أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة















المزيد.....

الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1074 - 2005 / 1 / 10 - 10:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العقلية أحادية الاتجاه ليست سمة يختص أو ينفرد بها شعب بعينه دون باقي الشعوب، ويحتكرها عبر توالي العقود وعلى مر التاريخ، فرغم أن للظاهرة مقوماتها المادية والبيئية والبيولوجية البشرية المحلية هنا أو هناك، وبدرجة قوة أو بأخرى، كما أن هنالك مقومات مضادة، تدفع باتجاه انفتاح الفكر، ونمو ملكاته النقدية، قد تختص بها بيئات وشعوب بقدر أكبر من غيرها، إلا أن البشرية جمعاء قد مرت بمراحل في مسيرتها الحضارية، دفعت باتجاه أحادية الفكر على حساب نمو العقلية النقدية، القادرة على المراجعة والانتقاء، بل والإبداع والتجديد، فبعد انغلاق مرحلة القبلية، جاءت العصور الإمبراطورية، والتي توالت فيها سيادة الإمبراطوريات مترامية الأطراف، والتي استدعت الفكر السياسي التوحيدي، يجسده إمبراطور واحد، وفكر واحد غير قابل للنقد والتمحيص، صاحبه ربما كنتيجة التوحيد الديني، الذي غزا العالم بالتوازي مع المد الإمبراطوري المتعاظم، منذ حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، بظهور قمبيز الأشوري ثم الإسكندر المقدوني ويوليوس قيصر الروماني، فيتحول "يهوه" إله العبرانيين، من إله خاص وغيور لشعب إسرائيل، إلى إله واحد تبنته المسيحية ثم الإسلام، لتظلل رايته أغلب أنحاء المعمورة أكثر من خمسة عشر قرناً أخرى بعد الميلاد، ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تتصدر المطلقات والمقدسات الاجتماعية والسياسية والدينية، ويسود اليقين المعرفي، ويتوارى الشك والنقد، بدافع الخوف والتقية، أو لعدم الإقبال علية، وعدم حاجة المجتمع لخدماته، لكنه بالطبع لا يُستأصل تماماً من التربة. .
ومع عصر الكشوف الجغرافية والثورة الصناعية، وتنامي التجارة العالمية كضرورة مادية فرضتها المرحلة الحضارية، بدأ انقشاع ضباب الانغلاق الفكري الدوجماطيقي الذي خيم على العالم، وكان من الطبيعي ألا تتسق درجة هذا التراجع في جميع أنحاء المعمورة، حيث توقف الأمر على المقومات المحلية، مع أو ضد الاتجاه العام للمرحلة.
نعرف جميعاً أن العقلية العربية البدوية، والتي تفشت في منطقة الشرق منذ ألف وأربعمائة عام، عقلية متمترسة ذات اتجاه واحد، لا تعرف الأخذ والعطاء، محاصرة بين المدح والهجاء، وبين الغزل والرثاء، أي تترضض بين قطبين ثابتين، فالشعر بحق هو ديوان العرب، والشعر مونولوج وليس ديالوج، إرسال من مرسل واحد، إلى متلقي سلبي لا تخطر على باله، ولا تتيح له إمكانياته العقلية المراجعة، ولا يتعدى الأمر على أحسن الفروض الرفض الكامل أو القبول الكامل، أي الاستحسان أو الاستهجان، وليس في التراث العربي ما يماثل محاورات أفلاطون، وأسئلة سقراط المحيرة الدافعة للتأمل، فليس هنالك من حيرة في العقل العربي، فكل الأمور مسطحة وساذجة، سذاجة وتسطح الصحراء العربية الجرداء، بالطبع لا يخلو تعميمنا هذا من تجاوزات واستثناءات، شأن كل التعميمات، فلم يعدم العرب الخارجين على السائد، والمتمردين عليه، فجماعات ما عرف بالصعاليك مثلاً، لم تكن مجرد عصابات سطو ونهب، فقد تضمنت في كثير من الأحيان، كما في حالة عروة بن الورد، تمرداً وجودياً على النظام السائد وقيمه.
