|
الحلقة الناقصة في الديمقراطية العراقية: أحزاب لم تناقش منهاجها المستقبلي ومرشحون دون قاعدة
ميرزا حسن دنايي
الحوار المتمدن-العدد: 1074 - 2005 / 1 / 10 - 09:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لن تفاجئني إذا ما ظهرت حالة الاستياء عند الناخبين، حينما يرشحوا أحدهم ويخيب أملهم فيه. وحينما يكتشفوا أن هذا الحزب أو ذاك يفعل بعد الانتخابات تماماً عكس ما كان يقوله. بل لن يفاجئني أيضاً أن يكون كوادر الحزب الفلاني منزعجين من مرشحهم المنتخب، الذي إنقلب رأساً على عقب بعد الانتخابات... والسبب ببساطة، هو أن هناك مرحلة ناقصة في الديمقراطية القادمة ومن حقنا أن نطالب بإحتوائها لكي لاتتفاقم وتصبح حالة تشل العملية الديمقراطية.
أعراف الانتخابات الديمقراطية: إعتادت الاحزاب والتيارات السياسية الاوروبية التي تدخل الانتخابات أن تعقد مؤتمراتها الدورية بفترة ستة أشهر أو سنة قبل موعد الانتخابات، حيث تبدأ تلك العملية من أصغر مراكز الاحزاب في المدن والولايات. والهدف الاساسي من تلك المؤتمرات هو إعادة تأهيل الكادر الحزبي، ومراجعة أخطاء الماضي وإعادة ترتيب البيت بما فيها تغيير المسؤولين أو إنتخابهم من جديد. والمؤتمر الحزبي عادة ما يقف بالدرجة الاساس على موضوع إختيار القيادة الجديدة والمرشحين الجدد عن المناطق والولايات والمدن لدخول التنافس على التمثيل البرلماني. وبالتالي يضمن مرشحي هذه الاحزاب الذين يدخلون اللعبة الانتخابية أنهم مدعومون من قبل قاعدة الحزب، ويضمن الحزب نفسه أن مرشحيه يمشون وفق المنهاج الذي أقره المؤتمر من أجل الانتخابات. المؤتمرات الحزبية هذه، والتي تعقد من أجل الانتخابات تتناول ضمن أجندتها القضايا الحساسة التي تتعلق بسياسة الدولة، وبأدق التفاصيل. فالحزب الفلاني يستند على سبيل المثال على قاعدة من صغار رؤوس الاموال، فيلجأ بالتالي لوضع دراسات مستفيضة وبحوث إقتصادية من شأنها أن تقوي شوكة قاعدتها، فمثلاً تتبنى هدف تدوير رأس المال الضريبي بنسبة معينة. وربما تستخلص دراسة علمية معينة إلى أن رفع أو تخفيض نسبة كذا % من ضرائب المنتوج الفلاني إلى نتيجة مذهلة تفيد ناخبيها، فيتخذ الحزب ذلك الامر هدفا أساسياً بالحجج والبراهين العلمية. أضف إلى ذلك أن مؤتمرات تلك الاحزاب تتفق حتى على مسألة إختيار الشعارات والاعلانات والنشرات البيتية ومضمونها، فليس غريباً أن الحزب الليبرالي الالماني FDP مثلاً وقبل أيام من الانتخابات قبل الماضية قد طردت معاون رئيس الحزب (مولرمان) الذي قام بتوزيع نشرات في ولاية نوردهاين فيستفالن، يتهجم فيها على سياسة اسرائيل –ظهر فيما بعد أنه فعل ذلك تحت تأثير أحد السوريين العاملين معه، والذي ربما كان مدفوعاً من قبل سوريا-. وكانت حجة الليبراليين هي كيف يمكن توزيع نشرة دون علم الحزب، فطرد مولرمان الذي انتحر فيما بعد.
الحلقة الناقصة من العرف الانتخابي: تتوضح الحلقة الناقصة من الديمقراطية المترقبة في العراق في ثلاثة جزئيات، هي في غاية الحساسية، ومن واجب الكيانات المتنافسة أن لاتهملها: الجزئية الاولى: لم يعقد أي حزب سياسي عراقي مؤتمره العام أو المصغر من أجل الدخول في الانتخابات، ولم يقم أعضاء ومناصري أي حزب من الاحزاب المتنافسة بغربلة مرشحيها. بل أن القيادات السياسية الحزبية، وأحياناً الحلقات الضيقة من قيادات الكثير من هذه التيارات هي التي قامت بإختيار مرشحيها. بل صادف أن تيارات معينة قامت بحشر أسماء مرشحين ممن ليست لهم قاعدة جماهيرية أساساً، وهناك من تقدم بأسماء شخصيات غير مؤهلة لهذه المرحلة، فقط بسبب عنصر المجاملة أو لكي يدعوا أن قائمتهم تضم (التمثيل العريض من الشمال إلى الجنوب). وربما هذا هو السبب الذي جعل بعض المتنافسين وحتى لحظة كتابة هذا المقال، يخفون عن الناخبين أسماء مرشحيهم أو تسلسلهم الرسمي. الجزئية الثانية: البرامج الانتخابية للمتنافسين هي أضعف بكثير من مستوى الحدث المرتقب، بل ويفتقر البعض إلى برنامج ناجع أساساً، والشعارات العامة لمعظم التيارات متشابهة لحد الملل. إلى درجة أنني أستغرب كيف سيقوم الناخب بالتمييز والاختيار، إذا ما فكر ناخب معين أن يبحث بصدق بعيداً عن تأثير العشيرة، والاسرة والطائفة والقومية والدين. خاصة وأننا نفتقر إلى برامج مستقبلية قويمة لهذه الكيانات. فالاحزاب الرئيسية الكبيرة مطمئنة إلى أن لها قاعدة، تختارها –بغض النظر عن البرنامج-. أما الكيانات الصغيرة، فهي إما أن تقع في أحضان العشائر ورجال الدين أو قد تلجأ إلى شراء الاصوات كما نسمع في بعض وسائل الاعلام. والحقيقة أن الخطأ الذي يحصل هنا، هو أن الاحزاب والتحالفات الكبيرة هي الملزمة بعرض برامجها وإعادة ترتيب إستراتيجياتها، لأنها هي التي ستلعب الدور الاساسي بعد الانتخابات.
الجزئية الثالثة: ونتيجة الجزئيتين الاولى والثانية، تطفو مسألة ثالثة على السطح، وهي منح الدور الاكبر لزعامات العشائر ورجال الدين، وهنا الساحة والوقت المناسب للعب الانتهازيين منهم. مما يعني أن هناك مناطق كثيرة من العراق سيكون فيها "ناخب واحد" يقرر مصير مئات وربما آلاف الاصوات. فرئيس العشيرة أو رجل الدين في المكان الفلاني هو الذي سيقرر لمن تذهب أصوات أقاربه أو أتباعه أو مريديه...
معركة إنتخابية على التاريخ وليست من أجل المستقبل منذ أسابيع وأنا اتابع –كغيري من العراقيين- أوضاع الاحزاب والتيارات العراقية التي تدخل الانتخابات وما فعلته خلال الفترة الماضية بدءاً بتقديم قوائم مرشحيها وإنتهاءاً بالحملات الانتخابية. فأنتابني نوع من خيبة الامل. حيث أن عملية الترشيح وبالتالي الانتخاب لاينقصها الجو الغير آمن وظروف الشعب العراقي الصعبة فحسب، بل ينقصها فرصة منح الناخب المجال الكافي للتعرف على المرشحين والاحزاب والقوائم. فكل ما تعتمد عليه الاحزاب هي قاعدتها القديمة أو مناصريها، أما الكيانات الفردية فهي تعتمد بدورها على شبكة علاقاتها الاجتماعية والعشائر. وهذا يعني أن التيارات أو الكيانات المتنافسة تعتمد فقط على تاريخها... لأن تاريخ تلك الكيانات هو الذي سيجلب لها الاصوات ويجمع حولها الناخبين. ما معناه أنه انتخاب للتاريخ أو للماضي المرتبط بهذه التيارات وليس إنتخاب للمستقبل الذي ستجلبه هذه التحالفات. فالانتخاب من أجل المستقبل، وهو ما افتقده في