جاء البيان المقتضب الذي وقع عليه خمسة وثلاثون مثقفا عراقيا و الموسوم " 500 كلمة لربيع العراق " وصمة عار في جبين الثقافة العراقية ماضيا وحاضرا و ذلك بسبب صمت الموقعين المريب والكامل عن العدوان الإمبريالي الوشيك على العراق وشعبه. و بسبب دخولهم في مزايدة سياسية بائسة مع الأحزاب المتأمركة والتي تجهد نفسها أيما إجهاد لإرضاء واشنطن . لقد بلغت تلك المزايدة درجة الدعوة لاستغلال العدوان الذي أعطاه جماعة الخمسة ثلاثين مثقفا اسما كوديا هو " استغلال الظروف الإقليمية والدولية " وتشكيل حكومة ائتلافية وهي المهمة التي يلهث خلفها العملاء الصرحاء للمخابرات المركزية الأمريكية وطلاب السلطان من كل صنف عنصري ولون طائفي ، عوضا عن بذل أقصى الجهد من أجل كبح جماح العدوان ومحاولة إنقاذ الشعب العراقي من المحرقة القادمة ومحاصرة الدكتاتورية بشعارات التغيير . إنه لعار حقا أن يبتلع "المثقف العراقي " من هذا الطراز لسانه وهو يرى شعبه يصبح هدفا سهلا للسلاح النووي التكتيكي الأمريكي ومختلف أصناف الأسلحة الحديثة الأخرى والفتاكة . وإنه لعار مكعب أن ينشط المثقفون الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون والروس والعرب ويقومون بحملات التضامن الواسعة مع الشعب العراقي ضد الحصار والعدوان الوشيك في حين يلوذ المثقفون العراقيون الموقعون على هذا البيان بالصمت التام عن العدوان بل ويضعون أنفسهم في خدمة معارضة فاسدة قلبا وقالبا في أغلبها ثم ليكونوا لها مجرد عكاز ناعم مطلي بالعبارات المتذاكية المتثاقفة والتي تصرخ من جهة بالسياسيين : استغلوا ظروف العدوان ، ثم تستدير الى قارئ البيان وتهتف به : إن عراقنا في خطر ! ولا يمكن في الواقع للمرء أن يعثر على مثال متذاكٍ أوضح من هذا المثال . كيف يمكن التوفيق بين الدعوة لاستغلال العدوان الأمر الذي يعني ضمنا الموافقة عليه وتأييده وبين إطلاق صرخة : العراق في خطر !
أي خطر يقصدون ؟
وهل ثمة خطر أشد من التهديد العلني باستعمال السلاح النووي التكتيكي ؟
و لابد للمرء من أن يستدرك ويقول بأن معارضة للنظام الشمولي الدموي التي نأخذ بها بحزم ودونما تحفظ كمهمة شريفة وخلاصية لا يمكن أن تكون دافعا أو سببا أو توطئة للتصفيق لطائرات الهمج الأمريكان وهي تحيل بلادنا وشعبنا الى رماد .
إن هذا البيان سيسجل للأسف الشديد كمثال على كبوة المثقف العراقي الذي عرف طوال تاريخ الثقافة العراقي بمواقفه الشريفة والمدافعة عن الشعب ضد العدوان الخارجي وحملات الغزو الاستعمارية العديدة في العصر الحديث مثلما عرف كمثقف عضوي بمقته ومعارضته العميقة لنظم القمع والاستبداد .