نعرف أيضاً من التاريخ أن العقول التي تأثرت بالعقلية اليونانية الجدلية في عهد الدولة العباسية، قد تم استئصالها إما أدبياً أو فيزيقياً، بدعاوى الكفر والزندقة أو ما شابه، وربما كان الإزعاج الأكبر الذي سببته هذه العقول، واستدعى القضاء عليها، ليس ما أتت به من مقولات تخرج عن المألوف أو الدارج، وإنما أنها قد أثارت ما يستدعي التأمل أو الحيرة، وتهدد حالة الاسترخاء والاطمئنان واليقين المعرفي السائدة، بقدر ما هددت سدنة الإفتاء المتربعين على تكاياهم، يغترفون من كنوز الحكمة، التي تتخم أجولة يحملونها متى غدوا أو راحوا، يقذفون بها في كسل وثقة، جمهوراً ساكناً، يتلقفها حامداً شاكراً، دون أدنى قدر من شغب أو مراجعة.
هذا ذاته ما حدث مع النخب التي تأثرت بالتيارات الغربية، التي هبت على الشرق بعد حملة بونابرت على مصر، ومن خلال ما سميناه موجات الاستعمار، حتى ما قبل الحرب العالمية الثانية، والتي كانت كفيلة – لو وجدت تربة صالحة – بتعمير العقول التي خربتها ثقافة البادية، وتشمل الجيلين الأول والثاني من الليبراليين العرب، وأشهرهم د. طه حسين، جميعهم تم محاصرتهم وتكفيرهم لنفس السبب، لأنهم يضعون شعوبهم في وضع يحتم عليهم مراجعة الذات، والعقل العربي يركب ناقة، تغز في اتجاه واحد، ولا قدرة لها على التراجع أو المناورة.
كان من الطبيعي والحالة هذه من حصار للعقل النقدي، الذي لا ينمو إلا في بيئة ليبرالية، أن تخرج القوى العلمانية بعد الحرب الثانية من رحم الثقافة الدوجماطيقية السائدة، لتتبنى الأيديولوجيات الوطنية والأممية (الماركسية) بذات النهج، فتفرغ الجدل الهيجلي – الماركسي من ديناميكيته، لتضعه على ظهر الناقة العربية، فكان القوميون العرب والبعثيون والناصريون، ثم هل علينا التأسلم السياسي، فاختلفت المقولات، لكنها تسير بذات آليات العقلية أحادية الاتجاه.
لكن الصورة الواقعية لم تكن في الحقيقة بمثل القتامة التي صورتها السطور السابقة، فقد كان للفكر النقدي رموزه في شرقنا حتى في أحلك الظروف، ولا أظن أن الأمر اقتصر على بضع أفراد هنا أو هناك، استطاعوا القفز فوق الأسوار، وتنسم هواء الحرية، ومعه ملكة النقد العلمي للذات، ولكل ما قيل ويقال، لكن أيضاً على مستوى الجماهير، التي تظنها النظرة المتعجلة، غارقة في يقينها وجمودها، لابد وقد تعرضت في الربع قرن الأخير لتأثيرات الفكر والثقافة العالمية، أن بدأ حيز ولو ضئيل من عقلها، يعمل بذات الطريقة التي أنجبت الثقافات الواردة، نحسب أن هذا قد حدث ويحدث، لأن إشاراته بادية لا تخطئها عين خبير، ولأنه من غير المقبول أو المتصور، أن نفترض أن العقل الشرقي قد من حجر صوان لا يستجيب لأي مؤثرات، مهما بلغت قوتها وبريقها.
فالأمر لحسن الحظ ليس مرهوناً فقط بمجموعة الأفكار السائدة، وإنما أيضاً بالنظم الاقتصادية والاجتماعية، وهذه تحركت باتجاه منظومة الحضارة الغربية أو العالمية، إن طواعية أو كرهاً، ورغم ضآلة هذه الحركة، إلا أن تطور عمل العقل الشرقي كان بنسبة أقل، لكنه يقيناً قد تحرك، وعلى مستوى الجماهير العريضة، وإن اختلفت الحالة من أمة لأخرى، نقول هذا رغم ما نراه من ردة ثقافية وفكرية، تلفت الانتباه إلى درجة قد لا تجعلنا نلحظ التطور في الاتجاه نحو نمو عقل نقدي، وإن كان في طور مبكر.
