|
قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
أشواق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن القارئ لمشروع الشرق الاوسط بصيغته المطروحة و للأسس التي يقوم عليها و للأهداف التي من المفترض أن تطبيقه سيؤدي إليها و على رأسها الديمقراطية المنشودة ، لا يمتلك إلا أن يطرح على نفسه بقوة السؤال التالي وهو كيف يمكن للديمقراطية الشرق أوسطية هذه أن تفعل فعلها في عصر ما بعد الحداثة و ما هي ضمانة تحققها و هل هي قادرة حقا على إقامة تحديث بنياني يغير أوضاع الإنسان و الجماعة ؟ ، أم هي بالأحرى تحديث شكلاني يقوم على صيغة الانتداب الجديد أو نظام المحميات التي يلعب فيها نظام الحماية و الانتداب السياسي لعبة الاستعمار الجديد ؟ و لعل المفارقة المؤلمة هنا هو أن طارح هذا السؤال يمتلك مسبقا الإجابة عليه ، لكن مجرد طرحة هنا و هناك قد يعكس رغبته اللامتناهية في رفضها على شكل السؤال المستهجن دائما . و السبب في ذلك هو أن قارئ هذا المشروع المجدد المطروح حاليا لن يضطر لبذل الجهود الكبيرة لمعرفة النوايا الحقيقة له .ورغم انه كان قد سبق لنا أن قمنا بقراءة أولية لهذا المشروع في مقال سبق للحوار المتمدن أن نشره مسبقا لكننا و جدنا انه من الأهمية أن تكون هناك أكثر من قراءة له فالنقاط التي يطرحها هذا المشروع كثيرة متعددة تتجاوز الجانب السياسي إلى الديني و الثقافي و الإيديولوجي ......... الخ إن الشرق الأوسط هذا بفكرته القديمة المتجددة استخدم كمصطلح جغرافي سياسي يعبر عن المنطقة العربية الإسلامية ، وهذه الفكرة التي تؤسس لإقامة نظام إقليمي في الشرق الأوسط تعود إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي زمن تراجع نفوذ أوروبا في المنطقة و تصاعد دور الثنائية القطبية الأميركية / السوفيتية السابقة و ظهور سياسة الأحلاف و السيناريوهات الأميركية التي كانت تهدف إلى إدخال الكيان الصهيوني في النسيج السياسي و الاجتماعي للمنطقة ، إلا أن هذه الفكرة شهدت تراجعا في وقت لاحق مع اشتداد حدة الصراع العربي / الإسرائيلي من جهة و ظهور الدور المؤثر للعلاقات العربية / السوفيتية من جهة أخرى و اتخاذ المشروع النهضوي العربي موقعه الرئيسي في المشهد السياسي الإقليمي عبر التجربة الناصرية من جهة ثالثة وما واكبها من نهوض قومي عربي يؤسس لذلك المشروع الذي أقصى من الفكر السياسي ذلك الوهم حول التساكن بين الشيء و نقيضه في المنطقة العربية ، لكن و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق و انتهاء عالم الحرب الباردة بهيمنة الولايات المتحدة كقطب واحد على النظام الدولي ، و بنتيجة انحسار المد القومي العربي و انتشار ثقافة التسوية في الأوساط السياسية لمعظم النظم العربية و انطلاق مسارات العولمة عادت فكرة النظام الشرق أوسطي إلى الظهور في الخطاب السياسي الذي يؤسس لعملية التسوية حيث تشكل الفكرة و باستمرار المدخل لكي تأخذ إسرائيل موقعها عبر إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية سياسيا و اقتصاديا ، و يمكن لهذا الدور أن يتبلور و يصبح محوريا كما يخطط له بصورة عدوانية بارزة في إطار العولمة الامبريالية الراهنة بعد التحولات التي أصابت المشهد السياسي الدول في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي . و يمكن لنا أن نشير هنا إلى ابرز ثلاث وثائق سياسية تعيد التأكيد على الفكرة الشرق أوسطية بالتعارض مع العمل بدلالة مشروع الأمة العربية : أولها : اتفاقية كامب ديفيد التي اتخذت عنوانا لها و تضمنت نصا معبرا هو ( إن شعوب المنطقة تتشوق إلى السلام حتى يمكن تحويل موارد المنطقة البشرية و الطبيعية الشاسعة لمتابعة أهداف السلام و حتى تصبح هذه المنطقة نموذجا للتعايش بين الأمم .. إن التقدم في اتجاه هذا الهدف من الممكن أن يسرع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح في الشرق الأوسط ) . ثانيا : معاهدة وادي عربة الأردنية – الإسرائيلية في 26/10/1994 و التي دعت إلى بناء امن إقليمي و إيجاد منطقة خالية من التحالفات العدائية في الشرق الأوسط "و المقصود هنا تحالفات الأمن القومي العربي" ، كما دعت إلى تعاون اقتصادي إقليمي و تضمنت إلزام الطرفين إقامة مؤتمر الأمن و السلام في الشرق الأوسط على غرار مؤتمر الأمن و التعاون الأوروبي . ثالثا : تركيز شيمون بيريز في كتابه ( الشرق الأوسط الجديد ) على إيجاد شرق أوسط جديد من خلال التأسيس لسوق اقتصادية تشكل محور اختراق امني للدول العربية . إلحاقا لما سبق يتضح لنا أن مبادرة الشرق الأوسط هذه تعتبر امتدادا للمشاريع التي طرحت لاحتواء المنطقة فلقد دفعت الولايات المتحدة الأميركية مراكز دراستها الإستراتيجية بمبادرة الشرق الأوسط إلى الميدان الذي تريد التطبيق ، نعم لقد تفتقت الذهنية الأميركية عن إستراتيجية للتعامل مع مصادر ما تظنه خطرا قادما عليها إذا اعتبرت أن الإرث الثقافي و الديني للمنطقة الإسلامية (4) مهددا رئيسا لها و سببا في إزكاء روح التطرف و توليد الكراهية ، و حين حاولت بعض الدراسات معرفة الصلة بين فكر الجماعات و العمل الإرهابي ، بل وذهبت دراسات أخرى إلى تحليل العلاقة بين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و انتشار الحركات الإسلامية ، فإن خلاصات هذه الدراسات جمعت تحت مبادرة أكثر شمولا أطلق عليها أمس مبادرة الشرق الأوسط الكبير و لقد وردت التسمية العلنية لهذه المبادرة الجديدة للمرة الأولى عندما استخدمها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا في يناير 2004 و ذلك عندما قال ( إن إستراتيجيتنا المتطلعة للحرية تلزمنا بمساعدة أولئك الذين يعملون و يضحون من اجل الإصلاح على نطاق الشرق الأوسط الكبير ) . لقد أصبح مطلوبا اليوم من كل المهتمين في العالم العربي و الإسلامي أن يبحثوا في أمر يهدد الأرضية التي يجلسون عليها تاريخا وثقافة و حضارة ، لذلك وجب البحث و الدراسة و توضيح الأصول الدينية و العقدية للمشروع و كيف انه يرتكز على عمق ثقافي – لاهوتي سياسي يعود في إطاره العام إلى الأهداف الأميركية و الأهداف الصهيونية .
يأتي هذا التعبير الجديد ليلقي ضوءا جديدا إضافة إلى الأضواء السابقة على أن عنصر إرادة السياسية الخارجية ( إرادة المطامع ) ما تزال اقوي و افعل من عنصر إرادة السياسية المحلية ( إرادة النهضة و التقدم ) في جدلية المعادلة التي يتصارع عنصراها في تحديد المسارات النهائية لطبيعة هذه المنطقة من العالم في هويتها و تشكيلاتها السياسية و حراكها الاجتماعي و الثقافي(5) ، فعندما كان مركز المطامع الخارجية مازال يقبع على الشواطئ الشمالية للبحر الأبيض المتوسط في باريس و لندن أعطيت المنطقة العربية اسما حركيا أجنبيا ( الشرق الأوسط ) بديلا لاسمها التاريخي ( المنطقة العربي ) في ذلك الوقت لم يجهد الوعي الوطني في هذه المنطقة نفسه باقتحام أعماق طبيعة هذه التسمية الجديدة و البحث في مدلولاتها البعيدة منها و القريب ، ليطرح على نفسه جملة من الأسئلة ، ترى هل هذه التسمية الجديدة تعني برنامج عمل سياسي حضاري و اقتصادي للقوى الدولية ؟ ، أم هي مجرد تعبير عن مطامع و طموحات مقبلة ؟ ، أم هي ربما في نظر البعض مجرد خلاف إيديولوجي في أقوى الاحتمالات أو خلافا لغويا في أضعفها ؟ . بقي هذا الوضع يتراوح بين هذه الحدود القصوى و الدنيا حتى دخلنا في الحقبة التاريخية الأحدث التي غطت الثلث الأخير من القرن العشرين ليثبت لنا بالعين المجردة أن تعبير الشرق الأوسط إنما كان عنوانا لبرنامج سياسي محوره المركزي الأهداف و المطامع الامبريالية و الكيان الصهيوني الذي أقيم في فلسطين ، و أما عناصر هذا البرنامج الحيوية فهي التركيبة السكانية و الثقافية و الدينية المعقدة للمنطقة ، و القدرة على تحويلها من عامل يغتني العرب بتنوع عناصره إلى عامل تفجير و تفكك يحول هذه المنطقة من وحدة حضارية سياسية كبرى إلى شظايا سياسية و حضارية و ثقافية تدور حول المركز المصطنع في المنطقة ( أي الكيان الصهيوني ) . وهنا نقول و للموضوعية إن العوامل السلبية العربية التي أثرت بشكل مباشر و غير مباشر في عدم توحد العرب و نهضتهم كانت توازي إن لم نقل تتفوق في قوتها على عوامل المطامع الخارجية فقد كان بديهيا بعد مسيرة الانحدار الفادح و الفاضح للخط البياني لمسيرة العرب المعاصرين السياسية و الحضارية أن ترتفع وتيرة المطامع الخارجية بعد أن انتقل مركزها إلى واشنطن و بعد استقرار و توسع الكيان الصهيوني و أن تستعاد كل المشاريع القديمة بعد إدخال التحسينات و التوسيعات المناسبة عليها و أن يرسخ الاعتماد على دور متزايد و متعاظم للكيان الصهيوني بعد أن اكتملت سيطرته على تراب فلسطين و بعد أن تراجع العرب عن دورهم الطبيعي في الصراع بل حتى عن وعيهم لمداه السياسي و الجغرافي . إن الشرق الأوسط هذا هو برنامج عمل سياسي و اقتصادي و ثقافي متكامل يتكون من عناصر مبرمجة ذات وجود مادي حي أمام أعيننا و هو برنامج لا يرتبط فقط بمبادرة جورج بوش بمعنى أنه برنامج مرشح للاستمرار و التقدم الحثيث نحو أهدافه البعيدة بغض النظر عن القيادة الحالية له ، و هو أيضا غير مرشح للفشل إلا إذا برز برنامج عربي مقابل يكون هدفه الأساسي هو نهضة العرب المعاصرة و ليس مجرد الدفاع عما هو قائم عربيا الآن . لمضمونه الثقافي يبرز بشكل واضح من خلال التطلعات الصهيونية لتغيير نظرة العرب إلى وجود إسرائيل كدولة من دون أن تبدل هذه الدولة " نظرتها العدوانية للعرب و بتعبير أخر على العرب أن يتكيفوا مع ما يدعى " مفهوم إسرائيل للسلام " من دون أن تغير الحركة الصهيونية معتقداتها و خياراتها الإستراتيجية و التطبيع الثقافي هو احد أبرز الخيارات الصهيونية المطروحة على العرب تحت شعار السلام و من شأن هذا الخيار أن يركز على إعادة صوغ تاريخ قضية فلسطين و الصراع العربي / الصهيوني و الحديث عن هوية شرق أوسطية و ليس عن هوية عربية في ظل الانتهاكات الدائمة و المستمرة لحقوق الإنسان و المواطن الفلسطيني . أما بعد الأمني فإننا نجده من خلال التأكيد الأمريكي على دور إسرائيل المحوري الذي يتم التعبير عنه بتمكين الكيان الصهيوني من امتلاك التقانة العسكرية الحديثة و تفوقها النوعي من اجل أن يكون لها دور مطلوب في المستقبل ، كما يؤكد معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية مع ما يدعى ضبط الأمن الإقليمي و مراقبة التسلح من خلال الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط كما يلحظ هذا النظام الإقليمي – الأمني دورا تركيا أيضا . و اليوم تعاد الصياغة لتأخذ شكلا أخر ، لقد انطلقت الإدارة الأميركية في طرحها للمشروع الجديد على الدول الصناعية الثمانية من تقريري التنمية العربية المقدم للأمم المتحدة في عامي 20002/2003 بحيث قامت هذه الإدارة بتوظيف ما جاء فيهما كمنطلق إيديولوجي لانتزاع موافقة أوروبية على مشروعها للشرق الأوسط الكبير في اجتماع الدول الصناعية الثمانية الذي انعقد في حزيران الماضي من هذا العام ، و ذلك لتصبح إسرائيل العامل المحوري في هذا المشروع بحيث تغدو المركز الرأسمالي الفرعي المعولم في المنطقة ، أن هذه المبادرة (6) تذكرنا بمعاهدة هلنسكي عام 1975 و التي ارتكزت على خطة متكاملة وضعتها أميركا بالتعاون مع دول حلف الأطلنطي من أجل نشر الديمقراطية ( كما تتدعي اليوم ) و احترام حقوق الإنسان و إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية في الاتحاد السوفيتي و دول أوروبا الشرقية ، والإدارة الأميركية تنطلق في مشروعها الجديد هذا و التي تظهره كمشروع إصلاحي تدعو إلى مساهمة أوروبانية من ثلاث أسس هي :
1 – تشجيع الديمقراطية و الحكم الصالح . 2 – بناء مجتمع معرفي . 3 – توسيع الفرص الاقتصادية و تحرير المرأة .
يبدو للوهلة الأولى أن هذه الأسس المطلوب انجازها عربيا لإعادة ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الكبير دعوات خيرة تركز على حقوق الإنسان و الديمقراطية و التنمية و المعرفة ، لكنها في الجوهر ليست إلا مقدمة للسيطرة الأميركية – الصهيونية على المنطقة مع استبعاد القوى الأوروبية و روسيا و الصين و اليابان(7) . إن القارئ لهذا المشروع سيتبن له من خلال الاطلاع على الملامح العريضة التي تعلنها أميركا في مشروعها جملة من النقاط الهامة أبرزها : إن هذا المشروع يهدف في الواقع إلى وضع الدول العربية تحت وصاية الولايات المتحدة ، و هذه الوصاية تتمثل في التخطيط الدقيق لمعالم التغير الذي تريد تحقيقه في بنية المجتمعات العربية في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة ، و لا تقتصر المسألة على التغيير بل تتعداها إلى الإشراف الدقيق على التنفيذ في كل الميادين التي اشرنا إليها ، بل و تتجاوز كل من التخطيط و الإشراف لأنها ابعد من ذلك فهي تحرص على أن يتم الأمر من خلال إدارتها مباشرة و عن طريق التمويل المباشر من الدول الأوروبية . إن بنية التقرير الأساسية تقوم على أساس الأحكام والتقويمات التي وردت في تقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002/ 2003 ، ومن المعروف أن التقرير الأول الذي احدث دويا إعلاميا صاخبا و أصبح مرجعا لإدارة الرئيس بوش في مشروع الشراكة الأميركية العربية و الذي سبق لوزير خارجيته السابق كولن باول أن أعلنه و خصص له 90 مليون $ كان موضوعه خلق الفرص للأجيال القادمة ، أما التقرير الثاني فقد كان موضوعه إقامة مجتمع المعرفة . إن اعتماد المشروع الأميركي بشكل أساسي على هذان التقريران يمثل حيلة بارعة في الواقع و ذلك أن الخبراء الذين صاغوا المشروع أرادوا أن يوجهوا رسالة محددة للنخب و الجماهير العربية مفادها أن أميركا لم تفعل سوى التصديق على كل الانتقادات العنيفة التي وجهها التقريران لمسيرة التنمية العربية ، بل أنها تتبنى صوغ المشكلات السياسية و الاقتصادية و الثقافية كما حددها التقريران ، وهكذا أرجع المشروع الظواهر السياسية و الثقافية و الاجتماعية العربية و التي أدانها كل الباحثين و المفكرين العرب و أبرزها الفكر المتطرف و الإرهاب إلى محض أسباب داخلية تتعلق بالافتقار إلى الديمقراطية و نقص معدلات العدالة الاجتماعية و ضيق آفاق فرص الحياة أمام جيل الشباب . هذا الوضع غير العلمي للمشكلة يتجاهل تماما تأثير العوامل الخارجية في إشعال وقود الفكر المتطرف في الوطن العربي و هو الذي أدى إلى تصاعد موجات الإرهاب ضد النظم العربية ذاتها قبل أن ينقل نشاطاته التخريبية المدمرة إلى دول أوروبية ، و ما هو أخطر من كل هذا هو التجاهل المتعمد من قبل واضعي هذا المشروع للتهافت المنهجي و الأخطاء النظرية الفادحة و المبالغات النقدية التي اتسم بها هذان التقريران حتى لأبسط القواعد العلمية في مجال الدراسات المقارنة ، ناهيك عن اعتمادهما على بيانات غير موضوعية و مضللة لمؤسسة فريدوم هاوس (بيت الحرية ) في مجال تقويم وضح الحريات السياسية في الوطن العربي .
هذا من ناحية الأساس الذي اعتمد عليه الرئيس الأميركي عند طرحه لهذا المشروع ، أما فيما يتعلق بالمشروع نفسه فإن القارئ له سيجد أيضا جملة من الملاحظات يمكن لنا التنويه على بعضها : يجري توسيع الشرق الأوسط جيوسياسيا ليضم المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة عسكريا و سياسيا في الباكستان وأفغانستان ، و يمتد المشروع غربا ليشمل شمال أفريقيا حتى الأطلسي و هذا معناه أما أن يكون إضعافا للشراكة الأوروبية المتوسطية و خصوصا مع دول المغرب العربي ، أو هو مقدمة لمساومة أوروبية – أميركية ستحصل على شمال أفريقا ، كما كانت المساومات سابقا زمن الاستعمار الأوروبي و تقسيم مناطق النفوذ بين الدول الاستعمارية . تحتل إسرائيل موقع القاعدة الإستراتيجية ، فالاستعدادات الأطلسية جارية لاعتماد إسرائيل قاعدة مساندة لقوات حلف الأطلسي في الشرق الأوسط استكمالا لترتيبات التحالف الاستراتيجي الأميركي – الصهيوني منذ العام 1982 ، لذلك ليس مستغربا أن تركز الإدارة الأميركية على الأمن الإسرائيلي قبل أي اعتبار أخر بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، و يضرب بكل المواثيق الدولية حول حق الشعوب و حقوق الإنسان عرض الحائط . من يتصور أن الدول الثماني ستقدم لنا الإصلاح و الديمقراطية هكذا مجانا واهم تماما ، فبعد أكثر من عام على احتلال العراق ما هي هذه الديمقراطية الأميركية القائمة أساسا على انتهاك حقوق الإنسان ؟ ، و هل المحاصة الطائفية و العرقية و الاثنية في العراق تعبيرا عنها ؟ ، و هل هذه هي ديمقراطية جورج واشنطن و جون لوك و جان جاك روسو و غيرهم من الذين أسسوا لنظرية العقد الاجتماعي ؟ ، أم أنها الديمقراطية الملغومة التي ستنفجر ضد كل الطوائف و الأطياف السياسية في العراق كما ستفعل لاحقا في كل أرجاء الوطن العربي إذا استطاعت أميركا تنفيذ ما تريد .
و في المحصلة : ثمة ملاحظات كثيرة تتصل بالأبعاد الإستراتيجية للسياسة الأميركية في المنطقة تضع جدل الداخل و الخارج أمام عدد من الاعتبارات أهمها : مأزق النهضة العربية الماثل أمامنا في الوضعية الراهنة ، و لابد هنا من الإشارة إلى أن هذه الوضعية الكثيفة على حاضر الأمة العربية و مستقبلها فالعامل الحاسم في المحصلة في التجاذب بين الداخل و الخارج يبقى العامل القومي العربي الذي يمكن له أن يلعب دورا رئيسيا في مواجهة القوى الخارجية و ما تطرحه من مشروعات تستهدف الهيمنة الكاملة على الوطن العربي . في إطار العمل بدلالة مشروع الأمة و ليس بدلالة التقومن القطري الذي أثبت إخفاقه التاريخي تبرز أهمية و وراهنية الإصلاح الوطني الداخلي في مختلف الميادين في السياسة و العلاقات السياسية الداخلية و في الاقتصاد و الإدارة و التعليم و في النهوض بالإنتاج و التنمية المستدامة ، فإذا كان ثمة توافق وطني عام و شامل في بلادنا على إدانة الاستقواء بالخارج لتحقيق الإصلاح في أي من الأقطار العربية فان ذلك لا يعني و لو للحظة أن الإصلاح و إعادة تنظيم الحياة السياسية في البلاد و بناء الوحدة الوطنية الديمقراطية و دعم المقاومة الفلسطينية باتت قضايا مؤجلة لأن في هذا التأجيل ذاته و في المماطلة في انجاز الاستحقاقات الوطنية الملحة يكمن تفاقم الأزمة الداخلية التي تفترض معالجتها بدلا من إدارتها ( 8) . تأسيسا على ما سبق نستطيع القول إن هذا المشروع ليس إلا امتدادا لمشاريع السيطرة الاستعمارية على هذه المنطقة التي تعتبر من أهم مناطق العالم لموقعها الجيوستراتيجي و لأهميتها الاقتصادية للسوق العالمية و خصوصا منذ اكتشاف النفط الذي تختزن المنطقة معظم الاحتياطي العالمي منه ، فلقد بات معروفا للجميع أن هذه المنطقة كانت و عبر التاريخ مسرحا للصراع بين الإمبراطوريات الكبرى لدرجة انه ساد الاعتقاد بان من يريد إن يسيطر على العلاقات الدولية يجب أن يضع يده عليها ، و قد زاد من أهمية هذه المنطقة وجود كتلة بشرية كبيرة و متجانسة فيها أدت دورا حضاريا في العصور الوسيطة و استطاعت أن تهيمن لمراحل طويلة على العلاقات الدولية ، و في الرؤية الغربية فان هذه الكتلة البشرية التي باتت تزيد على الـ 200 مليون نسمة و تقطن في مساحة تقارب الـ 14 مليون كم في منطقة تشكل ملتقى للقارات و الحضارات و تتمتع بثروة نفطية تشكل 60% من الاحتياطي العالمي و بثروة حالية تتراوح بين 800 و 1000 مليار دولار و يمكنها بفضل تجانسها الثقافي و الحضاري و في حال استجمعت عناصر قوتها و تكاملها