|
تمهيد لفهم قوة عقلك الباطن
همام الزياني
الحوار المتمدن-العدد: 3633 - 2012 / 2 / 9 - 19:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تمهيد لفهم قوة عقلك الباطن: إن مفهوم العقل الباطن أو ما يصطلح عليه أيضا العقل اللاواعي، اكتشف من طرف فرويد الذي جعل منه حجر الزاوية لكل نظامه، و هو يراه مصدر كل سلوكياتنا، و بالأخص تلك التي تصدر عن وعينا. فبخصوص العقل اللاواعي هناك شيء مؤكد، رغم اختلاف المنظرين حول تحديد تحديد تعريف مشترك له، و بيان طبيعته، و هو أن وجوده ليس موضع شك، و تم قبوله منذ سنوات عديدة من طرف النخبة العليمة. لنبسط الأمور، نقول أن العقل البشري مقسم إلى قسمين: - قسم واعي. - قسم غير واعي. فالمنطقة الواعية تكون نشيطة في فترة اليقظة، لتؤمن معظم الأنشطة الفكرية و اليومية، الأكل، إفراغ سائل في كأس لتناوله، وضع مخطط لصرف ميزانية، حساب مبيان القروض، التفكير في وضعية تحتاج لحل... في كل هذه الحالات تكون المنطقة الواعية من العقل هي المستخدمة، أما المنطقة اللاواعية فتكون مسئولة عن ضمان مختلف الوظائف الحيوية. فمثلا أنت لست مضطرا أبدا للتفكير في التنفس، كي تتنفس، و لو كان الأمر كذلك لحدث لك اختناق أثناء الليل، لتوقف منطقة الوعي عن العمل، لذلك فإن هذه الوظيفة الحيوية يراقبها العقل اللاواعي التي أسمينها المنطقة اللاواعية من العقل كي لا يفهم أن للإنسان عقلان إثنان، كذلك العقل اللاواعي يخزن كل الأحداث التي تحصل في حياتك، و يحدث ذلك بدون إرادتك، لذلك يمكن اعتباره القيم على أرشيف وجودك. ذاكرة العقل اللاواعي هائلة، إنه لا ينسى شيئا مطلقا، فعقلك اللاواعي هو الذي يجعلك تقع في حب شخص بدل آخر. في غالب الأحيان عقلك الواعي ينصحك ضد خيارات من مثل هذا القبيل، فيقول لك أن هذا الرجل أو هذه المرأة لا يملك من المؤهلات ما يسمح له بأن يستحق حبك، لكن رغم ذلك تجد نفسك، مضطرا لتنجذب نحو هذا المرشح الذي لا يبدو مثاليا. هناك حالة أخرى تؤكد الكلام السابق، فمثلا قد تكون مدخنا، وتريد فعلا الإقلاع عن التدخين، لكنك لا تستطيع، ففي جميع الحالات التي تشبه هته حيث تحاول إقناع نفسك لكن محاولتك تبوء بالفشل فمرد ذلك إلى العقل اللاواعي، الذي أدخل في قاعدة بياناته معطايات مخالفة تماما لما تريد ان تقنع بها نفسك، و حولها إلى عادات و سلوكيات يومية ، و الأكثر من ذلك أنه يقوم بتحصينها و الدفاع عنها، و هي التي تمنعك من تحقيق ما تريد إقناع نفسك به، و لحين ذلك يكون عقلك اللاواعي مبرمج بطريقة تتعارض مع ما تريده. تذهب إلى متجر ممتاز أو سوبر ماركت، و بشكل كله عفوية و ميكانيكية، تختار منتجا غذائييا أو منظفا، فهنا تكون أشبه بدمية أو الإنسان الآلي، لاختيارك مسحوق غسيل مثلا دون أن تفكر في اختيارك له. هنا أيضا عقلك اللاواعي هو الذي قاد يدك لتفعل ذلك، لماذا؟ لأنه برمج فيما مضى بتأثرك بوصلة إشهارية ، أو سياق اجتماعي، لأن أساليب الإشهار أشبه ما تكون بالتنويم المغناطيسي الذي يغيب الدماغ المعرفي الواعي. عقلك الباطن تتجلى قوته في عمله بدون علمك: فلنأخذ مثال امرأة غارقة في اخفاقاتها المتكررة، رغم أنها تصنف في خانة الموهوبين، و تعمل بجد، و تمتلك كل شيء في نظرها، وهبها الله تعالى مظهر خارجي رائع، تمتلك عمل مثيرا للاهتمام ،يدر عليها دخلا يغبطها عليه كثير من الناس، تبدو قد وفقت في اختيار شريك حياتها،و لديها دائرة من الأصدقاء المميزين، و بإمكانها الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر، لكن رغم كل هذا و لسبب غير مفهوم، فهي غير سعيدة؛ صارت تفكر في الانتحار، لازدياد حدة الاكتئاب لديها، و احساسها المستمر بأنها ستنهار، إنها كانت في نزوة من الإحساس بالشفقة على الذات، رغم أن الجميع حتى أقاربها لا يرى أي دليل على هذه الحالة السلبية، فالسياق يجعل منه مجرد إدعاء، فكيف يمكن أن نمتلك كل شيء لأنفسنا ثم تكون لدينا بعدها وقاحة إدعاء أننا لا نمتلك السعادة و أننا تعساء. و رغم هذه المعارضة المنطقية التي أبديناها، فإن هذه المرأة التي نصفها لا تكذب، و تصف حقيقة حالتها المزاجية بدقة و صرامة، غير أن عقلها الباطن هو الأقوى، فعلى الأرجح أنه حصل في يوم من الأيام على برمجة سلبية، تم تعزيزها بمرور الوقت، هي التي تحكمت في حالة هذه المرأة. العقل الباطن هو دائما الأقوى، و هو صاحب الكلمة الفاصلة و الأخيرة، طالما أن الموضوع لم يبرمج على النحو السليم أو بصيغة أخرى لم يبرمج بطريقة إيجابية. هل تعلم أنه معزز الأوهام العاطفية، هل تعلم أن أغلب الأمراض سببها العقل الباطن، بل من العلماء من يذهب بالجزم إلى أن كل الأمراض يبدأ تكونها في العقل الباطن، يبدو لك هذا مثيرا للدهشة، لكنه حقيقة لا مفر منها، و كثير من الأقوال و الحكم التي لها استناد علمي، تقول الشيء نفسه، مثل " السعادة هي حالة ذهنية"، و بهذا المعنى، و إلى حد بعيد يجب أن نقول أن الشروط الخارجية لا تعد عوامل حاسمة. الدليل على ذلك أن نضع نموذجين في وسط بنفس الشروط، لكن بحالتين ذهنيتين مختلفتين، فتكون النتيجة اختلافا متباينا في رد فعل كل واحد منهما، فأحدها تعامل مع الوضعية بارتياح دون " فقد الريش" كما يقال، و الآخر صار مشوشا و عان من اكتئاب حاد. و هكذا نقول أن الحالة الذهنية و الاستعداد العقلي من يحسم في تحديد رد الفعل و ليس شروط الوسط الخارجي. القدرة الفريدة للاوعي: إننا حين نقارن المنطقة الواعية من العقل بالمنطقة اللاواعية، فكأننا نقارن قمة جبل جليد عائم بالجزء المغمور منه، هذه الصورة تعطي فكرة وفية للقوة النسبية لمنطقتين من عقلنا. فالعقل الباطن هو الأكثر قوة، و إن اعتقد الإنسان أنه يحرك من طرف قوة إرادية. فقط عندما نصير على إدراك بين بقوة العقل الباطن، نستطيع أن نمتلك قدرة التحكم في مصيرنا، و نعيش حياتنا و فق رغباتنا و طوحاتنا.
#همام_الزياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة تحقيق الاهداف بالتفكير الإيجابي
-
إشارات لضرورة إدماج التطوير الذاتي في الوسط التعليمي
-
مخالفات ضد الصحة النفسية و التدريب على إصلاحها ( الحلقة الاو
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|