من هنا خطورة ما تمارسه نظم الحكم العربية، التي تطلق على شعوبها أبواق التنفير من الجديد القادم، تأجيلاً ليوم هي متأكدة أنه قادم لا محالة، والمفارقة أن هذه الأبواق، التي خير مثال لها قناة الجزيرة الفضائية، لا تجسر على مقاومة مد التطور الحضاري المادي، بل هي نموذج يحتذى به في تبني واستغلال التطور التكنولوجي في عالم الاتصالات، لكن رسالتها تنحصر في مقاومة التغيير الفكري والقيمي الملازم بالضرورة، للنتاج الحضاري والتكنولوجي الذي يصر ويتلهف عليه الجميع.
هنا أيضاً نزعم أن المقاومة التي تبديها شعوب الشرق وأبواق الدعاية الإعلامية ضد تيار الليبرالية الجديدة، لا ينجم بالأساس من رفض لما تبشر به من مستقبل جديد، ولكن تحاشياً لما تثيره من نقد ومراجعة للسائد، وهو ما لم تتعوده العقلية الشرقية اليقينية المطمئنة، والخشية من الليبرالية الجديدة، ليست فقط من رموزها، وهم مجموعة من الكتاب العزل، لكنها خشية من هامش بدأ يتسع ويتغلغل، على مستوى الجماهير القلقة والمتذمرة من أوضاعها المتردية، وهي ترقب دول العالم، بما فيها الصين وجنوب شرق آسيا والهند، تتقدم نحو مستقبل أفضل، محققة إنجازات مرموقة، بفضل حرية ليبرالية تتفشى في مجتمعاتها الناهضة.
هذا السعار الموجه ضد الليبرالية، من أبواق التخلف الجاثم، مثل قناة الجزيرة وأشهر برامجها "الاتجاه المعاكس"، يحاول أن يطفئ بريق ضوء يتسلل في قلب دياجير الظلمة المطبقة على شرقنا المهدد بالخراب، فهل من المتصور أن تنجح مثل هذه المحاولات في معاندة مسيرة الحضارة، وفي الحيلولة دون شعوب الشرق ومستقبل أفضل؟!
بالطبع لا، ولكن علينا أن نعترف وندرك أن هذه المحاولات تؤدي بقدر أو بآخر إلى تعويق وتعطيل المسيرة، ولا ننتوي أن نخلص لدعوة للمصادرة على حق أولئك القوم في أن يعيثوا فساداً كما يحلو لهم، لكنني أدعو رموز الليبرالية الجديدة أن يتخذوا موقفاً من برنامج "الاتجاه المعاكس"، يجبر صاحبه على التحول به إلى "دعوة للحوار"، إلى مدرسة تعلم شعوب استراحت لليقين والرأي الواحد، كيف يمكن لها أن تراجع قناعاتها، وكيف تنتقي من القديم والجديد، ما يكفل لها الخروج من مستنقعات الجهل والتخلف والإرهاب، إلى آفاق رحبة، وسماوات مفتوحة، وحياة جديدة جديرة بأن تعاش.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
- مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
- أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
- البعض يريد كليباً حياً
- إبراهيم نافع والفاشيون العرب
- حوار مع صديقي الملحد -2
- الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
- المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
- حوار مع صديقي الملحد
- غلب حماري
- خواطر من عرس ابنتي
- ليس رداً على صنديد العروبة عبد الباري عطوان- العراق وفلسطين ...
- هموم مشرقية 2 - تقييم الذات بين الحقيقة والادعاء
- الفتاوي القرضاوية ومصير العقارب
- !شيراك يا سادة يغوص في الوحل، فهل من مغيث؟
- القتل أقصر طريق إلى الجنة
- هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة
- إلى حضن العروبة يا عربنان - طقطوقة
- هل حقاً كلنا مقتدى وكلنا بن لادن وكلنا صدام؟
- الظاهرة الصدامية


المزيد.....




- هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي ...
- هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
- ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
- محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح ...
- إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
- سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
- الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
- تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف ...
- هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
- نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة