|
نتائج العنف والاستبداد على الشعوب المقهورة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1073 - 2005 / 1 / 9 - 10:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حينما تتعرض الشعوب إلى عنف واستبداد متواصل خلال مسيرة حياتها، يتولد لديها شعور بالحقد والكراهية لكل أجهزة السلطة. ويؤدي ذلك مع الزمن إلى تنامي الدوافع والمسببات للانتقام من الظالمين، ويتمثل ذلك عبر أشكال متعددة ابتدءاً من الأشكال المبسطة وهي التعامل السلبي للمواطن مع كافة القرارات والأوامر التي تصدرها السلطة، وانتهاءاً بأشكال أكثر تعقيد من الاحتجاج والانتفاضة والكفاح المسلح..وغيرها. وحينئذ يتولد لدى المواطن الإحساس العميق بالخيبة والانكسار الذي يؤدي بدوره إلى إزالة الحدود الفاصلة بين أجهزة السلطة وممتلكات الدولة، مما يجعل سمة الانتقام العشوائي تنسحب على كل ما يمت بصلة للدولة. وينعكس ذلك على ماهية الأواصر التي تربط المواطن بالوطن، لتنامي شعوره بالغربة والمهانة والظلم داخل وطنه. ويعتقد ((مصطفى حجازي))" أن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يحس بالغربة في بلده، ويحس بأنه لايملك شيئاً (حتى المرافق العامة) هي ملك السلطة. وليست جزءاً من خدمات تقدم له..وعندما يعمد المواطن إلى تخريب المرافق العامة، أنما يود التعبير عن حجم عدوانيته ضد السلطة". لذا نجد أن حجم النهب والسلب والتخريب الذي يطال ممتلكات الدولة بعد سقوط السلطة المستبدة في المجتمعات المتخلفة، له تعبير عن حجم الرفض والانتقام الكامن في نفوس المواطنين ضد السلطة. وقد نعت العديد من السياسيين والمثقفين (الشعب العراقي) بنعوت غاية في السوء نتيجة عمليات السلب والنهب والتخريب التي طالت ممتلكات الدولة بعد سقوط الطاغية، وتلك النعوت والاستنتاجات تدلل على مدى التدني بمستوى الوعي بشؤون علم النفس والاجتماع. كما أنهم حملوا قوات الاحتلال المسؤولية لكونها لم تضطلع بمسؤوليتها لحماية ممتلكات الدولة، بل ذهب البعض بعيداً ليشكك بخطة قوات الاحتلال وسوء إدارتها للبلاد وعدم امتلاكها لتصورات واقعية ما بعد سقوط النظام المباد!. وحقيقة الأمر أن قوات الاحتلال لديها تصورات كاملة لما سيحدث من تخريب وعمليات سلب ونهب لممتلكات الدولة، بل أنها سهلة مهمات بعض المواطنين في عمليات السلب والنهب من خلال إزالة الحواجز والموانع عن تلك المؤسسات وأمام عدسات الإعلام والصحافة. وأنها لديها تصورات كاملة (بعكس ما يعتقد البعض!) لأنها تمتلك دراسات سيكولوجية عن الشعوب المقهورة، فلو تدخلت قوات الاحتلال لمنع عمليات السلب والنهب لمؤسسات الدولة التي تمثل بنظر الشعب العراقي المقهور مخلفات السلطة المستبدة لتحولت تلك الجموع الحاقدة والمحتقنة بشحنات الانتقام ضد قوات الاحتلال لاعتقادها في اللاوعي من يدافع عن ممتلكات الدولة فأنه يسعى للحفاظ على مرتكزات سلطة الاستبداد. لذا عمدت قوات الاحتلال على (تشجيع) المواطنين على أعمال السلب والنهب والتخريب لممتلكات الدولة خاصة الحساس منها والتي تمثل مراكز القهر لسلطة الاستبداد ذاتها، وذلك لتفريغ شحنات الغضب والحقد والانتقام من صدور المواطنين بشكل مباشر. وبشكل غير مباشر ترسيخ الشعور لدى المواطن أن هذه القوات ساعدته على الانتقام من جلاديها ومكنتهم من تخريب وسلب ممتلكاتهم، وهذا الشعور (خاصة في المجتمعات المتخلفة والعشائرية) يعني الحط من قدر وذات العدو وظاهرة السلب وانتهاك المحرمات في الذهنية والعُرف العشائري تعني إلحاق العار والخزي بمكانة العدو!. وحينما تأكدت قوات الاحتلال أن شحنات الحقد والانتقام قد أُفرغت تماماً من نفوس المواطنين، وتم امتصاص النقمة والحقد الكامن من خلال العبث بما يمثل السلطة المبادة، إضافة إلى الضغط الإعلامي الذي مارسته القوى الفعالة والواعية من الشعب. عمدت إلى إجراءات رادعة لفرض الأمن والحد من عمليات السلب والنهب لممتلكات الدولة، وبالضد من ذلك كان يمكن أن تتحول تلك الجموع الغاضبة والحاقدة على السلطة المستبدة إلى فصائل تقاوم قوات الاحتلال (لتصورها الخاطئ!) أن من يحمي ممتلكات السلطة المستبدة فإنه يحمي السلطة المستبدة ذاتها!. إذاً الأمر ليس كما يعتقد القسم الأعظم من السياسيين والمثقفين، أنها عملية فوضى وشغب وعدم وجود خطة متكاملة لقوات الاحتلال عن إدارة البلاد ما بعد الحرب. أنها عملية مدروسة بإحكام يشرف عليها علماء النفس والاجتماع للشعوب المقهورة