|
آساطير ألأولين: ألإله ألمُخلِّص
كامل علي
الحوار المتمدن-العدد: 3637 - 2012 / 2 / 13 - 10:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
آساطير ألأولين: ألإله ألمُخلِّص إنّ تاريخ الدين والاسطورة هو صراع الذات مع الموت. ففي المراحل الاولى كانت الذات مسحوقة امام الموت والعالم الاسفل كان مسيطرا جبارا لا مهرب منه ولا فكاك من اسره الابدي، في سلسلة اساطير الاولين بحثنا عقائد ما بعد ألموت لحضارات وادي ألرافدين ( السومرية والبابلية والآشورية) ووجدنا بأنّه لا يوجد في عقائد ما بعد الموت ألرافديني ثنائية ألجنّة وألجحيم، ولا ثنائية ألثواب وألعقاب، في ألاساطير ألرافدينية لاحظنا بأنّ إله ألخصب ( أنانا أو عشتار) أو أبنها ( تمّوز أو ديموزي) يؤسر أو يُختطف من قبل آلهة ألعالم ألأسفل ويبقى هنالك لفترة معينّة ثمّ يصعد ألى ألأعلى، هذا ألتناوب له علاقة بألمواسم ألزراعية من خريف وصيف وربيع وخريف، فألإنسان ألرافديني كان همّه ألأول طعامه ألأساسي ألقمح ودورة حياته فبعد موسم ألحصاد كانت تقام ألمآتم ألتي ترمز ألى جفاف ألأرض وموت الهة ألخصب ونزولها الى ألعالم ألأسفل، أمّا في موسع ألربيع فكانت ألأحتفالات تتسم بطابع ألسعادة وألفرح لقيام آلهة ألخصب من ألموت وتحرره من ألعالم الأسفل. إنّ حياة وموت اله الخصب (عشتار وفيما بعد تموز) كانت امورا موحية بأمل غامض وبعيد بإمكانية الخلاص من سيطرة الموت كما تخلَّصَ منها اله الخصب، فكان تعلّق قلوب العباد بهذا ألمخلّص ألحياتي تعبيرا عن النزوع الإنساني الأبدي نحو الخلود. ولم يكن ظهوره في ضمير البشر إلّا مظهرا من مظاهر صراع الظاهرتين الكونيتين في داخل الإنسان وخارجه، صراع الموت والحياة. إنّ نمو الديانات البعلية ( ديانات الخصب) واكتسابها غلبة شعبية على الديانات الايلية ( ديانات الآلهة السماوية البعيدة ) هو حالة تالية في تطور الدين والاسطورة، وحالة وسط تحتوي على شيء من التوازن بين الحياة والموت. امّا المرحلة الثالثة فتمثّل عن حق مرحلة انتصار الحياة على الموت في الدين والاسطورة. فما حصل لإله الخصب مرة سيحصل لكل عباده المخلصين ممن سيدخلون في ديانته، ويلتحقون به من دون بقية ألآلهة. قال السيد المسيح: ( من آمن بي وإن مات فسيحيا). فتحولت ديانة الخصب الى ديانة سرية وتحوّل مخلّصها الارضي الحياتي الى مخلّص روحي باسطا سيطرته من عالم الحياة الى عالم الموت ايضا، مقدما لعباده خلاصا لروحهم من سطوة العالم الاسفل. لقد بلغ الانتصار على الموت قمته في المسيحية التي اعطت الإنسان بعثا كاملا غير منقوص، حيث يعود الجسد سيرته الاولى بكل تفاصيله واجزائه. في مسيرة المسيحية الاولى في القرون الثلاث بعد الميلاد، حيث ارتبطت بكونها فرقة يهودية جديدة، تخبّط الفكر اللاهوتي قبل ان يتوصل لقرار حاسم في البعث وخلود الروح وشمولية الثواب والعقاب، فكانت فكرة خلود الروح تقتصر على المؤمنين الذين اتّحدوا بالمسيح فأعطيت لهم به الحياة، شأنها في ذلك شأن ديانات الاسرار التي كانت شائعة في الامبراطورية الرومانية في تلك الآونة كالاورفية وغيرها، حيث كان الالتصاق بمخلّص هو (ديونيسيوس أوغيره) شرط للخلاص وللحياة الجديدة. لقد بقيت عبادات وطقوس الديانات السرية خفية، وبإستثناء الاعياد الربيعية السنوية ولا نكاد نعرف إلّا القليل عمّا كان يجري بألفعل. من هذا القليل الذي نعرفه أنّ معظم هذه الديانات كانت تمارس نوعا من العشاء السري حيث يؤتى بحيوان هو رمز الإله الميّت فيُقتل ويؤكل لحمه ويُشرب دمّه كفعل رمزي للاتحاد الحقيقي بألإله. وفي غير هذه المناسبة فإنّ قتل هذا الحيوان وإكله يُحرّم تحريما باتّا. كما هو شأن حيوان الخنزير المحرّم أكله لدى السوريين من عبّاد ادونيس إلّا في طقس العشاء السري، ولدى المصريين أيضا إلّا خلال الطقوس المشابهة الخاصة باوزوريس. لقد تبنّى اليهود هذا التحريم اقتداء بالمصريين وجيرانهم السوريين دونما سبب واضح ثمّ جاء الدين الإسلامي وتبنّى تحريم اكل لحم الخنزير بتأثير الدين اليهودي. في هذا الجو الثقافي المشبّع بديانات الاسرار وجيش ألآلهة المخلّصين ظهرت المسيحية إلى الوجود. وكان اتباع المسيح في البداية هم قلّة من اليهود المشبّعين بالافكار المهدية التي كانت من القوة في تلك الآونة بين جماعة اليهود لدرجة كان معها ظهور المهدي المنتظر او المسيح المرتقب متوقعا في اي لحظة او ساعة لينقذ الشعب من إضطهاد الرومان ويبني ملكوت الرب في الارض. ولم يعتقد هؤلاء في البداية انهم انما ينتسبون لدين جديد بل نظروا لانفسهم دوما على انهم فرقة متميزة في الدين اليهودي القديم، ورغم ان المسيح قد خيّب آمال الكثيرين في ذلك الوقت عندما ترك نفسه للصلب والموت، فإنّ من بقوا على ايمانهم رأوا أنّ المسيح قد غادرهم لانّ الناس ليسوا بعد على مرحلة تؤهلهم للدخول في ملكوت الرب وان عليهم ان يتطهروا قبل ان يعود المسيح اليهم مرة ثانية. إلّا أنّ المسيحية لم تحافظ على وضعها هذا بإعتبارها فرقة يهودية صغيرة لاسباب متعددة: 1-لم يتحوّل للإيمان الجديد سوى قلة من اليهود. 2-تأخرت عودة المسيح الى درجة كبيرة. 3-تدمير مدينة اورشليم اثر ثورة مسلّحة قام بها اليهود على الرومان وتمّ بذلك توجيه ضربة قاضية على آمالهم القومية. 4-اثبتت تعاليم المسيح انها اشمل واوسع من التفسيرات اليهودية الضيّقة فبدأت بالانتشار في الاصقاع المجاورة والبعيدة. وقد انتشرت المسيحية اولا لدى بعض افراد الجالية اليهودية في اصقاع الامبراطورية الرومانية ولكنها ما لبثت ان انتقلت الى افراد من غير اليهود واخذت تشكّل تدريجيا دينا قائما بذاته منفصلا عن اليهودية. لقد ساعدت تعاليم بولص الرسول الى حد كبير في تدعيم هذا الانفصال. وبدخول الغرباء الى المسيحية اخذت المسيحية تغدوا غريبة عن اليهودية، ولمّا كان هؤلاء الغرباء بعيدين كل البعد عن فكرة المهدي او المسيح المنتظر الذي ينقذ شعبه من الاضطهاد ويعيد بناء امجاده، فقد قاموا بصياغة فكرتهم الخاصة عن المسيح وطبيعته ودوره. ولأنّ معظم من دخلوا في الدين الجديد كانوا اتباعا لديانات سرية كالاورفية وديانة ميثرا ولأنّ جوهر العام لهذه الديانات هو المسيطر على افئدة الناس في تلك الآونة، ولأنّ الرسل الاوائل ارادوا اجتذاب الجماهير باسلوب يالفونه وبصيغ اعتادوا عليها، (كل دين جديد يحافظ على بعض معتقدات وطقوس الشعوب التي ينشأ الدين في ظهرانيها فالإسلام مثلا حافظ على بعض الطقوس الوثنية الموجود في عبادة الحج كالصفا والمروة وتقبيل الحجر الاسود)، لهذا كله فقد نحت المسيحية منحى الديانات السرية وتبنت كل ما استطاعت ان تتبناه وما يتلائم معها من طقوسها ومعتقداتها. فتحوّل المسيح من مبشّر يهودي الى إله ميّت. وهو كمن سبقه من الآلهة المخلّصة اله ابن يلد من عذراء ويبشّر برسالة جديدة ثمّ يُعاني ويتألم ويموت، ولكنه يتغلّب على الموت ويصعد منتصرا من عالم الاموات حاملا الخلاص والحياة الابدية لمن آمن به، ولكن خلاص المسيحي لا يعتمد على الاتحاد الجسدي بالإله عبر مجموعة من الطقوس، كما هو الامر في الديانات السرية، بمقدار ما يعتمد على الحياة الاخلاقية القويمة. لقد كافح الدين الجديد كفاحا مريرا ضد الديانات الرسمية للامبراطورية الرومانية ولكن كفاحه الاقوى والامر كان كفاحا صامتا لا عراك فيه ولا دماء ضد الديانات السرية، ولعل اقوى تلك الديانات التي نازعت المسيحية فترة طويلة من الزمن على الفوز بقلوب الناس كانت ديانة (ميثرا) الشديدة الشبه بالمسيحية والواسعة الانتشار في شتى انحاء الامبراطورية الرومانية. هذا التشابه الغريب بين الديانتين اذهل المسيحيين انفسهم فاعتبروه من صنع شيطان رجيم. وكان الميثرويون يتهمون المسيحيين باقتفاء اثرهم واقتباس معتقداتهم، والمسيحيون بدورهم يردون الاتهام بمثله. ولعل اثرا من ذلك العراك الطويل ما زال ماثلا حتى ايامنا هذه وهذه بعض الامثلة: 1-العالم المسيحي يحتفل بميلاد المسيح يوم 25 كانون الاول وهو يوم الانقلاب الشتوي حيث تصل الشمس الى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، وحيث يصل النهار آخر اشواطه في القصر ويبدا بعد ذلك بالامتداد على حساب الليل. هذا اليوم بالذات أُعتبر دوما في الديانات الشمسية عيد ميلاد للشمس فيه تتجدد قوتها وتستعيد عزمها لمقارعة قوى الظلام.. لقد اقترنت عبادة ادونيس في سورية واوزوريس في مصر في فترات متأخرة بالشمس. فالسوريون ليلة 25 كانون الاول كانوا يحتفلون بمولد ادونيس فيجتمعون في المعابد ويصرخون عند منتصف الليل: ( لقد انجبت العذراء ابنا والنور ينتشر) والمقصود بالعذراء طبعا هو آلهة الشرق الكبرى عشتار او عستاروت التي يدعوها الساميون بالسيدة السماوية او ملكة السماوات، فالعذراء لقبها والعذرية جوهرها رغم كونها آلهة الحب، لانها معطاء دون ان تنقص. 2- عيد الفصح يعطينا مثلا آخر على تبني المسيحية للمناسبات والاعياد الخاصة بديانات الاسرار. فعيد الفصح هو عيد قيامة المسيح من بين الاموات بعد ما عاناه في يوم الجمعة الحزينة على درب الالام وقد تبنت الكنيسة يوم 25 آذار عيدا للفصح، وبذلك يكون بعث المسيح هو بعث ربيعي، شأنه في ذلك شأن آلهة الخصب القديمة والمخلّصين الاوائل وخصوصا اودونيس وآليس الذي كان يحتفل عُبّاده بقيامته فيما بين يوم 24 و 25 آذار. وبعيدا عن هذين العيدين الرئيسيين فاننا نجد اعيادا وثنية اخرى قد حُورت وأُسبغت عليها الصفة المسيحية، فعيد الآلهة ديانا قد اصبح عيد صعود السيدة العذراء، وعيد الاموات قد اصبح عيد القديسين. أمّا الام الكبرى او القوة الاخصابية الكونية المتمثلة بآلهة الحب العذراء فقد حلّت محلها السيدة مريم العذراء التي دُعيت بسيدة السماوات وهو اللقب الرئيسي للآلهة عشتار. وليس الصليب نفسه كرمز للسيد المسيح بالرمز الجديد في عالم الديانات القديمة، فقد اقترن الصليب بعدد من آلهة الخصب الشرقية القديمة، فهو رمز ألاله (أندارا) أحد اشكال الاله بعل او حدد، والصليب ايضا رمز الآلهة الفينيقية (بارات) آلهة مدينة بيروت، واحد اشكال آلهة الخصب عشتار او عشتروت. إنّ شكل الصليب هو الاصطلاح الدال على الخصب في اللغة السومرية.
مصادر البحث: ألإناجيل مغامرة العقل الأولى...... فراس السوّاح لغز عشتار...... فراس السوّاح
#كامل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آساطير ألأولين- الفردوس المفقود
-
أساطير ألأولين- قابيل وهابيل-الصراع بين المزارع والراعي
-
آساطير ألأولين- خلق ألإنسان
-
آساطير ألأولين- خلق الكون
-
آساطير ألأولين- حكايات جدتي وأسطورة أيتانا والنسر-2
-
آساطير ألأولين- حكايات جدتي واسطورة أيتانا وألنسر-1
-
آساطير ألأولين- عقائد ما بعد الموت-5
-
آساطير ألأولين- عقائد ما بعد الموت-4
-
آساطير ألأولين- عقائد ما بعد الموت-3
-
آساطير ألأولين- عقائد ما بعد الموت-2
-
آساطير ألأولين-1- عقائد ما بعد الموت
-
المعتقدات الانسانية الحديثة-الرائيلية-10- الانسانيات المتواز
...
-
المعتقدات الانسانية الحديثة-الرائيلية-9-المسيح
-
المعتقدات الانسانية الحديثة-الرائيلية-8- موسى
-
المعتقدات الانسانية الحديثة-الرائيلية-7 / أضحية إبراهيم
-
اسألوا اهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون
-
حوار صحفي مع ألخالق
-
المعتقدات الانسانية الحديثة-الرائيلية / 6- عمورة وسدوم
-
حوار مع قاريء حول كتاب ثورة ألشك
-
المعتقدات الانسانية الحديثة- 5-الرائيلية / برج بابل
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|