أن تهدد المصالح الغربية و تحرم القوى المهيمنة عالميا من مصدر مهم من مصادر قوتها و رخائها المتأتي من نهب ثروات هذه المنطقة ، بل إن هذا الوضع يعيد إلى الأذهان صورة الأوضاع في عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية و ما يستدعيه ذلك من تداعيات في شان إعادة النظر في مجمل عناصر تكوين النظام الدولي الراهن و هذا ما لا يمكن إن تسمح به هذه القوى و تعمل على إجهاضه والحؤول دون تبلور مقوماته و هو ما يفسر التعامل الغربي الحذر مع محاولات النهوض و التكامل العربيين لاسيما و أن الاقتراب الغربي من العالم العربي و الإسلامي كان دائما لغويا و ألسنيا ، و يمكن لنا التأكيد على هذه الفكرة من خلال استعادة حقيقة تسارع الدول الاستعمارية في منتصف القرن الثامن عشر لإجهاض محاولة محمد علي لتوحيد مصر و بلاد الشام و كذلك تبلور مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين على خلفية إيجاد كيان بشري غريب في المنطقة . لقد ارتبطت مختلف المشاريع المطروحة لصوغ المنطقة وفق المصالح الاستعمارية بالتجزئة و بالكيان الصهيوني باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين لاستقرار هذه المصالح و حمايتها و لم يكن مصادفة هذا التزامن بين اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور مطلع هذا القرن أو بين قيام الكيان الصهيوني و أنظمة التجزئة العربية منتصف هذا القرن و ها هي اليوم تجري عملية إعادة صوغ المنطقة وفق مشروع النظام الشرق أوسطي لتفتيتها على أسس جديدة بالارتباط مع ترسيخ جذور الكيان الصهيوني فيها و احتلاله موقعا متميزا في إطار هذا النظام ، و المشروع الشرق أوسطي هو مشروع الولايات المتحدة أساسا و يندرج في سياق محاولاتها لإحكام سيطرتها على المنطقة العربية لتعزيز وضعها الاقتصادي من جهة و لتكريس هيمنتها على النظام الدولي من جهة ثانية في مواجهة القوى الصاعدة ألمانيا في أوروبا و اليابان و الصين في أسيا ، و يأتي امتدادا لمحاولاتها السابقة لإزاحة النفوذ الأوروبي من المنطقة و امتدادا لمشاريعها التي طرحت تحت شعار ملء الفراغ حينا أو أمن الخليج حينا أخر ،و قد اكتملت ملامح هذا المشروع منذ عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نتيجة للمتغيرات الدولية الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي كما أسلفنا و تداعيات حرب الخليج و من ثم هيمنتها على النظام الدولي الجديد و تمركزها العسكري في منطقة منابع النفط و طرق إمداداته . في ضوء هذه التطورات رأت أميركا أن الفرصة سانحة لفرض مشروعها على هذه المنطقة الحيوية الهامة الأمر الذي دفعها إلى استعجال مخططاتها لفرض نظام إقليمي جديد متفرع من النظام الدولي الذي باتت تهيمن عليه منطلقة في ذلك كله من أن نظام التجزئة السابق لم يعد يلبي حاجات التطور الموضوعي الحالي ، و انه لم يعد يتناسب مع مسار العولمة و التكتلات الكبرى و متطلبات الشراكة المتعددة الجنسية و خصوصا في ضوء التداخلات الاقتصادية و التكنولوجية و نظام الاتصالات والمعلوماتية العالمي و بحسب مارتن انديك فقد أدركت أميركا ضرورة إعادة هيكلة المنطقة بما يتناسب مع هذه التطورات و هذا يعني إعادة إنتاج التجزئة في حلة جديدة بحيث يجري تعميق انفصال المشرق العربي عن مغربه و تذويب المشرق العربي في شبكة العلاقات العميقة التي يمكن أن تنشا بينه و بين الدول المتوسطية غير العربية و خصوصا إسرائيل ، و بالتالي يقوم كيان فوق قومي أو متعدد القوميات و تنشا هوية شرق أوسطية من شأنها طمس الهوية العربية و تسنح الفرصة للكيان الصهيوني لان يتحول إلى عضوا طبيعيا في النادي الشرق أوسطي وفق صياغته الجديدة . أي أن النظام الإقليمي المقترح سيخضع للتنميط الذي يتناسب مع النموذج السائد على الصعيد الدولي : النموذج الذي تحاول الولايات المتحدة بوصفها القطب المهمين تعميمه في العالم باسم الحداثة و والعصرنة و الحريات و حقوق الإنسان و اقتصاد السوق و الإنسان العالمي و الاعتماد المتبادل . و ثمة أسباب كثيرة تدعو إلى الاعتقاد بان هذه القيم التي تستخدمها الولايات المتحدة بمعايير مزدوجة وبما يتفق و مصالحها ليست سوى غطاء لمحولاتها تهميش البعد الحضاري العربي و تعميق عناصر التجزئة في المنطقة لتعزيز سيطرتها عليها بوسائل حديثة تناسب التبدلات في عوامل أحكام السيطرة و التغيرات في عناصر اكتساب القوة في عصر العولمة الاقتصادية و التكنولوجية و الإعلامية .
