل فرد تحت وطأة الدم والغضب وانشداد الأعصاب المديد. حمى الانفعال تعم الجميع.
يضاف إلى ذلك التجزؤ الكبير لأنشطة الثورة السورية منذ البداية والطابع المحلي لبؤرها التي تعد بالمئات. وهو ما لا يسمح بدورها بمعالجات أوسع أفقا لما يطرأ من مشكلات.
النتيجة الأولى لذلك هي تفتت الرؤية بخصوص سير الأوضاع في سورية، أو العجز الظاهر والمتزايد عن تطوير رؤية عامة واضحة، تُنظِّم إدراك الواقع وحُسن التوجه فيه. الرؤية المفتتة ظاهرة ناشئة، لكن متفاقمة، تنعكس تخبطا في العمل وتبعثرا في أوساط مؤيدي الثورة. ويظهر هنا في الواقع الوجه الأكثر سلبية لافتقار الثورة السورية إلى قيادة أو "نخبة" قائدة، معنية في كل حين بالتفكير على المستوى الوطني، ووضع تصورات ورؤى عامة جامعة.
والنتيجة الثانية إعدام شروط السياسة. النظام لم يفكر للحظة واحدة في غير العنف المطلق، ممزوجا بـ"الإصلاحات" و"الحوار تحت سقف الوطن"، وهذا أقل بكثير من أن يكون سياسة لأنه يبقي نواة النظام الصلبة المشار إليها خارج النقاش. والدستور الذي أعلن عنه مؤخرا مثال على فكر النظام السياسي، إن من حيث آلية وضعه (اختار النظام واضعيه، وبعضهم شائن السمعة) أو من حيث سلطة الرئيس المطلقة، أو من حيث تهيئة الدستور لبقاء بشار الأسد 16 سنة قادمة.
ولم تتمكن المعارضة في أي وقت من بلورة مبادرة سياسية كبيرة، تثقّل من وزنها وتطلق دينامية سياسية تعزز استقلاليتها، وتشد الأنظار والتفكير نحو الداخل السوري. هذا فوق أن انقساماتها وفرت للنظام وداعميه هامش مناورة مريح، وضيقت هامش مناورة أية قوى عربية ودولية كان يمكن أن تكون عونا في التضييق على النظام.
وغير تعذر السياسة وتفتت الرؤية تظهر علائم فوضى في التوجه والتسلح، مرشحة بدورها للتفاقم. تواترت معلومات من منطقة جيل الزاوية، أقصى الشمال الغربي، أن هناك مجموعات مسلحة لا تندرج ضمن "الجيش السوري الحر" الذي يعرض عموما درجة معقولة من الانضباط، وأن الممارسات الأدنى انضباطا، ومنها خطف عشوائي وطلب فدية للإفراج عن المخطوفين، يقوم بها مدنيون مسلحون، يبدو أن إحدى مجموعاتهم استفادت من فتوى أحد المشايخ لتشريع الخطف والفدية. وبعض هذه المجوعات ينخرط فيها لصوص سابقون، ويشتبه في أن للنظام دورا في تسليحها من أجل إشاعة الفوضى.
هناك جهود معاكسة لتنظيم أنشطة الثورة، ومنها نشاط المكون العسكري، لكن صعوبات الحركة والتواصل، وصغر عدد الأفراد والمجموعات التي قد تلعب دورا منظما، يحد من الأثر الإيجابي لهذه الجهود والمبادرات.
الواقع أن فرص الحد من هذا الميول العامة الخطرة محدودة ما دام النظام ممعنا في نهجه الإرهابي. مهما جرى تكرار الكلام على المسؤولية الأساسية لنظام بشار الأسد عن المسارات المظلمة التي تدفع إليها سورية، فإن هذا الكلام يبقى صحيحا.
لكن مسؤولية النظام التي لا ريب فيها عما أحاق بسورية من خراب مادي ومعنوي لا تعفي القوى السياسية المرتبطة بالثورة من وجوب بلورة تصور واضح عن الصعوبات الكبيرة والمتزايدة التي تواجه البلد، وقد تجعله غير قابل للحكم خلال سنوات طويلة قادمة، ولا من لزوم محاولة التأثير على سير الأحداث في البلد. يحصل أن يثمر ذلك أحيانا، وهو في كل حال تمرين على التمرس بمصاعب ومشكلات ستواجه أي فاعلين عامين سوريين في الزمن ما بعد الأسدي.
ولعل الشيء الأكثر أهمية اليوم في عمل جميع مكونات الثورة هو منع النظام من الفوز بهذه الجولة التي تزامنت مع ذكرى مذبحة حماة قبل ثلاثين عاما. ما لم يتحقق للنظام بالقوة في الجولة الأولى (15 آذار- مطلع آب ورمضان)، وبمزيد من القوة في الجولة الثانية (مطلع آب – 3 شباط)، لا ينبغي أن يتحقق له بالقوة الفائقة في هذه الجولة الثالثة. أسوأ الاحتمالات السورية على الإطلاق هو بقاء النظام. قد لا تكون هناك احتمالات طيبة، لكن كل شيء آخر أقل سوءا.
أما وأن أمد الثورة قد تطاول، وأن سقوط النظام بضربة قاضية يبدو متعذرا، لا بد أن توجه الجهود كلها لمنعه من كسب هذه الجولة. المدخل إلى ذلك هو إبطال "خطة حماة" التي بدأ بتطبيقها على حمص. والتطورات الأخيرة في مواقف الدول العربية، والقطيعة الدبلوماسية مع النظام واحتمال دعم المعارضة، كلها عناصر مساعدة، تعيد كسب الوقت إلى جانب الثورة. لكنها توجب على المعارضة وضع استراتيجية تنسق بين مكونات الثورة والعناصر المساعدة، وتدرج إفشال خطة النظام في هذه الجولة الثالثة في رؤية أوسع للفوز في هذه المواجهة الكبرى.
ولا ينبغي أن يغيب عن هذه الاستراتيجية أنه يرجح لفشل النظام في هذه الجولة أن يقوده إلى آخر طلقة في جعبته: التحول من تمزيق المجتمع السوري إلى تمزيق الكيان الوطني. ليس في تكوين الطغمة الحاكمة وفي تاريخها ما يردعها عن احتمال كهذا. لكن ليس في تكوين الطيف المعارض ما يشجع القلب على التفاؤل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما
- حول العسكرة والعنف والثورة...
- ديناميتان للثورة السورية: المستقبل في الحاضر
- المثقفون والثورة في سورية
- -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!
- مكونات الثورة السورية وسياستها
- عام ثوري وأزمنة صعبة قادمة
- الفاشية السورية وحربها ضد العامة!
- محاولة لشرح القضية السورية للمنصفين
- حوار في شان الطغيان والأخلاق
- عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين
- العصيان المدني أو الإضراب الوطني العام
- وطنيّتان: من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الاجتماعية
- الطغيان والأخلاق في -سورية الأسد-
- اليسار موقع وعمل ودور، وليس نسبا أو هوية!
- نظرة من خارج إلى الأزمة السورية


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية