|
حول توزيع الموارد النفطية على الشعب؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3638 - 2012 / 2 / 14 - 12:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طلع علينا النائب السابق لرئيس الجمهورية، الدكتور عادل عبدالمهدي، بمقال طريف يطالب به توزيع الموارد النفطية على أبناء الشعب، كحل لمشكلة الفقر في العراق. والفكرة ليست جديدة حيث سبقه بها آخرون، إذ منذ سقوط حكم البعث الفاشي عام 2003 رحنا نسمع نداءات تطالب بتوزيع الثروة النفطية على الشعب وفق المادة الدستورية 111التي تقول بـ" ملكية الشعب للنفط والغاز". وقد حاول هؤلاء تفسير هذه المادة بطريقة عوجاء وعوراء لصالحهم، فاتخذوا منها ذريعة لتضليل الشعب، والتزلف للجماهير لأغراض انتخابية وفق مقولة (قول حق يراد به بالطل).
فأول من تبنى هذا الموقف، ونادى به هو الدكتور أحمد الجلبي، رئيس حزب المؤتمر الوطني، في حملته الانتخابية عام 2005 كمحاولة منه في دغدغة مشاعر الناس ليفوز بأصواتهم. ولكن هذه اللعبة لم تعبر على العراقيين "المفتحين باللبن، ويقرؤون الممحي، وما بين السطور!!". طرح الدكتور الجلبي هذه الفكرة وهو يخاطب أهل البصرة قائلاً لهم أن واردات النفط ستعود لهم لأنهم أولى بها من غيرهم!! وفكرة الجلبي مقتبسة من تجربة توزيع موارد النفط في ولاية ألاسكا الأمريكية، حيث وزعوا سندات تمليك أسهم الشركة النفطية على سكان الولاية، وكل مواطن منذ ولادته يستلم عدداً من الأسهم، ويفقدها عند الوفاة، دون أن يعرف الجلبي وغيره من أصحاب هذه الدعوة أن لكل بلد ظروفه الخاصة، ولا يمكن استنساخ التجارب. ومع كل تأكيداته ورفعه لهذا الشعار، فشل الجلبي فشلاً ذريعاً في حملته الانتخابية، إذ لم يصدقه أحد، لأن أبناء الشعب ليسوا مغفلين إلى هذا الحد، وبالتالي لم يحصل الجلبي على أي مقعد في البرلمان في تلك الانتخابات.
واليوم يحاول الدكتور عادل عبدالمهدي، أن يجرب حظه بنفس اللعبة التي فشل بها الجلبي، دون أن يستخلص الدرس القاسي، أن هذا الشعار هو فاشل وقد أكل عليه الدهر وشرب، ولكن يبدو، ومع الأسف الشديد، أن السيد عبدالمهدي، ورغم أنه متخصص في الاقتصاد، لم يدرك مخاطر رفع هذا الشعار البائس، وتأثيره المدمر على الشعب ومستقبله فيما لو طبق لا سامح الله.
فما هي أضرار توزيع الموارد النفطية على الشعب بهذا الشكل الذي اقترحه الجلبي وقلّده السيد عبدالمهدي؟ نحن نعرف أنه بعد الغزو صدامي المجرم للكويت، فرضت الأمم المتحدة الحصار الاقتصادي الدولي على العراق، وبموجبه تم إيقاف تصدير النفط العراقي كلياً، الأمر الذي ألحق أشد الأضرار بالشعب وأذله. لذلك، قامت المعارضة العراقية في الخارج آنذاك بحملة مطالبة المنظمة الدولية بالسماح للعراق بتصدير كمية من النفط لتلبية احتياجات الشعب الضرورية، وبذلك يكون ضرر الحصار على حكومة صدام وليس على الشعب. فصدر قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ المسمى (برنامج النفط مقابل الغذاء Program Oil for Food) وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. وقامت الحكومة آنذاك بتوزيع بطاقات التموين التي بموجبها كان المواطن يستلم كمية من المواد الغذائية لتبقيه حياً. وهكذا صار مصير العراقي معلقاً بهذه البطاقة التموينية، وبيد الحكومة، وأن حياته وحياة عائلته مهددة بالخطر فيما لو شكَّت الحكومة بولائه لها، وبذلك صار العراقي يعيش ليأكل، ولا يأكل ليعيش.