إن قراءتنا لهذا المشروع سوف لن تكتمل برأينا ما لم ترافقها قراءة أخرى للمرتكز الأساسي الذي تتدعي أميركا أنه من أجله فقط تقوم بهذه المبادرة ألا و هي الديمقراطية (9) : تبدو الدولة الأميركية و كأنها حاملة القيم الديمقراطية و ساعية بجيوشها و ضغوطها المستندة إلى جبروتها من أجل تحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل بعدما توضح أن في الشرق الأوسط تعيش شعوب بربرية أو هي قريبة من ذلك من أفغانستان إلى المغرب و تعاني من أنظمة مستبدة حيث أظهرت أحداث 11 أيلول 2001 حسب الاستنتاج الأميركي أن التكوين القائم في تلك البلدان يؤسس لنشوء الإرهاب ، وأن مجمل القيم المستندة للدين الإسلامي تنتج الإرهاب الذي بات يهدد المدنية الحديثة و يسعى لتدمير القيم التي تقوم عليها الحضارة ، قيم الديمقراطية و الحرية و نمط الحياة لهذا كان يجب أن تمارس الدولة الأميركية رسالتها التي ألقاها عليها الله و التاريخ ، رسالة نشر الديمقراطية و الحرية و معاقبة الديكتاتوريين و المستبدين و تعليم الشعوب كيف تمارس تلك القيم الإنسانية النبيلة . هذا الخطاب المبني على حدث 11 أيلول يؤسس آليات القبول به انطلاقا من أن أميركا اكتشفت خطر الأصولية ( التي كانت تدعمها و تدربها ) لحظة تدمير مركز التجارة العالمي الأمر الذي فرض عليها التصرف بما يؤدي إلى إنهاء هذا الخطر و الذي كان يدور حول خيار من خيارين ، الأول : الحرب ضد الإرهاب ( التي أدت إلى احتلال العراق و أفغانستان ) ، و الثاني : تجفيف منابع الإرهاب عبر محاربة الاجتهاد الإسلامي السائد الذي يحض على الجهاد ، و تعميم إسلام متسامح الأمر الذي يعني التغيير الجذري لمناهج التعليم و من ثم نشر الديمقراطية ، و هو خطاب متماسك شكلا و مؤثر لدى القوى التي عانت الاستبداد السياسي و القمع الديني ، و يبدو جديا رغم كل الدمار و القتل الذي يمارسه الجيش الأميركي القادم لتحقيق مهمة إنسانية نبيلة و رغم كل العنف الدموي الذي يقارن بعنف الجيش الصهيوني و يتوافق معه حيث يجب أن نحتمل ذلك من اجل إعلاء قيم الديمقراطية و الحرية التي سوف تتحقق حتما لحظة القضاء على الإرهاب هذا الوهم الأميركي يتحول إذا إلى حلم واقعي رغم التشابه الشديد بين هذا الخطاب و الخطاب الاستعماري القديم الذي كان يؤكد على أن هدف الاحتلال هو تمدين الشعوب رغم أن سنوات الاحتلال الطويلة لم تؤكد ذلك على العكس كانت أساس الفارق الهائل القائم اليوم بين الأمم المتقدمة و الأمم المتخلفة التي باتت بفعل الاستعمار أمما متخلفة ( أي أن التخلف مفروض عليها من الخارج حيث كانت القوة السياسية و العسكرية و من ثم الاقتصادية الامبريالية هي العنصر المانع لانطلاق عجلة التطور الداخلي ) و بالتالي كانت سببا أساسيا في منع تحقيق الحرية و الديمقراطية و الحداثة . و إذا كانت الدولة الأميركية تعمل كذلك مستغلة قوتها من اجل فرض اقتصاد السوق في البلدان التي تحتلها أو في البلدان الأخرى التي يجب عليها التكيف مع اقتصاد السوق فإنها تكرس السيطرة الخارجية على الاقتصاد المحلي و بالتالي نهب الفائض المحلي الأمر الذي يقود إلى تعميق حالة الإفقار التي تعيشها الشعوب و تدفعها إلى حد الموت جوعا . إن مشروع الشرق الأوسط الكبير يركز على ذلك كمرادف للديمقراطية و الحرية و تمكين المرأة و دعم المجتمع المدني و تحديث نظام التعليم حيث يركز على التكيف مع شروط منظمة التجارة العالمية و على إطلاق حرية الخدمات المالية كما على كف يد الدولة في المجال الاقتصادي ، و التعامل مع الرأسمال الأجنبي على قدم المساواة مع الرأسمال المحلي بل و حمايته و تمييزه مما يقود إلى توسع حالة الإفقار و التهميش و البطالة و من ثم الرفض و النقمة و التوتر الاجتماعي و الصراع الطبقي حيث يصل التناقض إلى حده الأعلى بتبلور الطرفين المتصارعين . في هذا الوضع لن تكون الديمقراطية هي شكل السلطة التي تعمل الدولة الأميركية على فرضها بل تميل إلى تأسيس أنظمة استبدادية جديدة مرتبطة بالمافيات المحلية المتشابكة مع الشركات الاحتكارية الامبريالية ، فاحتكار الاقتصاد و نهب الفائض و منع صيرورة تطوير القوى المنتجة لا تتوافق مع الديمقراطية لأنها تؤسس لتفاقم الصراع و حدته و بالتالي إلى الميل الحدي لحسمه بالقوة ، و هكذا ستبدو الديمقراطية و إزالة الطغاة ( حسب تعبير جورج بوش ) مدخلان للنهب الاقتصادي و غطاء للسيطرة و الاحتلال و لتأسيس دكتاتورية جديدة ، الأمر الذي يفرض تحديد الهدف الإيديولوجي من الخطاب الديمقراطي و المغزى الذي يسكنه حيث سيبدو انه ليس للتحقيق أو أن جدية ما تحكم تحققه . انه خطاب له أهدافه الخاصة البعيدة عن مضمونه و المناقضة لها و في هذا الإطار يمكن لنا تلمس مستويين : الأول : رغم أن تاريخ الدولة الأميركية حافل بدعم الدكتاتورية و في الانقلاب على الأنظمة الديمقراطية ( تشيلي مثلا ) و رغم أن