في دولة عظمى تخوض حرباً على أساس دراسات علمية تشرف عليها مؤسسات متخصصة، وتنفذها المؤسسة العسكرية دون اعتراض عندما لايتعلق الأمر بشؤونها بالذات!. ويرى ((مصطفى حجازي))" أن الإنسان المقهور الذي يحمل السلاح دون ثقافة سياسية كافية وفي ظل وضع جديد، قد يقلب الأدوار في تعامله مع الجمهور أو مع من هم في آمرته فيتصرف بذهنية المتسلط القديم: يبطش، ويتعالى، ويتعسف، ويزدري، ويستغل قوته الجديدة للتسلط والاستغلال المادي والتحكم بالآخرين". إن الشعب المقهور لأمد طويل خلال مسيرة حياته ليس بوسعه الانتظار طويلاً على النظام الجديد ليحصل على المكاسب، بل يضغط ويعلن العصيان والتذمر ضد النظام الجديد ويطالب بإجراءات سريعة تُحسن من ظروف حياته. ويتولد لديه إحساس بأن النظام الجديد، يمتلك عصا سحرية لإجراء إصلاحات سريعة تدخل البهجة والسرور على حياته وتعوضه عن سنوات الحرمان والجوع التي عانى منها. والتقصير في هذا الاتجاه، يدفعه نحو الارتداد والمقارنة بين النظام القديم والجديد وغالباً ما تكون أحكامه واستنتاجاته غير منطقية وبعيدة عن الواقع!. عند هذه النقطة الحرجة من المقارنة لدى المواطن (المتخلف) المقهور لشؤون حياته في النظام الجديد تجعله يفقد الصواب بين أوجه المقارنة الصحيحة لكامل مسيرة حياته في النظامين. وإذا ما أخفق النظام الجديد في تحقيق إجراءات سريعة تُحسن من ظروف معيشة المواطن وتشعره بالأمان والثقة بالنظام الجديد، فإنه سيخسر الدعم والتأييد اللازم له. وهذا يؤدي إلى مزيد من الخيبة والانكسار والحقد ضد النظام الجديد، لشعور المواطن أنه قد استغل وخدع من قبل السياسيين من جديد!. ويعتقد ((مصطفى حجازي))" لايستطيع الشعب المقهور الانتظار طويلاً، أنه يريد نتائج عاجلة وآنية. عملاً ملموساً يطمئنه، إنه يريد حلاً سحرياً. ويريد استخدم السلاح كعصا سحرية تقضي على مخلفات الماضي الأسود البأس بغير رجعة". إن إخفاق النظام الجديد في إجراء إصلاحات جدية في بنية الدولة تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن، سيولد لدى المواطن إحساساً بالخيبة والانكسار وبوجود عناصر تمارس الإرهاب من النظام السابق وعودة بعضهم لاحتلال مراكز متقدمة في النظام الجديد دون أن يتعرضوا للمساءلة والحساب. سيولد حالة من الارتداد السلبي لدى المواطن ويجعله يغير من اصطفافه الجديد لصالح القتلة والمجرمين من النظام السابق. لأنه يشعر في أعماقه أنهم أصبحوا أمر واقع وحتى النظام الجديد غير قادر على إزاحتهم أو معاقبتهم!. هذا الواقع الجديد يجعل المواطن المقهور أن يفكر في تحقيق مصالحه الذاتية وعلى حساب الآخرين، لشعوره أن لاخلاص من واقعه المزري إلا الاعتراف بالقدر (وبالقوة التي لاتقهر!) لأعوان النظام المباد. إضافة إلى خشيته من أي جديد يطرأ على حياته، لأنه يتحاشى ما يحمد عقباه وما يعرفه ومعتاد عليه بالرغم من سوءه هو أفضل من جديد يجهله ويدفع بحياته إلى المجهول!. ينتظر الإنسان المقهور من النظام الجديد إجراءات سريعة، تغير من مسيرة حياته نحو الأفضل وتعيد ثقته بنفسه وبالوطن. وتجعله يلمس القصاص الذي يناله القتل والمجرمين من النظام البائد أمام المحاكم حتى يشعر أن الدولة الجديد، دولة عادلة وقادرة على توفير الآمان والمستقبل له ولعائلته.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحثالات والرعاع في المجتمع المادة الخام للإرهاب
-
موقف الفلسفة من الشعر والشعراء
-
سلطة الطغاة والشعوب المضطهدة
-
السياسيون وراء قضبان العدالة
-
أنماط الوعي والإدراك في الصراع الاجتماعي
-
إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة
-
مفهوم الثقافة والمثقف
-
الادعاء والتهويل المعرفي في الوسط السياسي والثقافي
-
صدر كتاب جديد للمؤلف صاحب الربيعي بعنوان (المثقف بين المهادن
...
-
البعد الثالث في التوجهات الجديدة في العالم
-
رؤية فكرية في النظرية والتطبيق
-
شرعية استخدام العنف في النظم الشمولية والديمقراطية
-
مفهوم الثورة والتحديث في المجتمع
-
التوجهات الأساسية في الفكر الليبرالي
-
الانتخابات وعملية إرساء أسس النظام الديمقراطي
-
العلاقة بين السياسة والاقتصاد في النظم الشمولية والليبرالية
-
ظاهرة النزاع والعنف في المجتمع
-
وزارة الموارد المائية العراقية ما لها وما عليها
-
العلاقة بين الكاتب والقارئ
-
مهام الكاتب ومسؤوليته كمثقف
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|