واليوم يطالب عبد المهدي بتوزيع الموارد النفطية على الناس بحجة حل مشكلة الفقر، والتخلص من ترهل أجهزة الدولة!!. وهذا يعني تعويد المواطنين على الكسل والخمول والاعتماد الكلي على ما تأتيهم من موارد النفط وحسب الأسهم التي يمتلكونها في المؤسسة النفطية وحتى بدون عمل. أما اقتراحه الآخر وفي نفس المقال بفر ضريبة تصاعدية، فهذا الاقتراح هو الآخر فاشل، خاصة في مرحلة تفشي الفساد وعدم النزاهة، إضافة إلى كون هذا الاقتراح لو تحقق، فسيفتح أبواباً أخرى للنهب وسرقة أموال الشعب.
يتجاهل السيد عبدالمهدي، أن العراق بلد من بلدان العالم الثالث، وقد تركه حكم البعث الصدامي عبارة عن خرابة حقيقية بسبب حروبه العبثية، وسياساته الطائشة، وإهماله لصيانة وإدامة المنشئات الاقتصادية وبناها التحتية. فهذا العراق وبعد سنوات عجاف من الحروب والخراب الشامل، يحتاج إلى ثروات هائلة ولعشرات السنين لإعادة إعماره، وترميم ما يمكن ترميمه. ففي حالة توزيع موارد النفط على الناس وتعويدهم على الكسل والخمول، من أين ستأتي الدولة بالموارد الضرورية للإعمار، والصرف على مختلف الخدمات مثل التعليم، والصحة، والنقل، والأمن، والجيش، والمواصلات، ورواتب الموظفين وغيرهم من العاملين في مؤسسات الدولة......
ثم، إن الثروة النفطية ثروة ناضبة، وهناك جهود يبذلها علماء الغرب للحصول على الطاقة من مصادر بديلة عن النفط، ولذلك ليس مستبعداً أن يصبح مصير النفط كمصير الفحم، يمكن أن يتحول إلى ثروة بائرة تحت الأرض. فماذا ستعمل الأجيال القادمة بعد أن تعودوا على موارد بدون عمل؟
والغريب العجيب، يبدو أن الدكتور عبدالمهدي يعرف هذه الأضرار فيما لو تم تطبق اقتراحه، إذ يعترف في ختام مقاله بخطأ هذه السياسة ونتائجها: "كاحتمالات ازدياد الكسل والتسول والفوارق الطبقية ...وتحول المواطنين بشكل ما إلى موظفين لدى الدولة." يا دكتور إذا كنت تعرف هذه المخاطر، فما هي الغاية من طرح اقتراحك الفاشل هذا؟ ــــــــــ عنوان المراسلة: [email protected] الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشباطيون الجدد.. إلى أين؟
-
الهاشمي لعب دور حصان طروادة بامتياز
-
الصديق رياض العطار في ذمة الخلود
-
دكتاتورية الشيعة وتهميش السنة، وهم أَم حقيقة؟
-
حول ماكنة الدعاية البعثية الغوبلزية في التضليل
-
من المستفيد من الإيقاع بين التحالفين الوطني والكردستاني؟
-
هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه؟
-
الشباطيون يعودون لانقلاب دموي جديد
-
محاولة لفهم العلمانية
-
العراق وأمريكا، نحو علاقات متكافئة وقوية
-
بشار الأسد في نقطة اللاعودة
-
فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
-
حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية
-
فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة
-
مخاطر حقيقية تهدد وجود الشعب العراقي
-
لماذا المطالبة بفدرالية المحافظات الآن؟
-
أيتام صدام يبكون على القذافي
-
قراءة في كتاب الأستاذ الدكتور فرحان باقر
-
من المسؤول عن المحاصصة (رد على حميد الخاقاني)
-
هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|