الدولة الأميركية لازالت تغض النظر عن انظم استبدادية فسنلحظ أن الخطاب الديمقراطي قد استخدم في مواجهة المنظومة الاشتراكية تحديدا طيلة القرن العشرين ، و سيبدو الجانب الإيديولوجي واضح في هذا المجال حيث سيكون الهدف هو الإفادة من حركة واقعية تسعى للقرمطة من اجل تفكيك الدولة الاستبدادية و ذلك لدفعها للتكيف و اشتراطات النمط الرأسمالي العالمي التي تنطلق من إلغاء دور الدولة الاقتصادي و الانفتاح المطلق على السوق و القبول بكل الآليات التي تفرضها الشركات الاحتكارية الامبريالية ، وهنا يكون الخطاب الديمقراطي هو خطاب تفكيك و تدمير دون أن يترافق و آليات بناء و دون أن يكون مقصودا بذاته أو أن يصبح ممكن التحقيق العملي ، انه خطاب إيديولوجي يخدم أغراض السيطرة الاقتصادية و النهب الاقتصادي ما دام يستخدم ككاشف لنقاط ضعف . الثاني : إن الهدف الأخر هو تشويه الديمقراطية ذاتها و افتعال كل مكنونات الشك في الخطاب الديمقراطي كونه خطاب امبريالي و هدف امبريالي ، و السبب الذي يفترض اللجوء إلى التشويه هو أن النضال الديمقراطي يكشف زيف ذالك الخطاب ، و لأن الديمقراطية الواقعية تتناقض مع المصلحة الامبريالية لأنها تسمح بكشف كل السياسات الامبريالية و آليات النهب الامبريالي ، بمعنى أن الديمقراطية الحقة ليست مطلب الرأسمالية في الأطراف بل على العكس إنها نقيضها لهذا تسعى إلى إثارة الشك حولها لكي لا تصبح من مكونات الحركة المناهضة لسيطرتها و نهبها ، معتمدة على عدم ملاحظة المناضلين في الأطراف أنها خاضعة لاستخدام إيديولوجي الأمر الذي يقود من قبلهم إلى ربط مواجهة السيطرة الامبريالية و الاحتلال برفض الديمقراطية ، و هذا الوضع يقود إلى تفكك الحركة المناهضة للسيطرة و الاحتلال و إلى هيمنة قوى سلفية من السهولة مواجهة خطابها كونها استبدادية و رجعية ...الخ ، و في الوقت ذاته تسهيل تأسيس سلطة استبدادية تابعة حيث تكون الديمقراطية قد أصبحت مجال رفض و خارج النشاط الواقعي . هنا يصبح الخطاب الديمقراطي ملتبسا و مجلب شك ، و تصبح القوى الديمقراطية مجال تشكيك كما يصبح النضال من اجل الاستقلال مرتبط بالاستبداد و النضال من أجل الديمقراطية مرتبط بقبول السيطرة الخارجية الأمر الذي يعزز الخطاب الامبريالي ذاته و يؤسس لممارسات و تصورات تعيق صيرورة التطور حيث الديمقراطية مسألة أساسية فيه و الوعي الديمقراطي جزء مهم في العقلانية الضرورية لتحقيقها . إذن المشروع الديمقراطي الأميركي ليس لتطبيق و هو غطاء لسياسات السيطرة و النهب و تعمية على الحرب التي تشنها الدولة الأميركية على العرب و العالم و هو المموه لتلك السياسة و هذه الحرب و إن كان يدغدغ أوهام الذين عاشوا وطأة الاستبداد و السطوة المطلقة للسلطة ، الديمقراطية ليست الهدف الامبريالي كما أنها ليست السبب في الحروب التي تخوضها الدولة الأميركية و لن تكون نتيجة من احد نتائجها إنها ضحية تلك الحروب من كل ما سبق نستطيع القول إن أميركيا تهدف من خلال ما تسميه بالاصطلاح الشرق الأوسط و ما تتدعيه من تشجيع الممارسة الديمقراطية في هذه المنطقة و تغيير النظم الحاكمة من نظم شمولية إلى نظم دستورية كل ذلك يهدف إلى أمرين أوضحت الفكرة الأميركية أحدهما و هو حماية الولايات المتحدة من خطر الإرهاب و التطرف و الهجرة غير الشرعية ، أما الأمر الثاني الذي سكتت عنه الفكرة فهو تامين مصادر النفط و ما يتعلق بتدفقه الطبيعي و كذلك سلام إسرائيل و أمنها ، و مهما كان الأمر و على الرغم من أن العرب لم يرفضوا أي تحولات ديمقراطية من حيث مبدأ الفكرة بحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون برهان غليون ( بل نحن الذين كنا و ما نزال نتهم الدول الغربية بخيانة مبادئها باستمرار بدعم الاستبداد و النظم اللاشعبية في المنطقة و لا يمكن أن نطالبهم اليوم بالعودة عن خطابهم في تعميم الديمقراطية بالمنطقة ) (10) إلا أن الحقيقة التي لا يمكن العبور من فوقها هي كيف تريد الولايات المتحدة من شركائها أصحاب الأنظمة الشمولية الذين دعمت بعضهم بل و في مرات عديدة خلقتهم أن يتخلوا عن أملاكهم الوهمية ( العباد و البلاد ) لينخرطوا في التصحيح الديمقراطي
