|
التعددية.. وتعديل المادة الثانية
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 3636 - 2012 / 2 / 12 - 15:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تبدو إحدى نتائج الانتخابات الكويتية أنها مثلت نكسة لمفهوم التعددية التي تحتاجها الديموقراطية في ظل ما يطرح راهنا من مطالب نيابية وحركية بتعديل المادة الثانية من الدستور. فمن دون التنوّع الثقافي والاجتماعي، يصبح الحديث عن الديموقراطية في ظل ضرورة الاختلاف المنتمي إلى مبدأ التعددية مجرد شعار خال من محتواه. وتعديل المادة الثانية، سواء من خلال نوايا مطلقيها، أو في حال تم بحث ذلك أو جرى إقراره، والذي يبدو مستبعدا جدا، هو تأسيس لتلك النكسة التي ستؤصل لواقع تشريعي أحادي قائم على نظرة تاريخية رافضة للتنوع الثقافي، وهذا الواقع التشريعي سيستند إلى رؤية مقدسة غير قابلة للتغيير إلا في حدود ضيقة جدا، مما قد ينتج عنه عبث في التنوّع الاجتماعي والثقافي الكويتي وخلق صراعات ثقافية وطائفية استنادا إلى محاربة التعددية في المجتمع. فبدلا من أن تسير المساعي السياسية في طريق المحافظة على تنوّع المجتمع ودعمه وإثرائه، ستسير جهود تعديل المادة الثانية، والقائمة على ثقافة "الشريعة أولا"، نحو خنق هذا التنوع وصولا إلى وأد التعددية، وهي ثقافة ستطرد تلك الداعية إلى "الإنسان أولا" الراعية بلا شك لشأن التنوع والتعدد. التنوع الذي يعيشه أي مجتمع، ومن ضمنه في الكويت، هو ضرورة أخلاقية وإنسانية، وأي مسعى لتخريب هذا التنوع هو عمل غير أخلاقي وغير إنساني، بل هو مسعى لنشر مختلف صور الرذيلة، ودعوة للعبث بالمكوّن الثقافي والاجتماعي للمجتمع، وسير في اتجاه تخريب التعددية التي تحتاجها العملية السياسية. وتجارب الأحادية الدينية ماثلة نتائجها بكل وضوح في دول الجوار ذات الشريعة الدينية الدستورية وغير الدستورية، حيث ساهمت في تهديد سلامة المجتمع وتخريب أمنه الاجتماعي وتعطيل التعاطي مع المنجز الثقافي العلمي الحديث. وبلا شك لن تتغير كثيرا نتائج معاندة روح التنوع ومحاربة صور التعددية في مجتمعنا عن تلك النتائج التي نراها عند مجتمعات الجوار. ثم، لابد من الإقرار بأن أكبر المتضررين من اللاتنوع هو منتج الحداثة الرئيسي، أي الفردية، في ضوء ما يشكله الفرد من حجر الزاوية في المجتمعات الحديثة. والمواطنة تبدو أوضح تجليات تلك الفردية، إذ ستتمزق صورها وسط ضغط الثنائيات الدينية، التي تتوزع أبرز تصنيفاتها التمييزية بين المسلم وغير المسلم، إضافة إلى تصنيفات أخرى تلعب دورها السلبي في المجتمع، كالتصنيف بالدرجة الإنسانية بين الرجل والمرأة. وفي ضوء تلك التمييزات سنبتعد كثيرا عن أصلٍ أصيل تتشكل في إطاره ثقافة حياتنا المعاصرة، ونعني بذلك حقوق الإنسان بوصفها مبادئ كونية، حيث ستتأسس إثر ذلك المعاداة لتلك المبادئ، التي لعبت ولا تزال تلعب دورا في حمايتنا من مختلف صنوف الانتهاكات الظالمة لحقوقنا، بما فيها حماية حقوق أولئك المدافعين عن تعديل المادة الثانية. وكأن دعوات التعديل وما يتبعها من لاتنوع تطالبنا بالسير بمجتمعنا لتنظيمه في إطار يناهض مبادئ حقوق الإنسان، بل تنظيمه وفق المخرجات التاريخية للشريعة، التي لا تخفي نواياها ولا أفعالها التمييزية. ففي ضوء استيعاب التنوع واستقبال التعدد تبدو تجليات الحياة الحديثة ظاهرة للعيان وواضحة في كل مناحي الحياة. وإذا ما جرى