المعركة الانتخابية، فيعني أن المتنافسين كانوا مطالبين بعرض برامج سياسية مبنية على أسس ومخططات علمية وعملية. أما الشعارات الروتينية "إسترداد العراق عافيته، أو توفير الامن والامان، أو الدفاع عن حقوق المرأة، أو حقوق الانسان"، كلها شعارات جميلة... ولكن أحداً من المتنافسين لم يعرض على الناخب برنامجاً متكاملاً، يقنعنا بكيفية تحقيق هذه الاهداف. وبما أن مهمة الجمعية الوطنية القادمة ستكون كتابة الدستور... فما الذي يمنع هذه التيارات المتنافسة من أن يقدموا الان لنا رؤيتهم أو نموذجهم للدستور القادم، لأن الناخب يتوجه إلى صناديق الاقتراع لإختيار من ينوب عنه في كتابة هذا الدستور. وهذا يعني أن تقديم نماذج أو على الاقل أفكار مقترحة حول الدستور القادم الان وضمن المعركة الانتخابية، سوف يمنح الناخب فرصة التعرف على شكل الدستور المرتقب في حالة نجاح هذا التيار أو ذاك من ناحية، ومن ناحية ثانية سوف يلزم ذلك التيار أخلاقياً أن لاينصل من وعوده الوردية بعد الانتخابات، لأن الجماهير التي ستختار ذلك التيار ستكون قد إطلعت على أفكار أولية نشرها حول الدستور إنبثقت عنه، وسوف تطالبه أن لاينحرف هذه الصيغة. إن طرح الافكار الناضجة عن مسودة دستور قادم خلال الحملة الانتخابية، ربما أهم بكثير من هذه القوائم ذات (التمثيل العريض)، وأهم طبعاً من الاتهامات وحملات التعرية. فبهذه الحالة لن يمانع إبن طائفة أو قومية أو مدينة أن ينتخب قائمة، إذا ما وجد أفكارها حول الدستور المطروح تلائم تطلعاته. وهذا ما أسميه إنتخاب من أجل المستقبل. فماضي الشخصيات وتاريخهم أو نضالهم السابق –رغم التقدير الشديد- ليس كافياً لتشريع دستور نموذجي يلائم البيئة والنكهة العراقية ومستقبل العراق.
تقييم الاستراتيجيات بعد الانتخاب إذا ما نظرنا إلى الحالة العراقية والظروف الصعبة التي يمر بها البلد، فمن الممكن غض النظر عن هذه الحلقة الناقصة من الديمقراطية التي ننشدها، إذا ما قامت التيارات الفائزة والخاسرة في الانتخابات بتقييم إستراتيجياتها للعام الانتقالي قبل البدء بالعمل في أروقة البرلمان. كأن تضع هذه التيارات نفسها في موقف التحضير للإنتخابات، وليس في موقف الاحتفاء بالفوز والتمتع بالسلطة. أما التيارات الخاسرة فعليها أن تضع نفسها في موقف الرقيب المتتبع لما سيجري بين جدران البرلمان، فتنبه من خلال وسائل الاعلام وبشكل بناء إلى أية مواقف قد لاتكون مفيدة لمستقبل العراق، لأن إنتخاب حزب أو تيار معين وحصوله على أغلبية أصوات الشارع العراقي لايعني أن كل ما سيفعله هذ التيار هو بالضرورة صحيح وسليم. والتيارات التي ستنجح في الانتخاب بحاجة إلى وضع إستراتيجية عمل جديدة في ظل الحرية والعمل الديمقراطي، وعليها أن لاتنسى بديهية مفادها أن الشعب سوف يقييم عملها بعد سنة من خلال صناديق الاقتراع. ولكون هذه السنة الانتقالية أهم من أية مرحلة أخرى، لأنها سوف تقر دستوراً دائمياً، فهي سنة تتطلب حتى من الناخب العادي أن يتابعها بأدق تفاصيلها ومجرياتها حماية لمستقبل العراق.
__________________________ * كاتب عراقي مقيم في المانيا
#ميرزا_حسن_دنايي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكرة من أجل تثبيت حقوق الاقلية الدينية للكورد الايزيديين وح
...
-
مراحل التحول السايكوسوسيولوجي وتأثيرها في مستقبل العراق
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|