يبقى أن نقول لأنفسنا ( 11) إن السؤال الذي يبقى مطروحا لا يتعلق في حقيقة الأمر بالماهيات و الأسماء و إنما بالوقائع و المسميات و السياسات الفعلية المنطوية على الصيغ المطروحة و السياقات و إرادات القوى المحددة للصياغات الفكرية و النظرية ، فبالرغم من كون الديمقراطية و الأنوار و الحداثة مسألة لا مندوحة عنها في هذا الشرق ، تظل المفاهيم النظرية بحاجة إلى مراجعة دلالية من الوجهة التأويلية ( البراغماتية ) لمعرفة مقاصد هذه المفاهيم في سيمياء المعرفة ، فما معنى الشرق أوسطية و ما معنى المتوسطية ؟ ، سنجد أن جميع هذه الصياغات تتلاقى في النظر إلى الشرق الأوسط بطريقة غريبة تمركزية تجعل من الشرق بتعبير ادوارد سعيد " شرقا مختلفا عن الغرب ، و موضوعا للذات الغربية المتعالية و المزودة بإرادة القوة و الاقتدار والمتحكمة بالقرار الفكري والعملي ( النظري و السياسي ). الشرق أوسطية بالمفهوم الغربي لا ترى في هذه المنطقة من العالم و لا تريد أن ترى ديمقراطيات على صورتها و إنما ديمقراطيات كيانية ضعيفة مداراة دول نفط تشبه جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية أو دويلة فلسطينية بمواصفات الحكم الذاتي للسكان ( لا الأرض ) في أحسن الأحوال و أنظمة ملكية دستورية توارثية يمكن التحكم بها من خلال آلة الدولة . يبقى لنا أخيرا أن نشير إلى التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية في إقامة مشروعها و التي يمكن لنا أن نذكر أبرزها ( 12) : الممانعة الكبيرة التي تبديها الحكومات العربية لفرض التغيرات السياسية و الاقتصادية بسبب الشبهات التي تحوم حول سياستها لاسيما أمام انحياز أميركا المكشوف لإسرائيل الأمر الذي يقوض ادعاءاتها بفرض الديمقراطية و الازدهار في الشرق الأوسط المواجهة التي قد يتعرض لها هذا المشروع لاسيما في المرحلة المستقبلية من قبل بعد الدول ، لاسيما و أن النهج الأحادي و المتأسس على تكريس الهيمنة الأميركية يتجاهل حاجات و مواقف الأطراف المعنيين المحليين و الدوليين على الصعيد الإقليمي و الدولي . الرفض الحالي للمشروع لاسيما في ضوء التجاهل الأميركي المتعمد لإيجاد و إعطاء الأولوية من أجل حل الصراع العربي – الإسرائيلي من مختلف وجوهه(13)
إن الادعاء الأميركي بالالتزام بنشر الديمقراطية بما ينطوي هذا الكلام على الاعتراف بالتعددية السياسية و نشر الحريات السياسية و عودة الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب المعارضة يفضح ما تتدعيه أميركا بالديمقراطية و يثبت صحة ما أوردناه مسبقا بناء على : 1 – إن المبادرة الأميركية لنشر الديمقراطية هي مبادرة انتقائية سبق للحكومات العربية أن جربتها في المنطقة ، فهذه المبادرة لا تنفتح على المعارضة الإسلامية خوفا من وصول الإسلاميين إلى الحكم . 2 – إن التجربة الديمقراطية الأميركية في العراق متعثرة و هو ما صرح به الرئيس الأميركي نفسه و ذلك على الرغم من التبشير الكبير بأن يصبح العراق نموذجا يجب أن تحتذي به بقية الدول العربية . 3 – إن المساعي الأميركية لنشر الديمقراطية تصطدم مع نزعة الرئيس إلى تغيير العالم الإسلامي عنوة إلى جنة الديمقراطية مع أن العالم الإسلامي لا يريد أن يدخل هذه الجنة بضربات الهراوة. 4 – برأينا يبقى السؤال الأهم في إطار هذه المبادرة و هو كيف يمكن للمحتل أن يصبح شريكا في إطار التحول الديمقراطي المنشود ؟ .
إن شعوب المنطقة العربية و مهما تكن معاناتها من غياب الديمقراطية و الشفافية يصعب عليها أن تصدق أيديولوجيا الديمقراطية و الحداثة الموعودة تحت وطأة حروب الغزو و التدمير و سياسات القهر و الترويع من نوع ما تجري الآن في فلسطين و العراق .
المراجع : 1 –قراءة ثقافية في الشروع الشرق الأوسطي – مهدي نجار – موقع اليكتروني www.znet.com 2 – العولمة و الشرق الأوسط الكبير – موقع اليكتروني –www.almowaten.org 3 - الشرق أوسط الكبير و الأوسطية العربي – الموقع الاليكتروني السابق . 4 - مبادرة للتحول الديمقراطي – عبد الماجد عبد الحميد – الموقع الاليكتروني السابق . 5 - الشرق الأوسط الموسع – استمرار التحدي الحضاري – موقع اليكتروني ـ الموقع السابق . 6 - الشرق أوسط الكبير أسئلة تبحث عن أجوبة – الموقع السابق . 7 - تقريرا التنمية العربية المتهافتان أساس مشروع الشرق أوسط الكبير المواطن موقع منظمة حقوق الإنسان . 8 - ماجد كيالي – شؤون الشرق الأوسط – عدد 36 – 12/2004 9 - الخطاب الديمقراطي في الشرق الأوسط الكبير – نفس الموقع السابق 10 - - مجلة النور – عدد 156 – أيار 2004 11 – الشرق أوسطية الجديدة – موقع اليكتروني – www.znet.com 12 - المشاريع الشرق أوسطية دوافعها و أبعادها و إشكالياتها – ماجد كيالي – البيان الإماراتية – 29/6/2004 13 - الشرق الاوسط الكبير – أسئلة تبحث عن أجوبة – 16/2/2004 – موقع اليكتروني www.almowaten.org
#أشواق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى روسيا
-
قراءة في عالم محمد أركون
-
منتدى المستقبل مهادنة مؤقتة بين الإصلاح السياسي و الإصلاح ال
...
-
قراءة ثانية في مشروع الشرق الاوسط
-
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
-
قراءة ثقافية في مشروع الشرق الأوسط الكبير
-
النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية
-
قراءة في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية
-
قراءة في قانون محاسبة سوريا
-
الانتخابات العراقية بين الواقع و المطلوب
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|