خنقهما سيتضرر الجميع بمن فيهم أصحاب التعديل. مجتمعنا يعيش التنوع، لكنه غير قادر حتى هذه اللحظة على تحويل ذلك إلى تعدد سياسي حقيقي. هو متنوع على صعيد الواقع، لكنه غير متعدد على صعيد الفكرة التي يجب أن تتغلغل في ثنايا الأذهان لتتحول إلى ممارسة حياتية في السياسة والاقتصاد والاجتماع. ومن شأن تعديل المادة الثانية أن يصعّب مرحلة التعدد، بل سيزيد الهوة بين التنوع والتعدد، خاصة وأن الثنائيات التي تنتجها الثقافة الدينية ستعزّز هذه الهوة. فتقسيم المجتمع إلى "نحن" و"هم" هو مسعى للتضييق على التنوع واتجاه لوضع العصا في عجلة التحول السياسي نحو التعدد. فإذا كان التعدد لا يزال صعبا في الوقت الراهن، فإن تعديل المادة الثانية سيصعّب الأمر بصورة أكبر. إن التعددية السياسية في إطار النهج الديمقراطي هي وسيلة أساسية لتعزيز عملية التنوع بحيث تساهم في طمأنة جميع الشرائح المكونة لهذا التنوع، وبالذات الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الثقافية والدينية، بأنها تعيش وتتعايش بصورة آمنة. فإحساس الأقلية بأن حقوقها الثقافية والاجتماعية محفوظة، لا يمكن أن يتحقق في إطار الأفكار المعشعشة في أذهان أولئك الداعين إلى تعديل المادة الثانية، بل يتحقق في إطار الأفكار العلمانية المستندة إلى آليات تؤمن بحق الأقلية في التعايش مع الأكثرية في مجتمع مشترك، دون هيمنة جهة على جهة أخرى، ودون إحساس الأقليات بأنها معرضة للإلغاء ثقافيا واجتماعيا، إلى جانب ضرورة وجود قدرة تشريعية واجتماعية لدى الأقلية على الدفاع عن نفسها وعن حقوقها. من دون وجود التعدد السياسي الملازم للتنوع الثقافي، لا يمكن التأسيس لنبذ ثقافة الخوف، سواء الخوف من الأكثرية أو من السلطة الحاكمة. وتعديل المادة الثانية هو مسعى لترسيخ هذا الخوف في المجتمع في ظل الراعي الثقافي الذي يقف خلف ذلك، والذي يطرح سلاحه التهديدي الدنيوي والأخروي بوجه كل من يعارض رؤاه، ضارباَ بعرض الحائط مختلف صنوف الاختلاف والتنوع الحديثة التي تتجاوز في مداها الرؤى الدينية الإسلامية (الفقهية)، خاصة حينما يتعلق الاختلاف والتنوع بالمسائل الثقافية الفكرية والحقوقية. فالتعديل يؤسس لمركزية سياسية وثقافية من شأنها أن تهيمن على الحياة بما يجعلها خاضعة لواحدية مقيتة عفا عليها الزمن. فالراهن الثقافي العالمي يتحدث عن الآخر الثقافي الذي لابد أن يسبق، أو في حدوده الدنيا، أن يلازم التعدد السياسي. وما أزمة الحديث المتبادل، المُهاجِم والمدافِع، عن "المهدي المنتظر" إلا أحد صور عدم تضافر جهود التنوع الثقافي من أجل أن تتجلى في التعدد السياسي.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلال والحرام
-
-كونا- وما أدراك ما...
-
الحقوق.. حينما تتسيّس
-
العقلانية والأخلاق
-
الأربعاء -الأبيض-
-
-الربيع-.. ونقد المثقف
-
الله وغرضية العالم
-
-الربيع- والحرية.. بين الديني والعلماني
-
-الربيع-.. ووردة الحرية
-
-الربيع- الكويتي.. والقيم الحديثة
-
بين العلم والمعرفة (3-3)
-
بين العلم والمعرفة (2 -3)
-
بين العلم والمعرفة (1-3)
-
التعايش.. والحداثة.. ورجال الدين
-
الإقصاء.. أي الهيمنة
-
قواعد اللعبة السياسية الجديدة في الكويت
-
الطاعة
-
المضي قدما في التغيير
-
العدالة والدين
-
الربيع العربي.. والسياسة الخارجية الكويتية
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|